الملاحظ من المعارف و المفاهیم الاسلامیة و طریقة تعامل الانبیاء و الأئمة علیهم السلام و منهم صاحب الزمان (عج) مع خصومهم أنهم لا یخوضوا معرکة مع اعداء الدین و خصوم العدالة و الانسانیة الا بعد ان یبینوا لهم اهدافهم و السبیل الذی یدعون الیه و بعد القاء الحجه علیهم بما لا یبقی عندهم ادنى شک او ریبة فی أحقیة الرسالة و الدعوة الالهیة. و هذا المعنى واضح - کما یذکر المفسرون- فی آیات الذکر الحکیم و کلمات المعصومین (ع) کقوله تعالى " وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"[1]
و هناک نقاش بین المفسّرین حول نوع العذاب المقصود هنا، و هل هو نوع من أنواع العذاب الذی یقع فی الدنیا أو فی الآخرة، أم المقصود به هو عذاب «الاستیصال» الذی یعنی العذاب الشامل المدمّر کطوفان نوح مثلا؟ إنّ ظاهر الآیة الکریمة یدل على الإطلاق، و هو بالتالی یشمل کل أنواع العذاب.[2]
الا ان العلامة الطباطبائی فی معرض تفسیره للآیة المذکورة قال: ظاهر السیاق الجاری فی الآیة و ما یتلوها من الآیات بل هی و الآیات السابقة أن یکون المراد بالتعذیب التعذیب الدنیوی بعقوبة الاستئصال، و یؤیده خصوص سیاق النفی «وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ» حیث لم یقل: و لسنا معذبین و لا نعذب و لن نعذب بل قال: «وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ» الدال على استمرار النفی فی الماضی الظاهر فی أنه کانت السنة الإلهیة فی الأمم الخالیة الهالکة جاریة على أن لا یعذبهم إلا بعد أن یبعث إلیهم رسولا ینذرهم بعذاب الله.[3]
و بما أن الحرب التی تنشب بین الامام (عج) و خصوم الدین فی حقیقتها نوع من العذاب الالهی فمن هنا لابد ان تسبقها الحجة و البرهان و الزامهم بالحجة لیکون عمله (عج) مصداقا للآیة الکریمة و لا یتنافى مع روح الاسلام و منهجه فی الدعوة الى الله.
و علیه، فان الامام (عج) لا یخرج بحال من الاحوال عن الخط العام للرسالة و انه لا یقوم بأی حرکة قسریة الا بعد ان یلقی الحجة.
و الجدیر بالذکر ان تعریف الناس بنسبه الشریف و اخبارهم بحاله یعد احدى مصادیق الحجة و البرهان و الا کیف یذعن الناس لشخص لا یعرفون من هو؟! فلابد ان یظهر الامام کل ما یکون عاملا مساعدا فی القاء الحجة و بیان أحقیته (عج) و حرکته الاصلاحیة التی تمثل روح و جوهر حرکة جده الرسول الاکرم (ص).
[1] الاسراء، 15.
[2] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 8، ص: 421، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[3] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 13، ص 57، دفتر النشر الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
source : www.islamquest.net