قال صالح بن الحكم كُنتُ واقفيَّاً، ولمّا أخبرني حاجب المتوكل بشأن الإمام علي الهادي (عليه السلام) أخذت أستهزىء به فخرج الإمام وقد ابتسم في وجهي مِن غير معرفة بيني وبينه، وقال لي: يا صالح إن الله تعالى قال بشأن سليمان (عليه السلام): )فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَاب [1](.
وإن نبيّك وأوصياء نبيَّك أكرم على الله تعالى مِن سليمان. فقال صالح إن قول الإمام (عليه السلام) أزال الضلالة من قلبي وتركتُ الوقفَ منذُ لقائي به (عليه السلام).
وقال الحسين بن محمد: لمّا حَبسَ المتوكل الإمام الهادي (عليه السلام) ودفعه عليُّ ابنُ كركر. فقال الإمام (عليه السلام): أنا أكرم على الله من ناقة صالح )تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [2](.
فلما كان من يوم غدٍ أَطلقوا سراحه واعتذروا منه ـ أي ابن كركر وجماعته ـ ، وفي اليوم الثالث وثب على المتوكل جماعةٌ وقتلوه وأقعدوا ابنه المنتصر خليفة مِن بعده [3].
وفي رواية ابي سالم أنَّ المتوكل أمرَ الفتحَ بسبِّهِِ فذكر الفتح ذلك للإمام فقال (عليه السلام) : له )تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ( ولمّا كان اليوم الثالث قُتِلَ المتوكل والفتح بن خاقان معه أيضاً.
وروى محمد بن الحسن الأشتر العلوي: أنَّه قال: كنت مع الإمام علي الهادي (عليه السلام) على باب المتوكل في جمع من الناس مابين طالبي وعباسي وجعفري. فتحالفوا بقولهم: لا نترجل لهذا الغلام، فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا . ثم أقبل أبو الحسن الهادي (عليه السلام) فما أن أبصروه حتى ترجَّلوا جميعاً. فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجّلنا.
وعن اسماعيل بن مهران قال: لما خرج الإمام علي الهادي (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في المرّة الاُولى قلتُ له: جُعلت فداك إني أخاف عليك مِن هذا التوجُّه، فإلى من الأمر من بعدك؟
قال: فكرَّ الإمام بوجهه عليَّ ضاحكاً وقال لي: يا إسماعيل ليس الأمر حيث ظننت في هذه السنة.
ولمّا استدعاه المعتصم صِرت اليه وقلتُ له: جُعلت فداك أنت خارجٌ فإلى مَن هذا الأمرُ من بعدك؟ قال: فبكى الإمام (عليه السلام) حتى اخضلَّت لحيتهُ وقال لي: عند هذه يُخاف علي، والأمر من بعدي إلى ولدي الحسن العسكري.
وروى القطب الراوندي: عن جماعة من أهل أصفهان، أنّ رجلاً فيهم يقال له عبد الرحمن ، وكان شيعياً ، وقيل له مالسبب الذي جعلك تقول بإمامة علي الهادي (عليه السلام) دون غيره؟
فقال: شاهدت ما أوجب ذلك عليَّ ، فقد كنتُ رجلاً فقيراً ، وكانت لي جرأة ولسان فأخرجني أهل أصفهان ، فخرجت ومعي قوم إلى باب المتوكل نشكو له ظلامتنا. وفوجئنا بأمر منه ـ أي المتوكل ـ بإحضار علي الهادي (عليه السلام)، فقلت لبعض مَن حضرَ: مَن هذا الرجل الذي أمر المتوكل بإحضاره؟
فقيل لي: هذا رجل علوي ، تقول الرافضة بإمامته، ومن المحتمل أنَّ المتوكل أحضره للقتل، فقلت: لاأبرحُ مِن مكاني حتى أنظر لهذا العلوي أي رجل هو؟ [4].
قال: فأقبل الإمام الهادي (عليه السلام) راكباً على فرس وقام الناس سماطين يمنةً ويسرةً ينظرون إليه ، فلما رأيته وقع حبُّه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله شرَّ المتوكل عنه، وأخذتُ أُكرر في نفسي الدعاء له، فلما صار بإزائي قال لي: قد استجاب الله دُعاءَك ، وطوَّل عمرك وكثَّرَ مالك وولدك، فارتعدتُ من هيبتهِ ووقعت بين أصحابي فسألوني ما شأنك؟ فقلت خيراً، ولم أُخبِرْ أحداً بما حدث لي.
ثم انصرفنا إلى أصفهان ففتح الله عليَّ الخير بفضل دعاء الإمام، وأنا اليوم أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم سوى مالي الذي خارج داري ورُزقت من الأولاد عشرة. وأنا أقول بإمامته لما شاهدته منه من معاجز واستجابة الدُعاء.
وعن علي بن محمد النوفلي قال: سمعت أبا الحسن الهادي (عليه السلام) يقول: إن اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، وأعطى الله آصف بن برخيا حرفاً واحداً فانخرقت له الأرض وجاء بعرش بلقيس في أقلَّ من طرفة عين.
وعندنا ـ نحن آل محمد ـ اثنان وسبعون حرفاً واستأثر الله بحرفٍ واحدٍ في علم الغيب الذي لم يطلِعْ على علمه أحدا إلاّ مَن ارتضى [5].
[1] ـ الآية/ 36 من سورة ص.
[2] ـ الآية/ 65 من سورة هود.
[3] ـ ج4 ص 439/ مناقب آل ابي طالب: لمحمد بن علي بن شهراشوب.
[4] ـ ج1 ص 436/ القطرة من مناقب النبي والعترة.
[5] ـ ج 4 ص 437/ مناقب آل أبي طالب.
source : www.sibtayn.com