کیف نجد انفسنا ونحن ننتظر الامام الغائب عجل الله فرجه الشریف وما هو واجبنا وتکلیفنا فی هذه الفترة الزمنیة المهمة والحرجة من عمرنا الذی هو محسوب علینا ..
1 ـ انتظار الفَرَج
انتظار المؤمن للفَرَج أمرٌ حثّت علیه الشریعة الغرّاء، ورغَّبت فیه، ووَعَدَت فاعلیه حُسنَ الثواب، وقد تعرّضنا فیما سلف ـ وباختصار ـ إلى دَور انتظار الفَرَج فی تقویة ثبات الفرد المُسلم أمام النوائب وحوادث الزمان، ودوره فی لَفْت نظر المسلم إلى ضرورة إعداده نفسَه وتهیئتها وتزکیتها والارتفاع بها إلى المستوى الذی یؤهّلها للانخراط فی أصحاب الإمام المهدیّ المنتظر علیه السّلام، الذین وصفتهم الروایات الواردة بأنّ عقولهم وأفهامهم قد بَلَغَت من الیقین حدّاً صارت الغَیبة معه بمنزلة المُشاهدة، وأنّهم صاروا فی زمنهم بمنزلة المجاهدین بین یدَی رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم بالسیف (1).
ثواب انتظار الفَرَج
روی عن رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم، قال: أفضل أعمال أمّتی انتظار الفَرَج من الله عزّوجلّ (2).
وروی عن الإمام أبی الحسن الرضا علیه السّلام قال: ما أحسنَ الصبر وانتظار الفَرَج! أما سمعتَ قولَه عزّوجلّ وارتَقِبوا إنّی مَعکُمَ رقیب (3)، فانتَظِروا إنّی معکم من المنتظِرین (4) ؟ فعلَیکم بالصبر، فإنّه إنّما یجیء الفَرَج على الیأس، وقد کان مَن قبلکم أصبَرَ منکم (5).
وروى الشیخ الصدوق عن أبی عبدالله الصادق علیه السّلام، عن آبائه علیهم السّلام، قال: المنتظِر لأمرنا کالمتشحِّط بدمه فی سَبیل الله (6). وروى عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال: طُوبى لشیعةِ قائمنا المنتظِرین لظهوره فی غیبته، والمُطیعین له فی ظهوره، أولئک أولیاءُ الله الذین لا خوفٌ علیهم ولا هم یحزنون (7).
منزلة المنتظِرین لظهور الإمام المهدی علیه السّلام
روى الشیخ الصدوق عن أبی خالد الکابُلی، قال: دخلتُ على سیّدی علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السّلام فقلتُ له: أخبِرنی بالذین فَرَض اللهُ عزّوجلّ طاعتهم ومودّتهم وأوجب على عِباده الاقتداءَ بهم بعد رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم ( وساق الحدیث إلى أن قال: ) یا أبا خالد، إنّ أهلَ زمان غَیبته القائلین بإمامته والمنتظرین لظهوره أفضلُ من أهل کلِّ زمان؛ لأنّ الله تبارک وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغَیبةُ عندهم بمنزلة المُشاهَدة، وجعلهم فی ذلک الزمان بمنزلة المجاهدین بین یدَی رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم بالسیف، أولئک المخلصون حقّاً، وشیعتُنا صِدقاً، والدُّعاة إلى دِین الله عزّوجلّ سرّاً وجهراً (8).
وروی عن النبیّ صلّى الله علیه وآله وسلّم أنّه قال یوماً ـ وعنده بعض أصحابه ـ:
اللهمّ لَقِّنی إخوانی! فقال له واحد: أمَا نحن إخوانک یا رسولَ الله ؟!
فقال: لا، إنّکم أصحابی، وإخوانی قومٌ فی آخر الزمان آمَنوا بی ولم یَرَونی... لقد عَرَّفَنیهم اللهُ بأسمائهم وأسماء آبائهم مِن قبل أن یُخرِجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتِهم، لأحَدُهم أشدّ بُقیةً على دِینه من خَرْط القَتاد (9) فی اللیلة الظلماء، أو کالقابض على جمر الغَضا، أُولئک مصابیحُ الدُّجى، یُنجیهم اللهُ من کلّ فِتنة غَبراء مُظلمة (10).
وروی عن رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم أنّه قال: سیأتی قومٌ من بعدکم، الرَّجُل منهم له أجر خمسینَ منکم. قالوا: یا رسول الله، نحن کنّا معک ببدرٍ وحُنَین وأُحُد ونَزَل فینا القرآن! فقال صلّى الله علیه وآله وسلّم: إنّکم لو تحملون لِما حَمَلوا لم تصبروا صبرَهم (11).
وجوب انتظار الفَرَج
أکد أئمّة أهل البیت علیهم السّلام على وجوب انتظار الفَرَج، وأکّدوا فی أحادیثهم على أنّ الانتظار للفرج من جُملة الأعمال التی لا یقبل الله عزّوجلّ عملاً إلاّ بها، وأنّه من الدین الذی یُقبل به العمل.
وقد روی عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه دخل علیه رجل ومعه صحیفة، فقال له أبو جعفر علیه السّلام: هذه صحیفة مُخاصِم سألَ عن الدِّین الذی یُقبل به العمل، فقال: رحمک الله، هذا الذی أرید. فقال أبو جعفر علیه السّلام: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وتُقرّ بما جاء من عند الله، والولایة لنا أهل البیت، والبراءة من عدوّنا، والتسلیم لأمرنا، والوَرَع والتواضع، وانتظار قائمنا؛ فإنّ لنا دولةً إذا شاء اللهُ جاء بها (12).
وروی عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال ذات یوم: ألا أُخبرکم بما لا یقبل اللهُ عزّوجلّ من العباد عملاً إلاّ به ؟ ( قال الراوی:) فقلت: بلى.
فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله علیه وآله وسلّم، والإقرار بما أمر الله، والولایة لنا، والبراءة من أعدائنا... والانتظار للقائم (13).
اقسام المنتظرین للفَرَج
• منهم من ینتظر ظهور الإمام المهدی علیه السّلام وتحقّق الفَرَج على یدَیه هادفاً بانتظاره طاعة أمر الله تبارک وتعالى، سواءً بعَثَه على ذلک رجاء الثواب الموعود للمنتظرین أم لا.
• ومنهم من ینتظر، طاعةً منه لأمر الله عزّوجل والفوز بالثواب الدنیویّ أو الأخرویّ، ویکون قصد الطاعة مستقلاًّ، وقصد الثواب تَبَعاً.
• ومنهم من ینتظر بقصد الفوز بالمثوبات والمواهب الأخرویّة أو الدنیویّة، لعلمِهم بأنّ ظهور الإمام المهدی علیه السّلام سیَتْبعه ازدیاد النعم وسعة الرزق وطول العُمر، فهم إنّما ینتظرون الفوز بهذه المواهب، دون نظر منهم إلى إطاعة أمر الله تعالى.
• وآخرون منهم ینتظرون دون التفات إلى طاعة الله سبحانه ولا الفوز بالثواب دنیویّاً کان أم أخرویّاً.
ولا رَیب أنّ الصنفَین الأوّل والثانی یستحقّان الفوز بما ورد فی الروایات من المثوبات، وأنّ المؤمن ینبغی له أن یختار القسم الأوّل، بل یختار أعلى أنواع القسم الأوّل، فیهدف بانتظاره للفرج إطاعة أمر الله تعالى، سواءً فاز بالثواب الموعود أم لم یَفُز، مُقتدیاً بذلک بنهج إمامه أمیر المؤمنین علیه السّلام فی عبادته لربّه، فی قوله:
« إنّ قوماً عبَدَوا اللهَ رغبةً فتلِکَ عبادةُ التجّار، وإنّ قوماً عبدوا اللهَ رهبةً فتِلک عبادة العبید، وإنّ قوماً عبدوا الله شُکراً فتلک عبادةُ الأحرار » (14).
المنتظِر بقصد القُربة لا یستعجل الظهور
وإذا کان الفرد المؤمن منتظراً للفَرَج بقصد القُربة إلى الله تعالى، لم یضرّه تَقَدَّم هذا الأمر أو تأخَرّ، وقد وردت روایات کثیرة عن أئمّة أهل البیت علیهم السّلام تؤکّد هذا المعنى، منها ما روی عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال: هَلَکتِ المَحاضیر. قال (الراوی): قلتُ: وما المحاضیر ؟
قال: المستعجلون؛ ونجا المُقرّبون، وثَبَت الحصن على أوتادها ـ الحدیث (15).
وروی عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: اسکُنوا ما سکنت السماوات والأرض، فإنّ أمرکم لیس به خَفاء، ألا إنّها آیة من الله عزّوجلّ لیست من الناس، ألا إنّها أضوَأُ من الشمس لا تخفى على بَرّ ولا على فاجر، أتعرفون الصُّبح ؟ فإنّها کالصبح لیس به خَفاء (16). وروی عن عبدالرحمن بن کثیر، قال: کنتُ عند أبی عبدالله ( الصادق ) علیه السّلام یوماً وعنده مهزم الأسدیّ، فقال: جَعَلنی اللهُ فِداکَ، متى هذا الأمر، فقد طال ؟ فقال: کذب المتمنّون، وهَلَک المستعجلون، ونجا المُسلِّمون، وإلینا یصیرون (17).
وإذا کان المؤمن المنتظِر لظهور إمامه بمنزلة المجاهد بین یَدَی رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم (18)، وإذا کان المؤمن الذی یموت على هذا الأمر منتظراً للفَرَج کمن هو فی الفسطاط الذی للقائم المنتظَر علیه السّلام (19)، فما الذی یدفع به إلى استعجال أمر الله ؟!
روی النعمانی عن أبی عبدالله الصادق علیه السّلام فی قول الله عزّوجلّ: أتى أمرُ اللهِ فلا تَستَعجِلوه (20)، قال: هو أمرنا، أَمَرَ اللهُ عزّوجلّ أنْ لا نستعجل به حتّى یؤیّده [ الله ] بثلاثة [ أجناد ]: الملائکة، والمؤمنین، والرُّعب؛ وخروجُه علیه السّلام کخروج رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم، وذلک قوله تعالى: کما أخرجَک ربُّکَ مِن بیتِکَ بالحقّ (21).
2 ـ تحصیل معرفة صفات الإمام وآدابه وخصائصه وعلامات ظهوره الحتمیّة
وقد روى الصدوق عن الإمام الکاظم علیه السّلام، قال: مَن شکّ فی أربعة فقد کفر بجمیع ما أَنزل اللهُ تبارک وتعالى.. أحدها معرفة الإمام فی کلّ زمانٍ وأوان بشخصه ونَعْتِه (22).
ویؤیّده ما روى الصدوق أیضاً فی ( کمال الدین )، بإسناده عن أمیر المؤمنین علیّ علیه السّلام أنّه قال فی خطبة له على منبر الکوفة:
« اللهمّ إنّه لابُدّ لأرضِکَ من حُجّة لک على خلقِک، یَهدیهم إلى دِینک، ویُعلّمهم عِلمک، لئلاّ تبطل حجّتُک، ولا یضلُّ أتباع أولیائک بعد إذ هَدَیتَهم به ـ الخطبة (23).
وروى الصدوق عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد علیهما السّلام، قال: الإمام عَلَمٌ فیما بیَن الله عزّوجلّ وبین خلقِه، فمن عرفه کان مؤمناً، ومن أنکره کان کافراً (24).
ولا تحصل المعرفة إلاّ بأمرَین:
أ. معرفة شخص الإمام باسمه ونَسَبه
ب. معرفة صفاته وخصائصه علیه السّلام.
أ ـ أمّا معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه، فقد روى النعمانی عن ابن أبی یعفور، قال: قلتُ لأبی عبدالله ( الصادق ) علیه السّلام: رجلٌ یتولاّکم، ویبرأ من عدوّکم، ویُحِلّ حلالَکم، ویُحرِّم حرامَکم، ویزعم أنّ الأمر فیکم لم یخرج منکم إلى غیرکم، إلاّ أنّه یقول: إنّهم قد اختلفوا فیما بینهم، وهم الأئمّة القادة، وإذا اجتمعوا على رجلٍ فقالوا «هذا»، قلنا « هذا ».
فقال علیه السّلام: إنْ ماتَ على هذا، فقد ماتَ میتةً جاهلیّة.
قال مؤلّف « مکیال المکارم »: فانظُر کیف أوجَبَ علیه السّلام معرفةَ شخص الإمام باسمِه ونَسَبه، ولم یکتفِ بما دون ذلک (25).
ب ـ وأما معرفة صفات الإمام وخصائصه، فإنّ المؤمن إذا عرف خصائص إمامه، لم یُصْغِ إلى کلّ ناعق، ومیّز بین الصادق والکاذب. یُشیر إلى ذلک ما رواه النعمانی عن الإمام الباقر علیه السّلام، قال:
« اسکُنوا ما سَکنتِ السماواتُ والأرض، فإنّ أمرکم لیس به خَفاء.. » (26)، وما روی عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال:
« إنّ أفضل الفرائض وأوجبَها على الإنسان: معرفة الربّ والإقرار له بالعُبودیّة... (ثمّ یذکر معرفة النبیّ صلّى الله علیه وآله وسلّم، حتّى یصل إلى قوله:) وبعده معرفة الإمام الذی تأتمّ بنعته وصِفته واسمه فی حال العُسر والیسیر ـ الحدیث (27).
وروى النعمانی عن الحارث بن المغیرة النصیری، قال: قلتُ لأبی عبدالله ( الصادق ) علیه السّلام: بأیّ شیءٍ یُعرف الإمام ؟ قال: بالسکینة والوَقار. قلت: وبأیّ شیء ؟ قال: ومعرفة الحلال والحرام، وبحاجة الناس إلیه، ولا یحتاج إلى أحد، ویکون عنده سلاح رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم.
قلتُ: أیکون إلاّ وصیّاً ابن وصیّ ؟
قال: لا یکون إلاّ وصیّاً ابن وصیّ (28).
3 ـ محبّته علیه السّلام
روى الشیخ الصدوق فی مجالسه عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم:
أحِبّوا الله لِما یَغْذوکم به من نِعمه، وأحبّونی لحُبّ الله عزّوجلّ، وأحبّوا أهلَ بیتی لحُبیّ (29).
وروى النعمانی عن رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم، قال: إنّ الله أوحى إلیّ لیلةَ أُسری بی... ( وساق حدیث الإسراء، حتّى ذکر أنّ الله تعالى أرى نبیّه أشباح الأئمّة علیهم السّلام، وقال: ) قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم، یُحلّ حَلالی ویحرّم حرامی، وینتقم من أعدائی. یا محمّد! أحبَّه؛ فإنّی أُحبُّه وأُحبّ مَن یُحبّه (30).
وفی هذا الحدیث دلالة على أنّ فی حبّ المهدی علیه السّلام خصوصیّة اقتضت الأمر به من قِبل الله عزّوجلّ، مع أنّ حبّ جمیع الأئمّة علیهم السّلام من الفرائض الواجبة.
4 ـ تحبیبه علیه السّلام إلى الناس
روى الکلینی فی ( روضة الکافی ) عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال: رَحِم اللهُ عبداً حَبَّبنا إلى الناس ولم یُبَغِّضنا إلیهم. أمَا واللهِ لو یَروونَ مَحاسنَ کلامنا لکانوا به أعزّ، وما استطاع أحد أن یتعلّق علیهم بشیء، ولکنّ أحدهم یسمع الکلمة فیحطّ إلیها عَشراً (31).
وروى الکلینی فی ( الکافی ) عن أبی عبدالله الصادق علیه السّلام، قال: رَحم اللهُ عبداً اجترّ مودّةَ الناس إلینا، فحدَّثَهم بما یعرفون، وترَکَ ما یُنکرون (32).
5 ـ الحزن لفِراقه
روى الشیخ الصدوق عن الإمام الرضا علیه السّلام، قال: کم من حَرّى مؤمنة، وکم من مؤمن متأسّف حیران حزین عند فقدان ( الماء العَین ) ـ الخبر (33).
وروى الشیخ الکُلینی فی الکافی عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال:
نَفَسُ المهموم لنا المغتمّ لظُلمنا تسبیح، وهمُّه لأمرنا عِبادة، وکتمانه لسرِّنا جهاد فی سبیل الله (34).
6 ـ الحضور فی المجالس التی تُذکر فیها فضائله
روى الشیخ الصدوق عن الإمام الرضا علیه السّلام، قال: مَن جلس مجلساً یُحیا فیه أمرنا، لم یَمُتْ قلبُه یوم تموت القلوب (35).
وروی عن الإمام الباقر علیه السّلام، قال:
اجتمِعوا وتذاکروا تَحفّ بکم الملائکة، رَحِم اللهُ من أحیا أمرنا (36).
وروى الکلینی عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال: ما اجتمع فی مجلس قومٌ فلم یذکروا الله عزّوجلّ ولم یذکرونا، إلاّ کان ذلک المجلس حسرةً علیهم یوم القیامة (37).
7 ـ إقامة المجالس التی یُذکر فیها الإمام المهدی علیه السّلام
روی عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: تَزاوَروا؛ فإنّ فی زیارتکم إحیاءً لقلوبکم وذِکراً لأحادیثنا، وأحادیثُنا تَعطِف بعضَکم على بعض (38).
8 ـ إنشاء الشِّعر وإنشاده فی فضله علیه السّلام ومناقبه
روی عن الإمام الصادق علیه السّلام، قال: مَن قال فینا بیتَ شِعر، بنى اللهُ له بیتاً فی الجنّة (39).
وعنه صلّى الله علیه وآله وسلّم: ما قال فینا قائلٌ بیت شعر حتّى یُؤیَّد بروح القدس (40).
9 ـ البکاء والإبکاء والتباکی على فراقه علیه السّلام
روی عن الرضا علیه السّلام، قال: مَن تذکّر مصابنا فبکى وأبکى لما ارتُکب منّا، کان معنا فی درجتنا یوم القیامة (41).
وروى الشیخ الطوسی عن الإمام الحسین علیه السّلام، قال: ما من عبدٍ قَطَرت عیناه فینا قطرةً أو دَمِعتْ عیناه فینا دمعةً إلاّ بوّأه اللهُ تعالى بها فی الجنّة حقباً (42).
وروى الطوسی عن المفضّل، قال: سمعتُ أبا عبدالله ( الصادق ) علیه السّلام یقول: إیّاکم والتنویه، أما واللهِ لیغیبنّ إمامکم سنین من دهرِکم، ولیخملنّ حتّى یُقال « ماتَ أو قُتِل بأیّ وادٍ سَلَک »! ولَتدمعنّ علیه عیون المؤمنین، ولتُکفأنّ کما تُکفأ السفن فی البحر، فلا ینجو إلاّ مَن أخذ اللهُ میثاقَه وکتب فی قلبه الإیمان وأیدّه بروح منه ـ الخبر (43).
قال مؤلّف مکیال المکارم بعد أن نقل الخبر:
انظُر کیف جعل علیه السّلام البکاء علیه علامةَ الإیمان؛ فإنّ البکاء علیه دلیل المعرفة والمحبّة الثابتة فی الجَنان.
وروى الصدوق فی کمال الدین عن سَدِیر الصَّیرفی، قال:
دخلتُ أنا والمفضّل بن عمر وأبو بصیر وأبان بن تغلب على مولانا أبی عبدالله الصادق علیه السّلام، فرأیناه جالساً على التراب وعلیه مِسحٌ خَیبریّ مطوّق بلا جَیب، مُقصّر الکُمیّن، وهو یبکی بکاء الواله الثَّکلى ذات الکبِد الحرّى، قد نال الحزنُ من وجنَتیه، وشاعه التغیّر فی عارضَیه، وأبلى الدموع مَحجِریَه، وهو یقول: سیّدی، غَیبتُکَ نَفتْ رقادی، وضَیّقَتْ علیَّ مِهادی، وابتزّت منّی راحةَ فؤادی. سیّدی، غیبتُک أوصلت مصابی بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد یفنی الجمعَ والعدد، فما أُحسّ بدمعةٍ ترقى فی عَینی، وأنین یَفتُر من صدری عن دوارج الرزایا وسوالف البلایا، إلاّ مثّل لعینی عن غوابر أعظمها وأفضعها، وبواقی أشدّها وأنکرها، ونوائب مخلوطة بغضبک، ونوازل معجونة بسخطک.
قال سدیر: فاستطارت عقولُنا وَلَهاً، وتصدّعت قلوبُنا جزعاً من ذلک الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننّا أنّه سَمَت لمکروهة قارعة، أو حلّتْ به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبکى الله ـ یا ابن خیر الورى ـ عینَیک، من أیّة حادثة تستنزف دمعتک وتستمطر عَبرتک ؟ وأیّة حالة حَتمت علیک هذا المأتم ؟
قال: فزَفرَ الصادق علیه السّلام زفرةً انتفخ منها جوفه، واشتدّ منها خوفه، قال: وَیلَکم، نظرتُ فی کتاب الجفر صبیحة هذا الیوم، وهو الکتاب المشتمل على عِلم المنایا والبلایا والرزایا، وعِلم ما کان وما یکون إلى یوم القیامة، الذی خصّ اللهُ به محمّداً والأئمّة من بعده، وتأمّلتُ منه مولد قائمنا وغیبتَه وإبطاءه، وطول عمره، وبلوى المؤمنین فی ذلک الزمان، وتَولُّد الشکوک فی قلوبهم مِن طول غیبته، وارتداد أکثرهم عن دینهم، وخلعهم رِبقة الإسلام من أعناقهم، التی قال الله تقدّس ذِکره وکلّ إنسانٍ ألزَمْناهُ طائرَهُ فی عُنُقِه (44) ـ یعنی الولایة ـ فأخَذَتْنی الرِّفّة، واستولتْ علیّ الأحزان ـ الحدیث بطوله (45).
10 ـ المداومة على الدعاء
روى الکلینی والطوسی عن زرارة، قال: سمعتُ أبا عبدالله ( الصادق ) علیه السّلام یقول: إنّ للغلام (46) غَیبة قبل أن یقوم. قال ( زرارة )، قلتُ: ولِم ؟
قال: یخاف ( إلى أن بلغ قوله: ) قال ( زرارة ): قلتُ: جُعِلتُ فِداک، إن أدرکتُ ذلک الزمان، أیّ شیءٍ أعمل ؟
قال علیه السّلام: یا زرارة، إذا أدرکتَ هذا الزمان، فادْعُ بهذا الدعاء:
« اللهُمَّ عَرِّفْنی نَفْسَک، فإنّکَ إنْ لم تُعرَّفنی نفسَک لم أعرِفْ نبیَّک. اللهمّ عَرِّفنی رسولَکَ، فإنّک إن لم تعرّفنی رسولَک لم أعرِفْ حُجّتَک، اللهمّ عرِّفنی حجَتّک. فإنّک إن لم تعرّفنی حجّتک ضَلَلْتُ عن دِینی ـ الحدیث (47).
11 ـ التمسّک بالدین الصحیح والقول الثابت
روى الصدوق فی ( کمال الدین ) عن عبدالعظیم بن عبدالله الحَسَنی، قال: دخلتُ على سیّدی علیّ بن محمد ( الهادی ) علیه السّلام، فلمّا بَصُر بی قال لی: مرحباً بک یا أبا القاسم، أنت ولیُّنا حقّاً.
قال: فقلتُ له: یا ابن رسول الله، إنّی أرید أن أعرض علیکَ دِینی، فإنّ کان مَرْضیّاً ثَبَتُّ علیه حتّى ألقى الله عزّوجلّ.
فقال: هاتِ یا أبا القاسم.
فقلتُ: إنّی أقول: إنّ الله تبارَک وتعالى واحد، لیس کمِثلِه شیء، خارجٌ عن الحدَّین: حدّ الإبطال وحدّ التشبیه، وإنّه لیس بجسمٍ ولا صورة، ولا عَرَض ولا جَوهر، بل هو مُجسِّم الأجسام ومُصوِّر الصور، وخالِق الأعراض والجواهر، وربُّ کلّ شیءٍ ومالکه وجاعله ومُحدِثه. وإنّ محمّداً صلّى الله علیه وآله عبده ورسوله خاتم النبیّین، فلا نبیَّ بعده إلى یوم القیامة، وإنّ شریعته خاتمة الشرائع، فلا شریعةَ بعدَها إلى یوم القیامة.
وأقول: إنّ الإمام والخلیفة وولیّ الأمر بعده: أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسین، ثمّ علیُّ بن الحسین، ثمّ محمّد بن علیّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علیّ بن موسى، ثمّ محمّد بن علیّ، ثمّ أنتَ یا مولای.
فقال علیه السّلام: ومِن بعدی الحسن ابنی، فکَیف للناس بالخَلَف من بعدِه ؟
قال: فقلت: وکیف ذاک یا مولای ؟
قال: لأنّه لا یُرى شخصُه، ولا یَحِلّ ذِکرُه باسمه، حتّى یخرج فیملأ الأرض قِسطاً وعدلاً کما مُلئت جَوراً وظلماً.
قال: فقلت: أقررتُ، وأقول: إنّ ولیَّهم ولیّ الله، وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصیتهم معصیة الله. وأقول: إنّ المعراج حقّ، والمُساءلة فی القبر حقّ، وإنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، والصراط حقّ، والمیزان حقّ، وإنّ الساعة لآتیة لا رَیبَ فیها، وإنّ الله یبعث مَن فی القُبور، وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولایة: الصلاة والزکاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المُنکر.
فقال علیّ بن محمّد علیه السّلام: یا أبا القاسم، هذا ـ واللهِ ـ دِینُ الله الذی ارتضاهُ لِعباده، فاثبُتْ علیه، ثبَّتَک اللهُ بالقَول الثابت فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة (48).
المصادر:
1 ـ کمال الدین، للشیخ الصدوق 299:2 ـ 300 حدیث 2، الباب 31.
2 ـ کمال الدین 584 حدیث 3.
3 ـ هود: 93.
4 ـ الأعراف: 71. یونس: 20 و 102.
5 ـ کمال الدین 585:2 حدیث 5.
6 ـ کمال الدین 585:2 حدیث 6.
7 ـ کمال الدین 334:2 ـ 335 حدیث 54.
8 ـ کمال الدین 299:1 ـ 300 حدیث 2.
9 ـ القتاد شجرٌ ذو شوک، والخرط هو أن تقبض على أعلى الغصن ثمّ تُمِرّ یدک علیه إلى أسفله.
10 ـ بحار الأنوار، للمجلسی 124:52.
11 ـ الغیبة، للطوسی 275.
12 ـ الکافی، للکلینی 22:2 ـ 23 حدیث 13.
13 ـ الغیبة، للنعمانی 200 باب ما روى فیما أمر...
14 ـ نهج البلاغة، الحکمة رقم 237.
15 ـ الغیبة، للنعمانی 196 ـ 197 حدیث 5.
16 ـ الغیبة، للنعمانی 200 ـ 201 حدیث 17.
17 ـ الغیبة، للنعمانی 197 ـ 198 حدیث 8. الغیبة، للطوسی 262.
18 ـ انظر: روایة الصدوق فی کمال الدین 299:1 ـ 300 حدیث 2.
19 ـ الغیبة، للنعمانی 200 حدیث 15.
20 ـ النحل: 1.
21 ـ الأنفال: 5. راجع: الغیبة، للنعمانی 198 حدیث 9.
22 ـ کمال الدین 380:1 حدیث 14، الباب 39.
23 ـ کمال الدین 286:1 حدیث 11، الباب 26.
24 ـ کمال الدین 379:2 حدیث 9، الباب 39.
25 ـ الغیبة، للنعمانی 135.
26 ـ الغَیبة، للنعمانی 200 ـ 201 حدیث 17.
27 ـ کفایة الأثر، للخزاز 262 ـ 263.
28 ـ الغیبة، للنعمانی 242 حدیث 40.
29 ـ الأمالی، للصدوق 298. المجلس 58 حدیث 6.
30 ـ الغَیبة، للنعمانی 93 ـ 94 حدیث 24.
31 ـ روضة الکافی، للکُلینی 229 حدیث 293.
32 ـ أصول الکافی 223:2 حدیث 5.
33 ـ عیون أخبار الرضا، للصدوق 9:2 ـ 10 حدیث 14.
34 ـ أصول الکافی 226:2 حدیث 16
35 ـ أمالی الصدوق 73.
36 ـ مصادقة الإخوان، للصدوق 38.
37 ـ أصول الکافی 496:2 حدیث 2.
38 ـ أصول الکافی 186:2 حدیث 2.
39 ـ عیون أخبار الرضا 7:1 حدیث 1.
40 ـ عیون أخبار الرضا 7:1 حدیث 2.
41 ـ أمالی الصدوق 68.
42 ـ أمالی الطوسی 117 حدیث 181.
43 ـ الغیبة، للطوسی 205.
44 ـ الإسراء: 13.
45 ـ کمال الدین 330:2 ـ 334 حدیث 51، الباب 33.
46 ـ عبرّ الأئمّة الأطهار عن الإمام الحجّة المنتظر علیه السّلام بالغلام فی عدّة أحادیث، ولعلّ السبب فی ذلک أنّه علیه السّلام غاب وهو غلام صغیر.
47 ـ الکافی 337:1 حدیث 5. الغیبة، للطوسی 202 مختصراً.
48 ـ کمال الدین، للصدوق 353:2 ـ 354 حدیث 1.
source : .www.rasekhoon.net