الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ينتخب أم أولاده
كانت السيدة المعصومة اختاً للإمام الرضا لامه ، فأمهما واحدة [1].
فمن كانت امهما ؟ وكيف اختارها الإمام الكاظم لتكون أمّاً لاولاده ؟
هذا ما ستقراه في الحديث التالي : ـ
قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لهشام بن احمد [2]: هل علمت احدا من اهل المغرب قدم ؟
قال : لا .
فقال (عليه السّلام) : بلى قد قدم رجل أحمر[3] ، فانطلق بنا .
قال هشام : فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق [4].
فقال ( عليه السلام ) : أعرض علينا [5].
فعرض علينا تسع جوار ، كل ذلك وأبو الحسن يقول له : لا حاجة لي فيها .
ثم قال له : اعرض علينا .
قال : ما عندي شيء .
فقال ( عليه السلام ) : بلى ، اعرض علينا .
قال : لا والله ! ما عندي إلا جارية مريضة .
فقال له : ما عليك أن تعرضها ؟
فأبى عليه صاحب الرقيق ، ثم انصرف ( عليه السلام ) .
قال هشام : ثم إنه ( عليه السلام ) أرسلني من الغد إليه . .
وقال لي : قل له كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا . فقُل : قد أخذتها . ( قال هشام : ) .
فاتيتُه . . .
قلتُ : كم غايتُك فيها ؟
فقال : ما أريد أن اُنقصها من كذا [6].
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالامس ؟
فقلت : رجل من بني هاشم .
فقلت : من نقبائهم[7].
فقال : أريد اكثر .
فقلت : ما عندي اكثر من هذا .
فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة[8] ؟ إنّي اشتريتها من اقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأه من أهل الكتاب . .
فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟
فقلت : اشتريتها لنفسي .
فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! ! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الارض ، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه علاماً يدين له شرق الارض وغربها .
قال هشام : فأتيت الإمام ( عليه السلام ) بالجارية [9].
وكانت لهذه الجارية عدة اسماء منها : نجمة وتكتم [10].
وقد كانت بكراً حين شرائها [11].
والظاهر أن الإمام ( عليه السلام ) اشتراها ـ ابتداءً ـ لامّه حميدة المصفّاة .
وكانت السيدة تُكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى انها ما جلست بين يديها إجلالاً لها [12].
ثم إن السيدة حميدة ذكرت انّها رأت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيولد له منها خير أهل الارض [13].
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) : يا بني ! إن تُكتم جارية ما رايت جارية قط افضل منها . . . وقد وهبتها لك [14].
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) ـ لمّا أتى بها ـ قد جمع أصحابه وأخبرهم بأنّه ما اشتراها الا بامر من الله ووحيه . .
قال (عليه السّلام) : بينا انا نائم ، إذا أتاني جدّي رسول الله وأبي ( عليهما السلام ) ومعهما شقّة حرير[15] ، فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية .
فقالا : يا موسى ! ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الارض بعدك . ثم أمراني أن أسمه عليا .
وقالا لي : إن الله تعالى يظهر به العدل والرافة ، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده [16].
ولما ولدت (السيدة تكتم) الامام الرضا ( عليه السلام ) قالت : اعينوني بمرضعة ! ! فقيل لها : انقص الدر[17] ؟
قالت : ما أكذب . ما نقص الدّر ، ولكن علي ورد[18] من صلاتي وتسبيحي . وقد نقص منذ ولدت[19] .
وهذا مما يدل على حرصها على عبادتها ووردها وانقطاعها إلى الله تعالى .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] دلائل الامامة : ص 309 .
[2] هشام بن أحمد : من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ولعلّه هشام بن أحمر وصُحف كما في أصول الكافي : ج1 ص 486 ح1 ، حيث ذكر نفس هذا الحديث .
[3] أي رجل أحمر البشرة ، وهو عادة لون بشرة بعض أهل المغرب وما والاها من أوربا .
[4] أي عبيد أو جواري أو كليهما .
[5] أي أعرض علينا ما عندك من الرقيق .
[6] أي لا اريد أن تنقص قيمة الجارية عن المبلغ الكذائي .
[7] فلما سمع النخاس ذلك طمع في مزيد من المال .
[8] قد يكون بمعنى الاستفهام وقد يكون بمعنى الإخبار ولعل الثاني اظهر . أي : أريد ان اخبرك عن هذه الوصيفة . والوصيفة هنا أي الجارية .
[9] عيون أخبار الرضا : ج1 بص 17 .
[10] المصدر السابق : ج1 ص 16 ، ص 17 .
[11] المصدر السابق : ج1 ص 17 .
[12] عيون أخبار الرضا : ج1 بص 14 .
[13] عيون اخبار الرضا : ص 17 .
[14] المصدر السابق : ص 14 .
[15] أي قطعة حرير .
[16] إثبات الوصيّة : ص 170 .
[17] أي : هل نقص لبن الرضاع ؟
[18] الورد : أي المندوب والمستحب في مقابل الواجب ، وجمعه أوراد .
[19] عيون اخبار الرضا : ج1 ص15 .
source : sibtayn