أبو الأسود الدؤلی من الذین ترکوا بصمة واضحة علی اللغة العربیة والادب العربی وثبتوا معالم واطار قواعد اللغة وصارت تدرس کاصل من اصول الادب والفن واللغة العربیة .
ظالم بن عمرو بن سفیان الدؤلی الکنانی، (16 ق.هـ. -69 هـ) من سادات التابعین وأعیانهم وفقهائهم وشعرائهم ومحدثیهم ومن الدهاة حاضری الجواب وهو کذلک نحوی عالم وضع علم النحو فی اللغة العربیة وشکّل أحرف المصحف ، وضع النقاط على الأحرف العربیة، ولد قبل بعثة النبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) وآمن به لکنه لم یره فهو معدود فی طبقات التابعین وصحب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام)الذی ولاه إمارة البصرة فی خلافته، وشهد معه وقعة صفین والجمل ومحاربة الخوارج. ویلقب بلقب ملک النحو لوضعه علم النحو.
نسبه
هو: ظالم بن عمرو بن سفیان بن جندل بن یعمر بن حلس بن نفاثة بن عدی بن الدئل بن بکر بن عبد مناة بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الدؤلی الکنانی، ویقال له الدیلی والدئلی والدؤلی وجمیعها نسبة إلى بنی الدئل وهم بطن من بطون قبیلة کنانة.
أمه: الطویلة من بنی عبد الدار بن قصی بن کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر بن مالک بن النضر وهو قریش بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العبدریة القرشیة.
أولاده
عطاء بن أبی الأسود الدؤلی
أبو حرب بن أبی الأسود الدؤلی.
نشأته
ولد أبو الأسود قبل البعثة النبویة بثلاث سنوات أی قبل الهجرة بـ 16 عاما ولهذا یعتبر من المخضرمین الذین أدرکوا الجاهلیة والإسلام ولکنه لیس من الصحابة حیث لم یر رسول الله رغم أنه أدرکه.
إسلامه
أسلم أبو الأسود الدؤلی فی حیاة النبی صلى الله علیه وسلم، وکان قومه بنو الدئل بن بکر حلفاء لقریش ضمن عقد الحدیبیة وهم الذین عدوا على خزاعة وکان ذلک سبب فتح مکة من قبل النبی محمد( صلی الله علیه وآله وسلم) .
دخوله للمدینة
من المعروف أن أبا الأسود ولد وأسلم قبل وفاة النبی وقد کان یعیش مع قومه بنی الدئل جنوب مکة المکرمة فلم یدخل المدینة إلا بعد وفاة النبی ( صلی الله علیه وآله وسلم) وقد نهل فیها من العلم الشرعی حیث أخذ الحدیث عن عدد من الصحابة .
هجرته إلى البصرة
هاجر إلى البصرة فی خلافة عمر بن الخطاب وسکن فیها وله فیها مسجد باسمه (1)، وقد حصلت له بالبصرة حوادث مع بنی قشیر من هوازن منها أنه قال لهم: "ما فی العرب أحب إلی طول بقاء منکم". قالوا: "ولم ذاک ؟" قال : "لأنکم إذا رکبتم امرا علمت انه غی فاجتنبه وإذا اجتنبتم امرا علمت أنه رشد فاتبعه".(2)
روایته للحدیث
روى وحدث عن عمر بن الخطاب، وعلی بن أبی طالب، وأبی بن کعب، وأبو ذر الغفاری، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والزبیر بن العوام، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعری، وعمران بن حصین، وطائفة. وقرأ القرآن على عثمان بن عفان، وعلی بن أبی طالب.
وحدث عنه ابنه أبو حرب وعبد الله بن بریدة ویحیى بن یعمر وعمر بن عبد الله مولى عفیرة وسعید بن عبد الرحمن بن رقیش الأسدی، وآخرون.
تولیه قضاء البصرة ثم إمارتها
تولى عددا من المناصب بالبصرة فی خلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان بن عفان وفی خلافة علی بن أبی طالب (علیه السلام)کان عبد الله بن عباس أمیر البصرة وکان أبو الأسود الدؤلی کاتبا له ثم ولاه قضاء البصرة ثم حینما رجع ابن عباس إلى الحجاز استخلف على إمرة البصرة أبا الأسود الدؤلی فأقره الامام علی بن أبی طالب (علیه السلام)أمیرا على البصرة.(3)
وضعه لعلم النحو
کان أبو الأسود مشهورا بالفصاحة وقد قال عن نفسه: إنی لأجد للحن غمزا کغمز اللحم، (4) وقد أجمع المؤرخون واللغویون على أن أبا الأسود الدؤلی أول من وضع علم النحو (5) فقال محمد بن سلام الجمحی: أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ ذلک عنه یحیى بن یَعْمَر، وقال أبُو عَلِی القَالِیُّ: حدثنا أبو إسحاق الزجاج، حدثنا أبو العباس المبرد، قال: أول من وضع العربیة ونقط المصاحف أبو الأسود على أنه أول من وضع علم النحو.
إلا أن الروایات اختلفت فی سبب وضع أبی الأسود الدؤلی لهذا العلم على عدة أقوال هی:
أن علیا (علیه السلام) أمر أبا الأسود الدؤلی بوضع شیء فی النحو لمَّا سمع اللحن. فأراه أبو الأسود ما وضع، فقال علی : ما أحسن هذا النحو الذی نحوت، فمن ثمَّ سُمِّی النحو نحوا.
وقد سئل أبو الأسود عمَّن نهج له الطریق، فقال: تلقیته عن علی بن أبی طالب. وقیل: کان الذی حَدَاه على ذلک أن ابنته قالت: له یا أبت، ما أشدُّ الحرِّ؟ وکان فی شدة القیظ. فقال: ما نحن فیه؟ فقالت: إنما أردت أنه شدید. فقال: قولی ما أشدَّ، فعمل باب التعجب.
قال أبو عبیدة : أخذ أبو الأسود عن علی(علیه السلام) العربیة. فسمع قارئا یقرأ أَنَّ اللَّهَ بَرِیءٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَرَسُولُهُ فقال : ما ظننت أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزیاد الأمیر : ابغنی کاتبا لَقِنًا فأتى بمئة رجل فاختار منهم رجلا من قبیلة عبد القیس فقال له أبو الأسود : إذا رأیتنی قد فتحت فمی بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأیتنی قد ضممت فمی، فانقط نقط بین یدی الحرف، وإن کسرت، فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شیئا من ذلک غنة فاجعل مکان النقطة نقطتین. فهذا نَقْطُ أبی الأسود.
وقال المبرد حدثنا المازنی قال : السبب الذی وضعت له أبواب النحو أن بنت أبی الأسود قالت له : ما أجْمَلُ السمَاءِ ؟ فقال : نجُومُهَا، قالت : أنا لا أستفهِمُ یا أبتاه بل أتعجب. فقال : إذا أردتِ أن تتعجبی فافتحی فاکِ وقولی ما أجمَلَ السَمَاءَ ! فأخبر بذلک علیّا (علیه السلام) فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده علیها، وهو أول من نقط المصاحف، وأخذ عنه النحو عنبسة الفیل، وأخذ عن عنبسة میمون الأقرن، ثم أخذه عن میمون عبد الله بن أبی إسحاق الحضرمی، وأخذه عنه عیسى بن عمر، وأخذه عنه الخلیل بن أحمد، وأخذه عنه سیبویه، وأخذه عنه سعید الأخفش.
یعقوب الحضرمی : حدثنا سعید بن سلم الباهلی، حدثنا أبی، عن جدی، عن أبی الأسود قال : دخلت على علیّ، فرأیته مطرقا، فقلت : فیم تتفکر یا أمیر المؤمنین ؟ قال : سمعت ببلدکم لحنا فأردت أن أضع کتابا فی أصول العربیة. فقلت : إن فعلت هذا، أحییتنا. فأتیته بعد أیام، فألقى إلیَّ صحیفة فیها : الکلام کله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حرکة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى لیس باسم ولا فعل، ثم قال لی : زده وتتبعه، فجمعت أشیاء ثم عرضتها علیه.
تلامذته
أخذ علم النحو والعربیة، وقراءة القرآن عن أبی الأسود عدد من الرجال ودرسوا على یدیه علوم النحو والعربیة، وقراءة القرآن ومن أبرزهم : (6)
نصر بن عاصم اللیثی الکنانی
رامی الأسدی
یحیى بن یعمر العدوانی
ابنه أبو حرب بن أبی الأسود الدؤلی الکنانی
سعد بن شداد الکوفی المعروف باسم سعد الرابیة
میمون بن الاقرن
عنبسة بن معدان الفیل المهری
عمر بن عبد الله مولى عفیرة
شعره ودیوان شعره
ذکـر الذین ترجموا لأبی الأسود أنه کان من الشعراء المجیدین وله قصائد عدیدة جمعت له فی عدد من المؤلفات منها دیوان أبی الأسود الدؤلی لأبی سعید الحسن السکری تحقیق الشیخ محمد حسن آل یاسین ودیوان أبی الأسود الدؤلی لعبد الکریم الدجیلی.
وله عشرات القصائد فی دیوانه الشعری منها على سبیل المثال أنه دخل على معاویة فقال له معاویة: أصبحت جمیلا یا أبا الأسود فلو علقت تمیمة تدفع عنک العین یهزأ بشکله فقال أبو الأسود الدؤلی ردا علیه:
افنى الشباب الذی فارقت بهجته *** کر الجدیدین من آت ومنطلق
لم یترکا لیَ فی طول اختلافهما *** شیئاً أخاف علیه لذعة الحـدق
قد کنت أرتاع للبیضاء أخضبها *** فی شعر رأسی وقد أیقنت بالبلق
والآن حین خضبت الرأس فارقنی*** ما کنت ألتذ من عیشی ومن خُلقی
ومن الحکم فی شعره:
لا ترسلن مقالة مشهورة *** لا تستطیع إذا مضت إدراکها
لا تبدین نمیمة نبئته *** وَتَحَفَّظَنَّ مِنَ الذی أنبأکها
وکان له صدیق یقال له الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلی وکانا یتجاوابان الشعر فکان مما قاله أبو الأسود للجارود من الشعر:
أبلغ أبا الجارود عنی رسالة *** یروح بها الماشی لقاءک أو یغدو
فیخبرنا ما بال صرمک بعدما *** رضیت وما غیرت من خلق بعدُ
أإن نلت خیرا سرنی أن تناله *** تنکرتَ حتى قلت ذو لبدة وردُ
وقیل أنه قائل البیت:
لا تنه عن خلق وتاتِ بمثله *** عار علیک إذا فعلت عظیم
وقیل أن هذا البیت للمتوکل اللیثی الکنانی.
دهاؤه وحنکته
روی أن علی بن أبی طالب (علیه السلام) أراده لیکون المفاوض عنه فی حادثة التحکیم بعد وقعة صفین فأبى الناس علیه (7)، وروی أن أبا الأسود الدؤلی دخل على معاویة بالنخیلة فقال له معاویة: أکنت ذکرت للحکومة (الحکومه هنا بمعنى الحُکم بین الفریقین المتخاصمین) قال الدؤلی: نعم قال: فما کنت صانعا.
قال: کنت أجمع ألفا من المهاجرین وأبنائهم وألفا من الأنصار وأبنائهم ثم أقول یا معشر من حضر أرجل من المهاجرین أحق أم رجل من الطلقاء، فضحک معاویة ثم قال: إذن والله ما اختلف علیک اثنان (وقصد معاویة هنا ان حُجة أبا الأسود مقنعه ولکان الناس رضوا بحکم أبا الأسود بأن علیاً أحق بالخلافه)
فضله وثناء العلماء علیه
قال عنه أحمد العجلی: ثقة، کان أول من تکلم فی النحو .
وقال عنه الواقدی: کان من وجوه التابعین، ومن أکملهم عقلا ورأیا. وقد أمره علی (علیه السلام) بوضع شیء فی النحو لمَّا سمع اللحن.قال : فأراه أبو الأسود ما وضع، فقال علی : ما أحسن هذا النحو الذی نحوت، فمن ثمَّ سُمِّی النحو نحوا
وقال عنه الحلی: أبو الأسود الدؤلی وهو من بعض الفضلاء الفصحاء من الطبقة الاولى من شعراء الإسلام وشیعة أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب (علیه السلام)
وقال عنه أبو الفرج الأصفهانی:کان أبو الأسود من وجوه التابعین وفقهائهم ومحدثیهم... ثقة جلیل .
وقال عنه ابن حجر العسقلانی: ثقة فی حدیثه .
وقال عنه ابن سعد: کان ثقة فی حدیثه
وقال عنه ابن سلام: کان رجل أهل البصرة
وقال عنه الجاحظ: أبو الأسود مقدَّم فی طبقات الناس، کان معدودا فی الفقهاء والشعراء، والمحدثین، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدُّهاة، والنحاة، والحاضری الجواب، والشیعة، والبخلاء، والصلع الأشراف... قد جمع جودة اللسان وقول الشعر... کان حکیما أدیبا وداهیا أریبا .
وقال عنه أبو الطیب اللغوی الحلبی: وکان أبو الأسود اعلم الناس بکلام العرب وزعموا انه کان یجیب فـی کل اللغة
وقال عنه الزرکلی:أبو الأسود الدؤلی له شعر جید
وقال عنه الآمدی: کان حلیما وحازما وشاعرا متقن المعانی
وقال عنه ابن خلکان: من سادات التابعین وأعیانهم... وکان من أکمل الرجال رأیا وأسدهم عقلا
وقال عنه أبو عمر: کان ذا دیِنٍ وعقل ولسانٍ وبیان وفهم وحَزْم
وفاته
أصیب آخر حیاته بمرض الفالج (8) الذی سبب له العرج (9)وتوفی فی طاعون الجارف فی البصرة سنة 69 هـ /688م فی خلافة عبد الملک بن مروان وله من العمر 85 سنة.
المصادر :
1- اللباب 1/430
2- الاصابة 2 / 233
3- انباء الرواة 1 / 50
4- تاریخ دمشق لابن عساکر - حرف الظاء
5- سیر أعلام النبلاء ص 83، 84، 85
6- روضات الجنات 4 / 2
7- العقد الفرید 4/349
8- مرآة الجنان 1 / 206, ووفیات الاعیان 1 / 535
9- رسالة الغفران / 400
source : rasekhoon