المعنى اللغوي لـ ( أهل البيت ) :
( أهل البيت ) لغةً : سُكَّانُهُ ، و ( آل الرجل ) : أهلُهُ ، ولا يُستعمل لفظ ( آل ) إلا في أهل رجل له مكانة .
المعنى الاصطلاحي لـ ( أهل البيت ) :
وقد جاء ذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) في آيتين من القرآن ، الأولى هي : ( رَحْمَة اللهِ وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أَهْل البَيتِ ) هود : 73 .
والثانية هي : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ أَهْل البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً ) الأحزاب : 33 ، واتفق المفسرون أن المراد بـ ( أهل البيت ) في الآية الأولى هو النبي إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) ، وبالآية الثانية هو النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
وتبعاً للقرآن استعمل المسلمون لفظ ( أهل البيت ) و ( آل البيت ) في أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) خاصة ، واشتهر هذا الاستعمال حتى صار اللفظ عَلَماً لهم ، بحيث لا يفهم منه غيرهم إلا بالقرينة ، كما اشتهر لفظ المدينة بيثرب مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد اتفقت كلمة المسلمين على أن الإمام علي بن أبي طالب ، وزوجته فاطمة الزهراء ، وابنيهما الحسن و الحسين ( عليهم السلام ) من أهل البيت في الصميم ، وأن شجرة النسب النبوي تنحصر فروعها في أبناء فاطمة ( عليها السلام ) ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يُعقب إلا من وُلدها .
منزلة أهل البيت ( عليهم السلام ) عند المسلمين :
إذا أردنا أن نعرف منزلة أهل البيت ( عليهم السلام ) عند المسلمين ، والباعث على تكوين الفرق الإسلامية ، وإيمانها بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، فعلينا أن نلاحظ منزلة الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) عند المسلمين ، وسيرته مع أهل بيته ( عليهم السلام ) .
وأن نلاحظ مع ذلك أخلاق أهل البيت ( عليهم السلام ) أنفسهم ، وما أصابهم من المِحَن في سبيل تمسكهم بما يرونه الحق والعدل ، وكل ما يرونه ( عليهم السلام ) حقاً فهو الحق ، يجب أن نعلم أنَّ حقيقة الإسلام هي الشهادة لله تبارك وتعالى بالوحدانية ، ولمحمد ( صلى الله عليه وآله ) بالرسالة ، أي : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله ) .
فمن أقرَّ لله بالوحدانية ، وجحد رسالة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، أو نسب صفات الخالق إلى غير الله ، أو صفات النبوة إلى غير محمد ( صلى الله عليه وآله ) ممن كان في عصره ، أو جحد آية من القرآن ، أو سُنَّة ثابتة بالضرورة من سُنَنِ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لا يصحُّ عَدُّهُ من المسلمين ، لأنه لا يحمل الطابع الأساسي للإسلام .
فالمسلم إذن من آمن بالله تعالى وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وقرن طاعته الله بطاعة رسوله الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وبهذا نطقت هذه الآية الكريمة : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) الأحزاب : 6 .
والآية الشريفة : ( وَالله وَرَسُوله أَحَقُّ أَنْ تُرْضُوهُ ) التوبة : 62 ، والآية المباركة : ( فَلاَ وَرَبُّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ) النساء : 65 ، والآية الكريمة : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِن هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم : 2 ، وما إلى ذلك من عشرات الآيات المباركات .
كما نقل أصحاب السير والمناقب من السنة والشيعة صوراً كثيرة لعطف النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) على أهل بيته ( عليهم السلام ) وحبه لهم ، ونكتفي بالإشارة إلى بعضها :
الأولى :
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا سافر فآخر بيت يخرج منه بيت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وإذا رجع ( صلى الله عليه وآله ) من سفره فأول بيت يدخله بيتها ( عليها السلام ) .
فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يجلس ويضع الحسن ( عليه السلام ) على فخذه الأيمن ، والحسين ( عليه السلام ) على فخذه الأيسر ، ويقبّل هذا مرة وذاك أخرى ، ويجلس علياً وفاطمة ( عليهما السلام ) بين يديه .
الثانية :
جاء في الحديث أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دخل مرة بيت فاطمة ( عليها السلام ) ودعاها ودعا علياً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، ولفَّ عليه وعليهم كساء ، وتلا الآية الكريمة : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ أَهْل البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً ) الأحزاب : 33 .
والمسلمون يسمُّون هذا الحديث بحديث الكساء ، ويطلقون لفظ ( أصحاب الكساء ) على محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) .
الثالثة :
في إحدى المرَّات خاطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهل بيته ( عليهم السلام ) قائلاً : أنا سِلمٌ لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم .
الرابعة :
أوصى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمته بأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وأوصاهم بالقرآن ، ففي الحديث : ( إِنِّي تاركٌ فيكم الثَّقلين أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) .
وفي الآية الكريمة : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) الشورى : 22 ، والمراد بـ ( القربى ) هم : قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولذا أولاهم المسلمون على اختلاف فرقهم قسطاً كبيراً من الرعاية والتبجيل .
أخلاق أهل البيت ( عليهم السلام ) :
كان الإمام علي ( عليه السلام ) صلباً في الحق ، لا تأخذه فيه لومة لائم ، ولم يكن الحق في مفهومه ما كان امتداداً لِذَاته وسلطانه ، فقد تساهل ( عليه السلام ) في حقوقه الخاصة حتى استغلَّ أعداؤه هذا التساهل ، فعفا ( عليه السلام ) عن مروان بن الحكم بعد أن ظفر به في وقعة الجمل ، وعن عمرو بن العاص حين تمكن منه يوم صفين .
وسقى ( عليه السلام ) أهل الشام من الماء بعد أن منعوه منه ، حتى كاد يهلك جنده عطشاً ، وإنما كان الحق في مفهومه ( عليه السلام ) أن لا يستأثر إنسان على إنسان بشيء كائناً من كان .
فذات يوم جاءته امرأتان تشكوان فقرهما ، فأعطاهما ، ولكنَّ إحداهما سألته أن يفضِّلَها على صاحبتها لأنها عربية ، وصاحبتها من الموالي ، فأخذ ( عليه السلام ) قبضة من تراب ونظر فيه ، وقال : لا أعلم أن الله فضَّل أحداً من الناس على أحد إلا بالطاعة والتقوى ، وأبى ( عليه السلام ) أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة ، إيثاراً للخصاص التي يسكنها الفقراء .
فكان ( عليه السلام ) يلبس المرقَّع حتى استحيا من راقعه كما قال ، وكان راقعه ولده الحسن ( عليه السلام ) ، وكان ( عليه السلام ) يأكل خبز الشعير الذي كانت تطحنه امرأته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بيدها ، وكل ذلك كان مواساة للكادحين والمعوزين .
وأثنى رجل من أصحابه ( عليه السلام ) عليه ، فأجابه ( عليه السلام ) بقوله : إن من أسخف حالات الوُلاة عند صالح الناس أن يُظنَّ بهم حُبُّ الفخر ، ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهتُ أن يكون جالٍ في ظنكم أني أحبُّ الإطراء واستماع الثناء ، فلا تكلموني بما تُكلَّم به الجبابرة .
لقد عَظُم الإمام علي ( عليه السلام ) في تمسكه بالحق ، فحاسب عليه نفسه ، وكذلك عُمَّاله حتى أغضب الكثير منهم ، فبعضهم تركه وهرب إلى عدوِّه معاوية ، وأصبح عوناً له بعد أن كان حرباً عليه .
آمن الإمام علي ( عليه السلام ) بالله عزَّ وجلَّ حقاً ، وقد ورث عنه الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) من ولده هذا الإيمان ، وساروا بسيرته ، وتخلَّقوا بأخلاقه ، فكل واحد منهم ( عليهم السلام ) وافر للعلم ، محبٌّ للخير والسِّلم ، عَزوف عن الشر والحرب ، صارم في الحق .
وإنما ظهر بعض هذه الصفات في شخص أحدهم أكثر من الآخرين تبعاً للظروف ومقتضيات الأحوال ، فظهر في الحسن بن علي ( عليهما السلام ) حُبُّه للسِّلم وكرهه للحرب ، لأن عصره كان عصر الفتن والقلاقل ، فبايعه أهل العراق بالخلافة بعد وفاة أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان جيشه يتألف من أربعين ألفاً .
ولما رأى ( عليه السلام ) أن معاوية مُصرٌّ على الحرب تنازل له عن الخلافة ، مُؤثِراً حقن الدماء وصالِحِ الإسلام على كل شيء .
وظهرت صلابة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الحق ، وضحَّى بنفسه وأهله وأصحابه ، لأن يزيد بن معاوية لم يترك مجالاً للمهادنة .
وظهرت آثار علوم الإمام محمد الباقر وولده الإمام جعفر الصادق ( عليهما السلام ) ، لأن العلم في عصرهما كثر طلابه والراغبون فيه ، وقد أفسح لهما المجال للتدريس وبَثِّ العلوم .
source : www.tebyan.net