عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

من الغالب الحسين عليه السلام ، أم يزيد ؟

من الغالب الحسين عليه السلام ، أم يزيد ؟

بعدما عرفنا أن الهدف الأول للبيت الأموي كان القضاء على الإسلام و إمحاء ذكر النبي ( صلى الله عليه و آله ) و أهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) يتضح لنا جلياً أن هذا الهدف لم يتحقق أبداً بسبب نهضة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) الذي ضحى بنفسه و أهل بيته و أبنائه و أصحابه ( عليهم السلام ) ، و بالعكس فإن أهداف الحسين ( عليه السَّلام ) قد تحققت كلها .

النصر للمؤمنين في الدنيا و الآخرة بنص القرآن :

قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ ، [1]

يقول السيد قطب لدى تفسيره هذه الآية : فأما في الآخرة فقد لا يجادل أحد من المؤمنين بالآخرة في هذه النهاية. و لا يجد ما يدعوه إلى المجادلة. و أما النصر في الحياة الدنيا فقد يكون في حاجة إلى جلاء و بيان.

إن وعد اللّه قاطع جازم : ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ﴾ ، [2] .. بينما يشاهد الناس أن الرسل منهم من يقتل و منهم من يهاجر من أرضه و قومه مكذبا مطرودا ، و أن المؤمنين فيهم من يسام العذاب ، و فيهم من يلقى في الأخدود ، و فيهم من يستشهد ، و فيهم من يعيش في كرب و شدة و اضطهاد .. فأين وعد اللّه لهم بالنصر في الحياة الدنيا ؟ و يدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل، و يفعل بها الأفاعيل! و لكن الناس يقيسون بظواهر الأمور . و يغفلون عن قيم كثيرة و حقائق كثيرة في التقدير.

إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمان ، و حيز محدود من المكان . و هي مقاييس بشرية صغيرة . فأما المقياس الشامل فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان و المكان ، و لا يضع الحدود بين عصر و عصر و لا بين مكان و مكان . و لو نظرنا إلى قضية الاعتقاد و الإيمان في هذا المجال لرأيناها تنتصر من غير شك . و انتصار قضية الاعتقاد هو انتصار أصحابها . فليس لأصحاب هذه القضية وجود ذاتي خارج وجودها . و أول ما يطلبه منهم الإيمان أن يفنوا فيها و يختفوا هم و يبرزوها ! و الناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم ، قريبة الرؤية لأعينهم. و لكن صور النصر شتى. و قد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند النظرة القصيرة .. إبراهيم عليه السّلام و هو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته و لا عن الدعوة إليها .. أ كان في موقف نصر أم في موقف هزيمة ؟ ما من شك ـ في منطق العقيدة ـ أنه كان في قمة النصر و هو يلقى في النار. كما أنه انتصر مرة أخرى و هو ينجو من النار. هذه صورة و تلك صورة. و هما في الظاهر بعيد من بعيد. فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب ! .. و الحسين ـ رضوان اللّه عليه ـ و هو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب ، المفجعة من جانب ؟ أ كانت هذه نصرا أم هزيمة ؟ في الصورة الظاهرة و بالمقياس الصغير كانت هزيمة . فأما في الحقيقة الخالصة و بالمقياس الكبير فقد كانت نصرا . فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب و العطف ، و تهفو له القلوب و تجيش بالغيرة و الفداء كالحسين رضوان اللّه عليه . يستوي في هذا المتشيعون و غير المتشيعين . من المسلمين . و كثير من غير المسلمين ! و كم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته و دعوته و لو عاش ألف عام ، كما نصرها باستشهاده . و ما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة ، و يحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة ، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي يكتبها بدمه ، فتبقى حافزا محركا للأبناء و الأحفاد. و ربما كانت حافزا محركا لخطى التاريخ كله مدى أجيال ..

-------------------------

الهوامش

[1] القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 51 و 52 ، الصفحة : 473 .

[2] القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 51 ، الصفحة : 473 .

 


source : www.tebyan.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التشيّع إتجاه فكري وسياسي
الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ...
البدعة الحسنة والسيئة
المعصومة سلام الله علیها
فکرة عمل الدیود باعث للضوء
حبّ أهل البیت علیهم السلام فی السُنّة المطهّرة
الإمام الباقرعليه السلام وإصلاح الأمّة
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
مع الثورة الحسينية
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على ...

 
user comment