بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(سورة التوبة:33)، قال: ( أظَهَرَ ذلك بعد؟! كلا والذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلا ونودي فيها بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بكرة وعشياً). (المحجة للبحراني ص 86).
وعن ابن عباس قال: ( حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا صار إلى الإسلام. وحتى ترفع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وذلك يكون عند قيام القائم) (المحجة 87)، ومعنى ترفع الجزية، أنه لايقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام.
وعن أبي بصير(ره) قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل في كتابه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد. قلت جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها؟ قال: حين يقوم القائم إن شاء الله تعالى، فإذا خرج القائم لم يبق كافر ولا مشرك إلا كره خروجه، حتى لو أن كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت الصخرة يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله، فيجيئه فيقتله) (المحجة: 86).
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (القائم منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه). (البحار:52/191).
وفي تفسير العياشي:2/87 عن الإمام الباقر عليه السلام قال في تفسيرها: (يكون أن لا يبقى أحد إلا أقر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم).
وفيه:2/56، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (سئل أبي عليه السلام عن قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة ًكَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً... وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)، فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ويبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على وجه الأرض، كما قال الله تعالى).
وجاء في تفسير قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتفاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله في أنفسهم وفي الآفاق. وقوله: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، يعني بذلك خروج القائم هو الحق من الله عز وجل، يراه هذا الخلق، لابد منه). (غيبة النعماني ص143)
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي). (البيان للشافعي ص63).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ولا يكون ملك إلا للإسلام، وتكون الأرض كفاتور الفضة). (الملاحم والفتن ص66) أي تكون الأرض صافية نقية من الكفر والنفاق، كسبيكة الفضة النقية من المواد المغشوشة.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي. ويريهم كيف يكون عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة). (نهج البلاغة:4/36) يعني أن المهدي عليه السلام يتبع القرآن ولا يحرف تفسيره بالهوى كما فعل المنحرفون قبله.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (كأني بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه، ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت، فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ). (البحار:52/ 352).
وقوله عليه السلام : (مولياً يفحص بدمه) تصوير دقيق مؤثر لحالة الإسلام كطير مجروح يرف بجناحيه ويتخبط بدمه من ضربات الظالمين له، وتحريفهم إياه، حتى ينقذه المهدي عليه السلام ويحييه ويرده إلى المسلمين.
والمقصود بالعطاءين في السنة والرزقين في الشهر: العطاء من بيت المال كل ستة أشهر، وتوزيع المواد الغذائية على الناس كل أسبوعين.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( سيميت الله به كل بدعة، ويمحو كل ضلالة، ويحيي كل سنة). ( الكافي:1/412).
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (ولا يبقى في الأرض خراب إلا قد عمر، ولا يبقى في الأرض معبود من دون الله تعالى من صنم ووثن وغيره، إلا وقعت فيه نار فاحترق). ( كمال الدين ص331).
العوامل المساعدة للإمام المهدي عليه السلام في هداية الشعوب:
من الطبيعي أن يتساءل المرء: كيف سيتمكن الإمام المهدي عليه السلام من تعميم الإسلام على الشعوب غير المسلمة، مع ما هي فيه من حياة مادية بعيدة عن الايمان والقيم الروحية، ونظرة سيئة إلى الإسلام والمسلمين؟!
لكن ينبغي الإلتفات إلى عوامل كثيرة عقائدية وسياسية واقتصادية تساعد الإمام المهدي عليه السلام في دعوته، تقدم بعضها في حركة ظهوره عليه السلام.
فمن ذلك أن شعوب العالم تكون قد جربت - وقد جربت- الحياة المادية البعيدة عن الدين، ولمست لمس اليد فراغها وعدم تلبيتها لفطرة الإنسان وإنسانيته. وهي حقيقة يعاني منها الغربيون ويجهرون بها!
ومنها، أن الإسلام دين الفطرة، ولو فسح الحكام لنوره أن يصل إلى شعوبهم على يد علماء ومؤمنين صادقين، لدخل الناس فيه أفواجاً.
ومنها، الآيات والمعجزات التي تظهر لشعوب العالم على يد المهدي عليه السلام، ومن أبرزها النداء السماوي كما تقدم.
وهذه الآيات وإن كان تأثيرها على الحكام موقتاً أو ضعيفاً أو معدوماً ولكنها تؤثر على شعوبهم بنسب مختلفة.
ولعل من أهم عوامل التأثير عليهم انتصارات الإمام المهدي عليه السلام المتوالية، لأن من طبع الشعوب الغربية أنها تحب القوي المنتصر وتقدسه، حتى لو كان عدوها. فكيف إذا كانت له كرامات ومعجزات.
ومنها، نزول المسيح عليه السلام وما يظهره الله تعالى على يده من آيات ومعجزات للشعوب الغربية وشعوب العالم، بل إن دوره الأساسي وعمله الأساسي يكون بينهم، ومن الطبيعي أن تفرح به الشعوب الغربية وحكامها ويؤمن به الجميع أول الأمر، حتى إذا بدأ يظهر ميله إلى الإمام المهدي عليه السلام والإسلام تبدأ الحكومات الغربية بالتشكيك والتشويش عليه، وتنحسر موجة تأييده العارمة، ويبقى أنصاره من الشعوب الغربية، ويحدث فيهم التحول العقائدي والسياسي حتى يكونون تياراً في بلادهم.
ومنها، العوامل الإقتصادية، وما يصل اليه العالم من الغنى والرفاهية على يد الإمام المهدي عليه السلام فينعم الناس في زمنه نعمة لا سابقة لها في تاريخ الأرض وشعوبها، كما تذكر الأحاديث الشريفة، ومن الطبيعي أن يكون لذلك تأثير هام على تلك الشعوب.
وهذه لمحات عن الحياة في عصر المهدي عليه السلام:
تطوير الإمام عليه السلام للحياة المادية والرفاهية:
من الأمور البارزة في أحاديث المهدي عليه السلام التقدم التكنولوجي في الدولة العالمية التي يقيمها، فإن نوع الحياة المادية التي تتحدث عنها النصوص الشريفة في عصره عليه السلام، أعظم من كل ما عرفناه في عصرنا، ومما قد يتوصل اليه تطور العلوم بالجهود البشرية العادية. وفيما يلي بعض ما ورد في ذلك:
يستخرج كنوز الأرض ويقسمها على الناس:
والأحاديث في ذلك كثيرة، منها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تخرج له الأرض أفلاذ أكبادها، ويحثو المال حثواً ولا يعده عداً). (البحار:51/68).
وأفلاذ أكبادها أي كنوزها،وفي رواية: (حتى يخرج منها مثل الأسطوانة ذهباً).
وحديث يحثو المال حثواً أو حثياً ولا يعده عداً، مشهور في مصادر الفريقين، وهو يدل على الرخاء الإقتصادي الذي لا سابقة له، وعلى نفسية الإمام المهدي عليه السلام السخية، المحبة للناس.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال:(إذا قائم أهل البيت قسم بالسوية، وعدل في الرعية. فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن.
وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله عز وجل. فيعطي شيئاً لم يعطه أحد قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً). (البحار:52/351).
تنعم الأمة في زمانه وتعمر الأرض:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط. ترسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته). (ابن حماد ص98)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( تأويل إليه أمته كما تأوي النحلة الى يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول. لايوقظ نائماً ولا يهريق دماً) ( ابن حماد ص 99).
ولعل معنى (على مثل أمرهم الأول) أي في المجتمع الإنساني الأول عندما كانوا أمة واحدة على صفاء فطرتهم الانسانية، قبل أن يقع بينهم الإختلاف كما قال تعالى: ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً). (سورة البقرة:213)
وهو يؤيد ما تشير إليه بعض الأحاديث من أن المجتمع يصل في عصر المهدي عليه السلام إلى مجتمع الغنى وعدم الحاجة، ثم إلى مجتمع المحبة وعدم الإختلاف وعدم الحاجة إلى المحاكم، ثم إلى مجتمع اللانقد، بحيث يعمل أفراده لخدمة بعضهم قربة إلى الله تعالى ويأخذون ما يحتاجونه من بعضهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض. لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته، ولا الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء الأموات). (ابن حماد ص99)، أي يتمنى الأحياء أن الأموات كانوا أحياء لينعموا معهم ويروا ما رأوا.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (ويظهر الله عز وجل به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمر). (البحار:52/191).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( المهدي محبوب في الخلائق، يطفئ الله به الفتنة الصماء) (بشارة الإسلام ص 185).
وعنه عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (مدهامتان..) قال: يتصل ما بين مكة والمدينة نخلاً) (البحار:56/ 49).
وعن سعيد بن جبير قال: ( إن السنة التي يقوم فيها القائم تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، ويرى آثارها وبركاتها). (كشف الغمة:3/250).
وفي مخطوطة ابن حماد ص98: (علامة المهدي: أن يكون شديداً على العمال، جواداً بالمال، رحيماً بالمساكين).
وفيها: ( المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد).