الإندفاع نحو الشهادة ظاهره نلمسها بوضوح في جمرة غفيرة من مسلمي صدر الإسلام . و حين يتطلع الإنسان إلى هذه الظاهرة ، يحس أن في أعماق هذه الفئة المؤمنة شوقا و لهفة إلى الشهادة.
هذا علي - عليه السلام - يقول : ( أنه لما أنزل الله سبحانه ، قوله : " أفحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون " علمت أن الفتنه لا تنزل بنا و رسول الله - صلى الله عليه وآله - بين أظهرنا ".
فقلت : " يا رسول الله ، ما هذه الفتنه التي أخبرك الله تعالى بها ؟ " ،
فقال : "يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي " .
فقلت : " يا رسول الله أو ليس قد قلت لي يوم أحد ، حيث استشهد من أستشهد من المسلمين " .
و حيزت عني الشهادة ، فشق ذلك علي . فقلت لي : " أبشر فان الشهادة من ورائك ؟ " ،
فقال لي : " إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن ؟ "،
فقلت : " يا رسول الله ، ليس هذا من مواطن الصبر . ولكن من مواطن البشرى و الشكر"!!
و يقول علي أيضا : " إن أكرم الموت القتل ! و الذي نفس ابن أبي طالب بيده ، لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله ".
هذا الإندفاع لم يكن مقصورا على علي و أمثال علي ، بل إن عامة الناس كانوا يأتون إلى الرسول يطلبون منه أن يدعو الله لهم بالشهادة ، تكررت هذه الظاهرة في إيران أبان الثورة الإسلامية ، فاندفعت الملايين تطلب الموت ، فوهب الله لها الحياة . و الإمام القائد ( ره ) ، ذكر مرارا ان الأفراد ياتون اليه باستمرار يطلبون منه ان يدعو الله لهم أن يرزقهم الشهادة !!.
هذا " خثيمة " واحد من سائر الناس يتنازع مع ابنه ليسبقه في الإستشهاد . الأب يصر على الإبن أن يبقى في البيت ليذهب هو للجهاد . و الإبن يصر على الأب كذلك بالبقاء في البيت ليذهب هو .. فيقترعان .. فتقع القرعة على الإبن ، فيذهب ، و يستشهد .ثم يرى الأب ولده في عالم الرؤيا يقول له : " يا أبت، انه قد وعدني ربي حقا !! ، تصاعد شوق الإستشهاد في نفس الرجل العجوز فهرع إلى النبي يقول له : لقد وهن عظمي و خارت قواي ، لكني اشتاق إلى الشهادة ، فاسأل الله أن يرزقني إياها " .
فدعا له رسول الله ، و لم يمر عام حتى نال الرجل ما تمناه .. فقد سقط في معركة أحد مضمّخا بدم الشهادة !و " عمر بن الجموح " .. كان قد أصيب في إحدى رجليه و سقط عنه حكم الجهاد إذ ( ليس على الأعرج حرج ) .
و حانت معركة أحد ، فتجهز أولاد هذا الرجل للمعركة ، و هم هو أيضا أن يشارك مع أبنائه . نصحه أولاده فلم يستجيب لهم ، اجتمع أهله و أقاربه ، ينصحونه بالبقاء فأبى أن يصغي لهم .. و ذهب إلى الرسول شاكيا يقول : " أبنائي يمنعوني أن أفوز بالشهادة " . فأجازه رسول الله أن يشارك في المعركة ، و طلب من أبنائه أن يدعوه يحقق أمنيته في الإستشهاد . فخاض المعركة و استشهد . و عندما بلغ خبر فشل المسلمين في أحد إلى المدينة سارع من كان في المدينة إلى جبل أحد ، و بينهم امرأة عمر بن الجموح . عثرت هذه المرأة على جسد زوجها و إبنها و أخيها ، فوضعت الأجساد على ظهر بعير ، و قفلت راجعة إلى المدينة لتدفن قتلاها في البقيع .. لكنها الفت البعير يأبى الإتجاه نحو المدينة ، و لا يتحرك إليها إلاّ بمشقة . فالتقت بنسوة قادمات من المدينة نحو أحد بينهن عائشة زوج الرسول .
سألتها عائشة : من أي مكان تأتين ؟
أجابت : من أحد .
قالت عائشة : فما هذا الذي على ظهر البعير ؟
أجابت ببرود تام: أجسام زوجي و إبني و أخي ، اذهب بهم إلى المدينة لأدفنهم هناك .
ثم سألتها عمّا وراءها .
أجابت المرأة : خيرا .. النبي سالم و الحمد لله ، ورد الله الذين كفروا بغيظهم .
ثم قالت المرأة لعائشة : إن هذا البعير يأبى العودة إلى المدينة ، و كأنه يروم الذهاب إلى أحد .
قالت عائشة : لننطلق معا إلى النبي في أحد، ثم قصت المرأة على النبي ما كان من شأن البعير . فسألها رسول الله عما قاله زوجها حين غادر المنزل ، قالت : رفع يده إلى السماء ، و سأل الله تعالى أن لا يعيده إلى بيته .
فأخبرها النبي باستجابة دعوة زوجها ، و أمر بدفنه مع سائر الشهداء في أحد . روح الاندفاع نحو الشهادة تجسدت في كل أئمة آل البيت و أتباعهم ، و هذه الروح تطفح في أدعيتهم التي خلفوها لنا و منها:
اللهم برحمتك في الصالحين فأدخلنا ، و في عليين فارفعنا .. و قتلا في سبيلك مع وليك فوفق لنا.
و الحسين بن علي - عليه السلام - يردد و هو يسير نحو كربلاء هذه الأبيات :
فان تكن الدنيا تعد نفيسة ، فدار ثواب الله أعلى ، و أنبلوان تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء ، يبخلوان تكن الأبدان للموت ، انشأت فقتل امرئ بالسيف في الله أجمل .
source : tebyan