عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الامام الهادی علیه السلام و السؤال عن الجبر و التفویض

الامام الهادی علیه السلام و السؤال عن الجبر و التفویض

السؤال: کیف أجاب الامام علی الهادی علیه السلام حین سألوه عن الجبر و التفویض؟

الجواب: بقی لنا من تراث الامام الهادی علیه السلام العلمی شی ء نفیس قیّم، و فی طلیعته رسالته المکرسة لموضوعی «الجبر و التفویض»، حیث شرح فیها المسألة من کل جوانبها، و ابان وجوهها، و جلا غامضها و مشکلها، و أعطى التوضیح الکامل لما عناه جده جعفر بن محمد (ع) بقوله: «لا جبر و لا تفویض، بل أمر بین الأمرین»[1]؛

و هی ما رویت فی الاحتجاج: و مما أجاب به أبو الحسن على بن محمد فی رسالته الى أهل الأهواز، حین سألوه عن الجبر و التفویض بعد کلام طویل ثم قال (ع): و مرادنا و قصدنا الکلام فی الجبر و التفویض و شرحهما و بیانهما، و انما قدمنا لیکون اتفاق الکتاب و الخبر دلیلا لما أردنا و قوة لما نحن مبینوه من ذلک إن شاء اللّه تعالى فقال: الجبر و التفویض بقول الصادق (ع) عندنا، سئل عن ذلک فقال: لا جبر و لا تفویض بل امر بین الأمرین، قیل فما ذا؟ یا ابن رسول اللّه، قال: صحة العمل و تخلیة السرب و المهلة فی الوقت و الزاد قبل الراحلة و السبب المهیج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشیاء، فإذا نقص للعبد منها خلة کان العمل عنه مطرحا، و انا اضرب لکل باب من هذه الأبواب الثلاث و هی الجبر و التفویض و الأمر بین الأمرین مثلا یقرب المعنى للطالب و یسهل له البحث من شرحه و یشهد به القرآن محکم آیاته و تحقق تصدیقه عند ذوى الألباب و اللّه العصمة و التوفیق. ثم قال (ع): فأما الجبر فهو قول من زعم ان اللّه عز و جل جبر للعباد على المعاصی و عاقبهم علیها، و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و کذبه و رد علیه قوله: و لا یظلم ربک أحدا، و قوله جل ذکره: بما قدمت یداک و ان اللّه لیس بظلام للعبید مع آی کثیرة فی مثل هذا. فمن زعم انه یجبر على المعاصی فقد أحال بذنبه على اللّه عز و جل و ظلمه فی عقوبته له، و من ظلم اللّه فقد کذب کتابه، و من کذب کتابه لزمه الکفر بإجماع الامة، المثل المضروب فی ذلک مثل رجل ملک عبدا مملوکا لا یملک نفسه و لا یملک عرضا من عروض الدنیا و یعلم مولاه ذلک منه، فأمره على علم منه بالمصیر الى السوق لحاجة یأتیه بها و لم یملکه ثمن ما یأتیه به و علم المالک على الحاجة رقیبا لا یطمع أحد فی أخذها منه الا بما یرضى به من الثمن، و قد وصف مالک هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحکمة و نفى الجور، فأوعد عبده ان لم یأته بالحاجة ان یعاقبه فلما صار العبد الى السوق و حاول أخذ حاجته التی بعثه المولى للإتیان بها وجد علیها مانعا یمنعه فیها الا بالثمن و لا یملک العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائبا بغیر قضاء حاجة، فاغتاظ مولاه لذلک و عاقبه على ذلک فانه کان ظالما متعدیا مبطلا لما وصف من عدله و حکمته و نصفته، و ان لم یعاقبه کذب نفسه، أ لیس یجب ان لا یعاقبه، و الکذب و الظلم ینفیان العدل و الحکمة تعالى اللّه عما یقول المجبرة علوا کبیرا. ثم قال بعد کلام طویل: فأما التفویض الذی أبطله الصادق و خطأ من دان به فهو قول القائل: ان اللّه عز و جل فوض العباد اختیار أمره و نهیه و اهملهم و فی هذا کلام دقیق لم یذهب الى غمره و دقته الا الأئمة المهدیون (ع) من عترة آل الرسول (ص) فإنهم لو فوض اللّه إلیهم على جهة الإهمال لکان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا به الثواب و لم یکن لهم فیما اجترموا العقاب إذا کان الإهمال واقعا، و نتصرف هذه المقالة على المعنیین اما ان یکون العباد تظاهروا علیه فالزموه قبول اختیارهم بارائهم ضرورة، کره ذلک ام أحب، فقد لزمه الوهن، أو یکون جل و تقدس من عجز عن تعبدهم بالأمر و النهى عن إرادته ففوض أمره و نهیه إلیهم و اجراهما على محبتهم أو عجز عن تعبدهم بالأمر و النهى على إرادته، فجعل الاختیار إلیهم فی الکفر و الایمان، و مثل ذلک مثل رجل ملک عبدا ابتاعه لیخدمه و یعرف له فضل ولایته و یقف عند أمره و نهیه و ادعى مالک العبد انه قاهر قادر عزیز حکیم فأمر عبده و نهاه و وعده على اتباع أمره عظیم الثواب و أوعده على معصیته العقاب فخالف العبد إرادة مالکه و لم یقف أمره و نهیه، فأی امر أمره به أو نهى نهاه عنه لم یأته على إرادة المولى بل کان العبد یتبع إرادة نفسه و بعثه فی بعض حوائجه، و فیما الحاجة له فصدر العبد بغیر تلک الحاجة خلافا على مولاه و قصد إرادة نفسه و اتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد اتکلت على تفویضک الأمر الى فاتبعت هواى و إرادتی لان المفوض الیه غیر محظور علیه لاستحالة اجتماع التفویض و التحظیر، ثم قال (ع) فمن زعم ان اللّه تعالى فوض قبول أمره و نهیه الى عباده فقد اثبت علیه العجز و أوجب علیه قبول کل ما عملوا من خیر أو شر و أبطل أمر اللّه و نهیه. ثم قال (ع): ان اللّه خلق الخلق بقدرته و ملکهم استطاعة ما تعبدهم من الأمر و النهى، و قبل منهم اتباع أمره و رضى بذلک منهم و نهاهم عن معصیة و ذم من عصاه و عاقبه علیها، و للّه الخیرة فی الأمر و النهى یختار ما یرید و یأمر به و ینهى عما یکره و یثیب و یعاقب بالاستطاعة التی ملکها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصیه، لأنه العدل و منه النصفة و الحکمة بالغ الحجة بالاعذار و الإنذار، و الیه الصفوة یصطفى من یشاء من عباده اصطفى محمدا (ص) و بعثه بالرسالة الى خلقه. و لو فوض اختیار أمره الى عباده لأجاز لقریش اختیار أمیة ابن أبى الصلت و أبى مسعود الثقفی إذ کانا عندهم افضل من محمد (ص)، لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القریتین عظیم یعنونهما بذلک فهذا هو القول بین القولین لیس بجبر و لا تفویض. بذلک أخبر أمیر المؤمنین (ع) حین سأله عتابة بن ربعی عن الاستطاعة، فقال أمیر المؤمنین (ع): تملکها من دون اللّه او مع اللّه؟ فسکت عتابة ابن ربعی، فقال له: قل یا عتابة، قال: و ما أقول؟ یا أمیر المؤمنین، قال: تقول تملکها باللّه الذی یملکها من دونک، فان یملکها کان ذلک من عطائه و ان سلبکها کان ذلک من بلائه هو المالک لما ملک و المالک لما علیه أقدرک، اما سمعت الناس یسألون الحول و القوة حیث یقولون: لا حول و لا قوة الا باللّه، فقال الرجل و ما تأویلها یا أمیر المؤمنین؟ قال: لا حول منا عن معاصى اللّه الا بعصمة اللّه و لا قوة لنا عن طاعة اللّه الا بعون اللّه، قال: فوثب الرجل فقبل یده و رجلیه...؛[2] و الحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة.[3]

مصادر:

[1] . الرسالة بنصها فی تحف العقول، 341- 356.

[2] . الإحتجاج، ج 2، ص: 451.

[3] . إحقاق الحق و إزهاق الباطل، ج 1، ص: 420.

مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

كيف نصر الله أنبيائه؟
الكميت بن زيد الأسدي وإخلاصه في أهل البيت عليهم ...
السيد محمد ابن الإمام الهادي (ع)
فاطمةالمعصومة علیها السلام
من فضائل الإمام علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة
الحديث الفني
استشهاد الامام علي عليه السلام
طفولته وصباه
اهل البیت فی کلام النبی (ص)
إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام )

 
user comment