بعد وفاه النبى الخاتم(صلی الله عليه وآله وسلم)انطلقت المسيرة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء، بعد ان اقيمت عليها الحجة فى عهد البعثة، قال تعالى: (ولقد اهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليومنوا كذلك نجزى القوم المجرمين* ثم جعلناكم خلائف فى الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون)(1). ومن فضل اللّه-تعالى- على بنى الانسان انه احاط القافلة البشرية الخاتمة بالحجة الدائمه، بمعنى ان المعجزات التى كان اللّه-تعالى- يويد بها رسله قبل البعثة الخاتمة كانت تنتهى بوفاة الرسول، ولكن اللّه عندما استخلف الامة الخاتمة ايدها بمعجزات، منها ما انتهى بوفاه النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، ومنها ما استمر بعد وفاته وسار مع القافلة على امتداد المسيره، ومن امثله ذلك القرآن الكريم واحاديث الاخبار بالغيب، فهذه المعجزات مهمتها ارشاد بنى الانسان الى طريق الهدايه، الذى تتحقق به السعاده فى الدنيا بما يوافق الكمال الاخروى، وهى شاهد صدق على نبوّة النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، بمعنى ان ارشادات النبى وتعاليمه، هى فى حقيقه الامر دعوه الى الجنس البشرى، على امتداد المسيره من الحاضر الى المستقبل، للايمان بنبوّة النبى الخاتم(صلی الله عليه وآله وسلم)، فمن تبين حقيقه ارشاده، ولم يومن به فى اى زمان، كان كمن كذبه عند بدايه البعثة ونزول الوحى، ويقتضى المقام ان نلقى بعض الضوء على هذه المعجزات:
معجزات بين يدى الموكب
1-القرآن الكريم
القرآن معجزه باقيه حتى يرث اللّه الارض ومن عليها، وقد تولى اللّه حفظه، فلا يمكن بحال ان يناله التغيير او التبديل، قال تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)(2) ، وجميع المعارف الالهيه والحقائق الموجوده فى القرآن تستند الى حقيقه واحده هى التوحيد، ولقد وصف اللّه-تعالى- القرآن بالحكيم، لانه كتاب لا يوجد فيه نقطه ضعف او لهو حديث، ولا انحراف فيه فى جميع الاحوال، كما لا يوجد فيه اى اختلاف، وفى هذا دليل على انه منزل من اللّه تعالى، لان اقوال الناس لا تخلو -فى المراحل المختلفه- من الاختلاف والانحراف ولهو الحديث ونقاط الضعف، وعجز الناس على الاتيان بمثل القرآن دليل على اعجازه، وعجز المشركين عن معارضته دليل على التوحيد، وخضوع الاعناق للقرآن يعنى ان اسناده الى اللّه - تعالى- يحتاج الى دليل سوى القرآن نفسه.
وفى عهد البعثة كان القرآن الملجا الوحيد للنبى(صلی الله عليه وآله وسلم)عندما كان يقيم حجته على الناس، ولقد بين لهم النبى الخاتم ما انزل اليهم من ربهم على امتداد البعثة، والزم القرآن الناس بان يكون لهم فى النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)اسوه حسنه، وجعل اتباع الرسول(صلی الله عليه وآله وسلم)شرطا فى حب اللّه، ولقد بين القرآن والسنه -منذ اليوم الاول للمسيره- ان كل راى دينى يجب ان ينتهى الى القرآن الكريم، حتى لا يتمكن الاجانب من نشر الاباطيل بين المسلمين، كما بين القرآن والسنه ان كتاب اللّه لا يقبل النسخ والابطال والتهذيب والتغيير، وان اى تعطيل سيفتح الطريق امام سنن الاولين.
2- الاخبار بالغيب عن اللّه
من لطف اللّه-تعالى- بعباده انه اخبر على لسان الانبياء والرسل بالغيب، فاخبر بما ينتظر الانسان فى اليوم الاخر حيث اهوال القيامه ولهيب النار ونعيم الجنه، واخبر باساليب الشيطان والقاءاته الى قيام الساعه، كما اخبر بمضلات الفتن، مقدماتها ونتائجها، واخبر بالامور العظيمه التى ما زالت فى بطن الغيب، والاخبار بالغيب حجه بذاته، وبه يمتحن اللّه-تعالى- عباده، قال عز وجل: (ليعلم اللّه من يخافه بالغيب) (3)، وقال:
(وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب)(4).
وان اى حدث لا بد ان تكون له مقدمه يترتب عليها نتيجه، والناس عند صنعهم لمقدمه الحدث، كبيرا كان او صغيرا، يعلمون جانب الحلال فيه وجانب الحرام، بما اودعه اللّه فيهم من الفطره، ولان اللّه-تعالى-، وهو العليم المطلق، يعلم مصير هذه المقدمه وما يترتب عليها من نتائج ما زالت فى بطن الغيب، يخبر -سبحانه- على لسان الانبياء والرسل بما ينتظر الناس من نتائج، لكى ياخذوا باسباب الهدى ويتجنبوا اسباب الضلال، وباختصار: فان من اخذ باسباب الدجال سقط فى سلته، وهوى فى نار جهنم يوم القيامه، ومن اخذ باسباب الهدى شرب من حوض النبى(صلی الله عليه وآله وسلم).
ان اللّه-تعالى- يمتحن الناس باخذهم الاسباب، وهم تحت مظله الامتحان والابتلاء يتمتعون بحريه الاخذ بها، وكل مسيره -على امتداد الزمان- يتخللها ماض وحاضر ومستقبل، والماضى يحمل دائما فى احشائه الزاد، ومهمه الحاضر ان يستمد منه اسباب الهدى، وينطلق بها الى المستقبل، فمن ادركه الموت وهو على هدى، بعثه اللّه على نفس السبب، وكل انسان سيصل الى ما هاجر اليه، وان اخبار الغيب التى جاء بها رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)كشفت المسيره، وظهر ما فى بطونها من زاد الماضى، واذا وقف الحاضر امام هذا الزاد ثم رجع القهقرى بتحليل الحوادث التاريخيه، يصل الى المقدمه فى الماضى البعيد، فاذا امعن النظر فيها وجد انها تحتوى على اصول القضايا واعراقها التى يراها فى حاضره، فكما تكون المقدمه تكون النتيجه، والدعوة الالهيةالخاتمة امرت باتقاء الفتن، وهذا لا يتحقق الا بالبحث فى اصول القضايا، قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان اللّه يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون* واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه) (5)، والنبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بين ان الحاضر اذا رضى بانحراف الماضى، شارك بالمشاهده وان لم يحضر، قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (اذا عملت الخطيئه فى الارض، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها)(6).
والنبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بين لامته المقدمات والنتائج حتى قيام الساعه، ليكونوا على بينه من امرهم، وياخذوا باسباب الاهداف التى للّه فيها رضا، فعن ابى زيد قال: (صلى بنا رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فاخبرنا بما كان وبما هو كائن، فاعلمنا احفظنا) (7)، وعن انس قال: (قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): من احب ان يسال عن شىء فليسال عنه، فواللّه لا تسالونى عن شىء الا اخبرتكم به ما دمت فى مقامى هذا)(8)، وعن حذيفه قال: (واللّه انى لاعلم الناس بكل فتنه هى كائنه فى ما بينى وبين الساعه، كان رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)يحدث مجلسا انا فيه عن الفتن، فقال(صلی الله عليه وآله وسلم)وهو يعدها: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار ومنها كبار، قال حذيفه: فذهب اولئك الرهط كلهم غيرى)(9)، وعنه ايضا انه قال: (ما من ثلاثمائه تخرج الا ولو شئت سميت سائقها وناعقها الى يوم القيامه)(10)، وقال ايضا: واللّه ما ادرى انسى اصحابى ام تناسوا، واللّه ما ترك رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)من قائد فتنه الى ان تنقضى الدنيا يبلغ معه ثلاثمائه فصاعدا، الا قد سماه باسمه واسم ابيه واسم قبيلته)(11).
لقد اقام النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)الحجة عند المقدمه، وهو يخبر بالغيب عن ربه، وعندما انطلقت المسيره بعد وفاته(صلی الله عليه وآله وسلم)تحت سقف الامتحان والابتلاء، لم تخل المسيره من الفتن، بدليل ان حذيفه الذى يعرف الفتن وقادتها قال بعد وفاه النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)باقل من ثلاثين عاما: (انما كان النفاق على عهد النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، فاما اليوم فانما هو الكفر بعد الايمان) ، وقال: (ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون)(12)، وقال: (ان كان الرجل يتكلم بالكلمه على عهد رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)فيصير منافقا، وانى لاسمعها من احدكم فى المقعد الواحد اربع مرات)(13).
والطريق من توضيح النبى للفتن وهى فى بطن الغيب الى ظهور الفتن فى عالم المشاهده، طريق يخضع للبحث، بهدف اتقاء الفتن المهلكه، وحصار وقودها فى دائره الذين ظلموا خاصه، وعدم البحث فى هذا الطريق يفتح ابوابا عديده، منها مشاركه الذين ظلموا اذا رضى عن فعلهم، لان الراضى عن فعل قوم كالداخل معهم، وقد جاء فى الحديث الشريف: (المرء مع من احب)(14)، وكما ان عدم البحث يلقى بالحاضر على الماضى، فكذلك يلقى به على ما يستقبله من فتن مهلكه. عن حذيفه انه قال: (تعرض الفتن على القلوب، فاى قلب انكرها نكتت فى قلبه نكته بيضاء، واى قلب لم ينكرها نكتت فى قلبه نكته سوداء، حتى يصير القلب ابيض مثل الصفا، لا تضره فتنه ما دامت السماوات والارض، والاخر اسود مربدا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، الا ما اشرب فى هواه)(15).
وما زالت فى بطن الغيب احداث واحداث، لا ينجو منها العالم الا بعلمه، وكذلك فان هناك احداثا اذا جاءت لا ينفع نفسا ايمانها يومئذ، لانها لم تبحث على امتداد الطريق، فانتج ذلك عدم معرفه الحق على امتداد الطريق، ولما كان الحق عند هذه النفس يخضع لتحديد الاهواء، تسقط النفس فى سله الدجال التى تحتوى على جميع الاهواء، وما يستقبل الناس من آيات كبرى، جاء فى قوله تعالى: (يوم ياتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون) (16)، (فالايه الكريمه بينت ان هناك آيات لا ينفع عند ظهورها ايمان، ومن لم يكن مصلحا يومئذ تائبا لم تقبل منه توبته، كما ان اللّه لا يقبل عملا صالحا من صاحبه اذا لم يكن قد عمل به قبل ذلك، ومن هذه الايات:
الدخان، والدابه، وخروج ياجوج وماجوج، ونزول عيسى بن مريم، وخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها)(17).
وبالجمله، فقد اخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بالغيب عن ربه جل وعلا، لياخذ الناس باسباب الهدايه نحو ما يستقبلهم من احداث ما زالت فى بطن الغيب، والاخذ بالاسباب من الوسائل التى يمتحن اللّه-تعالى- بها عباده، واخبار الرسول بالغيب هو فى حقيقته دعوه للايمان باللّه، لانه يامر بالاستقامه، ويبين ان عدم الاستقامه يودى الى كفران النعمه، ويفتح الطريق امام الفتن، وكفران النعمه عقوبته سلب نعمه الهدايه، وبه ياتى الهلاك، وطريق الفتن يلقى باتباعه تحت اعلام الدجال، قال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (ما صنعت فتنه منذ كانت الدنيا، صغيره او كبيره، الا لفتنه الدجال)(18).
التحذيرات الذهبيه
1- التحذير من الاختلاف
نهى اللّه - تعالى- فى كتابه الكريم عن الاختلاف فى الدين فى اكثر من آيه، منها قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) (19)، وقال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): (لا تختلفوا، فان من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)(20)، وقال جل شانه: (واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا) (21)، وقال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (انى تارك فيكم الثقلين احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتى اهل بيتى، وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)(22).
وحذر -تعالى- من عاقبه الاختلاف فى الدين فى اكثر من آيه من كتابه الكريم، منها قوله تعالى: (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شىء انما امرهم الى اللّه ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) (23)، قال المفسرون: اى ان الذين فرقوا دينهم بالاختلافات والانشعابات المذهبيه بعد ان جاءهم العلم، ليسوا على طريقتك التى بنيت على وحده الكلمه ونفى الفرقه، انما امرهم فى هذا التفريق الى ربهم فينبئهم يوم القيامه بما كانوا يفعلون، ويكشف لهم حقيقه اعمالهم، والايه عامه، تعم اليهود والنصارى والمختلفين بالمذاهب والبدع من هذه الامة.
وفى الوقت الذى امرت فيه الدعوة الالهيةالخاتمة بعدم الاختلاف، اخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بالغيب عن ربه العليم المطلق، بان الامة ستختلف من بعده وسيتبع بعضها سنن اليهود والنصارى، قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان بنى اسرائيل تفرقت احدى وسبعين فرقه، فهلك احدى وسبعون فرقه، وخلصت فرقه واحده، وان امتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقه تهلك احدى وسبعون وتخلص فرقه، قيل: يا رسول اللّه، من تلك الفرقه؟ قال:
الجماعه، الجماعه)(24)، اما اتباع سنن الاولين ففى قوله تعالى: (وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم اللّه ولهم عذاب مقيم* كالذين من قبلكم كانوا اشد منكم قوه واكثر اموالا واولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذى خاضوا اولئك حبطت اعمالهم فى الدنيا والاخره واولئك هم الخاسرون) (25)وروى ابن جرير ان رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)قال فى هذه الايه:
(حذركم اللّه ان تحدثوا فى الاسلام حدثا وقد علم انه سيفعل ذلك اقوام من هذه الامة، فقال تعالى: (فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم...) «الايه السابقه»، وانما حسبوا ان لا يقع بهم من الفتنه ما وقع ببنى اسرائيل قبلهم، وان الفتنه عائده كما بدات)(26)، وروى ابن كثير عن ابن عباس، قال: (ما ىىىىاشبه الليله بالبارحه، (كالذين من قبلكم) هولاء بنو اسرائيل شبهنا بهم، والذى نفسى بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل جحر ضب لدخلتموه)(27)، وعن ابى سعيد الخدرى قال: قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم)، قالوا: يا رسول اللّه، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟(28)، وقال المفسرون: ان المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض، وانهم جميعا والكفار ذو طبيعه واحده فى الاعراض عن ذكر اللّه والاقبال على الاستمتاع بما اوتوا من اعراض الدنيا من اموال واولاد، والخوض فى آيات اللّه، ثم فى حبط اعمالهم فى الدنيا والاخره والخسران، ومعنى الايات: انتم كالذين من قبلكم، كانوا اشد منكم قوه، واكثر اموالا واولادا، فاستمتعوا بنصيبهم، وقد تفرع على هذه المماثله انكم استمتعتم كما استمتعوا وخضتم كالذى خاضوا، اولئك حبطت اعمالهم فى الدنيا والاخره واولئك هم الخاسرون، وانتم ايضا امثالهم فى الحبط والخسران.
لقد حذرت الدعوة الالهيةعند المقدمه من الاختلاف فى الدين، وذكرت ان الاختلاف بعد العلم لا يمكن ان يضع اصحابه على طريقه رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، لانها طريقه بنيت على وحده الكلمه ونفى الفرقه، وحذرت الدعوة ايضا من سلوك سبيل الذين اوتوا الكتاب، وبينت برامجهم واهدافهم، واخبرت بانهم يصدون عن سبيل اللّه، ويعملون من اجل ان تضل الامة وتتبع طريقتهم فى الحياه، ثم اخبر رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)بالغيب عن ربه بما يستقبل الناس، ومنه: ان الامة ستفترق وسيتبع بعضها طريقه اليهود والنصارى، والتحذير عند المقدمه فيه ان الصراع قائم بين الحق والباطل، وظهور الذين اتبعوا اليهود والنصارى عند نهايه الطريق، لا يعنى سقوط المسيره، وانما يعنى سقوط الغثاء والزبد الذى لا قيمه له، واعلام هولاء يحملها المنافقون والمنافقات، كما ظهر فى صدر الايه الكريمه.
2- التحذير من امراء السوء
حذرت الدعوة الخاتمة من الميل الى الذين ظلموا، لان على اعتابهم ياتى ضعف العقيده وفقدان القدوه، وبينت ان قيام الذين ظلموا بتوجيه الحياه العقليه والدينيه للامه، ينتج عنه شيوع المشكلات الزائفه التى تشغل الراى العام، وتجعله داخل دائره الصفر، حيث الجمود والتخلف، وعلى ارضيه الجمود تفتح الابواب لسنن الاولين، ومعها يختل منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال، وبهذا يتم التعتيم على نور الفطره وتغيب الحقيقه تحت اعلام الترقيع والتلجيم التى تلبست بالدين، قال تعالى: (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون اللّه من اولياء ثم لا تنصرون) (29)، قال المفسرون: نهى اللّه-تعالى- النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)وامته عن الركون الى من اتسم بسمه الظلم، بان يميلوا اليهم، ويعتمدوا على ظلمهم فى امر دينهم او حياتهم الدينيه، لان الاقتراب فى امر الدين او الحياه الدينيه من الذين ظلموا، يخرجهما عن الاستقلال فى التاثير، ويغيرهما عن الوجهه الخالصه، ولازم ذلك السلوك الى الحق عن طريق الباطل، او احياء حق باحياء باطل، او اماته الحق لاحيائه.
والنبى(صلی الله عليه وآله وسلم)اخبر ان الامة ستركن الى هولاء، وامر بان تاخذ بالاسباب، لان اللّه-تعالى- ينظر الى عباده كيف يعملون، فعن ثوبان قال: قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): (انما اخاف على امتى الائمه المضلين) (30)، وعن ابى هريره قال: قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم):
(يهلك امتى هذا الحى من قريش)، قالوا: فما تامرنا يا رسول اللّه؟ قال: (لو ان الناس اعتزلوهم)(31)، وعن خباب بن الارث قال: انا لقعود على باب رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)ننتظره ان يخرج لصلاه الظهر، اذ خرج علينا فقال: اسمعوا، فقلنا: سمعنا، ثم قال:
اسمعوا، فقلنا: سمعنا، فقال: (انه سيكون عليكم امراء فلا تعينوهم على ظلمهم، فمن صدقهم بكذبهم فلن يرد على الحوض)(32)، وعن حذيفه قال: (قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم):
سيكون عليكم امراء يظلمون ويكذبون، فمن صدقهم بكذبهم واعانهم على ظلمهم، فليس منى ولست منه، ولا يرد على الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعينهم، فهو منى وانا منه، وسيرد على الحوض)(33)، ومن هذه الاحاديث يستنتج ان الامراء ضد خط اهل البيت، بدليل انهم لن يردوا على الحوض، وفى الحديث ان اهل البيت مع القرآن ولن ينفصلا حتى يردا على الحوض، ويستنتج ايضا ان اهل البيت لن يكونوا فى صدر القافلة، وان هناك احداثا ستودى الى ابعادهم عن مركز الصداره، بدليل وجود الائمه المضلين وامراء ىىىىالظلم، فلو كان اهل البيت فى الصداره، ما اتخذوا هولاء بطانه لهم، لان اهل البيت مع القرآن، والقرآن نهى عن ذلك.
وبالجمله، اخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بوجود تيار فى بطن الغيب سيعمل ضد سياسه اهل البيت، وان هذا التيار لن يرد على الحوض، لقوله(صلی الله عليه وآله وسلم): (لا يبغضنا احد ولا يحسدنا احد الا ذيد يوم القيامه عن الحوض)(34)، وقوله لعلى بن ابى طالب: (يا على، معك يوم القيامه عصا من عصى الجنه تذود بها المنافقين عن حوضى)(35)، وامر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بمواجهه هذا التيار باعتزالهم وعدم اعانتهم وعدم تصديقهم، وروى عن ابن مسعود، قال:
قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان رحى الاسلام دائره، وان الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار، وستكون عليكم ائمه ان اطعتموهم اضلوكم وان عصيتموهم قتلوكم، قالوا: فكيف نصنع يا رسول اللّه؟ قال: كونوا كاصحاب عيسى، نصبوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت فى طاعه، خير من حياه فى معصيه)(36)، وروى عن معاذ قال: قلت يا رسول اللّه: ارايت ان كان علينا امراء لا يستنون بسنتك، ولا ياخذون بامرك، فما تامرنى فى امرهم؟ فقال: (لا طاعه لمن لم يطع اللّه عز وجل)(37).
وروى عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان اول ما دخل النقص على بنى اسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول:
يا هذا، اتق اللّه ودع ما تصنع فانه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك ان يكون اكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض، ثم تلا قوله تعالى: (لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم) الى قوله: (فاسقون)(38)ثم قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم):
(كلا -واللّه- لتامرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتاخذن على يدى الظالم ولتاطرنه على الحق اطرا (اى: لتردنه الى الحق)، ولتقصرنه على الحق قصرا، او ليضربن اللّه بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم)(39)، وقال(صلی الله عليه وآله وسلم): (مثل القائم على حدود اللّه والمدهن فيها، كمثل قوم استهموا على سفينه فى البحر، فاصاب بعضهم اعلاها، واصاب بعضهم اسفلها، فكان الذين فى اسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين فى اعلاها، فقال الذين فى اعلاها: لا ندعكم تصعدون فتوذوننا، فقال الذين فى اسفلها: فاننا ننقبها من اسفلها فنستقى، فان اخذوا على ايديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وان تركوهم غرقوا جميعا)(40).
كانت هذه بعض تعاليم النبوّة لمواجهه الظلم والجور فى وقت ما على امتداد المسيره، اما بعد استفحال الظلم والجور، نتيجه للثقافات التى عمل منها المنافقون واهل الكتاب غثاء مهمته النباح تاييدا للجلادين، والتصفيق للزبانيه ومصاصى الدماء، يقول النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (ما ترون اذا اخرتم الى زمان حثاله من الناس، قد مرجت عهودهم ونذورهم فاشتبكوا، وكانوا هكذا (وشبك بين اصابعه)، قالوا: اللّه ورسوله اعلم، قال: تاخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، ويقبل احدكم على خاصه نفسه، ويذر امر العامه)(41)، وفى روايه: (اتق اللّه عز وجل، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بخاصتك، واياك وعوامهم)(42).
وبالجمله، بين النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)ان صنفا من الناس سيحرص على الاماره من بعده، قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (انكم ستحرصون على الاماره، وستصير حسره وندامه يوم القيامه، نعمت المرضعه وبئست الفاطمة)(43). نعم المرضعه: لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمه وتحصيل اللذات الحسيه، وبئست الفاطمة: اى بعد الموت لان صاحبها يصير الى المحاسبه.
قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (ليتمن اقوام ولوا هذا الامر، انهم خروا من الثريا وانهم لم يولوا شيئا)(44)، وليس معنى هذا ان الاسلام لا يعترف بالقياده والاماره، فالاسلام يقوم على النظام، وفيه لكل شىء ذروه، والحديث يحذر غير اصحاب الحق من ان ينازعوا الامر اهله، لانه فى المنازعه ضياع للامانه، قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم):
(اذا ضيعت الامانه فانتظر الساعه، قالوا: كيف اضاعتها يا رسول اللّه؟ قال: اذا اسند الامر الى غير اهله، فانتظروا الساعه)(45).
ويفسر هذا ما روى عن داود بن ابى صالح، قال: (اقبل مروان بن الحكم يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على قبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، فقال: اتدرى ما تصنع؟ واقبل عليه واذا هو ابو ايوب الانصارى، فقال: نعم، جئت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)ولم آت الحجر، سمعت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)يقول: لا تبكوا على الدين اذا وليه اهله، ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير اهله)(46).
وبين النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)للامه اسباب الهدى على امتداد المسيره، تحت مظله الامتحان والابتلاء، بين الاسباب فى عصر فيه الصحابه، وبينها فى عصر فيه التابعون، وبينها فى عصور جاءت بعد ذلك، واللّه تعالى ينظر الى عباده كيف يعملون.
3- التحذير من ذهاب العلم
ان كل موجود يحظى بالعلم بقدر ما يحظى بالوجود، واللّه-تعالى- يرفع الذين آمنوا على غيرهم بالعلم، ويرفع الذين اوتوا العلم منهم درجات، بمعنى ان العلم له مكان فى دائره الذين آمنوا، وهذه الدائره مراتب ولها ذروه، قال تعالى: (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) (47)، وذروه الذين اوتوا العلم، مع الذين ارتبطوا بكتاب اللّه، ولن ينفصلوا حتى يردوا على الحوض، ومن دائره الذروه تخرج المعارف الحقه والعلوم المفيده، لان الذين فى الذروه هم العامل الذى يحفظ الاخلاق ويحرسها فى ثباتها ودوامها، ولان من عندهم تتدفق العلوم التى تصلح اخلاق الناس، ليكونوا اهلا لتلقى المزيد من المعارف الحقه، التى لا تكون فى متناول البشر الا عندما تصلح اخلاقهم.
وكما ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)امر امته بان يمسكوا بحبل اللّه ليردوا على الحوض، اخبر كذلك -بالغيب عن ربه- بان العلم سيرفع، ورفعه هو نتيجه لذهاب اوعيته، عن ابى الدرداء قال: (كنا مع النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، فشخص ببصره الى السماء ثم قال: هذا اوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شىء، فقال زياد بن لبيد: كيف يختلس منا، وقد قرانا القرآن؟ فواللّه لنقرانه ولنقرئنه نساءنا وابناءنا، قال: ثكلتك امك يا زياد، ان كنت لاعدك من فقهاء اهل المدينه، هذه التوراه والانجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغنى عنهم؟)(48)، وفى روايه عن شداد بن اوس قال: (وهل تدرى ما رفع العلم؟ ذهاب اوعيته)(49)، وفى روايه عن ابى امامه قال: (وهذه اليهود والنصارى بين اظهرهم المصاحف، لم يصبحوا يتعلقون بحرف واحد مما جاءتهم به انبياوهم، وان من ذهاب العلم ان يذهب حملته، وان من ذهاب العلم ان يذهب حملته، وان من ذهاب العلم ان يذهب حملته)(50)، وقال فى تحفه الاحوازى:
(ومعنى هذه التوراه والانجيل عند اليهود والنصارى، اى ان القراءه دون علم وتدبر محل نظر، وقال القارى: اى: فكما لم تفدهم قراءتهما مع عدم العمل بما فيهما فكذلك انتم)(51).
وعلى امتداد المسيره ظهر ما كان فى بطن الغيب، ظهر الذين يقراون القرآن لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرميه، وظهر الذين قراوا ثم نقروا ثم اختلفوا ثم ضرب بعضهم رقاب بعض، وظهر الذين قراوا ثم اعتزلوا ثم خرجوا على جيرانهم بالسيوف ورموهم بالشرك، بينما كانوا هم الى الشرك اقرب، وظهر الذين لا يقراون القرآن الا فى حفلات النفاق التى يشرف عليها اليهود والنصارى فى كل مكان، وعلى اكتاف هولاء وهولاء، انطلق البعض فى طريق التقدم الى الخلف، وارتبط مصيرهم بمصير الذين سبقوهم، قال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان بنى اسرائيل انما هلكت حين كثرت قراوهم)(52)، واخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بان الذين يقراون القرآن لا يجاوز تراقيهم، نطف فى اصلاب الرجال وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا سلابين، وقال:
(لا يزالوت يخرجون، حتى يخرج آخرهم مع الدجال)(53)، وفى روايه: (كلما قطع قرن نشا قرن، حتى يكون مع بيضتهم الدجال)(54).
وبالجمله، اقام النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)الحجة فى اول الطريق، وانطلقت مع المسيره حتى نهايه الطريق، وامر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)امته ان تاخذ بحبل اللّه حتى لا يضلوا، وقال: (ما من نبى بعثه اللّه عز وجل فى امه قبلى الا له من امته حواريون واصحاب ياخذون بسنته ويقتدون بامره، ثم انها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يومرون، فمن جاهدهم بيده فهو مومن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مومن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مومن، وليس وراء ذلك من الايمان حبه خردل)(55)، وقال فى الفتح الربانى: (الحواريون هم خلصان الانبياء واصفياوهم، والخلصان هم الذين نقوا من كل عيب. وقيل:
الخلصان هم الذين يصلحون للخلافه بعد الانبياء)(56).
لقد دافع الاسلام عن العلم، ولم يقاتل يوما من اجل الكرسى، وامر بالجهاد للابقاء على الذروه التى تفيض بالعلم الال-هى ذروه كل العلوم واشرف العلوم، لان هولاء وحدهم هم الذين يحملون النور المحمدى، ذلك النور الذى يعتبر برزخا بين الناس وبين النور الال-هى، الذى تندك له الجبال.
العتره بين التحذير والابتلاء
ان اللّه-تعالى- يمتحن الناس بالناس، قال تعالى: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنه اتصبرون وكان ربك بصيرا) (57)، فدائره الهدى على امتداد المسيره البشرية، فتنه لسائر الناس يمتحنون بها، فيميز بها اهل الريب من اهل الايمان، والمتبعون للاهواء من طلاب الحق الصابرين على طاعه اللّه وسلوك سبيله، وكما ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)امر امته بان يتمسكوا بحبل العتره حتى لا يضلوا، وقال: (اذكركم اللّه فى اهل بيتى، اذكركم اللّه فى اهل بيتى، اذكركم اللّه فى اهل بيتى)(58)، وقال: (انى تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا: كتاب اللّه وعترتى اهل بيتى)(59)، فانه اخبر امته بانهم سيمتحنون باهل بيته، قال: (انكم ستبتلون فى اهل بيتى من بعدى)(60)، واخبر -بالغيب عن ربه- بما سيسفر عنه الامتحان، فقال: (ان اهل بيتى سيلقون من بعدى من امتى قتلا وتشريدا)(61).
واخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)على بن ابى طالب بما سيجرى عليه من بعده، وقال له: (ان الامة ستغدر بك بعدى، وانت تعيش على ملتى، وتقتل على سنتى، من احبك احبنى، ومن ابغضك ابغضنى، وان هذه (يعنى لحيته) ستخضب من هذا (يعنى راسه)(62)، وروى ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)قال له: (الا احدثك باشقى الناس؟ رجلين، احيمر ثمود الذى عقر الناقه، والذى يضربك يا على على هذا (يعنى راسه) حتى تبتل منه هذه (يعنى لحيته)(63).
واخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)الحسين بن على بما سيجرى عليه من بعده، وروى ابن كثير عن عمره بنت عبد الرحم-ن انها قالت: اشهد لقد سمعت عائشه تقول: انها سمعت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)يقول:
(يقتل الحسين بارض بابل)(64)، وروى الحاكم عن ابن عباس، قال: (ما كنا نشك واهل البيت متوافرون ان الحسين يقتل بالطف) (65)، وروى ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)قال: (ان ابنى هذا يقتل بارض من ارض العراق يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره)(66)، وقال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (اخبرنى جبريل ان ابنى الحسين يقتل بعدى بارض الطف، وجاءنى بهذه التربه واخبرنى ان فيها مضجعه) (67).
والخلاصه، ان اللّه يختبر الناس بالناس، وبهذا الاختبار يظهر اهل الريب من اهل الايمان، قال تعالى: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنه) (68)، وقال سبحانه: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهولاء من اللّه عليهم من بيننا اليس اللّه باعلم بالشاكرين) (69)، وقال تعالى: (وهو الذى جعلكم خلائف فى الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فى ما آتاكم) (70)، والدعوة الخاتمة بينت الدرجات. وامر -تعالى- بموده قربى النبى، حيث قال: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى) (71)، وبينت الدعوة ان الذين لا يصلون ما امر اللّه به ان يوصل، والذين لم ياخذوا بما امرهم -تعالى- به من طاعه، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه من نهى، فهولاء خاسرون فى الدنيا والاخره، قال تعالى: (الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر اللّه به ان يوصل ويفسدون فى الارض اولئك هم الخاسرون) (72)، وقال جل شانه: (فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا فى الارض وتقطعوا ارحامكم* اولئك الذين لعنهم اللّه فاصمهم واعمى ابصارهم)(73).
وبينت الدعوة الالهية الخاتمة ان عدم موده الذين امر اللّه بمودتهم، يفتح الطريق امام موده اعداء الفطره، وقد امروا بعدم مودتهم، قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالموده وقد كفروا بما جاءكم من الحق) (74)، فالايه تنهى عن موده المشركين والكفار، وتنهى ان يتخذوا اولياء واصدقاء واخلاء، قال تعالى حاكيا عن ابراهيم قوله لقومه: (وقال انما اتخذتم من دون اللّه اوثانا موده بينكم فى الحياه الدنيا ثم يوم القيامه يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا)(75) ، قال المفسرون:
وبخهم على سوء صنيعهم فى عباده الاوثان، وقال: انما اتخذتم هذه ليجتمعوا على عبادتها صداقه والفه منكم، بعضكم لبعض فى الحياه الدنيا، ثم يوم القيامه ينعكس هذا الحال، فتصبح هذه الصداقه والموده بغضا وشنانا، وتتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الاتباع المتبوعين، والمتبوعون الاتباع.
فالطريق يبدا بامر اللّه ونهيه، وعلى امتداد الطريق يمتحن اللّه الناس ببعضهم، فمن سلك فى ما امر اللّه به نجا، ومن لم ياخذ بوصايا اللّه ضل، واللّه-تعالى- امر بصله الارحام، وذروه الارحام عتره النبى الخاتم(صلی الله عليه وآله وسلم)، قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان اللّه - تعالى- جعل ذريه كل نبى فى صلبه، وان اللّه- تعالى- جعل ذريتى فى صلب على بن ابى طالب)(76)، وقال: (ان لكل بنى اب عصبه ينتمون اليها الا ولد فاطمة فانا وليهم وانا عصبتهم)(77)، وقال:
(نحن خير من ابنائنا، وبنونا خير من ابنائهم، وابناء بنينا خير من ابناء ابنائهم)(78)، وهكذا فكما ان للعلم درجات، فللارحام درجات، وميزان هذه الدرجات هو التقوى والعلم باللّه، فمن التف حول الذين امر اللّه بمودتهم شرب من الماء، ومن ابى فتحت عليه موده اخرى يتهوك فيها تهوك اليهود فى الظلم، ويوم القيامه يعض على يديه، قال تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا* يا ويلتى ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا* لقد اضلنى عن الذكر بعد اذ جاءنى وكان الشيطان للانسان خذولا* وقال الرسول يا رب ان قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا)(79).
وعلى امتداد المسيره الاسلاميه، قامت طائفه الحق بالدفاع عن الفطره، ولم يضرها من عاداها او من خذلها، وفى عهد الامام على، خرج عليه اصحاب الاهواء، فقاتلهم الامام على تاويل القرآن، وعنه انه قال: (امرنى رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين)(80)، فالناكثون: اهل الجمل، والقاسطون: اهل الشام، والمارقون: الخوارج، وانطلقت مسيره الامام -رضى اللّه عنه- باعلام الحميه، وروى ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)قال له: (انت اخى وابو ولدى، تقاتل فى سنتى وتبرى ذمتى، من مات فى عهدى فهو كنز اللّه، ومن مات فى عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم اللّه له بالامن والايمان، ما طلعت شمس او غربت، ومن مات يبغضك مات ميته جاهليه، وحوسب بما عمل فى الاسلام)(81)، وقال(صلی الله عليه وآله وسلم): (من خرج من الطاعه وفارق الجماعه فمات، فميتته جاهليه، ومن قاتل تحت رايه عميه، يغضب لعصبته ويقاتل لعصبته وينصر عصبته، فقتل، فقتلته جاهليه، ومن خرج على امتى يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى لمومنها ولا يفي الذى عهدها، فليس منى ولست منه)(82).
وعلى هذا الضوء، انطلقت الامة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء، واللّه-تعالى- ينظر الى عباده كيف يعملون لاستحقاق الثواب والعقاب يوم القيامه.
المصادر :
1- يونس: 13-14
2- الحجر: 9
3- المائده: 94
4- الحديد: 25
5- الانفال: 24-25
6- رواه ابو داود، حديث رقم 4345.
7- رواه مسلم، الصحيح: 18/16،واحمد، الفتح الربانى: 21/272.
8- رواه احمد والبخارى ومسلم، كنز العمال: 11/421.
9- صحيح مسلم: 18/15.
10- رواه نعيم وسنده صحيح، كنز العمال: 11/271.
11- رواه ابو داود، حديث رقم 4222.
12- رواه البخارى، الصحيح: 4/230.
13- رواه احمد واسناده جيد، الفتح الربانى: 19/173.
14- رواه البخارى، الصحيح: 4/77.
15- رواه الامام احمد والحاكم وصححه، كنز العمال: 11/119.
16- الانعام: 158
17- تفسير ابن كثير: 2/195.
18- رواه احمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح، الزوائد: 7/335.
19- آل عمران: 105
20- رواه البخارى، كنز العمال: 1/177.
21- آل عمران: 103
22- رواه الامام احمد والترمذى/الفتح الربانى: 1/186.
23- الانعام: 159
24- رواه احمد، الفتح الربانى: 24/6،والترمذى وصححه، الجامع: 4/25.
25- التوبه:68-69
26- تفسير ابن جرير: 10/122.
27- تفسير ابن كثير: 2/368.
28- رواه احمد والبخارى ومسلم، الفتح الربانى: 1/197.
29- هود: 113
30- رواه احمد ومسلم والترمذى، الفتح الربانى: 27/31.
31- رواه البخارى، الصحيح: 2/280،ومسلم، الصحيح: 18/41،واحمد، الفتح الربانى: 23/39.
32- رواه احمد، الفتح الربانى: 23/30،وابن حبان فى صحيحه.
33- رواه احمد والبزار، الزوائد: 5/248،وابن ابى عاصم، كتاب السنه: 2/353.
34- رواه الطبرانى، كنز العمال: 12/104.
35- رواه الطبرانى، وقال الهيثمى: رجاله ثقات: 9/135.
36- رواه الطبرانى عن ابن مسعود، كنز العمال: 1/216،ورواه عن معاذ، كنز العمال: 1/211.
37- رواه عبداللّه بن احمد، واسناده جيد، الفتح الربانى: 23/44.
38- المائده: 78-81
39- رواه ابو داود، حديث رقم 4337،وقال الهيثمى: رواه الطبرانى، ورجاله رجال الصحيح، الزوائد: 7/269.
40- رواه احمد والبخارى، الفتح الربانى: 19/177،والترمذى وصححه، الجامع: 4/470.
41- رواه الطبرانى، وقال الهيثمى: رجاله ثقات، الزوائد: 7/279.
42- رواه احمد، واسناده صحيح، الفتح الربانى: 23/12.
43- رواه احمد، الفتح الربانى: 23/22،والبخارى، الصحيح: 4/235.
44- 33-رواه احمد، وقال الهيثمى: رجاله ثقات، الفتح الربانى: 23/23.
45- 34-رواه البخارى، الصحيح: 4/128.
46- 35-رواه احمد، ورجاله ثقات، الفتح الربانى: 23/132،الزوائد: 5/245،والحاكم وصححه، واقره الذهبى، المستدرك: 4/515.
47- «المجادله:11
48- رواه الترمذى وقال: حديث صحيح، تحفه الاحوازى: 7/412.
49- رواه احمد، والترمذى وحسنه، والحاكم وصححه، الفتح الربانى: 1/183.
50- رواه احمد والطبرانى بسند صحيح، الزوائد: 1/200.
51- تحفه الاحوازى: 7/413.
52- رواه الطبرانى، كنز العمال: 10/268،الزوائد: 1/189.
53- رواه احمد ورجاله ثقات، الزوائد: 6/299.
54- رواه الطبرانى واسناده حسن، الزوائد: 6/230.
55- 43-رواه مسلم واحمد، الفتح الربانى: 1/190،وابن عساكر، كنز العمال: 6/73.
56- 44-الفتح الربانى: 1/190.
57- الفرقان: 20
58- رواه مسلم، الصحيح: 7/123.
59- رواه الترمذى وحسنه، الجامع: 5/662،والنسائى، كنز العمال: 1/172.
60- رواه الطبرانى، كنز العمال: 11/124.
61- رواه الحاكم ونعيم بن حماد، كنز العمال: 11/169.
62- رواه احمد، والحاكم وصححه، المستدرك: 3/142،والدارقطنى، والخطيب، كنز العمال: 11/167،والبيهقى، البدايه: 6/218.
63- قال الهيثمى: رواه احمد والبزار، ورجاله ثقات، الزوائد: 9/136،والحاكم والبيهقى بسند صحيح، المستدرك:
64- البدايه والنهايه: 6/218،كنز العمال: 13/136. 51-البدايه والنهايه: 8/177.
65- رواه الحاكم، وقال السيوطى: سنده صحيح، الخصائص، السيوطى: 2/213.
66- البدايه والنهايه: 8/199،كنز العمال: 12/126،الخصائص الكبرى: 2/213،اسد الغابه: 1/349،الاصابه: 1/68.
67- الطبرانى فى الكبير والاوسط باختصار، الزوائد: 9/188،والماوردى فى اعلام النبوّة بسند صحيح، ص: 83.
68- الفرقان: 20
69- الانعام: 53
70- الانعام: 165
71- الشورى: 23
72- البقره: 27
73- محمد: 22-23
74- الممتحنه: 1
75- العنكبوت: 25
76- الطبرانى عن جابر، والخطيب عن ابن عباس، كنز العمال: 11/600.
77- رواه الحاكم وابن عساكر، كنز العمال: 12/98.
78- رواه الطبرانى، كنز العمال: 12/104.
79- الفرقان: 27-30
80- البدايه والنهايه: 7/334،كنز العمال: 11/292.
81- رواه ابو يعلى، وقال البوصيرى: رجاله ثقات، كنز العمال: 13/159.
82- رواه مسلم، كنز العمال: 3/509،واحمد، الفتح الربانى: 23/52.