وأعلم أن الاتصال به (صلى الله عليه وسلم) والانتساب من أعظم المفاخر وأشرف المآثر عند ذوي العقول والبصائر. وأن أصوله وفروعه(صلى الله عليه وسلم) أشرف أصول وفروع لاتصال نسبهم بنسبه وارتباط حسبهم بحسبه. وقد اتفق العلماء رحمهم الله علي أن السادة الأشراف أحسن الناس عنصرا من جهة الآباء والجدود وأنهم متساوون مع غيرهم في الأحكام الشرعية والحدود. وقد جاء في كثير من الآيات والأحاديث التصريح بفضائل أهل البيت وصحة انتسابهم لجدهم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ومن ذلك قوله تعالي" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " الآية...
قال العلماء قوله أهل البيت , أقاربه أهل بيت النسب وقد جاءت أحاديث تدل علي ذلك منها ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال إن هذه الآية نزلت في النبي(صلى الله عليه وسلم وعلي فاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم. وصح أنه (صلى الله عليه وسلم) جعل علي هؤلاء كساء وقال" اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وتطهرهم تطهيرا". وفي رواية " ألقي عليهم كساء ووضع يده عليهم" وقال " اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك علي آل محمد إنك حميد مجيد".
ومن الآيات الدالة علي فضلهم قوله تعالي فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ " قال أهل التفسير لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فأحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما وقال اللهم هؤلاء أهلي. وفي هذه الآبه دليل صريح علي أن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه (صلى الله عليه وسلم) وينسبون إليه صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة.
حكي أن هارون الرشيد سأل الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه فقال له كيف قلتم نحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنتم بنو علي وإنما ينسب الرجل إلي جده لأبيه دون جده لأمه فقال الكاظم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم" ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيي وعيسي وإلياس" وليس لعيسي أب وإنما الحق بذرية الأنبياء من قبل أمه. وكذلك ألحقنا بذرية نبينا (صلى الله عليه وسلم) من قبل أمنا فاطمة رضي الله عنها. وزيادة أخري يا أمير المؤمنين نزول آية المباهلة. ولم يدع النبي (صلى الله عليه وسلم) غير علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالي عنهم. ذكرها في مجمع الأحباب.
وأما الأحاديث الواردة في فضائل أهل البيت ومزاياهم فهي كثيرة أخرج أبويعلي عن سلامة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال "النجوم أمان أهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف".
وفي رواية للإمام أحمد"فإذ أهلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون". وأخرج الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال" وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم لله تعالي بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم".
وأخرج الترمذي أنه (صلى الله عليه وسلم) قال" إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز وجل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما" وصح أنه (صلى الله عليه وسلم) قال" إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وفي رواية هلك. ومثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له" وأخرج الديلمي أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: "الدعاء محجوب حتى يصلي علي محمد وآل بيته".
وللإمام الشافعي رضي الله عنه:
يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكـم من لم يصل عليكم لا صلاة له
قال بعض العلماء المحققين نفع الله بهم: من أمعن النظر في الواقع والمشاهد وجد أهل البيت إلا من ندرهم القائمون بوظائف الدين والدعوات إلي شريعة سيد المرسلين المتقون لربهم والمقتفون لجدهم يضعون القدم علي القدم ومن يشابه أباه فما ظلم وعلماؤهم هم قادة الأمم والشموس التي تنجاب بها الظلم فهم بركة هذه الأمة الكاشفون عنها في غياهب الكون كل غمة فلابد وأن يوجد في كل عصر طائفة منهم يدفع الله بها عن الناس البلاء فإنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ألم يقل النبي(صلى الله عليه وسلم)" تعلموا منهم ولا تعلموهم وإنكم حزب أبليس إذا خالفتموهم" أما جاء عنه أن المتمسك بهم لا يضل أبدا وأنهم لن يدخلوكم باب ضلالة ولن يخرجوكم عن باب هدي ألم يخبر أنهم أمان هذه الأمة وأن الله قد جعل فيهم الحكمة وأن من ناوأهم فهو عن دين الله مارق ومن ابغضهم فهو بالنص منافق وأخبر انهم لن يفارقوا كتاب الله حتى يجمعهم شاطئ الحوض وإياه.
ما معني ما ورد في الحديث الصحيح انه (صلى الله عليه وسلم) قال يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يابني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فأنى لاأملك لكم من الله شيئا؟ ونحو ذلك من الأحاديث؟
ج- قال العلماء نفع الله بهم لاتعارض بين الحديث المذكور وبين الأحاديث الواردة في فضل أهل بيته(صلى الله عليه وسلم) لأن معني الحديث أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يملك لأحد من الله شيئا لا ضرا ولا نفعا لكن الله يملكه نفع أقاربه بل جميع أمته بالشفاعة العام والخاصة فهو لا يملك إلا ما يملكه له مولاه عز وجل. وكذا قوله(صلى الله عليه وسلم) في رواية(لا أغني عنكم من الله شيئا) أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله به من شفاعة أو مغفرة من أجلي ونحو ذلك. وقد أشار (صلى الله عليه وسلم) إلي حق رحمه لقوله في الحديث المذكور(غير أن لكم رحما سأبلها ببلاها) رواه مسلم. ومعناه سأصلها بصلتها. فأقتضي مقام التخويف إلي خطابهم بذلك مع الإيماء إلي الحق رحمه وقد صحت الأحاديث النبوية في أن نسبة أهل بيته إليه (صلى الله عليه وسلم)، نافعة لهم في الدنيا والآخرة. فمن ذلك ما أخرجه أحمد والحاكم أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها ويبسطني ما يبسطها وأن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وحسبي وصهري. وأخرج الحاكم عن أنس أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم لله تعالي بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم.
وفي فتاوى الإمام العلامة خاتمة المحققين أحمد بن حجر رحمه الله وقد سئل هل الشريف الجاهل أم العالم أفضل؟ وأيهما أحق بالتوقير إذا اجتمعا وأريد تفريق نحو قهوة عليهما فأيهما أولي بالبداة أو أراد شخص التقبيل فأيهما يبدأ به؟ فأجاب رضي الله عنه بقوله في كل منهما فضل عظيم أما الشريف فلما فيه من البضعة الكريمة التي لا يعادلها شئ ومن ثم قال بعض العلماء لا أعادل بضعته (صلى الله عليه وسلم) أحدا وأما العالم العامل فلما فيه من نفع المسلمين وهداية الضالين فهم خلفاء الرسل ووارثو علومهم ومعارفهم. فيقين علي الموفق أن يري للكل من الأشراف والعلماء حقهم من التوقير والتعظيم. والمبدأ به إذا اجتمعا الشريف لقوله (صلى الله عليه وسلم) قدموا قريشا ولما فيه من البضعة الشريفة والمراد بالشريف المنسوب إلي الحسن والحسين رضي الله عنهما وآل بيتهما السلام والله سبحانه وتعالي أعلم.
نفع الانتساب إليه (صلى الله عليه وسلم)
قد صحت الأحاديث في أن النسب إليه (صلى الله عليه وسلم) نافعة في الدنيا والآخرة.فمن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري. رواه ابن عساكر عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فهذا الحديث ونحوها يدل علي عظيم نفع الإنتساب إليه (صلى الله عليه وسلم).
قال العلماء ولا يعارض ذلك ما في أخبار أخر من حثه (صلى الله عليه وسلم) لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته وأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا ولكن الله تعالي يملكه نفع أقاربه فقوله(صلى الله عليه وسلم) لا أغني عنكم شيئا أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله به من نحو شفاعة ومغفرة فخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف به.
كما أخرج البزار والطبراني وغيرهم من حديث طويل: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع. أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وأم رحمي موصولة في الدنيا والآخرة.
وروي الإمام أحمد والحاكم والبيهيقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول علي المنبر :ما بال رجال يقولون أن رحم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لاتنفع قومه يوم القيامة بلي والله أن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة وأني أيها الناس فرط لكم علي الحوض.
source : www.sibtayn.com