السيدة تكتم
قد ذكرت للسيدة تكتم اسماء اخرى ، منها : نجمة ، أروى ، سمان ، سكن أو سكنى (1) . .
وتكتم هو ما استقر عليه اسمها حين ملكها ابو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) (2) .
فلما ولدت له الإمام الرضا ( عليه السلام ) سمّاها الطاهرة (3) .
وكانت تكنى : أم البنين (4) .
والمستفاد من الروايات أن لها أسماء أخرى نذكرها فيما يلي :
1 ـ نجمة :
روي عن أبي بصير ، قال : لمّا حضر أبا جعفر ـ محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) ـ الوفاة ، دعا بابنه الصادق ( عليه السلام ) ليعهد إليه عهداً . . . ثم دعا بجابر بن عبدالله الانصاري .
فقال : يا جابر ! حدّثنا بما عاينت من الصحيفة ؟
فقال له جابر : نعم يا أبا جعفر . دخلتُ على مولاتي فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) لاهنئها بولادة الحسين ( عليه السلام ) ، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة .
فقلت : يا سيدة النسوان ! ما هذه الصحيفة التي أراها معك
. قالت : فيها أسماء الأئمة من ولدي .
قلت لها : ناوليني لانظر فيها !
قالت : يا جابر ! لولا النهي لكنت افعل ، ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي ، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها .
قال جابر : فقرأت ، فإذا فيها :
أبو ا لقاسم محمد بن عبدالله المصطفى ، أمه : آمنة .
أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى ، أمه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
أبو محمد الحسن بن علي البر .
أبو عبدالله الحسين بن علي ، أمهما : فاطمة بنت محمد .
أبو محمد علي بن الحسين العدل ، أمه : شهربانو (يه) بنت يزدجر .
أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، أمّه : أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب .
أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، وأمه : أم فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر .
أبو إبراهيم موسى بن جعفر ، أمه جارية إسمها : حميدة المصفاة .
أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، أمه جارية إسمها : نجمة . . . » (5) الحديث .
فالسيدة نجمة ، نجمة تألقت في سماء بيت الإمامة حيث إنها ولدت الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
2 ـ طاهرة :
عندما اشترت أم الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) هذه الجارية ـ نجمة ـ ، ذكرت حميدة انها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنه سيولد له منها خير أهل الارض . . . فلمّا ولدت له الرضا ( عليه السلام ) سمّاها الطاهرة (6) .
ومن قبلها كانت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تسمى بالطاهرة ، كما وأن أمها خديجة ( عليها السلام ) كانت أيضاً تدعى بالطاهرة .
3 ـ تُكْتَم :
وتكتم آخر أسمائها ، وعليه استقر اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) (7) .
قال الصولي : والدليل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا ( عليه السلام ) :
ألا إن خير الناس نفساً ووالداً * ورهطاً واجداداً (عليُّ) المعظم
أتتنا بـه للعلم والحلم ثامنـا * إمامـا يؤدي حجة الله تُكتم (8)
ولا بأس بصرف عنان الكلام إلى البحث في معنى كلمة ( تكتم ) ، ووجه تسمية السيدة بهذا الإسم الجميل : ـ
طاف الخيالان فهاجا سقما * خيال تُكنى وخيال تكتما (9)
وفي القاموس المحيط : « تكتم : ـ على ما لم يسم فاعله (10) ـ إمرأة ، واسم بئر زمزم » (11) .
وفي لسان العرب : « في حديث زمزم : أن عبد المطلب رأى في المنام قيل له : إحفر تكتم بين الفرث والدم ؛ تكتم : إسم بئر زمزم ، سميت بذلك لأنها كانت ا ندفنت بعد ( جرهم ) (12) فصارت مكتومة حتى أظهرها عبد المطلب » (13) .
فلماذا سميت السيدة بهذا الإسم ؟
هل ـ يا ترى ـ من مناسبة لذلك ؟
إن التسمية ـ عادة ـ إنما تكون لسبب أو مناسبة ، فمثلاً : الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) إبنا وصي نبي الإسلام سميا باسم ابني هارون وصي موسى ( عليهما السلام ) ، وسيدتنا ومولاتنا الزهراء سميت بفاطمة لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم من النار ، وهكذا فما هي المناسبة في تسمية السيدة نجمة بـ ( تكتم ) ؟
وهل هناك وجه شبه بين تسمية السيدة بـ ( تكتم ) وبين تسمية بئر زمزم بهذا الإسم ؟
الجواب : يمكن أن يكون السبب أحد الأوجه التالية :
الوجه الأوّل :
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : « ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض . . . » (14) .
وفي حديث آخر : « خير ماء ينبع على وجه ا لأرض ماء زمزم . . » (15) .
وقد مرٌ عليكم الخبر المروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أنه رأى في المنام جدّه رسول الله واباه (صلوات الله عليهما) يقولان له : « يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك » (16) .
والسيدة حميدة المصفّاة ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : « يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض » (17) .
فكما أن بئر زمزم ـ التي كانت تسمى تكتم ـ خير نبع على وجه الأرض لأنه ينبعُ منها خير ماء وهو شفاء من كل داء (18) ، ودواء لما شرب له (19) .
كذلك السيدة نجمة سميت بـ « تكتم » لأنّها ستلد خير اهل الارض بعد أبيه ، ومنه سيولد أربعة من أنوار أهل بيت العصمة والطهارة ، آخرهم إمامنا وسيدنا صاحب العصر والزمان ـ عجل الله ظهوره الشريف ـ ، والخير كل الخير يكون ممن « بيمنه رزق الورى ، وبوجوده ثبتت الأرض والسما » .
الوجه الثاني :
إنّ زمزم كانت خافية ومكتومة عن الجميع فأظْهَرَها عبد المطَّلب ( عليه السّلام ) ، كذلك السيدة نجمة كانت مكتومة وخافية فأظهَرَها الإمام ( عليه السلام ) ، إذ البائع كَتَمَ أمرها ، وأراد أن يدخرَها لنفسه لولا أنّ الإمام ( عليه السلام ) أظهرها .
الوجه الثالث :
قد تكون تسميتها بـ « تكتم » كناية عن العفة والطهارة ، فهي امرأه مكتومة وخافية عن الرجال ، ويؤيد هذا الوجه ما ذكره الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا : « . . . كانت نجمة بكراً لمّا اشترتها حميدة » (20) .
ولا مانع من الوجوه كلّها .
* * *
نعم . . . هذه السيدة تكتم والدة السيدة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) وقد عرفتم كيفية انتخاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لها لتكون أما لأولاده ، فولدت له خير أهل الأرض بعده ، وهو الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 ، ص 17 .
(2) المصدر نفسه : ص 14 .
(3) المصدر نفسه : ص 15 ، ص 17 .
(4) أصول الكافي : ج1 ص 486 ، وعيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 .
(5) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 40 ، وإكمال الدين : ج1 ص 305 .
(6) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 .
(7) المصدر السابق : ج1 ص14 ، ص 17 .
(8) تكتم ) : فاعل (أتتنا) ، والمعنى : أتننا تكتم به . عيون أخبار الرضا : ج1 ص 15 .
(9) أي مبني للمجهول ، فيضم اوله ويفتح ما قبل آخره ، وهو علم على وزن الفعل .
(10) أي مبني للمجهول ، فيضم اوله ويفتح ما قبل ~خره ، وهو على وزن الفعل .
(11) القاموس المحيط : ج4 ص 239 باب الميم فصل الكاف .
(12) أي قبيلة جرهم : إحدى القبائل العربية .
(13) لسان العرب : ج12 ص 508 باب الميم فصل الكاف .
(14) وسائل الشيعة : ج25 كتاب الاطعمة والاشربة : ص 260 باب 16 ح1 .
(15) مستدرك الوسائل : ج17 كتاب الأطعمة والأشربة : ص 18 باب 13 ح3 .
(16) إثبات الوصية : ص 170 .
(17) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 17 .
(18) فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ماء زمزم شفاءٌ من كل داء » .
(19) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : ماء زمزم دواء مما شرب له » .
(20) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 17
source : sibtayn