نحاول في هذا المقال أن نجیب علی الأسئلة التالیة ، لنری هل أنّ الاسلام أراد أن یضیّق حریّة المرأة بتكلیفها بارتداء السّتر؟
أـ ما هو مفهوم الحریّة في الاسلام؟
ب ـ ما هي ضوابط ممارسة الحرّیات؟
ج ـ هل الحجاب یناقض الحریة؟
أ ـ فالحرّیة في معناها العام هي: « نفي سیطرة الغیر .. و القاعدة الأساسیة للحرّیة في الاسلام هي : التوحید والایمان بالعبودیة المخلصة لله الذي تتحطّم بین یدیه كلّ القوی الوثنیة التي هدّدت كرامة الانسان علی مرّ التاریخ»1 .
فعملیة التحریر تنطلق من داخل الانسان نفسه بتحكمه بإرادته و مسیرته و شهواته، و اكتفینا بمنحه الحریّة الظاهرة في سلوكه العملي، و وفّرنا له بذلك كلّ إمكانات و مغریات الاستجابة لشهواته ، كما صنعت الحضارات الغربیة الحدیثة ، فقد قضینا بالتدریج علی حریّة الانسانیة في مقابل شهوات الحیوان الكامن في أعماقه، حتی إذا التفت إلی نفسه في أثناء الطریق ، و جد نفسه محكوماً لا حاكماً ، و مغلوباً علی أمره و إرادته »2.
فالحریة بهذا المعنی الاسلامي حرّیتان:
حریة داخلیة ، تنبع من مقدار التحكم و السیطرة علی شهوات الانسان.
و حرّیة خارجیة، و هي التحرّر من سیطرة الآخرین و ظلمهم و ضغوطاتهم.
و هما حرّیتان متكاملتان، فلا یمكن أن نجمّد إحداهما و نطلق الأخری، و إذا تزاحمتا ، أي لم یكن لنا خیار سوی حرّیة واحدة ، فإنّنا نفسح المجال للحرّیة الأولی لأنّها الحرّیة الاسلامیة من خلال تعریفها في النقاط التالیة :
1ـ الحرّیة تستبطن المسؤلیة ، فأنت حرّیعني أنت مسؤول ، و لا بدّ أن تقدّم تفسیراً معقولاً لكلً ما تقوم به.
2ـ و الحرّیة نظام، فهي تنظّم الحركة و تضع لها ضوابطها و تفسح لها المجال ضوابطها و تفسح لها المجال حیثما كان في ذلك الخیر و الصلاح ، و تمنعها حیث تصبح تعدّیاً علی حرّیات الآخرین ، فهي قانون و لیست ضدّ القانون.
3ـ و الحریة اختیار، لأنّها تقوم علی أساس أنّ الأصل في طبیعة الانسان الخیر.
4ـ و الحریّة علم و ثقافة ، لأنّها تقوم علی تشخیص الحقائق و معرفة الأشیاء الضارة و النافعة.
5ـ و الحرّیةُ تشریع یتحرّك في دائرة المباحات ، و لا حریّة مع الواجب و المحرّم.
6ـو الحرّیة تجربة و منهج اسلامي شامل ، ینضج بالوعي و الممارسة الصحیحة.
هذه هي أهم معالم الحریّة في الاسلام، و ما عداها ف(حرّیة) مزیّفة أو لنَقُل ناقصة، فلقد ركزت وسائل الاعلام علی تحریر الشكل الخارجي للمرأة ، و الذي یعتبر شكلاً آخر للعبودیة یهدف إلی إضفاء مسحة من الجمال الظاهري علی الأمة القدمیة لیس إلّا.
فلقد كان عربُ الجاهلیة یعتبرون (ذات النقاب) حرّةو (المتجرّدة) أمة، أي أنهم أعطوا صفة الحرّیة للمرأة المستترة ، و كان یمكن أن تعتبر سجینة النقاب أو مضیّقاً علیها، و أعطوا صفة العبودیة للمتبرّجة.
فالحریة المزعومة هي شعار للاستغلال و لیس دعوة مخلصة لانقاذ المرأة أو تحریرها ، و الحقیقة هي كما عبّرت عنها إحدی الكاتبات « قال لها الرجل : إنّها حرّة في تصرّفاتها و في كلّ شي ،و هي في الواقع مقیّدة بإرضاء الرجل ، أي رجل كان ،و إشباع رغباته»3.
و یمكن لنا أن نتمثّل حریة الغرب الداعیة إلی الخلاعةو المجون ، من خلال الاحصاءات المریعة ، التي تتحدّث عن الحمل و الولادة و الاجهاض قبل الزواج ، و أثر الأفلام الخلیعة. كما یمكن أن نتعرّف علی زیف شعار الحریّة في بلد كفرنسا من خلال طرد بعض الفتیات المحجّبات من مدارسهنّ ، حیث اعتبر حجابهنّ رمزاً دینیاً تبشیریاً یثیر الخلافات بین الطالبات!!
یُضاف إلی ذلك أنّ بعض أسباب الطلاق و انتشار الفحشاء هو من بعض الثمار الفجّة للتبرّج ، و یوجد الكثیر من الامثال المیدانیة.
ب ـ و حتی لا یساء استعمال الحریّة في الاسلام، وضع المشرّع تنظیمات و ضوابط ، فالحرّیة في الاسلام لیست مطلقة بل مطلقة بل قُیِّدت داخلیّاً و بالخضوع لحكم الارادة و العقل و الضمیر، و خارجیاً بالاجراءات القانونیة التي یطلق علیها (الآداب العامّة) ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و التشریعات الاسلامیة الأخری.
و لمّا كانت الارادة تضعف أحیاناً أمام الضغوطات ،كان لابدّ من ضوابط تحفظها من ذلك الضعف، و أهمّها (الثواب ) و (العقاب) ، إلی جانب إجراءات القانون الاسلامي ،و هو نظام تشریعي غیر خاضع للأهواء و الأمزجة.
و لعلنا نجد في مثال یوسف (ع) اختیار السجن أو تفضیله علی الحریّة المنحرفة ، مثلاً اسلامیاً بلیغاً ـ للمرأة و الرجل ـ في الحفاظ علی روحیّة الحرّیة التي یتحرّك بها الانسان المؤمن ، و نحاذر أشدّ المحاذرة من السقوط تحت أقدام المعصیة، فلقد قیّد حرّیته الحسدیة من أجل أن یطلق حرّیته الایمانیة و الروحیة : « قال ربّ السّجن أحبّ إليًّ مما یدعونني إلیه و إلّا تصرف عنّي كیدهنّ أصبُ إلیهنّ و أكن من الجاهلین»4 .
ج ـ و أمّا الإجابة عن السؤال الأهم : هل الحجاب و (الستر الشرعي) یناقض الحریة؟
فلنستمع إلی آراء بعض علماء الاسلام و اصحاب الرأي في ذلك:
ـ « إنّ ستر البدن باستثناء الوجه و الكفّین لا یحول دون أي نشاط ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي ، و إنّ الذي یؤدي إلی تعطیل الطاقة العملیة للمجتمع هو تلویث محیط العمل بالممارسات الشهوانیة »5.
ـ « رأي الاسلام الصریح أنّ الحجاب إنّما هو ضمان قانوني للعفّة ، یصونها عن الانزلاقات العاطفیة التي توجبها فتنة العري، و عن الاعتداء الاثیم الذي تمكن له مظاهر التبرّج و الخلاعة»6 .
ـ « إنّ الاسلام لم یفرض علی المرأة ـ كما یقال ـ أن تظلّ حبیسة البیت لا تخرج منه إلّا إلی القبر ، بل أباح لها الخروج إلی الصلاة و طلب العلم و قضاء الحاجات و كلّ غرض دیني أو دنیوي مشروع ، كما كان یفعل ذلك نساء الصحابة و من بعدهم من خیر القرون، و كان منهنّ من یخرج للمشاركة في القتال و الغزو مع رسول الله (ص) و من بعده من الخلفاء و القوّاد . و قد قال (ص) لزوجه سودة : « قد أذن الله لكنّ أن تخرجن لحوائجكنّ» ، و قال : « إذتا استأذنت المرأة أحدكم إلی المسجد فلا یمنعها» ، و في حدیث آخر : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»7 .
ـ و تقول إحدی الكاتبات : « إنّ فلسفة الحجاب أنّه یجعل النساء أكثر تحرّراً، فهو یجنبهنًّ أن یكنّ مجرّد رموز جنسیة أمام الناظرین ، و أن یقعن في فخّ الثوب الغربي و تعالیم الأزیاء الغربیة»8.
من هذه الآراء ، و غیرها كثیر، التي تلتقي علی فهم واحد لمعنی الحجاب في الاسلام، نخلص إلی أنّ الحرّیة تتسع في أجواء العفّة و الاحتشام ، و تضیق فتنحصر في النزوات و الشهوات إ
source : abna