بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة والأخوات الأعزاء.
لقد أعربتم مرة أخرى عن مدى تقديركم وتعظيمكم لهذا اليوم التاريخي، التاسع عشر من شهر دي(1) بقدومكم إلى هنا وتكبدكم عناء الطريق الطويل في هذا الجو القارس البرودة الذي تتساقط فيه الثلوج. وهذا هو ما يليق.
إنّ الحوادث التاريخية الكبرى هي في الحقيقة عوامل تقدم تاريخ الشعوب.
إنّ حادثة عاشوراء لم تستغرق أكثر من نصف يوم، ولكنها هزت التاريخ ومثلت فيه منعطفاً كبيراً.
إنّ بعض الحوادث التاريخية الكبرى التي قد تنطوي على قدر عظيم من العمق والحكمة والمثالية تترك بصماتها البارزة على حياة الشعوب لمدة طويلة ربما بلغت سنوات أو بلغت قروناً عديدة.
إنّ الحضور الواسع للجماهير، والغضب الشعبي المقدس والثوري، والنضال الضاري ضد النظام الطاغوتي الجائر والنفوذ الأجنبي المتغطرس، كان بحاجة الى حركة واعية تبلغ بمسيرة الجهاد أوجها وذروتها المنشودة.
لقد قُدّر لكم أنتم يا أهالي قم القيام بهذه الحركة الضرورية في اليوم التاسع عشر من شهر (دي)، فكان أن حدث هذا المنعطف التاريخية العظيم.
إنّ ما سببه النظام الطاغوتي لهذا البلد ولهذا الشعب من آلام مضنية خلال سنوات حكمه الأسود التي تنضح خزياً وعاراً، لمن الفصول التاريخية المريرة في حياتنا.
إنّ ما حدث يوم السابع عشر من شهر دي(2) أيام حكومة (رضاشاه) يمثل جانباّ من تلك الممارسات المفجعة.
لقد قرر أعداء الإسلام وإيران بدعم من مثقفي البلاط البهلوي آنذاك تجريد المرأة الإيرانية من عفافها وحجابها والقضاء على تلك الطاقة الإيمانية العظيمة التي اكتسبتها المرأة المسلمة بفضل عفتها وإبائها.
إنّ السفور كان من أمضّ الجرائم التي ارتكبها النظام الطاغوتي بحق المرأة المسلمة الإيرانية ليجعلها تلحق بالمرأة الغربية فيما تعرضت له من كوارث وفجائع، محاولاً بذلك إزاحة الستار الحائل بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية، والذي فرضه الإسلام صيانة للمرأة والرجل والمجتمع على حد سواء.
لقد كان (رضاخان) هو الذي فرض السفور بالقوة الغاشمة في هذا البلد.
لقد أدى سقوط المرأة الغربية في مستنقع الفساد إلى القضاء على الكيان العائلي.
إنّ تقدم المرأة في المجالات العلمية أو السياسية والاجتماعية لم يكن ليتم بنزع الحجاب، بل إن ذلك كان ممكناً بالحفاظ عليه والتمسك به، وهو ما جربناه في النظام الإسلامي.
إنّ التجرد من الحجاب لم يكن سوى مقدمة للتجرد من العفة والحياء في المجتمع الإسلامي حتى يسيطر على الناس ذلك الوازع الجنسي المتأجج تاركين وراء ظهورهم آمال هم الوطنية الكبرى، ومع أنهم سجلوا في ذلك بعض النجاح، إلا أن ما يتمتع به الشعب الإيراني من إيمان عميق قضى على أحلامهم وحال دون استمرارهم في ذلك النجاح.
لقد قاومت المرأة الإيرانية المسلمة تلك الضغوطات القمعية رغم ما عانته من شدائد على مرّ الزمان، وواصلت مقاومتها بشتى الوسائل والأساليب، سواءٌ أكان ذلك في عهد (رضاخان)، أو بعد زواله، أو طوال ما تبقى من حقبة الحكم الطاغوتي.
وعلى هذا النحو، فقد خرجت النساء المسلمات في مظاهرة حاشدة في مدينة مشهد يوم السابع عشر من شهر دي عام ١٣٥٦ هـ .ش، رافعاتٍ شعار (الحفاظ على الحجاب).
وفي تلك الأثناء كنا نحن في المنفى، فتنامت إلى أسماعنا أخبار تلك النهضة الواعية التي قامت بها المرأة الإيرانية المسلمة بكل قوة وشجاعة. لقد كان ذلك طرفاً من فجائع النظام الطاغوتي متمثلة في محاولة إبادة الأهداف الدينية، والقيم الأخلاقية، والرخاء الاقتصادي، والكرامة الدولية، وخلاصة القول فإن تبديد الثروة الوطنية كان من الجرائم التي ارتكبها ذلك النظام الطاغوتي المشؤوم.
ولكن الشعب الإيراني استيقظ قبل فوات الأوان، ملبياً نداء قائده العظيم ومقتحماً ساحة المواجهة. لقد كان التاسع عشر من شهر دي تعبيراً عن مثل تلك اللحظة التاريخية الحساسة، ولهذا فلابد وأن يبقى دائماً ماثلاً في الأذهان، وهذا ما حدث ومازال يحدث حفاظاً على مشاعر الجماهير.
لقد أثبت أهالي قم وفاءهم والتزامهم. ولربما كان هناك خلال تلك السنين من نقضوا بيعتهم للثورة والإسلام والإمام، فكان ذلك خسارة لهم، أو بتعبير القرآن الكريم (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِه)(3) ولكن البعض الآخر ظل باقياً على وفائه والتزامه وإخلاصه، فكانوا مصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)(4) وهؤلاء هم أغلبية أبناء شعبنا، فأبوا إلا الوفاء بالعهد، وبذلك نالوا الأجر الإلهي العظيم، وحباهم الله الانتصار في الحرب المفروضة والتوفيق في كافة مجالات المواجهة مع القوى العظمى، وأنعم عليهم بالعزة الوطنية والتقدم في شتى الحقول والأصعدة.
لقد أتخذ الشعب الإيراني خطوات واسعة على طريق بلوغ أهدافه المنشودة، ومازالت القافلة منطلقة بخطى واثقة نحو الأمام. وهذا فيما يتعلق بالتاسع عشر من شهر دي.
وأما بالنسبة لشهر محرم وذكرى عاشوراء، فإن المحرّم كان واحداً من تلك المقاطع التاريخية المهمة. لقد أبقى الشيعة بكل كيانهم على عاشوراء حية نابضة، وظلت ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) وأسمه وتربته وعزاءه قيماً خالدة رفيعة محفورة في ذاكرة المؤمنين وأتباع أهل البيت خلال قرون طويلة، وإن كانوا قد ضحوا في سبيل ذلك بالكثير.
إنكم على علم بحادثة الخليفة المتوكل وإغلاق الطريق، إنها تلك الممارسات الشرسة والمخالفات الفظة القاسية. لقد قاموا بمخالفات وممارسات ضارية لا تُحصى على مر السنين والأيام، فكان بعضها يتخذ طابعاً علمياً، وبعضها طابعاً عاطفياً، ولكن الشيعة ظلوا على وفائهم بالعهد والتمسك بالقيم، وهو ما كان ينبغي عليهم القيام به.
إنهم يقولون: لماذا تنشرون العزاء والمآتم والبكاء والدموع بين الناس؟
إنّ هذه المآتم المقامة والدموع الجارية ليست لمجرد الحزن والبكاء، بل إنها للقيم.
إنّ الذي يختفي خلف كل هذه المآتم ولطم الرؤوس والصدور وذرف الدموع هي أعزّ وأكرم النفائس التي يمكن أن تحتوي عليها كنوز الإنسانية، إنها القيم المعنوية الإلهية.
إنهم يريدون الحفاظ على هذه المثل السامية المتبلورة في الحسين بن علي (عليهما السلام).
إنّ الأمة الإسلامية ستتخطى كل العقبات والتحديات إذا حافظت على اسم الحسين وعظّمت شعيرة ذكراه وجعلته أسوة لها وقدوة. ولهذا السبب فقد جعل شعبنا ومسؤولونا وقادتنا وإمامنا الخميني الكبير العزاء محوراً وأساساً للتحرك في قيام الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية من الألف الى الياء.
إنّ مجالس العزاء تعبر عن بعدين، أحدهما مثالي، والآخر حقيقي، فهي تؤلف ما بين القلوب من ناحية، وتسلط الضوء على المعارف من ناحية أخرى.
إنّ على الخطباء والوعاظ والمداحين والمنشدين جميعاً أن يعلموا بأن هذه الحقيقة من أعزّ ما لدينا، فلا يجدر التلاعب بها، ولا يحق لهم العبث بحقائق واقعة عاشوراء.
إنّ اختلاق الإضافات، ومزجها بالخرافات، وممارسة الأفعال غير المعقولة باسم العزاء وإحياء ذكرى عاشوراء كلها لا تخدم قضية الحسين ولا تعبّر عن الولاء للإمام الحسين(عليه السلام). لقد رأينا رأياً ذات يوم فيما يتعلق بتظاهرات التطبير، فصاح بعضهم من بعيد وهم يقولون: إنه عزاء الإمام الحسين، فلا تتعرضوا لإقامة العزاء على الإمام الحسين! إنّ هذا ليس اعتراضاً على العزاء، بل إنه اعتراض على تشويه العزاء، فلا ينبغي تشويه مراسم العزاء الحسيني.
source : abna