عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الأذان والشهادة بولایة علیّ علیه السلام

الأذان والشهادة بولایة علیّ علیه السلام

الأذان:هو فی اللغة العربیة وفی القرآن والسنّة وفی الاستعمالات الفصیحة : الإعلان، أی الإعلام، ( وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بالْحَجِّ )(1) أی أعلمهم بوجوب الحج، وأعلن وجوب الحج (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ )(2) أی أعلن ونادى مناد بینهم، وهکذا فی الاستعمالات الأُخرى .
الشهادة: هی القول عن علم حاصل عن طریق البصر أو البصیرة، ولذا یعتبر فی الشهادة أن تکون عن علم، فالشهادة عن ظنّ وشک لا تعتبر، فلو قال أشهد بأنّ هذا الکتاب لزید وسُئل أتعلم ؟ فإن قال : لا، أظن، ترد شهادته .
وهذا العلم تارةً یکون عن طریق البصر فالإنسان یرى بعینه أنّ هذا الکتاب مثلاً اشتراه زید من السوق فکان ملکه، وتارة یشهد الإنسان بشیء ولکنّ ذلک الشیء لا یرى وإنّما یراه بعین البصیرة فیشهد، کما هو الحال فی الشهادة بوحدانیّة الله سبحانه وتعالى وبالمعاد والقیامة وغیر ذلک من الأُمور التی یعلم الإنسان بها علماً قطعیّاً، فیشهد بتلک الأُمور .
ولایة أمیر المؤمنین: یعنی القول بأولویّته بالناس بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) بلا فصل .
فإذا ضممنا هذه الأُمور الثلاثة، لاحظوا، إذنْ، نعلن فی الأذان ، نعلن ونخبر الناس إخباراً عامّاً : بأنّا نعتقد بأولویّة علی بالناس بعد رسول الله . هذا معنى الشهادة بولایة علی فی الأذان، أی نقول للناس، نقول للعالم، بأنّا نعتقد بولایة علی، بأولویته بالناس بعد رسول الله .
وهذا القول قول عام، نعلن عنه على المآذن وغیر المآذن، ونسمع العالمین بهذا الاعتقاد ، و أنّا لم نجد أحداً من فقهائنا یقول بمنع الشهادة الثالثة فی الأذان . وهذا الاعتقاد الذی نحن علیه لم یکن اعتقاداً جزافیاً اعتباطیاً ، وإنّما هناک أدلة تعضد هذا الاعتقاد وتدعم هذا الاعتقاد، فنعلن عن هذا الاعتقاد للعالم، ونتّخذ الأذان وسیلة للإعلان عن هذا الاعتقاد .

الإتیان بالشهادة بالولایة لا بقصد الجزئیة :
إذا لم یکن إعلاننا عن ولایتنا لأمیرالمؤمنین فی الأذان بقصد جزئیة هذه الشهادة فی الأذان، فأیّ مانع من ذلک ؟
فإذن، أوّل سؤال یطرح هنا : إنّه إذا لم یکن من قصد هذا المؤذّن أن تکون هذه الشهادة جزءاً أصلیّاً، وفصلاً من فصول الأذان، لم یکن من قصده هذا، وإنّما یرید أنْ یعلن للعالم عن اعتقاده بأولویة علی بالناس بعد رسول الله، ما المانع من هذا ؟ هل من مانع کتاباً ؟ هل من مانع سنّة ؟ هل من مانع عقلاً ؟ فعلى من یدّعی المنع إقامة الدلیل .
ولذا قرّر علماؤنا، أنّ ذکر الله سبحانه بعد الشهادة الأُولى بما هو أهله، وذکر النبی بعد الشهادة الثانیة بالصلاة والسلام علیه مثلاً، مستحب، وأنّ تکلّم المؤذّن بکلام عادی فی أثناء الأذان جائز، ولا یضر بأذانه، فکیف إذا کان کلامه ومقصده الإعلان عن ولایة أمیر المؤمنین، وهو یعتقد بأنّ الشهادة برسالة رسول الله إن لم تکن هذه الشهادة ملحقةً ومکمّلة بالشهادة بولایة علی، فتلک الشهادة ناقصة ؟
فهو یرید بهذا الإعلان أن یکمِّل شهادته برسالة محمّد (صلى الله علیه وآله وسلم)، وبأُلوهیّة الباری سبحانه وتعالى، فإذا لم یثبت المنع، وحتّى إذا لم یکن عندنا دلیل على الجواز، فمجرّد أصالة عدم المنع، ومجرّد أصالة الإباحة تکفی، تکفی هذه الأُصول العملیة العقلیّة والنقلیّة على جواز هذا الإعلان فی الأذان .
فحینئذ، یطالب المانع والمدّعی للمنع بإقامة دلیل على عدم الجواز، وحینئذ یعود المنکر والمستنکر لذکر الشهادة بالولایة فی الأذان مدّعیاً بعد أن کان منکراً، وتکون وظیفته إقامة البیّنة على دعواه، من کتاب أو سنّة أو غیر ذلک .
لقائل أن یقول : إذا کان هذا المؤذّن یرى نقصان الأذان حال کونه فاقداً للشهادة الثالثة، ویرید أن یکمّله بهذه الشهادة، لکون الولایة من أُصول اعتقاداته، ویرید الإعلان عن هذا الأصل الاعتقادی فی أذانه، فلیعلن عن المعاد أیضاً، لأنّ الاعتقاد بالمعاد من الأُصول، ولیعلن أیضاً عن إمامة سائر الأئمّة، لأنّه یرى إمامتهم أیضاً، لا إمامة علی فقط .
لکنّ هذا الاعتراض غیر وارد : إذْ لا خلاف ولا نزاع فی ضرورة الاعتقاد بالمعاد، کما أنّ من الواضح أنّ إمامة سائر الأئمّة فرع على إمامة علی (علیه السلام)، وإذا ثبت الأصل ثبتت إمامة بقیّة الأئمّة، وکما کان لمنکر ولایة علی دواع کثیرة على إخفاء هذا المنصب لأمیر المؤمنین، فلابدّ وأن یکون لمن یثبت هذا الأمر ویعتقد به، أنْ یکون له الداعی القوی الشدید على الإعلان عنه .
لیس المقصود أنْ نبحث عن فصول الأذان، وأنّ أیّ شیء من فصول الأذان، وأیّ شیء لیس من فصوله، لکی نأتی إلى البحث عن المعاد ونقول لماذا لا یعلن عن المعاد فی الأذان مثلاً ؟ وإنّما کان المقصود أن هذا المؤذن الشیعی الإمامی یرى بأنّ الشهادة برسالة رسول الله بدون الشهادة بولایة علی لیست بشهادة، إنّه یرید الإعلان عن معتقده الکامل التام، والشهادة برسالة رسول الله بلا شهادة بولایة علی تساوی عدم الشهادة برسالة رسول الله فی نظر الشیعی .
وإلى الآن ظهر أنّ مقتضى الأصل، مقتضى القاعدة الجواز والإباحة مع عدم قصد الجزئیّة .إنّما الکلام فیما لو أتى بهذه الشهادة بقصد الجزئیّة، حینئذ یأتی دور مانعیّة توقیفیّة الأذان، لأنّ الأذان ورد من الشارع المقدّس بهذه الکیفیّة الخاصّة، بفصول معیّنة وبحدود مشخصة، فإضافة فصل أو نقص فصل من الأذان، خلاف الشرع وخلاف ما نزل به جبرئیل ونزل به الوحی على رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، حینئذ یحصل المانع عن الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان بقصد الجزئیّة، وعلى من یرید أن یأتی بها بقصد الجزئیّة أنْ یقیم الدلیل المجوّز، وإلاّ لکان بدعة، لکان إتیانه بالشهادة الثالثة إدخالاً فی الدین لما لیس من الدین .

الإتیان بالشهادة بالولایة بقصد الجزئیة المستحبة :
ونحن الآن نتکلّم عن الإتیان بالشهادة الثالثة بقصد الجزئیّة المستحبّة، والاستحباب حکم من الأحکام الشرعیّة، لابدّ وأن یکون المفتی عنده دلیل على الفتوى بالاستحباب، وإلاّ لکانت فتواه بلا علم، وتکون افتراءً على الله سبحانه وتعالى، مضافاً إلى خصوصیّة الأذان وکون الأذان توقیفیّاً .

ففی مسألتنا مشکلتان فی الواقع :
المشکلّة الأُولى : إنّ المؤذّن مع الشهادة الثالثة بقصد الجزئیّة المستحبّة، یحتاج إلى دلیل قائم على الاستحباب، وإلاّ ففتواه بالاستحباب أو عمله هذا یکون محرّماً، لأنّها فتوى بلا دلیل، کسائر المستحبّات فی غیر الأذان، لو أنّ المفتی یفتی باستحباب شیء وبلا دلیل، هذا لا یجوز، وهو إفتراء على الله عزّوجلّ .
المشکلة الثانیة : فی خصوص الأذان، لأنّ الأذان أمر توقیفی، فإضافة شیء فیه أو نقص شیء منه، تصرّف فی الشریعة، وهذه بدعة، فیلزم على القائل بالجزئیّة الإستحبابیّة أو المستحبّة إقامة الدلیل .
الدلیل المخرج عن کون هذه الشهادة بدعة، لا یخلو من ثلاثة أُمور، أو ثلاثة طرق :
الأوّل : أن یکون هناک نصّ خاص، یدلّ على استحباب إتیان الشهادة الثالثة فی الأذان .
الثانی : أن یکون هناک دلیل عام أو دلیل مطلق، یکون موردنا ـ أی الشهادة بولایة أمیر المؤمنین فی الأذان ـ من مصادیق ذلک العام، أو من مصادیق ذلک المطلق .
الثالث : أن یکون هناک دلیل ثانوی، یجوّز لنا الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان .
أمّا النص ، فواضح، مثلاً : یقول الشارع المقدّس : الخمر حرام، یقول الشارع المقدّس : الصلاة واجبة، هذا نصّ وارد فی خصوص الموضوع الذی نرید أن نبحث عنه، وهو الخمر مثلاً، أو الصلاة مثلاً .
وأمّا الدلیل العام أو المطلق، فإنّه غیر وارد فی خصوص ذلک الموضوع أو الشیء الذی نرید أن نبحث عن حکمه، وإنّما ذلک الشیء یکون مصداقاً لهذا العام، یکون مصداقاً لهذا المطلق، مثلاً : نحن عندنا إطلاقات أو عمومات فیها الأمر بتعظیم وتکریم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، لا شک عندنا هذه الإطلاقات والعمومات، وحینئذ فکلّ فعل یکون مصداقاً لتعظیم رسول الله، یکون مصداقاً لإظهار الحبّ لرسول الله، یکون مصداقاً لاحترام رسول الله، یکون ذلک الفعل موضوعاً لحکم التعظیم والاحترام والتکریم له، لانطباق هذا العام أو المطلق علیه، وإن لم یکن لذلک الفعل بالخصوص نصّ خاص، ولذا نزور قبر النبی، لذا نقبّل ضریح النبی، لذا إذا ذکر اسمه نحترم اسمه المبارک، وهکذا سائر الأُمور، مع أنّ هذه الأُمور واحداً واحداً لم یرد فیها نصّ، لکنْ لمّا کانت مصادیق للعناوین المتخذة موضوعات لتلک الأدلة العامة او المطلقة، فلا ریب فی ترتب الحکم على کلّ فرد من الأُمور المذکورة، وهذا ممّا لم یفهمه الوهّابیّون، ولذا یرمون المسلمین عندما یحترمون رسول الله، یرمونهم بما یرمون .
وأمّا الدلیل الثانوی، وهو الطریق الثالث، الدلیل الثانوی فیما نحن فیه : قاعدة التسامح فی أدلّة السنن، هذه قاعدة استخرجها علماؤنا وفقهاؤنا الکبار، من نصوص مفادها أنّ من بلغه ثواب على عمل فعمل ذلک العمل برجاء تحصیل ذلک الثواب، فإنّه یعطى ذلک الثواب وإن لم یکن ما بلغه صحیحاً، وإن لم یکن رسول الله قال ما بلغ هذا الشخص . (3)
والنصوص الواردة فی هذا المورد التی یستفاد منها هذه القاعدة عند المشهور بین فقهائنا، فیها ما هو صحیح سنداً وتام دلالة، وعلى أساس هذه القاعدة أفتى الفقهاء باستحباب کثیر من الأشیاء مع عدم ورود نصّ خاص فیها، ومع عدم انطباق عمومات أو مطلقات على تلک الأشیاء .
إذن بأحد هذه الطرق تنتهی الفتوى بالاستحباب إلى الشارع المقدّس، وإذا انتهى الشیء إلى الشارع المقدّس أصبح من الدین، ولم یکن ممّا لیس من الدین، لیکون إدخالاً لما لیس من الدین فی الدین فیکون بدعة .
وبعد بیان هذه المقدّمة، ومع الالتفات إلى أنّ القاعدة المذکورة قاعدة ورد فیها النصّ من طرقنا ومن طرق أهل السنّة أیضاً، وهی قاعدة مطروحة عندهم أیضاً، والحدیث عن رسول الله بهذا المضمون وارد فی کتبهم، کما فی فیض القدیر(4)
وبعد، على من یقول بجزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان جزئیّة استحبابیّة أن یقیم الدلیل على مدّعاه بأحد هذه الطرق أو بأکثر من واحد منها، وسأذکر لکم أدلّة القوم، وسأُبیّن لکم أنّ کثیراً منها ورد من طرق أهل السنّة أیضاً، ممّا ینتهی إلى اطمئنان الفقیه ووثوقه باستحباب هذا العمل .

الاستدلال بالسنّة على استحباب الشهادة بالولایة فی الأذان :
فی بعض کتب أصحابنا، عن کتاب السلافة فی أمر الخلافة، للشیخ عبدالله المراغی المصری : إنّ سلمان الفارسی ذکر فی الأذان والإقامة الشهادة بالولایة لعلی بعد الشهادة بالرسالة فی زمن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فدخل رجل على رسول الله فقال : یا رسول الله، سمعت أمراً لم أسمع به قبل هذا، فقال رسول الله : « ما هو ؟ » قال : سلمان شهد فی أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولایة لعلی، فقال : « سمعتم خیراً » .
وعن کتاب السلافة أیضاً : إنّ رجلاً دخل على رسول الله فقال : یا رسول الله، إنّ أباذر یذکر فی الأذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولایة لعلی ویقول : أشهد أنّ علیّاً ولی الله، فقال : « کذلک ، أو نسیتم قولی یوم غدیر خم : من کنت مولاه فعلیّ مولاه ؟ فمن نکث فإنّما ینکث على نفسه ».هذان خبران عن هذا الکتاب .
إن تسألونی عن رأیی فی هذا الکتاب، وفی هذین الخبرین، فإنّی لا یمکننی الجزم بصحّة هذین الخبرین، لأنّی بعدُ لم أعرف هذا الکتاب، ولم أطّلع على سند هذین الخبرین، ولم أعرف بعدُ مؤلّف هذا الکتاب، إلاّ أنّی مع ذلک لا یجوز لی أن أُکذّب، لا أُفتی على طبق هذین الخبرین، ولکنّی أیضاً لا أُکذّب هذین الخبرین .
وفی کتاب الإحتجاج، فی إحتجاجات أمیر المؤمنین (علیه السلام)على المهاجرین والأنصار، هذه الروایة یستشهد بها علماؤنا بل یستدلّون بها فی کتبهم الفقهیّة، أکتب لکم نصّ الروایة :
وروى القاسم بن معاویة قال : قلت لأبی عبدالله (علیه السلام) : هؤلاء ـ أی السنة ـ یروون حدیثاً فی أنّه لمّا أُسری برسول الله رأى على العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبوبکر الصدّیق، فقال (علیه السلام) : سبحان الله، غیّروا کلّ شیء حتّى هذا ؟ قلت : نعم، قال (علیه السلام) : إنّ الله عزّوجلّ لمّا خلق العرش کتب علیه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علیّ أمیر المؤمنین، ولمّا خلق الله عزّوجلّ الماء کتب فی مجراه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علی أمیر المؤمنین،
ولمّا خلق الله عزّوجلّ الکرسی کتب على قوائمه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علی أمیر المؤمنین، وهکذا لمّا خلق الله عزّوجلّ اللوح، ولمّا خلق الله عزّوجلّ جبرئیل، ولمّا خلق الله عزّوجلّ الأرضین ـ إلى قضایا أُخرى، فقال فی الأخیر : قال (علیه السلام) : ولمّا خلق الله عزّوجلّ القمر کتب علیه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علی أمیر المؤمنین، وهو السواد الذی ترونه فی القمر، فإذا قال أحدکم : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فلیقل : علی أمیر المؤمنین .هذه الروایة فی کتاب الإحتجاج(5)

الخبران السابقان کانا نصّین فی المطلب، إلاّ أنّی توقّفت عن قبولهما .
هذا الخبر لیس بنصّ، وإنّما یدلّ على استحباب ذکر أمیر المؤمنین بعد رسول الله فی الأذان، بعمومه وإطلاقه، لأنّ الإمام (علیه السلام)قال : فإذا قال أحدکم ـ فی أیّ مکان، فی أیّ مورد، قال أحدکم على إطلاقه وعمومه ـ لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله فلیقل : علی أمیر المؤمنین، والأذان أحد الموارد، فتکون الروایة هذه منطبقة على الأذان .
وقد قلنا إنّ فی کلّ مورد نحتاج إلى دلیل، لا یلزم أن یکون الدلیل دلیلاً خاصّاً وارداً فی ذلک المورد بخصوصه، وهذا الدلیل ینطبق على موردنا، وهو الشهادة بولایة أمیر المؤمنین فی الأذان بعمومه، فمن ناحیة الدلالة لا إشکال .
یبقى البحث فی ناحیة السند، فروایات الإحتجاج مرسلة، لیس لها أسانید فی الأعم الأغلب، صاحب الإحتجاج لا یذکر أسانید روایاته فی هذا الکتاب، وحینئذ من الناحیة العلمیة لا یتمکّن الفقیه أن یعتمد على مثل هکذا روایة، حتّى یفتی بالاستحباب، لکنْ هنا أمران :
الأمر الأوّل : إنّ الطبرسی یذکر فی مقدّمة کتابه یقول : بأنّی وإن لم أذکر أسانید الروایات، وترونها فی الظاهر مرسلة، لکنّ هذه الروایات فی الأکثر روایات مجمع علیها، روایات مشهورة بین الأصحاب، معمول بها، ولذلک استغنیت عن ذکر أسانیدها، فیکون هذا الکلام منه شهادة فی اعتبار هذه الروایة .
الأمر الثانی : قد ذکرنا فی بدء البحث، أنّا لم نجد أحداً من فقهائنا یقول بمنع الشهادة الثالثة فی الأذان، حینئذ، یکون علماؤنا قد أفتوا على طبق مفاد هذه الروایة، وإذا کانوا قد عملوا بهذه الروایة حتّى لو کانت مرسلة، فعمل المشهور بروایة مرسلة أو ضعیفة یکون جابراً لسند تلک الروایة، ویجعلها روایة معتبرة قابلة للاستنباط والاستدلال فی الحکم الشرعی، وهذا مسلک کثیر من علمائنا وفقهائنا، فإنّهم إذا رأوا عمل المشهور بروایة مرسلة أو ضعیفة، یجعلون عملهم بها جابراً لسند تلک الروایة، وهذا ما یتعلّق بسند روایة الإحتجاج . مضافاً إلى هذا، فإنّا نجد فی روایات أهل السنّة ما یدعم مفاد هذه الروایة، وهذا ممّا یورث الإطمئنان بصدورها عن المعصوم علیه السلام .

لاحظوا، أنقل لکم بعض الروایات :

الروایة الأولى :
عن أبی الحمراء، عن رسول الله (صلى الله علیه وسلم) قال : « لمّا أُسری بی إلى السماء، إذا على العرش مکتوب : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أیّدته بعلی » . هذا على العرش مکتوب، وقد وجدنا فی هذه الروایة أیضاً أنّ على العرش مکتوب اسم أمیر المؤمنین . هذه الروایة فی الشفاء للقاضی عیاض(6)، وفی المناقب لابن المغازلی(7)، وفی الریاض النضرة فی مناقب العشرة المبشرة(8)، وفی نظم درر السمطین(9)، وفی مجمع الزوائد(10)، وفی الخصائص الکبرى للسیوطی(11) هذا الحدیث موجود فی هذه المصادر وغیر هذه المصادر . فإذا کانت الروایة مقبولة عند المسلمین، عند الطرفین المتخاصمین، أعتقد أنّ الإنسان یحصل له وثوق بصدور هذه الروایة .

الروایة الثانیة :
ما أخرجه جماعة منهم الطبرانی بالإسناد عن جابر بن عبدالله الأنصاری، قال : قال رسول الله : « مکتوب على باب الجنّة : محمّد رسول الله علی بن أبی طالب أخو رسول الله، هذا قبل أنْ یخلق الله السماوات والأرض بألفی عام » .
هذه روایة الطبرانی وغیره، بسند فیه بعض الأکابر وأئمّة الحفاظ، وهی موجودة فی غیر واحد من المصادر المهمة(12)

الروایة الثالثة :
عن ابن مسعود، عن رسول الله (صلى الله علیه وسلم) : « أتانی ملک فقال : یا محمّد ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا )(13) على ما بعثوا، قلت : على ما بعثوا ؟ قال : على ولایتک وولایة علی بن أبی طالب » .
فالأنبیاء السابقون بعثوا على ولایة رسول الله وأمیر المؤمنین من بعده، أی کلّفوا بإبلاغ هذا الأمر إلى أُممهم .
هذا الحدیث تجدونه فی کتاب معرفة علوم الحدیث للحاکم النیسابوری(14)وقد وثّق راویه، وأیضاً هو فی تفسیر الثعلبی بتفسیر الآیة المبارکة، ورواه أیضاً أبو نعیم الإصفهانی فی کتاب منقبة المطهّرین، وغیرهم من الحفّاظ .

الروایة الرابعة :
عن حذیفة عن رسول الله (صلى الله علیه وسلم) : « لو علم الناس متى سمّی علی أمیر المؤمنین ما أنکروا فضله، سمّی أمیر المؤمنین وآدم بین الروح والجسد، قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ )(15)قالت الملائکة : بلى، فقال : أنا ربّکم، محمّد نبیّکم، علی أمیرکم » فهذا میثاق أخذه الله سبحانه وتعالى . والروایة فی فردوس الأخبار للدیلمی(16)
ذکرت هذه الروایات من کتب السنّة، لتکون مؤیّدة لروایة الإحتجاج، بعد البحث عن سندها ودلالتها .

نرجع إلى أصل المطلب :
قال الشیخ الطوسی رحمه الله فی کتاب النهایة فی الفتوى :
فأمّا ما روی فی شواذ الأخبار من القول إنّ علیّاً ولی الله وآل محمّد خیر البریّة، فممّا لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة، فمن عمل به کان مخطئاً .هذه عبارته فی النهایة(17)
وماذا نفهم من هذه العبارة ؟ أنّ هناک بعض الروایات الشاذة تقول بأنّ الشهادة بولایة أمیر المؤمنین من الأذان، لکنّ الشیخ یقول : هذا ممّا لا یعمل علیه، ثمّ یقول : فمن عمل به کان مخطئاً .
إذن، عندنا روایات أو روایة شاذة تدلّ على هذا المعنى، لکنّ الشیخ یقول لا نعمل بها، الشاذ من الروایات فی علم درایة الحدیث ، لو تراجعون الکتب التی تعرّف الشاذ من الأخبار والشذوذ، یقولون الشاذ من الخبر هو الخبر الصحیح الذی جاء فی مقابل أخبار صحیحة وأخذ العلماء بتلک الأخبار، فهو صحیح سنداً لکنّ العلماء لم یعملوا بهذا الخبر، وعملوا بالخبر المقابل له، وهذا نصّ عبارة الشیخ، ممّا لا یعمل علیه .
إذن، عندنا روایة معتبرة تدلّ على هذا، والشیخ الطوسی لا یعمل، یقول : ممّا لا یعمل علیه، ثمّ یقول : فمن عمل به کان مخطئاً .
ومقصوده من هذا : أنّ الروایة تدلّ على الجزئیّة بمعنى وجوب الإتیان، وهذا ممّا لا عمل علیه .

هذا صحیح، وبحثنا الآن فی الجزئیّة المستحبّة .
ولاحظوا عبارته فی کتابه الآخر، أی فی کتاب المبسوط، یقول فی المبسوط الذی ألّفه بعد النهایة یقول هناک : فأمّا قول أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین وآل محمّد خیر البریّة على ما ورد فی شواذ الأخبار، فلیس بمعوّل علیه فی الأذان، ولو فعله الإنسان لم یأثم به(18)
فلو کان الخبر ضعیفاً أو مؤدّاه باطلاً لم یقل الشیخ لم یأثم به .
معنى هذا الکلام أنّ السند معتبر، والعمل به بقصد الجزئیّة الواجبة لا یجوز، وأمّا بقصد الجزئیّة المستحبّة فلا إثم فیه، لم یأثم به، غیر أنّه لیس من فصول الأذان .
فهذه إذن روایة صحیحة، غیر أنّهم لا یعملون بها بقصد الجزئیة الواجبة، هذا صحیح، وبحثنا فی الجزئیّة المستحبّة .
روایة أُخرى فی غایة المرام : عن علی بن بابویه الصدوق، عن البرقی، عن فیض بن المختار ـ هذا ثقة والبرقی ثقة، وابن بابویه معروف ـ عن أبی جعفر الباقر (علیه السلام)، عن أبیه، عن جدّه رسول الله، فی حدیث طویل، قال : « یا علی ما أکرمنی بکرامة ـ أی الله سبحانه وتعالى ـ إلاّ أکرمک بمثلها » .
الروایات السابقة التی رویناها عن الشیخ الطوسی وغیر الشیخ الطوسی تکون نصّاً فی المسألة، لکن هذه الروایة التی قرأتها الآن تدل بالعموم والإطلاق، لأنّ ذکر رسول الله فی الأذان من إکرام الله سبحانه وتعالى لرسول الله، من جملة إکرام الله سبحانه وتعالى لرسوله أنْ جعل الشهادة بالرسالة فی الأذان « وما أکرمنی بکرامة إلاّ أکرمک بمثلها »، فتکون النتیجة : إکرام الله سبحانه وتعالى علیّاً بذکره والشهادة بولایته فی الأذان .
وسأذکر لکم بعض النصوص المؤیدة من کتب السنّة أیضاً .
روایة أُخرى یرویها السید نعمة الله الجزائری المحدّث، عن شیخه المجلسی، مرفوعاً، هذه الروایة مرفوعة عن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) : « یا علی إنّی طلبت من الله أنْ یذکرک فی کلّ مورد یذکرنی فأجابنی واستجاب لی » .
فی کلّ مورد یذکر رسول الله یذکر علی معه، والأذان من جملة الموارد، ویمکن الاستدلال بهذه الروایة .

ومن شواهدها من کتب السنّة :
قوله (صلى الله علیه وآله وسلم) لعلی : « ما سألت ربّی شیئاً فی صلاتی إلاّ أعطانی، وما سألت لنفسی شیئاً إلاّ سألت لک » .
هذا فی الخصائصللنسائی(19)، وفی مجمع الزوائد(20)، وفی الریاض النضرة(21)، وفی کنز العمال(22)
حدیث آخر : « أحبّ لک ما أحبّ لنفسی وأکره لک ما أکره لنفسی » .هذا فی صحیح الترمذی(23)
ومن الروایات : ما یرویه الشیخ الصدوق فی أمالیه، بسنده عن الصادق (علیه السلام)، قال : إنّا أوّل أهل بیت نوّه الله بأسمائنا، إنّه لمّا خلق الله السماوات والأرض أمر منادیاً فنادى : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثا ـ وأشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین حقّاً حقّاً(24)
فی الشهادة بولایة أمیر المؤمنین توجد کلمة حقّاً حقّاً، وهذا إنّما هو لدفع المخالفین دفعاً دفعاً !!
وفی البحار، عن الکلینی رحمه الله فی کتاب الروضة، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) : « من قال لا إله إلاّ الله تفتّحت له أبواب السماء، ومن تلاها بمحمّد رسول الله تهلّل وجه الحق واستبشر بذلک، ومن تلاها بعلی ولى الله غفر الله له ذنوبه ولو کانت بعدد قطر المطر »(25)
وفی روایة ـ وهذه الروایة عجیبة إنصافاً ـ إنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)بعد أنْ وضعوا فاطمة بنت أسد فی القبر، لقّنها بنفسه، فکان ممّا لقّنها به ولایة علی بن أبی طالب ولدها .
هذا فی خصائص أمیر المؤمنین للشریف الرضی(26)، وفی الأمالی للصدوق(27) .
وأرى أنّ هذا الخبر هو قطعی، هذا باعتقادی، وحتّى فاطمة بنت أسد یجب أن تکون معتقدة بولایة أمیر المؤمنین وشاهدة بذلک وتسأل عن ذلک أیضاً .
هذه بعض الروایات التی یستدلّ بها أصحابنا فی هذه المسألة، منها ما هو نص وارد فی خصوص المسألة، ومنها ما هو عام ومطلق، وهناک روایات کثیرة عن طرق أهل السنّة فی مصادرهم المعتبرة تعضد هذه الروایات وتؤیّدها وتقویها فی سندها ودلالاتها .
وحینئذ نقول بأنّ هذه الروایات إنْ کانت دالّة على استحباب الشهادة بولایة أمیر المؤمنین فی الأذان ـ إمّا بالنصّ، وإمّا بانطباق الکبریات والإطلاقات على المورد، ونستدلّ عن هذا الطریق ونفتی ـ فبها، ولو تأمّل متأمّل ولم یوافق، لا على ما ورد نصّاً، ولا على ما ورد عامّاً ومطلقاً، فحینئذ یأتی دور الطریق الآتی .

الاستدلال بقاعدة التسامح فی أدلّة السنن :
ما روی من أن من بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلک الثواب کتب له وإن لم یکن الأمر کما بلغه .
وهذا لا إشکال فیه قطعاً على مبنى المشهور بین أصحابنا، لأنّ أصحابنا وکبار فقهائنا منذ قدیم الأیام یستخرجون من هذه الروایات قاعدة التسامح فی أدلّه السنن، ویفتون على أساس هذه القاعدة باستحباب کثیر من الأُمور .
نعم نجد بعض مشایخنا وأساتذة مشایخنا کالسید الخوئی رحمة الله علیه، هؤلاء یستشکلون فی هذا الاستدلال، أی استخراج واستنباط القاعدة من هذه الروایات، ویقولون بأنّ هذه الروایات لا تدلّ على قاعدة التسامح فی أدلّة السنن، وإنّما تدل هذه الروایات على أنّ الإنسان إذا أتى بذلک العمل برجاء حصول الثواب الخاص یعطى ذلک الثواب، وإن لم یکن رسول الله قاله، فحینئذ یأتی بهذا العمل برجاء المطلوبیّة .فلیکنْ، أیضاً نفتی بحسن الشهادة الثالثة فی الأذان من باب رجاء المطلوبیّة .
إلاّ أنّ هذا القول قول مشایخنا وأساتذتنا وأساتذة أساتذتنا، هؤلاء المحققین المتأخرین، وإلاّ فالمشهور بین الأصحاب هو العمل بقاعدة التسامح بأدلّة السنن، وعلى أساس هذه القاعدة یفتون باستحباب کثیر من الأُمور .

فائدة صغیرة :
وهنا فائدة صغیرة، أذکرها لکم، جاء فی السیرة الحلبیّة ما نصّه : وعن أبی یوسف [ أبو یوسف هذا تلمیذ أبی حنیفة إمام الحنفیّة ] : لا أرى بأساً أن یقول المؤذّن فی أذانه : السلام علیک أیّها الأمیر ورحمة الله وبرکاته، یقصد خلیفة الوقت أیّاً کان ذلک الخلیفة.
لاحظوا بقیّة النصّ : لا أرى بأساً أن یقول المؤذّن السلام علیک أیّها الأمیر ورحمة الله وبرکاته، حیّ على الصلاة، حیّ على الفلاح، الصلاة یرحمک الله .
ولذا کان مؤذّن عمر بن عبدالعزیز یفعله ویخاطب عمر بن عبدالعزیز فی الأذان الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله، السلام علیکم یا أیّها الأمیر ورحمة الله وبرکاته حیّ على الصلاة، حیّ على الصلاة، حیّ على الفلاح، حیّ على الفلاح، لا أرى بأساً فی هذا .
فإذا لم یکن بأس فی أنْ یخاطب المؤذّن خلیفة الوقت وأمیر مؤمنینهم فی الأذان بهذا الخطاب، فالشهادة بولایة أمیر المؤمنین حقّاً لا أرى أن یکون فیها أیّ بأس، بل إنّه من أحبّ الأُمور إلى الله سبحانه وتعالى، ولو تجرّأنا وأفتینا بالجزئیّة الواجبة فنحن حینئذ ربّما نکون فی سعة، لکنّ هذا القول أعرض عنه المشهور، وکان ممّا لا یعمل به بین أصحابنا .
تصرفات أهل السنة فی الأذان :
وأمّا أهل السنّة، فعندهم تصرّفان فی الأذان :
التصرف الأول : حذف « حیّ على خیر العمل » .
التصرف الثانی : إضافة « الصلاة خیر من النوم » .
ولم یقم دلیلٌ علیهما .
هذا فی شرح التجرید للقوشچی الأشعری(28)، وأرسله إرسال المسلّم، وجعل یدافع عنه، کما أنّه یدافع عن المتعتین .
فمن هذا یظهر أنّ « حیّ على خیر العمل » کان من صلب الأذان فی زمن رسول الله، وعمر منع عنه کالمتعتین .
ویدلّ على وجود « حیّ على خیر العمل » فی الأذان فی زمن رسول الله وبعد زمنه : الحدیث فی کنز العمّال، کتاب الصلاة عن الطبرانی : کان بلال یؤذّن فی الصبح فیقول : حیّ على خیر العمل . (29)
وکذا هو فی السیرة الحلبیّة(30)، وذکر أنّ عبدالله بن عمر والإمام السجّاد (علیه السلام) کانا یقولان فی أذانهما حیّ على خیر العمل .
وأمّا « الصلاة خیر من النوم » فعندهم روایات کثیرة على أنّها بدعة، فراجعوا(31)

الشهادة بالولایة شعار المذهب :
بعد أن أثبتنا الجزئیّة الاستحبابیّة للشهادة الثالثة فی الأذان، فلا یقولنّ أحد أنّ هذه الشهادة فی الأذان إذا کانت مستحبّة، والمستحب یترک، ولا مانع من ترک المستحب، فحینئذ نترک هذا الشیء ، هذا التوهّم فی غیر محلّه .
لأنّ هذا الأمر والعمل الاستحبابی، أصبح شعاراً للشیعة، ومن هنا أفتى بعض کبار فقهائنا کالسید الحکیم رحمة الله علیه فی کتاب المستمسک بوجوب الشهادة الثالثة فی الأذان، بلحاظ أنّه شعار للمذهب، وترکه یضرّ بالمذهب، وهذا واضح، لأنّ کلّ شیء أصبح شعاراً للمذهب فلابدّ وأن یحافظ علیه، لأنّ المحافظة علیه محافظة على المذهب، وکلّ شیء أصبح شعاراً لهذا المذهب فقد حاربه المخالفون لهذا المذهب بالقول والفعل .
وکم من نظیر لهذا الأمر، فکثیر من الأُمور یعترفون بکونها من صلب الشریعة المقدّسة، إلاّ أنّهم فی نفس الوقت یعترفون بأنّ هذا الشیء لمّا أصبح شعاراً للشیعة فلابدّ وأنْ یترک، لأنّه شعار للشیعة، مع اعترافهم بکونه من الشریعة بالذات .

أذکر لکم بعض الموارد بسرعة :
فی کتاب الوجیز للغزّالی فی الفقه، وهکذا فی شرح الوجیز وهو فتح العزیز فی شرح الوجیز فی الفقه الشافعی، هناک ینصّون على أنّ تسطیح القبر أفضل من تسنیمه، إلاّ أنّ التسطیح لمّا أصبح شعاراً للشیعة فلابدّ وأن یترک هذا العمل .
ونصّ العبارة : وعن القاسم بن محمّد بن أبی بکر : رأیت قبور النبی وأبی بکر وعمر مسطّحة، وقال ابن أبی هریرة : إنّ الأفضل الآن العدول من التسطیح إلى التسنیم، لأنّ التسطیح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم(32)
وأیضاً : عن الزمخشری فی تفسیره، بتفسیر قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَمَلاَئِکَتُهُ )(33)، یقول : إنّ مقتضى الآیة جواز الصلاة على آحاد المسلمین، هذا تصریح الزمخشری فی تفسیره، لکن لمّا اتّخذت الرافضة ذلک فی أئمّتهم منعناه .
فنحن نقول : صلّى الله علیک یا أمیر المؤمنین، وکذا غیر أمیر المؤمنین من الأئمّة، حینما نقول هذا فهو شیء یدلّ علیه الکتاب یقول : إلاّ أنّ الشیعة لمّا اتّخذت هذا لأئمّتهم منعناه .
فی مسألة التختم بالیمین، ینصّون على أنّ السنّة النبویّة أنْ یتختّم الرجل بالیمین، لکنّ الشیعة لمّا اتّخذت التختم بالیمین شعاراً لهم، أصبحوا یلتزمون بالتختم بالیسار . نصّ العبارة : أوّل من اتخذ التختم بالیسار خلاف السنّة هو معاویة(34)
وبالنسبة إلى السلام على غیر الأنبیاء یقول ابن حجر فی فتح الباری ـ لاحظوا هذه العبارة ـ : تنبیه : اختلف فی السلام على غیر الأنبیاء بعد الإتفاق على مشروعیته فی تحیّة الحی، فقیل یشرع مطلقاً، وقیل : بل تبعاً ولا یفرد لواحد لکونه صار شعاراً للرافضة، ونقله النووی عن الشیخ أبی محمّد الجوینی(35)
فی السنّة فی العمامة، فی کیفیّة لفّ العمامة، السنّة أن تلف العمامة کما کان یلفّها رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، هذا تطبیق السنّة، یقولون : وصار الیوم شعاراً لفقهاء الإمامیّة، فینبغی تجنّبه لترک التشبّه بهم(36)
ثمّ إنّ الغرض من مخالفة السنّة النبویّة فی جمیع هذه المواضع هو بغض أمیر المؤمنین، المحافظ علیها والمروّج لها، وقد جاء التصریح بهذا فی بعض تلک المواضع، کقضیّة ترک التلبیة .
لاحظوا نصّ العبارة : فقد أخرج النسائی والبیهقی عن سعید بن جبیر قال : کان ابن عبّاس بعرفة، فقال : یا سعید مالی لا أسمع الناس یلبّون ؟ فقلت : یخافون، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبّیک اللهمّ لبّیک وإنْ رغم أنف معاویة، اللهمّ العنهم فقد ترکوا السنّة من بغض علی(37) قال السندی فی تعلیق النسائی : أی لأجل بغضه، أی وهو کان یتقیّد بالسنن، فهؤلاء ترکوها بغضاً له .
فإذا کان الشیء من السنّة، ثمّ أصبح لکونه من السنّة شعاراً للشیعة، یلتزمون بمخالفة ذلک الشعار لکونه شعاراً للشیعة، مع اعترافهم بکونه من السنّة . وهکذا یکون إنکار الشهادة الثالثة محاربة للشیعة والتشیّع، لأنّ الشهادة الثالثة شعار التشیّع والشیعة، ویکون خدمة لغیر الشیعة ، ویکون متابعة لما علیه غیرالإمامیّة فی محاربتهم للشعائر .
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین .
المصادر :
1- سورة الحج : 27
2- سورة الاعراف : 44
3- وسائل الشیعة ج1 باب 18 فی أبواب مقدمات العبادات
4- فیض القدیر فی شرح الجامع الصغیر 6/95
5- الإحتجاج للشیخ أبی منصور الطبرسی : 158
6- الشفا بتعریف حقوق المصطفى 1 / 138 ـ ط الآستانة
7- مناقب علی بن أبی طالب لابن المغازلی الواسطی : 39
8- الریاض النضرة فی مناقب العشرة المبشرة 2 / 172
9- نظم درر السمطین : 120
10- مجمع الزوائد 9 / 121
11- الخصائص الکبرى 1 / 7، الدر المنثور 4 / 153
12- کنز العمال 11 : 624، المناقب للخوارزمی : 87
13- سورة الزخرف : 45
14- معرفة علوم الحدیث للحاکم النیسابوری صاحب المستدرک : 96
15- سورة الأعراف : 172
16- فردوس الأخبار للدیلمی 3/ 399
17- النهایة فی مجرّد الفتوى : 69
18- المبسوط فی فقه الإمامیّة 1 / 99
19- خصائص علی : 262 ط المحمودی
20- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9/110
21- الریاض النضرة فی مناقب العشرة 2/213
22- کنز العمال 13/113
23- صحیح الترمذی 2 / 79 ط الصاوی بمصر
24- الأمالی للشیخ الصدوق : 701
25- بحار الأنوار 38/318
26- خصائص أمیر المؤمنین للشریف الرضی : 35
27- الأمالی للشیخ الصدوق : 391
28- شرح التجرید للقوشچی، مبحث الامامة
29- کنز العمال 8 / 342
30- السیرة الحلبیة 2/305
31- کنز العمال 8 / 356 ـ 357
32- فتح العزیز فی شرح الوجیز، ط مع المجموع للنووی 5/229
33- سورة الاحزاب : 43
34- ربیع الأبرار 4/24
35- فتح الباری فی شرح البخاری 11/142
36- شرح المواهب اللدنیّة 5/13
37- سنن النسائی 5 / 253، سنن البیهقی 5 / 113

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فاطمةالمعصومة علیها السلام
من فضائل الإمام علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة
الحديث الفني
استشهاد الامام علي عليه السلام
طفولته وصباه
اهل البیت فی کلام النبی (ص)
إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام )
في ذکرى رحيل بضعة الرسول، فاطمة البتول (س)
أقرب الناس لرسول الله
نشاطات فاطمة الزهراء علیها السلام

 
user comment