کثیراً ما یتردد سؤال فی ذهن الفتاة التی بلغت مبلغ النساء, أو الشاب الذی بلغ مبلغ الرجال: ما هی المواصفات التی ینبغی أن یتحلّى بها شریک العمر أو شریکته؟ وقد لا یکون ذلک فیما إذا کان أحدهما انقاد مع الهوى مخلّفاً وراءه کل الموازین, وتارکاً ما لا بد من وجدانه فی الآخر, أو فقدانه فیه, حیث یقال(إن الحب أعمى).
والصواب أن یعود الواحد منا, فی مثل هذا الموقف, إلى الدین القویم الذی لم یترک هذا التساؤل دون الإجابة عنه, وإنما کان عنده الحل والدواء, فحدّد مواصفات کل من الزوج والزوجة, وحذّر من بعض الأصناف والأوصاف لیکون الاختیار سلیماً والانتقاء صحیحا.ً وحینئذٍ لا یقع الزوجان فی الندامة, ولا فی لعنة الساعة التی اقترنا فیها, فإن حصل, فإنه فی أغلب الأحیان ناتج عن التسرع والتهور بدون معرفة بینهما واطلاع على المقدار المسوّغ لهذا الارتباط الدائم. وهنا یجمل القول أن فی التأنی السلامة وفی العجلة الندامة.
من هنا, نتعرف معاً على أوصاف الزوجین فی کلا الجانبین: الموجب للاختیار، والموجب للترک.
مواصفات الزوج
وهی على قسمین: ایجابیة وسلبیة، أو حمیدة وسیئة.
المواصفات الإیجابیة:
وهی التی تدعو إلى اختیاره:
أولاً: أن یکون تقیاً
حیث جاء فی الحدیث أن رجلاً جاء إلى الامام الحسن علیه السلام یستشیره فی تزویج ابنته فقال علیه السلام:(زوّجها من رجل تقی، فإنه إن أحبها أکرمها وإن أبغضها لم یظلمها)(1)
وفی هذا الحدیث بیان منه علیه السلام للآثار المترتبة على تزویج التقی.
ثانیاً: أن یکون أمیناً
وذلک بالإضافة إلى الرضا عن دینه بحیث أنه لا یحید عن جادة الشرع المقدس، فقد جاء عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
(إذا جاءکم من ترضون دینه وأمانته یخطب إلیکم فزوجوه، إن لا تفعلوه تکن فتنة فی الأرض وفساد کبیر)(2)
وبهذا أوضح صلى الله علیه وآله وسلم الآثار السلبیة, سواء الفتنة أو الفساد, من جراء الامتناع عن تزویجه, والرکون إلى موازین أخرى لا یقیم الإسلام لها وزناً, کإمکانیّاته المادیة أو انتمائه إلى عائلة معروفة بالزعامة.
ثالثاً: أن یکون خلوقاً
کما ورد عن الرضا علیه السلام:(إن خطب إلیک رجل رضیت دینه وخلقه فزوّجه، ولا یمنعک فقره وفاقته)(3)، قال اللَّه تعالى: ﴿وَإِن یَتَفَرَّقَا یُغْنِ اللّهُ کُلاًّ مِّن سَعَتِهِ...﴾(4)، وقال: ﴿... إِن یَکُونُوا فُقَرَاء یُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ...﴾(5).
إنه لمن المؤسف جداً أن تدوّی هذه الدعوات إلى اعتماد المعیار الحق ولا تلقى فی الأرجاء إلا ثلّة ممن امتحن اللَّه قلوبهم بالإیمان, حتى راجت دعوة معاکسة أسماها أصحابها (بتأمین المستقبل للفتاة) منعت الکثیرین من الانضمام إلى رکب الحیاة الزوجیة, وحالت بینهم وبین أمانیّهم بل أودت بالکثیرین إلى الانحراف عن سبیل الرشاد.
المواصفات السلبیة:
وهی التی تدعو إلى عدم اختیاره:
أولاً: أن یکون شارباً للخمر
حیث جاء عن الرضا علیه السلام:(إیاک أن تزوج شارب الخمر فإن زوّجته فکأنما قدت إلى الزنا)(6)
ویکفینا ما نشاهده الیوم, وما رآه السابقون من الخراب الذی یحل بالبیوت التی یکون أربابها کذلک حیث مصیرها الدمار والانهیار.
ثانیاً: أن یکون سی ء الخلق
فإنه عنصر هدّام ولیس عنصراً بناء,ً ومعه لا تدوم المودّة, وقد ورد النهی عن تزویجه حتى وإن کان قریباً ورحماً, کما عن أحدهم یقول کتبت إلى أبی الحسن علیه السلام إن لی ذا قرابة قد خطب إلیّ وفی خلقه سوء فقال علیه السلام: (لا تزوّجه إن کان سی ء الخلق)(7).
ثالثاً: أن یکون مشکّکاً
علّل ذلک فی الأحادیث الشریفة بأن الزوجة تأخذ من منهجه وأدبه, وقد یستمیلها إلى ما هو علیه من الباطل کما ورد فی منکری الولایة, حیث یؤدی بها ذلک إلى موالاة من ینبغی معاداته, ومعاداة من ینبغی موالاته، فهناک تحذیر من الحالتین, ومما جاء فی هذا المضمار ما عن مولانا الصادق علیه السلام: (تزوجوا فی الشُکَّاک ولا تزوجوهم، لأن المرأة تأخذ من أدب الرجل ویقهرها على دینه)(8)
وعلیه کیف یکون الخیر مرجواً من هذا السبیل؟!
مواصفات الزوجة:
وهی تنقسم أیضاً إلى حمیدة وسیئة.
الصفات الحمیدة:
وهی منحصرة بوصف جامع حاوٍ لجمیع الخصال الکریمة, وهو: (المرأة ذات الدین) وهو الوصف الذی علیه المدار, وبه یحسن الاختیار وتعمر الدیار، وسبب للنجاح والفلاح فی بناء أسرة طیبة, وعامل أساس فی راحة البال وهناءة العیش، وإن کان جمع من الناس اعتمدوا على المال والجمال والاعتبارات التی لا نهایة لها, والحسب والنسب, فأخطأوا فیما ذهبوا إلیه حیث ورد عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
(تنکح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دینها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعلیک بذات الدین)(9).
وعن الامام الباقر علیه السلام: (وعلیک بذوات الدین تربت یداک)(10)
ویأتی هذا انسجاماً مع المهام المطلوبة والوظائف الواجبة علیها, وهی لا تؤدّى بسوى الاستقامة مما ذکر من الأوصاف.
الصفات السیئة:
وهی التی تدعو إلى عدم اختیارها:
أولاً: أن تکون حمقاء
فقد جاء عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:(إیاکم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضیاع وولدها ضباع)(11).
ویتجه نظر هذه الوصیة والتحذیر إلى الجهة التربویة فی کلا الشطرین: الأول من ناحیة العشرة التی لا تقود الزوج إلى الاهتداء والصلاح بل إلى الضیاع والهلاک، والثانی من ناحیة رعایة الأطفال الذین تمزج نفوسهم بنفسها ویتخلقون بأخلاقها, ولما لم تکن هی بمثابة النور, فلم یکن بالإمکان انبعاث الضوء منها باتجاههم، بل ضیاعهم فی ظلمات جهلها.
ثانیاً: خضراء الدّمن
عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:(إیاکم وخضراء الدمن". قیل یا رسول اللَّه وما خضراء الدمن؟ قال صلى الله علیه وآله وسلم: "المرأة الحسناء فی منبت السوء)(12)
وهی المرأة التی تکون حسنة المظهر وسیئة الجوهر. أما لو اجتمع جمالها مع کمالها وتقواها فهو مرغوب، ولکن الأساس فی الاختیار للجوهر ولیس للمظهر.
فعن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:(من تزوج امرأة لا یتزوجها إلا لجمالها، لم یر فیها ما یحب)(13)
وعنه صلى الله علیه وآله وسلم:(لا یختار حسن وجه المرأة على حسن دینها)(14)
ثالثا:ً ذات المال غیر ذات الدین
وهی التی یرغب بها لأجل امتلاکها ثروة مالیة بغیة الوصول إلى أهداف دنیویة لا ترتبط ولا تنسجم مع روح العلاقة الزوجیة الصحیحة, ومصیرها الفشل مع ذهاب المال, وهی سبب للشقاوة والتعاسة لأنها قائمة على سوء الاختیار. فعن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
(ومن تزوجها لمالها لا یتزوجها إلا له وکله اللَّه إلیه، فعلیکم بذات الدین)(15)
فأما ذات الدین والمال فلا ضائر منها, بل هی سبب للمعاونة..
المصادر :
1- میزان الحکمة، ج 2، ص 1184.
2- میزان الحکمة.
3- میزان الحکمة.
4- النساء:130
5- النور:32
6- میزان الحکمة، ج 2، ص 1183.
7- میزان الحکمة، ج 2، ص 1183.
8- میزان الحکمة.
9- کنز العمال، 44602.
10- وسائل الشیعة، 2- 21 - 14.
11- البحار، 35 - 237
12- میزان الحکمة 10- 232 - 103
13- البحار، 19 - 235 -103
14- کنز العمال، 44590.
15- البحار، 19 - 235 - 10
source : .www.rasekhoon.net