الطالب يعاني في دراسته مصاعب متعددة كابتعادة عن الأهل و الأحبة و عن الوطن أحيانا ، و كتقيده بجدران الصف و المدرسة .
لكن الطريق الوحيد لسعادة هذا الطالب في المجتمع ، ينحصر في إنهاء دراسته بنجاح . و المزارع يتحمل في حقله أنواع الأتعاب ، و يعاني من ابتعاده عن أهله و أطفاله . لكن عمله في المزرعة ، هو الذي يوفر له وسيلة حياة مرضيه في كنف عائلته طول أيام السنة . و كيف يستقبل الموت أصحاب هذا الإتجاه الأخير ؟ ، هؤلاء يخافون من الموت ، و ينفرون منه إن كانوا قد أضاعوا عمرهم، وأتلفوا حياتهم، وارتكبوا المعاصي والآثام .. لكنهم يستقبلون الموت ببشر وسرور، ويترقبونه بفارغ الصبر ، إن كانوا قد أدوا ما عليهم من مسؤولية في الحياة ، و نجحوا في اجتياز المرحلة الدنيويه ، شأنهم في ذلك شأن الطالب الذي جد ، و اجتهد بنجاح في دراسته ، و يود بلهفة أن يعود إلى وطنه ، و إلى أحضان أهله و أحبائه . و كالمزارع الذي بذل غاية جهده في عمله ، و يأمل بشوق شديد أن ينتهي من عمله ، و يأخذ ما جنته يداه إلى بيته . هذا الطالب يصارع رغبته في العودة إلى وطنه قبل انتهاء دراسته ، و يأبى على نفسه أن يترك دراسته ناقصة . و هكذا المزارع لا يضحي بعمله و واجبه من أجل تحقيق أمله . شأن أولياء الله شأن هذا الطالب .. ينظرون بعين الشوق و الأمل إلى الموت باعتباره نقلة إلى العالم الآخر ، و هذا الأمل يعتمل في نفوسهم ، فلا يقر لهم قرار .. يقول علي -ع- :
" و لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب ، و خوفا من العقاب " ، ( الخطبة 193 ) ، و مع هذا .. فأولياء الله لايلقون بأنفسهم نحو الموت ، إذ يرون العمر فرصة وحيدة للعمل و التكامل ، و يعلمون انهم يستطيعون اجتياز مراحل أسمى على سلم التكامل ، إن استمروا على قيد الحياة .. فيطلبون من الله أن يطيل أعمارهم . و من هنا فلا تعارض بين شوق المؤمنين إلى الموت و طلبهم طول العمر . القرآن الكريم يخاطب اليهود الذين زعموا أنهم ( أولياء الله ) قائلا : " فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ " ، ( الجمعة 6 ).
ثم يقول : « و َلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ » ، ( الجمعة 7).
هؤلاء هم من النوع الذي أشرنا إليه آنفا في القسم الثالث من وجهات النظر إلى الموت . أولياء الله يعرضون عن طلب طول العمر في موضعين:
- الأول : حين يشعرون بعدم قدرتهم على إحراز مزيد من النجاح في حياتهم ، بل يحسون بتناقض بدلا من التكامل . يقول علي بن الحسين -عليه السلام - في دعائه : " إلهي و عمرّني ما دام عمري بذلة في طاعتك ، فان كان مرتعا للشيطان فاقبضني إليك " .
- الثاني : الشهادة ، فأولياء الله يطلبون من الله الموت في موضع الشهادة دونما شروط . لان الشهادة تنطوي على الخاصيتين معا : خاصية العمل ، و خاصية التكامل . و الحديث النبوي " فوق كل ذي بر بر، حتى يقتل في سبيل الله ، و إذا قتل في سبيل الله ، فليس فوقه بر " ، يؤكد هذه الحقيقة . و من هنا الإمام علي ، يكاد يطير فرحا حين يسمع من النبي أن مصيره الشهادة . و علي -عليه السلام - تحدث عن الموت كثيرا و مما قاله في هذا الصدد:
" و الله ما فجأني من الموت وارد كرهته و لا طالع أنكرته ، و ما كنت إلا كقارب ورد و طالب وجد " . هذه النظرة إلى الموت بلغت من العمق و الرسوخ في نفس ( علي ) ، بحيث رفع عقيرته حين هوى السيف على مفرق رأسه صبيحة التاسع عشر من رمضان مرددا : " فزت و رب الكعبة " !!
و الحسين بن علي -ع - يروي عن جده رسول الله -ص- انه قال له : " إن لك منزله عند الله لا تنالها إلا بالشهادة " .
source : tebyan