المقصود بالروم في الأحاديث الواردة عن آخر الزمان وظهور المهدي عليه السلام : الشعوب الأوربية وامتدادهم في القرون الأخيرة في أمريكا. فهؤلاء هم أبناء الروم، وورثة أمبراطوريتهم التاريخية.
قد يقال: إن الروم الذين أنزل الله تعالى فيهم سورة من كتابه العزيز وسماها باسمهم، والذين حاربهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون من بعده، هم غير هؤلاء. فأولئك هم البيزنطيون الذين كانت عاصمتهم مدينة روما في إيطاليا، ثم صارت مدينة القسطنطينية، حتى فتحها المسلمون أخيراً قبل نحو500 سنة، وسموها (إسلام بول) ويلفظها الناس استنبول.
والجواب: صحيح أن الروم عند نزول السورة الكريمة باسمهم، وعند صدور الأحاديث الشريفة عنهم، كانوا هم أصحاب الإمبراطورية الرومية أو البيزنطية المعروفة. ولكن الغربيين الفعليين ليسوا غيرهم، بل هم امتدادهم السياسي والحضاري بل أولئك جزء منهم، فإن الشعوب الفرنسية والبريطانية والألمانية وغيرها، كانت أجزاء حقيقية من الإمبراطورية الرومية في ثقافتها وسياستها ودينها، وتسميتها بالمستعمرات الرومانية آنذاك لايلغي هذه الحقيقة. بل إن أباطرة الروم البيزنطيين أنفسهم الذين كانت عاصمتهم في روما وقسطنطينية على مدى الألفي سنة، لم يكونوا كلهم من أصل إيطالي ولا من عرق واحد، بل من أصول وأعراق أوربية متعددة، وربما كان فيهم يونانيون أيضاً، بعد أن أصبحت اليونان جزءً من الإمبراطورية الرومانية.
ولعل هذا هو السبب في أنه عندما ضعفت الإمبراطورية الرومية التقليدية، وأصبحت محصورة في القسطنطينية وما حولها ومحاصرة ببحر الشعوب الإسلامية، قام الأوربيون بادعاء وراثتها، وتسمى عدد من ملوكهم في ألمانيا وغيرها بالقياصرة.
إن هذا النوع من التحول في الإمبراطوريات والدول أمر طبيعي، حيث ينتقل الحكم فيها من بلد إلى بلد ومن شعب إلى شعب، ولا ينافي ذلك بقاء اسمها الأساسي وصفاتها الأساسية.
وعلى هذا، فالأحاديث الشريفة التي تخبر عن مستقبل الروم أو بني الأصفر كما كان يسميهم العرب، لا تقصد الروم البيزنطيين الإيطاليين فحسب دون الشعوب والقبائل الفرنجية التابعة لهم.
وهذا هو السبب في أن المسلمين، كما في كتب التاريخ، يعبرون عنهم بالروم الفرنجة أحياناً، ولكنهم في نفس الوقت يطلقون عليهم جميعاً اسم الروم، ويجمعونها فيقولون: (الأروام)
مضافاً إلى ذلك، فإن المفهوم من سورة الروم الشريفة، والحديث فيها عن شركهم بالله تعالى وعن أحزابهم وأشياعهم في الآيات31-32، وفي سورة الكهف الآيات12، و21، وغيرها، أن المقصود بهم الأمم والأحزاب المدعية اتباع المسيح عليه السلام. ومن الواضح أن زعامة الشعوب المسيحية كانت بيد الروم الإيطاليين والقسطنطينيين، ثم ورثها منهم الغربيون.
وقد ورد ذكر الروم في أحاديث كثيرة من أحاديث عصر الظهور:
منها أحاديث فتنتهم وسيطرتهم على بلاد المسلمين التي تقدم ذكرها. ومنها أحاديث تحرك أساطيلهم إلى بلاد العرب قبيل ظهور المهدي عليه السلام.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إذا رأيت الفتنة في بلاد الشام فالموت حتى يتحرك بنو الأصفر فيسيرون إلى بلاد العرب، فتكون بينهم الوقائع). (الملاحم والفتن ص 107).
وفتنة الشام تطلق في أحاديث الظهور على مرحلة الصراعات التي تكون في بلاد الشام بعد فتنة السيطرة الأجنبية على الأمة الإسلامية..
وهذا يعني أن الغربيين- بني الأصفر- يجدون أنفسهم مضطرين للتدخل العسكري المباشر، بعد أن يعجزوا عن السيطرة على منطقة ماحول فلسطين بسبب مقاومة أهلها وتياراتها السياسية المتصارعة. وأن تدخلهم العسكري سوف يواجه مقاومة من مسلمي البلاد العربية.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى اجتمعوا. وينادي مناد من قبل المغرب بعد ما يغيب الشفق: يا أهل الباطل اجتمعوا. وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند كهف الفتية، فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم، منهم رجل يقال له مليخا وآخر خملاها، وهما الشاهدان المسلَِمان للقائم). ( البحار:52/275).
ولعل هذا التحرك العسكري يكون استمراراً للتحرك السابق أو هو نفسه. ويدل الحديث على أنه يكون قريباً من ظهور المهدي عليه السلام، لأن النداء في شهر رمضان يتبعه تسلسل الأحداث إلى محرم، حيث يكون ظهور المهدي عليه السلام في ليلة العاشر ويوم العاشر منه.
ويبدو أن الجيش الغربي يقصد سواحل بلاد الشام، فينزل في عكا وصور كما في بعض الروايات، وعند كهف الفتية أصحاب الكهف، أي في أنطاكية من الساحل السوري التركي، كما في هذا الحديث.
وقد وردت أحاديث عن الفتية أهل الكهف، وأن الله تعالى يظهرهم في آخر الزمان؟ ليكونوا آية للناس، وأنهم يكونون من أصحاب المهدي، كما سنذكره في أصحاب المهدي عليه السلام.
والحكمة من إظهارهم عند نزول الجيوش الغربية في تلك الفترة الهامة أن يكونوا آية للمسيحيين، خاصة وأن أصحاب المهدي عليه السلام يستخرجون من غار في أنطاكية النسخ الأصلية من التوراة والإنجيل كما تذكر الأحاديث، ويحتجون بها على الروم واليهود.
وقد يكون هذا الغار نفس كهف الفتية أو كهفاً آخر.
وجاء في بعض الأحاديث ذكر مارقة الروم الذين ينزلون الرملة في سنة ظهور المهدي عليه السلام، فعن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام قال:
(وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية الغرب). (بشارة الإسلام ص102).
ومما يلفت في هذا المجال ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام في تفسير مطلع سورة الروم: ( ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). (سورة الروم: 1-5) عن الإمام الباقر عليه السلام أنه فسر نصر الله للمؤمنين بظهور المهدي عليه السلام وكأنه نصره على الروم. ( المحجة للبحراني ص170).
ومنها، أحاديث نزول عيسى عليه السلام وأنه يدعوهم إلى الإسلام واتباع المهدي عليه السلام، التي وردت في تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ). (الزخرف:61) وقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً). (سورة النساء:159) أي: وإنه لآية من آيات الساعة، وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود إلا وسيؤمن بعيسى عليه السلام عندما ينزله الله إلى الدنيا، فيرونه ويرون آياته ويصدقون به قبل أن يتوفاه الله تعالى.
وقد ورد أن عيسى يحتج على الروم بالمهدي عليه السلام والآيات التي تظهر على يديه: (وبه عيسى بن مريم يحتج على الروم). (البحار:52/226).
ولابد أنه سيكون له عليه السلام دور أساسي في تغيير الأوضاع السياسية، وتنوير الشعوب الغربية للوقوف في وجه حكوماتها، كما سنذكره في نزوله عليه السلام.
ومنها، أحاديث الهدنة بين المسلمين والروم، وهي تدل على أنها اتفاقية عدم اعتداء يوقعها معهم الإمام المهدي عليه السلام.
والمرجح أنها تكون بعد معركة القدس الكبرى التي تدور في مثلث عكا -القدس- أنطاكية، بين جيش المهدي عليه السلام وجيوش السفياني ومن وراءه من اليهود والروم، وبعد انتصار المهدي عليه السلام ودخوله القدس، ونزول المسيح عليه السلام.
ونرجح أن يكون للمسيح دور الوساطة فيها. فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا عوف أعدد ستة تكون بين يدي الساعة.. وفتنة لا يكون بيت من العرب إلا دخلته، وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر. ثم يغدرونكم فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية إثنا عشر ألفاً). ( بشارة الإسلام ص 235).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بينكم وبين الروم أربع هدن، الرابعة على يد رجل من آل هرقل، تدوم سنين (سنتين) فقال له رجل من عبد القيس يقال له السؤدد بن غيلان: مَن إمام الناس يومئذ، فقال: المهدي من ولدي). (البحار:51/80).
وفي بعض الأحاديث أن مدة الإتفاقية تكون سبع سنوات، ولكن الغربيين ينقضونها بعد سنتين فقط ويغدرون بالمسلمين، ويأتون تحت ثمانين غاية أي راية أو فرقة في نحو مليون جندي، فتكون المعركة معهم في سواحل فلسطين وبلاد الشام أيضا، وتكون على أثرها انطلاقة المهدي عليه السلام إلى فتح أروبا والعالم غير الإسلامي، كما يأتي في حركة ظهوره المقدس.
ومنها، أحاديث علاقة السفياني بالروم، وهروب من يبقى من أصحابه بعد هزيمته إلى بلاد الروم، ثم مطالبة أصحاب المهدي بهم، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إذ قام القائم وبعث بجيشه إلى بني أمية هربوا إلى الروم، فيقولون لهم لا ندخلكم حتى تدخلوا في ديننا فيفعلون ويدخلونهم. فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم (أي نزل جيشهم في مواجهة الروم) طلبوا الأمان والصلح فيقول أصحاب القائم لانفعل حتى تدفعوا إلينا أهل ملتنا فيدفعونهم إليهم). ( البحار:51/88).
بل تدل أحاديث أخرى أن ثقافة السفياني غربية، وأنه يكون في بلاد الروم ثم يأتي إلى بلاد الشام ويقوم بحركته كما سنذكره، ففي غيبة الطوسي ص278: ( يقبل السفياني من بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب، وهو صاحب القوم).
ومنها، أحاديث فتح المهدي عليه السلام لبلاد الروم، ودخولهم في الإسلام على يده. والمرجح أن يكون ذلك على أثر نقضهم معاهدة الهدنة، وحملتهم العسكرية على ساحل فلسطين وبلاد الشام، التي تنتهي بهزيمتهم.
كما أن المرجح أن تكون هذه أشد معارك الروم مع المهدي عليه السلام، وأن يحدث بعدها في شعوبهم تحول نحو الإسلام.
وفي بعض الأحاديث: (يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفاً من المسلمين) (بشارة الإسلام ص297) ولا يبعد أن يكون سقوط هذه العاصمة الغربية بتظاهرات الغربيين وتكبيرهم، والتي يشاركهم فيها الإمام المهدي عليه السلام وأصحابه.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ( ثم تسلم الروم على يده فيبني لهم مسجداً، ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه، ثم ينصرف). (بشارة الإسلام ص251).
والمرجح أن يكون للمسيح عليه السلام التأثير الأساسي في تحول الشعوب الغربية وأن يكون ذلك في فترة الهدنة التي تدوم بين الغربيين والمهدي عليه السلام سنتين أو ثلاث سنوات، وأن يكون عيسى عليه السلام في هذه المرحلة في الغرب، أو يكون أكثر تواجده فيه.
المرجح عندنا أن المقصود بالترك في أحاديث حركة الظهور الشريفة هم الروس ومن حولهم من شعوب أوربا الشرقية. فهم وإن كانوا مسيحيين تاريخياً، ومن شعوب مستعمرات الإمبراطورية الرومية، حتى أنهم ادعوا وراثتها وتسمى ملوكهم بالقياصرة، كما فعل الألمان وغيرهم.
إلا أنهم: أولاً، من قبائل منطقة الشرق الآسيوي الأوربي المتعددة، التي تسمى جميعاً في الأحاديث الشريفة وفي التاريخ الإسلامي (قبائل الترك، وأمم الترك)، فهذا الإسم يشمل بالإضافة إلى ترك تركيا وإيران، قبائل التتار والمغول والبلغار والروس، وغيرهم.
وثانياً، لأن المسيحية وصلتهم متأخرة ولم تتأصل فيهم، بل ظلت قشرة سطحية وأسوأ حالاً منها في شعوب أوربا الغربية، وظلت ماديتهم الوثنية الغالبة عليهم. ولعل هذا هو السبب في خضوعهم لأطروحة الشيوعية المادية الإلحادية، وعدم نهوضهم لمقاومتها.
وثالثاً، لأن الأحاديث الشريفة الواردة في تحرك الترك ضد المسلمين وإن كان بعضها ينطبق على تحرك الترك المغول وزحفهم المعروف على بلادنا في القرن السابع الهجري. إلا أن عدداً منها يصف تحركهم الذي تتصل أحداثه بظهور المهدي عليه السلام، وتعاونهم ضدنا مع الروم، واختلافهم معهم في نفس الوقت، وهو أمر لا ينطبق إلا على الروس، أو إذا طال الأمر، على ورثة دولتهم من الأقوام ذات الأصول التركية في روسيا وأوربا الشرقية.
وهذه نماذج من الأحاديث التي ورد فيها ذكر دورهم في عصر الظهور:
منها، أحاديث الفتنة الأخيرة على المسلمين على يدهم ويد الروم، التي تقدم ذكرها، والتي لا يمكن تفسيرها إلا بهجمة الغربيين والروس على بلاد المسلمين في مطلع هذا القرن، والتي هي مستمرة حتى يكشفها الله تعالى بحركة التمهيد للمهدي في الأمة، ثم بظهوره المبارك أرواحنا فداه.
ومنها، أحاديث حرب السفياني مع الترك، ولم أجد أحاديث عن قتال السفياني للترك في دمشق أو حولها، ولكن وردت أحاديث كثيرة عن معركته معهم في قرقيسيا على الحدود السورية العراقية التركية، وأن سببها صراع على كنز يكتشف في مجرى نهر الفرات أو قرب مجراه في تلك المنطقة.
على أنه يحتمل أن يكون المقصود بالترك في هذه المعركة ترك تركيا وليس الروس، ويحتمل أن تكون روسيا طرفاً في معركة الأتراك مع السفياني. وسيأتي ذكرها في أحداث بلاد الشام وحركة السفياني، إن شاء الله.
ومنها، أحاديث ثورة آذربيجان في مواجهة الترك.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (لابد لنا من آذربيجان لا يقوم لها شيء، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً على الثلج). (غيبة النعماني ص170).
وقد يفهم من قوله عليه السلام: (لابد لنا من آذربيجان لايقوم لها شيء) أنها حركة هدى في آذربيجان أو من أهلها، وأنه يجب الإنتظار والتريث بعدها حتى تبدأ العلامات القريبة، وقد تكون في مواجهة الروس كما يفهم من الحديث التالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (للترك خرجتان، خرجة فيها خراب آذربيجان، وخرجة يخرجون في الجزيرة يخيفون ذوات الحجال فينصر الله المسلمين. فيهم ذبح الله الأعظم). ( الملاحم والفتن ص 32).
وإذا نظرنا إلى هذا الحديث بمفرده فيحتمل أن يكون من أحاديث الإخبار النبوي بغزو الترك المغول للبلاد الإسلامية حيث وصلوا إلى آذربيجان في المرحلة الأولى وخربوها، ثم وصلوها إلى الفرات، وكان النصر عليهم للمسلمين، وكان فيهم الذبح الأعظم في عين جالوت وغيرها.
ولكن بالجمع بينه وبين الحديث المتقدم وغيره يحتمل أن يكون المقصود بالترك فيه الروس، وتكون خرجتهم الأولى قبل علامات الظهور القريبة في احتلالهم لآذربيجان قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، والثانية خروجهم الى الجزيرة التي هي اسم لمنطقة بين العراق وسوريا قرب منطقة قرقيسيا، فيكون خروجهم إليها في وقت السفياني، ويكون معنى أن النصر للمسلمين فيها النصر غير المباشر بهلاك أعدائهم الجبارين، لأن معركة قرقيسيا ليس في أطرافها راية هدى أو راية يكون في انتصارها نصر للمسلمين، وإنما بشر بها النبي والأئمة صلى الله عليه وآله وسلم لأن فيها هلاك الجبارين بسيوف بعضهم!
ومنها، أحاديث نزول الترك الجزيرة والفرات. ومن المرجح أن يكون المقصود بهم الروس، لأن الرواية تقارن نزولهم بنزول الروم الرملة بفلسطين والسواحل. وقد ذكرنا أن قرقيسيا على مقربة من الجزيرة التي تسمى ديار بكر وجزيرة ربيعة، وهذا هو المفهوم من لفظ الجزيرة عندما تطلق في كتب التاريخ، وليس جزيرة العرب، أو جزيرة أخرى.
ولا ينافي ذلك أن الترك المغول نزلوا الجزيرة في زحفهم في القرن السابع الهجري، وقد حسبها بعضهم يومذاك من علامات الظهور القريبة، فإن العلامة القريبة هي نزولهم ثم معركتهم مع السفياني في قرقيسيا.
وبالمناسبة فإن أحاديث فتنة الترك المغول وغزوهم لبلاد المسلمين هي من أحاديث الملاحم ومعاجز النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كان يعرفها المسلمون ويتداولونها في صدر الإسلام، ثم كثرت روايتها وتداولها أثناء الغزو المغولي وبعده، ولكنها تذكر انجلاء فتنتهم وانتصار المسلمين، دون أن تذكر ظهور المهدي عليه السلام على أثرهم، كما في أحاديث الترك التي نحن بصددها.
وهذه نماذج من أخبار غزو المغول: فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل، حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور. فقال له بعض أصحابه: قد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك عليه السلام وقال للرجل، وكان كلبياً: يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم. وإنما علم الغيب علم الساعة وما عده الله سبحانه بقوله: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيح أو جميل، وسخي أو بخيل، وشقي أو سعيد، ومن يكون من النار حطباً، أو في الجنان للنبيين مرافقاً. فهذا علم الغيب الذي لايعلمه أحدٌ إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطم عليه جوانحي). ( نهج البلاغة - الخطبة 128).
ومنها، أحاديث قتال المهدي عليه السلام للترك، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (أول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك فيهزمهم، ويأخذ ما معهم من السبي والأموال، ثم يسير إلى الشام فيفتحها). (بشارة الإسلام ص 185).
والتعبير بأول لواء يعقده يعني أنه أول جيش يبعثه عليه السلام ولا يشارك فيه شخصياً، وقد ورد في الأحاديث أنه يبعثه بعد خوله إلى العراق، وبعد أن يكون خاض عدة معارك لتحرير الحجاز والعراق.
ويحتمل أن يكون المقصود بالترك هنا ترك تركيا، ويحتمل أن يكونوا الروس الذين يحاربهم السفياني في معركة قرقيسيا، ثم لا يكون النصر لطرف منهم على الآخر، ثم يكون استئصالهم على يد المهدي عليه السلام.
ومنها، أحاديث أن خراب بلاد الترك بالصواعق، أي بالزلازل. ويحتمل أن يقصد بها وسائل الحرب التي تصعق وتزلزل كالصواريخ مثلاً.
ويبدو أن ذلك يكون على أثر حربهم للمهدي عليه السلام، وأنه يكون تدميراً واسعاً ينهي قوتهم، حيث لم يرد لهم ذكر بعدها في أخبار الظهور، بل وردت عبارة عنهم بعد خرجتهم الثانية تقول:(فلا ترك بعدها). وهذا مما يرجح أنهم الروس، حيث لم يرد تعبير من هذا النوع عن شعب مسلم في أخبار الظهور.