المقصود بمسألة الرؤية : إمكان أن يرى الاِنسان الله تعالى بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة . والمقصود بالتشبيه والتجسيم : تشبيه ذات الله تعالى بشيَ من مخلوقاته .
وقد نفى كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت عليهم السلام وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة ، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم ، واستدلوا على ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى ( لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ) . . إلخ . واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة ، لاَن ما يرى بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان .
بينما تبنى الحنابلة وأتباع المذاهب الاَشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية ، القول برؤية الله تعالى بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات رووها ، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك ، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والاَحاديث الصحيحة النافية لاِمكان الرؤية بالعين .
وبسبب الاِرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والاِشتراك في بحوثها ونصوصها تطرقنا هنا لها علی حد سواء .
متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه
تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهده صلى الله عليه وآله وعهد الخليفة أبي بكر هو الاِنسجام مع آيات القرآن النافية لاِمكان الرؤية ، وأن الله تعالى ليس من نوع الاَشياء التي ترى بالعين أو تحس بالحواس الخمس . . لاَنه وجود أعلى من الاَشياء المادية ، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر .
ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده ، فنهض أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها .
وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الاِسلام ، المناقضة لما بَلَّغه النبي صلى الله عليه وآله عن ربه تعالى ، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة ! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الاَحاديث مكذوبة ، بل هي فرية عظيمة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها ! !
عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه
. . . عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب
ثم قرأت : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير ، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت : وما تدري نفس ماذا تكسب غداً ، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك الآية ، ولكنه رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين .(1)
. . . عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ، وهو يقول : لا تدركه الاَبصار ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب ، وهو يقول : لا يعلم الغيب إلا الله . انتهى . وروى نحوه في ج 2 جزء 4 ص 83 وج 3 جزء 6 ص 50 وج 4 ص 83 وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب ( الوهابية والتوحيد) .(2)
موج الفرية جاء من الشام
مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الاَحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم ، وأن يكتب المسلمون عنهم ، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر ، ولكن الدولة الاَموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام ، ووصلت إلى المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة !
تدل الرواية التالية على أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم ، وسبب ذلك أن كعب الاَحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية ، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم على المسلمين ، ويظهر أن أول من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتى تأصلت أفكارهم فيهم .
ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الاِسلامي كانت موطناً للتشبيه والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر ! فلا توجد في العالم الاِسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالى التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام ، فقد صارت كلمة ( متاولة ) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها ، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه ( متوالي ) أي متأول ! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيت عليهم السلام وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له !
ـ قال الشیخ الصدوق في التوحيد حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال : حدثنا الحسين بن أشكيب قال : أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي ، عن أسد بن سعيد النخعي قال : أخبرني عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال : قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام : يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل ، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس ، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى ، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين ، وجلَّ عن أوهام المتوهمين ، واحتجب عن أعين الناظرين ، لا يزول مع الزائلين ، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم .(3)
الظاهر أن المراد بالعبد النبي صلى الله عليه وآله حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام وعلى أي حال يدل على استحباب الصلاة عليه . انتهى . ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الاَنوار : بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف ، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، أن نتخذه مصلى.(4)
ولا يبعد أن يكون مقصود الاِمام الباقر عليه السلام بتعبيره ( أهل الشام ) بني أمية ، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيت عليهم السلام وهذا يدعونا إلى القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الاَول ، الخليفة عمر رغم أنه أعطى كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره ، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة ، وكما نرى في الموقف التالي لعلي عليه السلام حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً على أفكاره التجسيمية اليهودية !
عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال : يا كعب أحافظ أنت للتوراة .
قال كعب : إني لاَحفظ منها كثيراً .
فقال رجل من جنبة المجلس : يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه . فقال عمر : يا كعب هل عندك من هذا علم ؟
فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين نجد في الاَصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه !
قال ابن عباس : وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضراً فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله .
قال عمر: غص عليها يا غواص ، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم.
فالتفت علي عليه السلام إلى كعب فقال :
غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه ! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته ، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته ، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الاَذهان ، وقولي ( كان ) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل ( خلق الاِنسان علمه البيان ) فقولي له ( كان ) ما علمني من البيان لاَنطق بحججه وعظمته ، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الاَشياء ، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شيء ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شيء كما خلق النور من غير شيء ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الاَخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب ، وذلك قوله : وكان عرشه على الماء ليبلوكم .
يا كعب ويحك ، إن من كانت البحار تفلته على قولك ، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه ، فضحك عمر بن الخطاب وقال : هذا هو الاَمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب ، لاعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن . انتهى .
وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الاَحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا علي عليه السلام وقد قبل الخليفة تنزيه عليّ لله تعالى ووبخ كعب الاَحبار في ذلك المجلس ، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالى ، وأنه يجلس على عرشه ويطقطق العرش من ثقله . . إلخ .(5)
وابن عباس يحكم بشرك من يشبه الله تعالى بغيره
ـ قال الديلمي في فردوس الاَخبار عن ابن عباس : من شبه الله عز وجل بشيء أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شيء ، فهو من المشركين .
ـ وروى الطبري في تفسيره عن ابن عباس قوله تعالى : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يقول : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك .
ـ وقال النويري في نهاية الاِرب قال وهب : واختلف العلماء في معنى التجلي ، قال ابن عباس : ظهر نوره للجبل .
ـ وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد واختلف الصحابة رضي الله عنهم هل رأى ربه تلك الليلة أم لا ؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه ، وصح عنه أنه قال : رآه بفؤاده.(6)
ثم قال ابن قيم الجوزية : وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا : إن قوله ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى إنما هو جبريل . وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نور ، أنى أراه ! أي : حال بيني وبين رؤيته النور ، كما قال في لفظ آخر : رأيت نوراً . وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره .
ثم قال ابن قيم الجوزية : قال شيخ الاِسلام ابن تيمية قدس الله روحه : وليس قول ابن عباس : إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال : رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الاِسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه ، وعلى هذا بنى الاِمام أحمد قدس سره وقال : نعم رآه حقاً فإن رؤيا الاَنبياء حق ولا بد ، ولكن لم يقل أحمد قدس سره أنه رآه بعيني رأسه يقظة ، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه ، ولكن قال مرة رآه ، ومرة قال رآه بفؤاده ، فحكيت عنه روايتان ، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه ، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك .
والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه إفتراء . وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالى يرى بالعين أو أن النبي صلى الله عليه وآله رأى ربه بعينه .
وأبو هريرة يوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود
يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية . . إلى أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها ! قال ابن ماجة في سننه: . . . عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف ، ثم يقال له فيم كنت ؟ فيقول : كنت في الاِسلام فيقال له : ما هذا الرجل فيقول : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له : هل رأيت الله فيقول : ما ينبغي لاَحد أن يرى الله ، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له : أنظر إلى ما وقاك الله ، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له : هذا مقعدك ، ويقال له : على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله .(7)
وكان الجمهور يرون رأي عائشة ويكذبون أحاديث الرؤية بالعين
ـ وقال الذهبي في تاريخ الاِسلام
محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان : أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخارى وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً ، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية والنزول ، ويحرم المسكر توفي سنة 264 هـ في رمضان . انتهى . ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل على أنه يوجد كثيرون ينفونها .(8)
ـ وقال الطوسي في تفسير التبيان
روى مسروق عن عائشة أنها قالت : من حدثك أن رسول الله رأى ربه فقد كذب : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ولكن رأى جبرئيل في صورته مرتين . وفي رواية أخرى أن مسروقاً لما قال لها : هل رأى محمد ربه قالت : سبحان الله لقد قف شعري مما قلت ! ثم قرأت الآية . وقال الشعبي : قالت عائشة : من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، وقرأت الآية ، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم . وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة ، وتأولوا الآية على الاِحاطة ، وقد بينا فساد ذلك .(9)
علي عليه السلام يوضح ما لم توضحه عائشة
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعمه العادون ، ولا يؤدي حقه المجتهدون .
الذي لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود .
فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتد بالصخور ميدان أرضه .
أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الاِخلاص له ، وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فيم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلى منه .
كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده.(10)
المصادر :
1- صحيح البخاري ج 6 ص 50
2- صحيح البخاري ج 8 ص 166
3- الصدوق في التوحيد ص 179
4- العياشي في تفسيره ج 1 ص 59 ، المجلسي في بحار الاَنوار ج 102 ص270
5- المجلسي في بحار الاَنوار ج 44 ص 194
6- الديلمي في فردوس الاَخبار ج 4 ص 206/ الطبري في تفسيره ج 9 ص 38/ النويري في نهاية الاِرب ج 7 جزء 13 ص 211/ ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج 3 ص 29 ـ 30
7- ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1426
8- الذهبي في تاريخ الاِسلام ج 20 ص 153
9- الطوسي في تفسير التبيان ج 4 ص 226
10- نهج البلاغة ج 1 ص 14
source : .www.rasekhoon.net