أحد دهاة العرب الخمس، منه بدئت الفتن وإلیه تعود، وتقحمه فی البوائق والمخاریق ثابت مشهور تضمنته طیات الکتب، وتناقلته الآثار والسیر، وإذا استرسلت فی الکلام عن الجور والفجور فحدث عنه ولا حرج، کما تجده فی کلمات الصحابة الأولین، فالبغل نغل وهو لذلک أهل . مات سنة 43هجریه
کانت أمه لیلى أشهر بغی بمکة وأرخصهن أجرة، ولما وضعته ادعاها خمسة کلهم أتوها (یقال: إنه وطئها أربعة هم: العاص، وأبو لهب، وأمیة، وأبو سفیان، و ادعی کلهم عمرا فألحقته بالعاص لإنفاقه على بناتها.)غیر أن لیلى ألحقته بالعاص لکونه أقرب شبها به، وأکثر نفقة علیها، ذکرت ذلک أروى بنت الحارث بن عبد المطلب (1)
وقال الإمام السبط الحسن الزکی سلام الله علیه بمحضر من معاویة وجمع آخر:
أما أنت یا بن العاص فإن أمرک مشترک، وضعتک أمک مجهولا من عهر وسفاح، فتحاکم فیک أربعة من قریش فغلب علیک جزارها، ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوک فقال: أنا شانئی محمد الأبتر فأنزل الله فیه ما أنزل. (2)
وکان الزناة الذین اشتهروا بمکة جماعة منهم هؤلاء المذکورون وأمیة بن عبد شمس، وعبد الرحمن بن الحکم بن أبی العاص أخو مروان بن الحکم، وعتبة بن أبی سفیان أخو معاویة، وعقبة بن أبی معیط. (3)
قال الاسحاقی فی " لطایف أخبار الدول " ص 41: کتب معاویة إلى عمرو بن العاص: إنه قد تردد کتابی إلیک بطلب خراج مصر وأنت تمتنع وتدافع ولم تسیره فسیره إلی قولا واحدا وطلبا جازما، والسلام.
فکتب إلیه عمرو بن العاص جوابا وهی القصیدة الجلجلیة المشهورة :
معاویة الحال لا تجهل * وعن سبل الحق لا تعدل
نسیت احتیالی فی جلق * على أهلها یوم لبس الحلی؟
وقد أقبلوا زمرا یهرعون * مهالیع کالبقر الجفل
وقولی لهم: إن فرض الصلاة * بغیر وجودک لم تقبل
فولوا ولم یعبأوا بالصلاة * ورمت النفار إلى القسطل
ولما عصیت إمام الهدى * وفی جیشه کل مستفحل
أبا البقر البکم أهل الشأم * لأهل التقى والحجى أبتلی؟
فقلت: نعم، قم فإنی أرى * قتال المفضل بالأفضل
فبی حاربوا سید الأوصیاء * بقولی: دم طل من نعثل
وکدت لهم أن أقاموا الرماح * علیها المصاحف فی القسطل
وعلمتهم کشف سوأتهم * لرد الغضنفرة المقبل
فقام البغاة على حیدر * وکفوا عن المشعل المصطلی
نسیت محاورة الأشعری * ونحن على دومة الجندل؟
ألین فیطمع فی جانبی * وسهمی قد خاض فی المقتل
خلعت الخلافة من حیدر * کخلع النعال من الأرجل
وألبستها فیک بعد الأیاس * کلبس الخواتیم بالأنمل
ورقیتک المنبر المشمخر * بلا حد سیف ولا منصل
ولو لم تکن أنت من أهله * ورب المقام ولم تکمل
وسیرت جیش نفاق العراق * کسیر الجنوب مع الشمأل
وسیرت ذکرک فی الخافقین * کسیر الحمیر مع المحمل
وجهلک بی یا بن آکلة الکبود * لأعظم ما أبتلی
فلولا موازرتی لم تطع * ولولا وجودی لم تقبل
ولولای کنت کمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل
نصرناک من جهلنا یا بن هند * على النبأ الأعظم الأفضل
وحیث رفعناک فوق الرؤوس * نزلنا إلى أسفل الأسفل
وکم قد سمعنا من المصطفى * وصایا مخصصة فی علی؟
وفی یوم " خم " رقى منبرا * یبلغ والرکب لم یرحل
وفی کفه کفه معلنا * ینادی بأمر العزیز العلی
ألست بکم منکم فی النفوس * بأولى؟ فقالوا: بلى فافعل
فأنحله إمرة المؤمنین * من الله مستخلف المنحل
وقال: فمن کنت مولى له * فهذا له الیوم نعم الولی
فوال موالیه یا ذا الجلال * وعاد معادی أخ المرسل
ولا تنقضوا العهد من عترتی * فقاطعهم بی لم یوصل
فبخبخ شیخک لما رأى * عرى عقد حیدر لم تحلل
فقال: ولیکم فاحفظوه * فمدخله فیکم مدخلی
وإنا وما کان من فعلنا * لفی النار فی الدرک الأسفل
وما دم عثمان منج لنا * من الله فی الموقف المخجل
وإن علیا غدا خصمنا * ویعتز بالله والمرسل
یحاسبنا عن أمور جرت * ونحن عن الحق فی معزل
فما عذرنا یوما کشف الغطا؟ * لک الویل منه غدا ثم لی
إلا یا بن هند أبعت الجنان * بعهد عهدت ولم توف لی
وأخسرت أخراک کیما تنال * یسیر الحطام من الأجزل
وأصبحت بالناس حتى استقام * لک الملک من ملک محول
وکنت کمقتنص فی الشراک * تذود الظماء عن المنهل
کأنک أنسیت لیل الهریر * بصفین مع هولها المهول
وقد بت تذرق ذرق النعام * حذارا من البطل المقبل
وحین أزاح جیوش الضلال * وافاک کالأسد المبسل
وقد ضاق منک علیک الخناق * وصار بک الرحب کالفلفل
وقولک: یا عمرو؟ أین المفر * من الفارس القسور المسبل؟
عسى حیلة منک عن ثنیه * فإن فؤدادی فی عسعل
وشاطرتنی کلما یستقیم * من الملک دهرک لم یکمل
فقمت على عجلتی رافعا * وأکشف عن سوأتی أذیلی
فستر عن وجهه وانثنى * حیاء وروعک لم یعقل
وأنت لخوفک من بأسه * هناک ملأت من الأفکل
ولما ملکت حماة الأنام * ونالت عصاک ید الأول
منحت لغیری وزن الجبال * ولم تعطنی زنة الخردل
وأنحلت مصرا لعبد الملک وأنت عن الغی لم تعدل
وإن کنت تطمع فیها فقد * تخلى القطا من ید الأجدل
وإن لم تسامح إلى ردها * فإنی لحوبکم مصطلی
بخیل جیاد وشم الأنوف * وبالمرهفات وبالذبل
وأکشف عنک حجاب الغرور * وأیقظ نائمة الأثکل
فإنک من إمرة المؤمنین * ودعوى الخلافة فی معزل
ومالک فیها ولا ذرة * ولا لجدودک بالأول
فإن کان بینکما نسبة * فأین الحسام من المنجل؟
وأین الحصا من نجوم السما؟ * وأین معاویة من علی؟
فإن کنت فیها بلغت المنى * ففی عنقی علق الجلجل
هذه القصیدة المسماة بالجلجلیة کتبها عمرو بن العاص إلى معاویة بن أبی سفیان فی جواب کتابه إلیه یطلب خراج مصر ویعاتبه على امتناعه عنه، توجد منها نسختان فی مجموعتین فی المکتبة الخدیویة بمصر کما فی فهرستها المطبوع سنة 1307 ج 4 ص 314 وروى جملة منها ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة 2 ص 522 وقال: رأیتها بخط أبی زکریا یحیى بن علی الخطیب التبریزی المتوفى 502. (4)
المصادر :
1- بلاغات النساء ص 27، العقد الفرید 1 ص 164، روض المناظر 8 ص 4، ثمرات الأوراق 1 ص 132، دایرة المعارف لفرید وجدی 1 ص 215، جمهرة الخطب 2 ص 363.
2- أخذنا هذه الجملة من حدیث المهاجاة الطویلة الواقعة بین الإمام الحسن بن علی وبین عمرو بن العاص، والولید بن عقبة، وعتبة بن أبی سفیان، والمغیرة بن شعبة، فی مجلس معاویة رواه ابن أبی الحدید فی شرحه 2 ص 101 نقلا عن کتاب المفاخرات للزبیر بن بکار، وذکره سبط ابن الجوزی فی التذکرة ص 114.
3- وإلى هنا ذکره سبط ابن الجوزی فی تذکرته ص 117 عن المثالب.
4- أحد أئمة اللغة والنحو قال ابن ناصر: کان ثقة فی النقل وله المصنفات الکثیرة. کذا ترجم له ابن کثیر فی تاریخه 12 ص 171.
source : .www.rasekhoon.net