الأمر الطبيعي في العراق أن يدخل تحت حكم المهدي عليه السلام وأنصاره، بعد هزيمة قوات السفياني على يد الممهدين الإيرانيين واليمانيين، وأن تكون هزيمة السفياني في الحجاز بطريق المعجزة عاملاً مساعداً لتحكيم سيطرة أنصار المهدي عليه السلام على العراق، خاصة أن قوات الممهدين تستقر في العراق بعد أن تهزم قوات السفياني وتبعث ببيعتها إلى الإمام المهدي عليه السلام في الحجاز.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان (إلى) الكوفة. فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة). (البحار:52/217)
ورواه ابن حماد في مخطوطته ص 88: (تنزل الرايات السود التي تقبل من خراسان الكوفة. فإذا ظهر المهدي بمكة بعثت بالبيعة إلى المهدي)
ولكن مع وجود هذه العوامل، توجد روايات تتحدث عن معارك لقوات السفياني في العراق تخوضها هذه المرة مع القوة الموحدة للإمام المهدي عليه السلام حيث يعين شعيب بن صالح قائد قوات الإيرانيين قائداً عاماً لقواته عليه السلام المتكونة في معظمها من قوات الإيرانيين واليمانيين، والبلاد الأخرى.
وتنفرد بعض الروايات بذكر معركة باب إصطخر، وتصفها بأنها ملحمة بين قوات السفياني وقوات المهدي عليه السلام.
وإصطخر مدينة قديمة في جنوب إيران في منطقة الأهواز، كانت عامرة في صدر الإسلام، وما زالت آثارها قرب مدينة(مسجد سليمان) النفطية.
بل يروى أن مدينة إصطخر بناها بني الله سليمان عليه السلام، وأنه كان يقضي فيها فصل الشتاء. ومسجد سليمان كانت مسجداً بناه هو عليه السلام.
وتحدد روايتان مكان(بيضاء إصطخر) محلاً لتجمع قوات الإيرانيين، وهي تعني منطقة بيضاء في إصطخر، ويبدو أنها منطقة الربوات القريبة من مسجد سليمان التي تسمى بالفارسية (كوه سفيد) أي الجبل الأبيض.
بل تذكر ثلاث روايات أن الإمام المهدي عليه السلام عندما يتوجه من المدينة المنورة إلى العراق ينزل أولاً في بيضاء إصطخر فيبايعه الإيرانيون ويخوضون بقيادته معركتهم مع جيش السفياني ويهزمونه.
وعلى أثرها يدخل الإمام المهدي عليه السلام العراق: (في سبع قباب من نور لايعلم في أيها هو)، كما يأتي في حركة الظهور.
جاء في مخطوطة أن حماد ص86 عن علي عليه السلام قال: (إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح. فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني. فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه).
ومعنى: (فيلتقي هو والهاشمي) يلتقي المهدي عليه السلام والهاشمي الخراساني قائد قوات الإيرانيين كما تنص الرواية الآتية. أي أن جماهير الإيرانيين يخرجون في طلب المهدي عليه السلام لكي يبايعوه فيتوجهون إلى جنوب إيران القريب من حدود الحجاز البرية عند البصرة، فيلتقي به قائدهم الهاشمي الخراساني وقواته.
وتذكر رواية أخرى في مخطوطة ابن حماد ص86 أن السفياني في غزوه العراق (يبث جنوده في الآفاق) وهو إشارة إلى سعة نشر قواته في العراق وعلى الحدود العراقية الإيرانية، وهو يساعد على افتراض وجود قوات بحرية للسفياني وحلفائه الروم في الخليج.
وتذكر الرواية التالية مجئ المهدي عليه السلام إلى جنوب إيران، وتصف معركة باب إصطخر أو بيضاء إصطخر، ولكن في متنها اضطراباً:
(يبث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة وبغداد، فيبلغه فزعة من وراء النهر من أهل خراسان، فيقبل أهل المشرق عليهم قتلاً ( أي على جنود السفياني) فإذا بلغه ذلك بعث جيشاً عظيماً إلى إصطخر فيلتقي هو (أي السفياني باعتبار قواته) والمهدي والهاشمي ببيضاء إصطخر فيكون بينهما ملحمة عظيمة حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها).
وتذكر الرواية الأولى التأثير الكبير الذي يكون لهزيمة جيش السفياني في معركة الأهواز هذه، في تفجير التيار الموالي للمهدي في شعوب المسلمين، حيث يتحركون للالتحاق بالمهدي عليه السلام ومبايعته: (فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه).
وأياً تكن روايات معارك السفياني في العراق بعد الخسف بجيشه في الحجاز، فمما لا شك فيه أنه يدخل في مرحلة التراجع والهزيمة. ويصبح همه المحافظة على منطقة حكمه بلاد الشام، وتقوية خط الدفاع الأخير عن فلسطين والقدس، والإستعداد لمواجهة زحف قوات المهدي عليه السلام .
ولا تذكر له الروايات معارك أخرى مع المهدي عليه السلام وأنصاره سوى معركة الفتح الكبرى، فتح القدس وتحرير فلسطين، التي يكون فيها نهايته وهزيمة حلفائه اليهود والروم.
يظهر من أحاديث هذه المعركة العظيمة أن السفياني يعاني من عدة مشكلات، أولها ضعف شعبيته في بلاد الشام.
فمهما تكن القوى والظروف المساندة لحكمه فإن أهل بلاد الشام مسلمون، وهم يرون آيات المهدي عليه السلام وكراماته، ويرون هزائم طاغيتهم السفياني وارتباطه بأعدائهم. لذلك يقوى فيهم تيار حب المهدي عليه السلام والميل إليه، والتذمر من السفياني وسياساته.
بل المرجح أن حركة شعبية واسعة النطاق موالية للمهدي عليه السلام تتسع في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين، لأن الأحاديث تذكر أن المهدي عليه السلام يزحف بجيشه إلى بلاد الشام حتى يعسكر في(مرج عذراء) الذي هو ضاحية من ضواحي دمشق لايبعد عنها أكثر من ثلاثين كيلو متراً. وهو يدل على الأقل على أن السفياني يعجز عن حفظ حدوده، وعن مقاومة الزحف المبارك. بل تذكر الأحاديث أن السفياني يخلي عاصمته دمشق نفسها ويتراجع إلى داخل فلسطين، ويتخذ من (وادي الرملة) عاصمة أو مقرا لقيادته، التي ورد أن قوات الروم أو مارقة الروم تنزل فيها.
كما ذكرت الأحاديث أن المهدي عليه السلام يتأنى في خوض المعركة، ويبقى فترة في ضاحية دمشق حيث ينضم إليه أبدال أهل الشام ومؤمنوها من بقي منهم لم يلتحق به، وأنه عليه السلام يطلب من السفياني أن يلتقي به شخصياً للحوار، فيلتقيان فيؤثر عليه المهدي فيبايعه السفياني، وينوي أن يستقيل ويسلمه المنطقة ولكن أقاربه، ومن وراءه يوبخونه بعدها ويردونه عن عزمه!
إن هذه الظواهر وغيرها مما نقرؤه في أحاديث المهدي عليه السلام قبيل معركة فتح القدس وتحرير فلسطين، لا تفسير لها بالحساب الطبيعي والسياسي إلا ضعف شعبية السفياني في بلاد الشام، ووجود تيار شعبي مؤيد للمهدي عليه السلام.
بل تشير بعض الروايات إلى أن الأمر يصل إلى حد أن بعض قوات السفياني وقطعات جيشه يبايعون المهدي عليه السلام وينضمون إليه، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (ثم يأتي الكوفة (أي المهدي عليه السلام) فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث حتى يظهر عليها، ثم يأتي (مرج) العذراء هو ومن معه، وقد ألحق به ناس كثير، والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم. وهو يوم الأبدال) (البحار:52/224).
وفي مخطوطة ابن حماد ص96 عن علي عليه السلام قال: (إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشا فخسف بهم بالبيداء، وبلغ أهل الشام قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وأدخل في طاعته وإلا قتلناك، فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس). وهي رواية تصور غاية ما يصل إليه التيار الشعبي الموالي للمهدي عليه السلام والمعارض للسفياني.
وفي ص 97 من مخطوطة ابن حماد: (فيقول (أي المهدي) أخرجوا إلى ابن عمي حتى أكلمه، فيخرج إليه فيكلمه، فيسلم إليه الأمر ويبايعه! فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندمته كلب فيرجع ليستقيله فيقيله. ثم يعبئ جيوشه لقتاله، فيهزمه ويهزم الله على يديه الروم).
ومعنى: (ندمته كلب) أي جعلوه يندم على بيعته للمهدي عليه السلام. وكلب اسم عشيرة وهم أخوال السفياني، وهم تعبير عن متعصبي أهل الشام. والذين يجعلونه يندم في الحقيقة ويحفظون حكمه من السقوط أمام التيار الشعبي ويصرون عليه أن يخوض المعركة مع المهدي، هم من وراءه من اليهود والروم كما تشير إليه الرواية المتقدمة وغيرها.
على أي حال، لايتوفق السفياني للإستفادة من هذا الجو الشعبي، ومن الفرصة التي يمنحه إياها الإمام المهدي عليه السلام، ولا يتوفق مسلموا بلاد الشام لإسقاط حكم السفياني وجيشه، فيقوم هو وحلفاؤه بتعبئة قواتهم للمعركة الفاصلة الكبرى التي تمتد محاورها كما تذكر الروايات من عكا إلى صور إلى أنطاكية في الساحل، ومن دمشق إلى طبرية إلى القدس في الداخل، وينزل غضب الله تعالى على السفياني وحلفائه وغضب المهدي وجيشه عليه السلام، وتظهر آيات الله على يديه، وتدور الدائرة على السفياني ومن وراءه من اليهود والروم فينهزمون شر هزيمة.
تكون نهاية السفياني أن يقبض عليه أحد جنود الإمام المهدي عليه السلام:
وينهون ذلك حياة طاغية استطاع في خمسة عشر شهراً أن يرتكب من الجرائم ما لا يستطيع أن يرتكبه غيره في سنين طويلة.
ملاحظة: زارني في لندن شاب فاضل من آل الحديدي، وقال إنه قرأ كتابي عصر الظهور عدة مرات، وتتبع أحاديث علامات الظهور وتأمل فيها.. وإنه يرجح أن تكون قوات السفياني التي نصت الأحاديث على أنها تنتشر في بلاد الشام والعراق والحجاز والخليج، إنما هي كناية أو رمز لقوات الغربيين.
وتعليقي: أن مايقتضيه ظاهر نصوص السفياني هو التفسير الذي قدمته، ومع أنه يفهم منها أن السفياني أداة للغربيين واليهود، لكن تفسير هذا السيد لنصوص تحركاته وقواته بأنها تحركات حلفائه الروم وقواتهم، يبقى احتمالاً يحتاج الى مؤيدات، والله العالم.
وردت في ثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي عليه السلام أحاديث متعددة عن اهل البيت عليهم السلام، منها بضعة أحاديث صحيحة السند، وهي تؤكد حتمية حدوث هذه الثورة وتصفها بأنها راية هدى تمهد لظهور المهدي عليه السلام وتنصره.
بل تصفها عدة روايات بأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وتؤكد على وجوب نصرتها كراية المشرق الإيرانية وأكثر، وتحدد الأحاديث وقتها بأنه مقارن لخروج السفياني في رجب، أي قبل ظهور المهدي عليه السلام ببضعة شهور، ويذكر بعضها أن عاصمتها صنعاء.
أما قائدها المعروف في الروايات باسم (اليماني) فتذكر رواية أن اسمه (حسن أو حسين) من ذرية زيد بن علي عليه السلام.
وهذه نماذج من أحاديث حركة اليماني:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء) (البحار: 52 /204).
وعنه عليه السلام قال: ( خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم. وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية حق لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ( بشارة الإسلام ص93 عن غيبة النعماني).
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال لمن زعم أنه هو المهدي: (قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا). (البحار:52/233).
وقال المجلسي(ره): ( أي كيف يقول هذا الذي خرج أني القائم، يعني محمد بن إبراهيم، أو غيره). انتهى.
والمراد بالمرواني المذكور في الرواية قد يكون هو الأبقع، أو يكون أصله الخراساني فوقع فيه التصحيف من النساخ.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق) ( البحار:52/210).
وعن هشام بن الحكم أنه لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله عليه السلام (أي الإمام الصادق): (أترجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: لا. اليماني يتوالى علياً، وهذا يبرأ منه) ( البحار:52/75)
وفيها أيضاً: (اليماني والسفياني كفرسي رهان)، أي كفرسي السباق يسعى كل منهما أن يسبق الآخر.
وجاء في بعض الروايات عن المهدي عليه السلام أنه (يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة) (البحار: 52/380).
وكرعة قرية في منطقة بني خَوْلان باليمن قرب صعدة، وإن صحت الرواية فلابد أن يكون المقصود فيها أن اليماني يبدأ أمره من هذه القرية، كما ورد أن مبدأ أمر المهدي عليه السلام من المشرق، أي مبدأ حركة أنصاره، لأن الثابت المتواتر في الأحاديث أن المهدي عليه السلام يخرج من مكة من المسجد الحرام.
وفي بشارة الإسلام ص187: (ثم يخرج ملك من صنعاء اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، يظهر مباركاً زاكياً، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء).