كل كائن هو مظهر اسم من الاسماء الإلهية ؛ لأن الخلق الذي هو من الأوصاف الفعلية لله ، و ليس من أوصافه الذاتية ، هو عبارة عن تجلي الخالق في وجوه الكائنات المتنوعة ؛ كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : (الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه ). عنوان التجلي من ألطف التعابير العرفانية ، التي ذكرت في القرآن و أحاديث العترة ، و استقطب السالكين ذوي التفكير البعيد و النظرة البعيدة ؛ لأن السالك المحب يعرف العلامة المقصودة قبل الباحث المفكر و يلتذ بها ، و لايكتفي أبداً بسماع صوت جرس قافلة طريق الحق ، بل يسعى للعبور من العلم إلى العين و من السماع إلى اللقاء .
ان تجلي الحق له درجات متنوعة بعضها عامل لانهيار الجبل الراسخ الذي هو حافظ و مثبت للأرض ؛ ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً ) ، (سورة الأعراف ، الآية : 143) ، و بعضها أساس إقامة اقدام المنكسرين و ايصالهم من حضيض الذلة إلى ذروة العزة ؛ كما ان رفع المستضعفين و وضع المستكبرين ( دعاء الافتتاح ) قائم على هذا الأساس أيضاً .
إن التشكيك المشهود في درجات التجلي ، يعود إلى درجات الظهور التي يتأمن بها العرفان ، وليس إلى درجات الوجود ، حيث تنظم الحكمة المتعالية على ذلك الأساس ، لأن عالم الخلق بجميع شؤونه المتنوعة أقل من ان يكون مساهماً في أساس الوجود ، فشدته و ضعفه هو في الظهور ، و ليس في الوجود .
إن تجلي الحق يكون أحياناً عامل موت ، و أحياناً أساس حياة . كما أن ملك الموت كملك الحياة كلاهما تجلّ لله ، يظهر أحدهما حين إعطاء الأرواح للأحياء و الآخر حين قبض الأرواح منهم ، لذا ذكر الإمام السجاد عليه السلام مسألة قبض روح الإنسان بواسطة عزرائيل عليه السلام باعتبارها تجلّي ملك الموت من حجب الغيب فقال : ( .. و تجلى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ) ، (الصحيفة السجادية ، الدعاء 42) . من هنا فإن إماتة الحق هي تجلّيه ، كما أن إحياءه هو تجلّيه .
الجوادي الآملي