قال الله تعالى فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها و قال سبحانه السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ و قال تعالى أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها .
و خطب رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فقال أصدق الحديث كتاب الله و أفضل الهدي هدي الله و شر الأمور محدثاتها و كل بدعة ضلالة فقام إليه رجل و قال يا رسول الله متى الساعة فقال :
ما المسئول بأعلم بها من السائل لا تأتيكم إلا بغتة فقال فأعلمنا أشراطها فقال لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم و تكثر الزلازل و تكثر الفتن و يظهر الهرج و المرج و تكثر فيكم الأهواء و يخرب العامر و يعمر الخراب و يكون خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و تطلع الشمس من مغربها و تخرج الدابة و يظهر الدجال و ينتشر يأجوج و مأجوج و ينزل عيسى ابن مريم فهناك تأتي ريح من جهة اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا فيه مثقال ذرة من الإيمان إلا قبضته و إنه لا تقوم الساعة على الأشرار ثم تأتي نار من قبل عدن تسوق سائر من على الأرض تحشرهم فقالوا فمتى يكون يا رسول الله قال:
إذا داهن قراؤكم أمراءكم و عظمتم أغنياءكم و أهنتم فقراءكم و ظهر فيكم الغناء و فشا الزناء و علا البناء و تغنيتم بالقرآن و ظهر أهل الباطل على أهل الحق و قل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أضيعت الصلوات و اتبعت الشهوات و ميل مع الهوى و قدم أمراء الجور فكانوا خونة و الوزراء فسقة و ظهر الحرص في القراء و النفاق في العلماء فعند ذلك ينزل بهم البلاء مع أنه ما تقدست أمة لا ينتصر لضعيفها من قويها تزخرف المساجد و تذهب بالمصاحف و تعلى المنابر و تكثر الصفوف و ترتفع الضجات في المساجد و تجتمع الأجساد و الألسن مختلفة و دين أحدهم لعقة على لسانه إن أعطي شكر و إن منع كفر لا يرحمون صغيرا و لا يوقرون كبيرا يستأثرون أنفسهم توطأ حريمهم و يجورون في حكمهم يحكم عليهم العبيد و تملكهم الصبيان و تدبر أمورهم النساء تتحلى الذكور بالذهب و الفضة و يلبسون الحرير و الديباج و يسبون الجواري و يقطعون الأرحام و يخيفون السبيل و ينصبون العشارين و يجاهدون المسلمين و يسالمون الكافرين فهناك يكثر المطر و يقل النبات و تكثر الهزات و يقل العلماء و يكثر الأمراء و يقل الأمناء فعند ذلك ينحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتل من المائة تسعة و تسعون و يسلم واحد .
و قال رجل صلى بنا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)من غلس فنادى رجل متى الساعة يا رسول الله فزجره حتى إذا أسفرنا رفع طرفه إلى السماء فقال تبارك خالقها و واضعها و ممهدها و محليها بالنبات ثم قال أيها السائل عن الساعة تكون عند خبث الأمراء و مداهنة القراء و نفاق العلماء و إذا صدقت أمتي بالنجوم و كذبت بالقدر ذلك حين يتخذون الأمانة مغنما و الصدقة مغرما و الفاحشة إباحة و العبادة تكبرا و استطالة على الناس .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم):
و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكون عليكم أمراء فجرة و وزراء خونة و عرفاء ظلمة و قراء فسدة و عباد جهال يفتح الله عليهم فتنة غبراء مظلمة فيتيهون فيها كما تاهت اليهود فحينئذ ينقض الإسلام عروة عروة يقال الله الله .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)ما من سلطان آتاه الله قوة و نعمة فاستعان بها على ظلم عباده إلا كان حقا على الله أن ينزعها منه أ لم تر إلى قول الله تعالى إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم):
لا تزال هذه الأمة تحت يد الله و في كنفه ما لم يمالئ قراؤها أمراءها و لم يوال صلحاؤها أشرارها فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده منهم و رماهم بالفقر و الفاقة و سلط عليهم أشرارهم و ملأ قلوبهم رعبا و رمى جبابرتهم بالعذاب المهين فيدعون دعاء الغريق و لا يستجيب لهم .
و قال بئس العبد عبد يسأل المغفرة و هو يعمل بالمعصية و يرجو النجاة و لا يعمل لها و يخاف العذاب و لا يحذره و يعجل الذنب و يؤخر التوبة و يتمنى على الله الأماني الكاذبة فويل له ثم ويل له من يوم العرض على الله تعالى .
و روي أن عمر بن هبيرة لما ولي العراق من قبل هشام بن عبد الملك أحضر السبيعي و الحسن البصري و قال لهما إن هشام بن عبد الملك أخذ بيعتي له على السمع و الطاعة ثم ولاني عراقكم من غير أن أسأله و لا تزال كتبه تأتيني بقطع قطائع الناس و ضرب الرقاب و أخذ الأموال فما تريان في ذلك فأما السبيعي فداهنه و قال قولا ضعيفا و أما الحسن البصري فإنه قال له يا عمر إني أنهاك عن التعرض لغضب الله برضى هشام و اعلم أن الله يمنعك من هشام و لا يمنعك هشام من الله تعالى و لا أهل الأرض أيأتيك كتاب من الله بالعمل بكتابه و العدل و الإحسان و كتاب من رسول الله نبيك و كتاب من هشام بخلاف ذلك فتعمل بكتاب هشام و تترك كتاب الله و سنة رسول الله إن هذا لهو الحرب الكبير و الخسران المبين فاتق الله و احذره فإنه يوشك أن ينزل إليك ملك من السماء فينزلك من علو سريرك و يجرك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا يوسعه عليك إلا عملك إن كان حسنا و لا يوحشك إلا هو إن كان قبيحا و اعلم أنك إن تنصر الله ينصرك و يثبت أقدامك فإن الله تعالى ضمن إعزاز من يعزه و نصر من ينصره قال سبحانه وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ .
و قال كيف أنتم إذا ظهر فيكم البدع حتى يربو فيها الصغير و يهرم الكبير و يسلم عليها الأعاجم و إذا ظهرت البدع قيل سنة و إذا عمل بالسنة قيل بدعة قيل و متى يا رسول الله يكون ذلك قال إذا ابتعتم الدنيا بعمل الآخرة و قال ابن عباس لا يأتي على الناس زمان إلا أماتوا فيه سنة و أحيوا فيه بدعة حتى تموت السنن و تحيا البدع و بعد فو الله ما أهلك الناس و أزالهم عن الحجة قديما و حديثا إلا علماء السوء قعدوا على طريق الآخرة فمنعوا الناس سلوكها و الوصول إليها و شككوهم فيها مثل ذلك مثل رجل كان عطشانا فرأى جرة مملوءة ماء فأراد أن يشرب منها فقال له رجل لا تدخل يدك فيها فإن فيها أفعى تلسعك و قد ملأتها سما فامتنع الرجل من ذلك ثم إن المخبر عن ذلك أخذ يدخل يده فيها قال العطشان لو كان فيها سما لما أدخل يده و كذلك حال الناس مع علماء السوء زهدوا الناس في الدنيا و رغبوهم فيها و منعوا الناس من الدخول إلى الولاة و التعظيم لهم و دخلوا هم إليهم و عظموهم و مدحوهم و حسنوا إليهم أفعالهم و وعدوهم بالسلامة لا بل قالوا لهم قد رأينا لكم المنامات بعظيم المنازل و القبول ففتنوهم و غروهم و نسوا قول الله تعالى إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيم وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيم و قوله تعالى ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَ لا شَفِيع يُطاعُ و قوله تعالى يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ و قوله تعالى يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)الجنة محرمة على جسد غذي بالحرام .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)ليس من شيعتي من أكل مال امرئ حراما .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لا يشم ريح الجنة جسد نبت على الحرام .
و قال (عليه السلام)إن أحدكم ليرفع يديه إلى السماء فيقول يا رب يا رب و مطعمه حرام و ملبسه حرام فأي دعاء يستجاب لهذا و أي عمل يقبل منه و هو ينفق من غير حل إن حج حج حراما و إن تصدق تصدق بحرام و إن تزوج تزوج بحرام و إن صام أفطر على حرام فيا ويحه ما علم أن الله طيب لا يقبل إلاالطيب و قد قال في كتابه إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)ليكون عليكم أمراء سوء فمن صدق قولهم و أعانهم على ظلمهم و غشي أبوابهم فليس مني و لست منه و لن يرد علي الحوض .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)لحذيفة كيف أنت يا حذيفة إذا كانت أمراء إن أطعتموهم كفروكم و إن عصيتموهم قتلوكم فقال حذيفة كيف أصنع يا رسول الله قال جاهدهم إن قويت و اهرب عنهم إن ضعفت .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس و إذا فسدا فسد الناس الأمراء و العلماء قال الله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ . و قال و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي و الله ما فسدت أمور الناس إلا بفساد هذين الصنفين و خصوصا الجائر في قضائه القابل الرشا في الحكم ، و لقد أحسن أبو نواس في قوله شعرا :
إذا خان الأمير و كاتباه *** و قاضي الأمر داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
و جاء في تفسير قوله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْ آخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الآية نزلت فيمن يخالط السلاطين و الظلمة .
و قال (عليه السلام)الإسلام علانية باللسان و الإيمان سر بالقلب و التقوى عمل بالجوارح كيف تكون مسلما و لا يسلم الناس منك و كيف تكون مؤمنا و لا تأمنك الناس و كيف تكون تقيا و الناس يتقون من شرك و أذاك ؟
و قال إن من ادعى حبنا و هو لا يعمل بقولنا فليس منا و لا نحن منه أ ما سمعوا قول الله تعالى يقول مخبرا عن نبيه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ .
و لما بايع أصحابه أخذ عليهم العهد و الميثاق بالسمع لله تعالى و الطاعة له في العسر و اليسر و على أن يقولوا الحق أينما كانوا و أن لا يأخذهم في الله لومة لائم قال إن الله ليحصي على العبد كل شيء حتى أنينه في مرضه و الشاهد على ذلك قوله تعالى ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إِلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ و قوله تعالى وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ و قوله تعالى إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ .
المصدر :
ارشاد القلوب / الشیخ ابو محمد الحسن بن محمد الدیلمی
source : tebyan