عربي
Saturday 21st of December 2024
0
نفر 0

أهل البيت (ع) والعبودية

أهل البيت (ع) والعبودية

بلغ أهل البيت (ع) مقام العبودية لله عز وجل لا يبلغ شأنهم(شأوهم خ) فى هذا أحد لأن معرفتهم بالله عز وجل هى الأجل والأعظم والأكثر من سائر الناس أجمعين، وقد بلغوا مقام التسليم لله تبارك وتعالى.

فهم لا يخطون خطوة واحدة إلا لله وفى سبيل الله وامتثالًا لأمر الله عز وجل وحياتهم وأعمالهم وأقوالهم وسيرتهم تدور فى فلك الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.

قيامهم وقعودهم سكوتهم وحديثهم وحتى زواجهم وتعاملهم وكسبهم وتجارتهم وحربهم وصلحهم سفرهم وحضرهم لباسهم ونظرتهم قولهم وصحوهم بكاؤهم وابتسامتهم وكل أعمالهم: إن كل‌

______________________________
(1) الكافى: 1/ 221، باب أن الأئمة معدن العلم حديث 1، بصائر الدرجات: 85، باب 1 حديث 9.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 69

ذلك ينطلق من نية خالصة وصفاء قلب وإيمان عميق، وهى بذلك جزء لا ينفك من مسيرتهم العبادية وهى انعكاس تام لعبوديتهم الخالصة لله عز وجل.

أهل البيت (ع) وهم يعبدون الله ويطيعونه ويسلّمون له سبحانه تسليماً أنما يفعلون ذلك لأن الله أهل للعبادة، فهم لا يعبدون الله طمعاً فى الجنة أو خوفاً من النار، إنما ينطلقون فى عبادتهم من خلال معرفة بالله سبحانه وعرفاناً لنعمائه وتسليماً لأمره ووفاء له تبارك وتعالى.

ولهذا فقد بلغوا الأوج فى العبادة، ومن يطلع على مناجاتهم ودعواتهم لا يجد فيها إلا الإخلاص والتسليم والشعور بالتقصير لأنهم يقارنون عبادتهم بعبادة رسول الله التى لا يبلغها أحد من العالمين.

وقد بلغت عبادتهم أعلى المراتب لأنها لا تأتى خوفاً ولا طمعاً وإنما لإدراك ووعى تام بأن الله سبحانه يجب أن يعبد وأن الإنسان الكامل يجب أن يكون عبداً لله عز وجل.

يقول الإمام على أمير المؤمنين (ع): إلهى ما عبدتك طمعاً فى جنتك ولا خوفاً من نارك، ولكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك‌ «1».

وعنه (ع) أيضاً قال: إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار «2».

وأقسم بالله لو أن الله عز وجل قال لأهل البيت (ع): سأمحو عن الوجود الجنة والجحيم فلا عقاب ولا ثواب فإن ذلك لن يؤثر

______________________________
(1) عوالى اللئالى: 1/ 404 حديث 63؛ بحار الأنوار: 69/ 278، باب 116، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد: 5/ 361.

(2) نهج البلاغة: 815، حكمة 237، كشف الغمة: 2/ 150، وسائل الشيعة: 1/ 63 باب 9، حديث 136، بحار الأنوار: 41/ 14، باب 101، حديث 4.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 70

قيد شعرة على عبادة أهل البيت وتسليمهم.

وبلغ الإمام على أمير المؤمنين (ع) الذروة التى لا يبلغها أحد حتى أولاده وذريته واعترفوا بذلك مراراً.

وأهل البيت (ع) من الأئمة الأطهار بلغوا الذرى فى عبادتهم وإن كانت لا تضاهى عبادة الرسول (ص) ووصيه على (ع) ولكن عبادتهم كانت المثل الأعلى للجميع، وبهذه العبادة الفريدة بلغوا ما بلغوا من القرب الإلهى، فكانت لهم الولاية والإمامة وبلغوا المقام المحمود ومقام الشفاعة، وأصبحت طاعتهم على الناس من أوجب الواجبات.

مفهوم العبادة

العبادة لله عز وجل هى أن تكون حركات الإنسان وسكناته وحياته ومماته لله سبحانه وتعالى، فكل خطوة يخطوها يجب أن تكون استجابة لإرادة الله ومشيئته خالصة لله دون سواه:

قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‌ «1».

وللمرحوم الشهيد مطهرى فى موضوع العبادة والعبودية إشارات مفيدة للغاية، حيث تنطوى على المعارف الإلهية الحقة وللقارئ الكريم بعض ما ذكر مع شرح وتوضيح.

روى عن الإمام الصادق (ع) قوله: العبودية جوهره كنهها الربوبية «2».

إن بإمكان الإنسان أن يخطو فى طريق الكمال وأن يبلغ درجات رفيعة فى هذا المضمار، وقد يصل الإنسان إذا نجح فى طى‌

______________________________
(1) سورة الأنعام: الآية 162.

(2) مصباح الشريعة.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 71

هذا الطريق أن يعبر حدود الخيال وبالرغم من كون الإنسان مخلوقاً فقيراً محتاجاً، ولا يملك شيئاً بذاته.

إلا أنه ومن خلال عبوديته لله عز وجل وإخلاصه فى العبودية أن يبلغ درجة تمكنه من تسخير العالم.

مراحل بلوغ العبودية الكاملة

ومن أجل بلوغ مرحلة الولاية وتسخير العالم وبعبارة أخرى بلوغ درجة الكمال والقدرة التى تحصل من خلال العبودية لله والإخلاص والعبادة الحقّة فإنه يتوجب اجتياز وطى مراحل ومنازل عديدة:

المرحلة الأولى‌

ضبط النفس وتطويعها من خلال الارتفاع بالعبادة والعبودية بنية خالصة نقية كما يريدها الله عزّ وجلّ.

وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «1».

إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً «2».

إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‌ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ «3».

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‌ «4».

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ «5».

______________________________
(1) العنكبوت: الآية 269.

(2) سورة الأنفال: الآية 29.

(3) سورة العنكبوت: الآية 45.

(4) سورة البقرة: الآية 153.

(5) سورة البقرة: الآية 153.

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 72

وفى هذه المرحلة من العبودية تنفتح الشخصية الإنسانية على آفاق من المعرفة بحيث تكون الرغبات والميول النفسانية للإنسان طوع إرادته فتظهر بذلك أولى ملامح العبودية وهى الولاية على النفس الإمارة والسيطرة عليها.

المرحلة الثانية

وفيها تكون للإنسان ولاية على أفكاره المشتتة المبعثرة، وبعبارة أولى تكون له القدرة على التحكم والسيطرة بقوته التخيلية.

إن من أعجب العجائب فى القوى الإنسانية قوّته التخيلية وبسبب هذه القوة ينتقل ذهن الإنسان فى كل لحظة ويقفز من موضوع إلى موضوع آخر أو بما يمكن التعبير عنه بتداعى المعانى وتسلسل الخواطر.

هذه القوة ليست تحت طوعنا وإرادتنا، بل نحن أسرى هذه القوّة المدهشة، ولذا كلما حاولنا أن نركز على موضوع معين إذا بنا نقفز إلى موضوع آخر، وإذا نحن أسرى هذه القوّة التخيلية التى تحلّق بنا هنا وهناك، ولعلنا ندرك كيف نحاول أن نستحضر وقوفنا فى الصلاة، فكلما حاولنا من أن نركز على ما نقوله أثناء الصلاة من كلمات ومعانى وأن يكون لنا حضور قلبى إذا بنا نعجز عن ذلك ونكلّ.

وهناك حديث لسيدنا ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام يقول فيه:

مثل القلب مثل الريشة فى الفلاة تعلقت فى أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن‌ «1».

وتصور مشهد الريشة فى مهب الريح وهى معلقة فى أصل‌

______________________________
(1) نهج البلاغة: 1/ 103.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 73

الشجرة كيف تقلبها الريح بهذه الجهة.

وقال النبى الكريم قلب ابن آدم‌

 

ريشة فى فلاة فى مهب الرياح‌

تعصف بها الريح مرّة صوب اليمين‌

 

وأخرى تتجه بها نحو الشمال‌

     

 

وفى حديث آخر قال النبى:

قلب ابن آدم كالمياه تفور فى القدر الكبيرة

مرة تراه هنا وأخرى هناك‌

هناك فى تقلب كالمياه وهى تفور

قلب ابن آدم أشدّ انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غليا «1».

فهل الإنسان خاضع لهذه القوة التخيلية وهل أن هذه القوة الغامضة التى تشبه عصفوراً يقفز من هذه الغصن إلى ذاك هى التى تتحكم بكياننا؟ أم أن سيطرتها علينا نابعة من ضعفنا وسذاجتنا بينما الذين بلغوا درجات الكمال وأهل الولاية قادرون على تسخير هذه القوة العتيدة وتطويقها؟.

لا ريب أن القسم الثانى من هذا التساؤل هو الصحيح ذلك أن من واجبات الإنسان أن يتحكم برغباته ويقهر قوّة الخيال لديه ويسيطر عليها وإلّا فأن هذه القوة الشيطانية إذا ما تحكمت بالنفس الإنسانية، فانها ستذهب بها بعيداً عن طريق التكامل والصراط المستقيم وسوف تستغل جميع القوى النفسانية أبشع استغلال وتبدد كل هذه القوى بعيداً عن بناء الشخصية الإنسانية الرفيعة.

الروح العوبة بيد الخيال تقذفها هنا وهناك.

إن السالكين فى طريق العبودية يبلغون فى المرحلة الثانية مقام الولاية والربوبية على القوة التخيلية فتصبح فى طوعهم، وأثر ذلك فإن الروح والضمير ينهجان بنحو التسامى وتجذبهم الفطرة نحو الله،

______________________________
(1) مسند أحمد: 7/ 24317.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 74

وحينئذ تكون الطريق مفتوحة بعد التحكم بالقوة التخيلية وبعادها عن قطع الطريق إلى الله.

يقول الشاعر مولوى وهو يصوغ حديث النبى (ص):

تنام عيناى ولا ينام قلبى‌ «1».

وقال النبى (ص): عيناى لا تنام‌

 

لا ينام القلب عن رب الأنام‌

عينك متيقظة وقلبك نائم‌

 

عينى نائمة وقلبى متيقظ قائم‌

جليسك لست أنا إنما ظلى‌

 

أبعد من الأفكار أنا

     

 

إن من الممكن كسب المعركة مع قوّة الخيال لأنه:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها «2».

وعلى الإنسان أن يتجه إلى الله على أساس قابلياته فى العبادة، إن المرتاضين ينتهجون طرقاً أخرى وأقصى جهدهم هو الإنزواء بعيداً عن الحياة واتخاذ موقف سلبى تجاه نشاط الإنسان فى الدنيا، يعنى إهمال الحياة وتعذيب الذات عن طريق معاقبة الجسم من خلال التجويع والتشديد عليه والقيام بحركات هى فى الحقيقة نوع من التعذيب الذاتى، ومع كل ذلك فإنهم يحققون تقدماً طفيفاً على الصعيد الروحى.

إلا أن الإسلام حدد مساراً عبادياً يحقق أقصى النتائج من دون اللجوء إلى ما يقوم به المرتاضون.

إن استحضار القلب والوقوف أمام الرب والاستغراق فى هذا المشهد بشكل وجدانى سوف يوفر الظروف المساعدة للتركيز الذهنى والصفاء النفسى.

يقول ابن سينا: العبادة عند العارف رياضة ما لهممه وقوى‌

______________________________
(1) مصباح الشريعة: 44 باب 20، بحار الأنوار: 64/ 252.

(2) سورة البقرة: 286.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 75

نفسه المتوهمة والمتخيلة ليجرّها بالتعويد عن جناب الغرور إلى جناب الحق فتصير مسالمة للسرّ الباطن حينما يتجلّى الحق لا تنازعه فيخلص إلى الشروق الباطن‌ «1».

وابن سينا فى هذا النص يعتبر القوى المتوهمة والخيال و قوى تجرّ الإنسان فى طريق الغرور بعيداً عن الحق. والرياضة هنا هى تقوية الإرادة والهمّة لكبح جماح الخيال والوهم وتطويعها من خلال التعويد الذى هو تمارين مستمرة ورياضة روحية إلى حدّ استسلام قوّة الخيال وبالتالى حدوث حالة سلام داخل النفس بانتهاء حالة النزاع، وهنا يكون القلب مستعداً لتلقى الإشراق.

المرحلة الثالثة

وفى هذه المرحلة تصل الروح فى قدرتها وقوّتها وولايتها مرحلة تكون مستغنية فى كثير من الشؤون البدنية فى وقت يكون فيه البدن محتاجاً للروح مئة بالمئة.

الروح والبدن محتاجان لبعضهما البعض، فحياة البدن بالروح والروح صورة وحافظة للبدن، وإن سلب العلاقة التدبيرية للروح بالبدن تستلزم خراب وفساد البدن.

ومن جهة أخرى فإن الروح تحتاج البدن لأداء العديد من النشاطات فالروح تستخدم البدن فى نشاطها.

أى أن الروح لا يمكنها أن تقوم بنشاطها وفعالياتها من دون الأدوات البدنية.

واستغناء الروح عن البدن فى بعض نشاطاتها قد يحصل أحياناً فى لحظات، وقد يتكرر ذلك وربما يصبح دائمياً، وهذه الحالة يطلق عليها خلع البدن.

______________________________
(1) الإشارات: النمط التاسع.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 76

والسهروردى فيلسوف الإشراق، يقول: أنه لا يعترف بحكمة من لا يستطيع القيام ب خلع البدن، أما ميرداماد فيذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: أنه لا يعترف بحكمة من لا يصبح خلع البدن لديه ملكة، بحيث يمكنه القيام بذلك متى شاء.

ويرى بعض الباحثين أن خلع البدن لا يدل على مرتبة متقدمة من الكمال؛ لأن بعض من لم يعبر عالم المثال. ولم يضع قدميه فى مرحلة الغيب المعقول، يمكنه أن يقوم بذلك ويبلغ مرحلة خلع البدن.

المرحلة الرابعة

وفيها يكون البدن تحت إمرة وقيادة وإرادة الإنسان، بحيث يمكنه القيام بأعمال خارقة للعادة فى إطار بدنه.

يقول الإمام الصادق (ع): ما ضعف بدن عما قويت عليه النية «1».

المرحلة الخامسة

وهذه المرحلة من أعلى المراحل وفيها تصبح الطبيعة تحت نفوذ الإنسان وتحت سيطرته وطوع إرادته، ومن هنا تأتى معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء؛ وذلك أن المعجزات هى تصرّف وتسخير للطبيعة وتنضوى تحت الولاية التكوينية.

فالعصا واستحالتها إلى أفعى وثعبان وتحويل الأعمى إلى بصير وبعث الحياة فى الموتى ومعرفة ما رواء الأستار، إن كل ذلك يأتى من باب التصرّف والولاية التكوينية.

ويظن البعض أن وقوع معجزة ما على يد نبى أو كرامة على يد

______________________________
(1) الأمالى للصدوق: 293، مجلس 53، حديث 6، من لا يحضره الفقيه: 4/ 400، حديث 5859، وسائل الشيعة: 1/ 1: 53/ 53، باب 6، حديث 106.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 77

ولى ليس له علاقة بإرادة صاحب المعجزة أو الكرامة ولا دخل لشخصيتة فى ذلك وأنه فقط واسطة أو مسرح لوقوع هذه الحادثة المدهشة، وأن الذات إلى الاحدية المقدسة هى وحدها فقط وبشكل مباشر وراء ذلك، لأن المعجزة إنما هى خرق للقانون الطبيعى وهو خارج عن قدرات الإنسان مهما بلغ من قدرته.

وهذا التصور خاطئ ذلك أن الله عز وجل جعل لكل شى‌ء سبباً وهو سبحانه يأبى أن يحدث فعل بدون واسطة وخارج نظامه ولأن هذا التصور يصطدم مع نصوص القرآن الكريم.

إن القرآن الكريم يصرح بشكل واضح أن الأنبياء هم من كانوا يقومون بالمعجزات، ولكن بإذن الله سبحانه وأنهم صلوات الله عليهم يقومون بالمعجزات بترخيص من الله عز وجل.

ومن البديهى أن الأذن الإلهى والترخيص الربّانى ليس من سنخ الأذن الإنسانى الذى نفهمه ونتصور وهو الطلب من إنسان ما الأذن بفعل شى‌ء.

كما أنه ليس هناك منعاً أخلاقياً أو اجتماعياً، بحيث يطلب الإنسان ترخيصاً بما يقوم به مثلًا.

إن الإذن الإلهى هو نوع من الكمال يبلغه النبى وهو بإرادة الله:

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‌ «1».

وفى هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على أن المعجزة هى من النبى، ولكن بإذن الله وهو إذن تكوينى فكل كائن فى هذا العالم وفى أى درجة كان ومرحلة إنما هو منفذ لإرادة الله ومشيئته، وهو مظهر من مظاهره، وأن الأنبياء وفى كل ما يفعلون ومن ضمن ذلك قيامهم بالمعجزات إنما يستمدون ذلك من النبع الأزلى للغيب، وقد أشرنا إلى ما ورد فى قصة النبى سليمان وعرش بلقيس ملكة سبأ:

______________________________
(1) سورة المؤمن: الآية 78.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 78

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ‌ «1».

وفى الآية الكريمة تصريح إلى نسبة هذا العمل الخارق إلى الإنسان، أى ذلك الشخص فهو يقول أنا آتيك به واستناداً إلى علمه بجزء من الكتاب، فهناك علم لديه من اللوح المحفوظ وما حصل من علم خارق إنما جاء بموجب ما لديه من علم، وهكذا الأعمال الخارقة تأتى من خلال بلوغ الإنسان واطلاعه بنوع من العلوم لها علاقة واتصال باللوح المحفوظ ومقام القرب من الحق.

إذن فالقرآن الكريم يشير إلى تدرج الإنسان فى حركة جوهرية وبلوغه مرحلة يمكنه أن يتصرف بالطبيعة وتكون له ولاية على الكائنات، وهذه كلها نتيجة للقرب الإلهى وكلما زادت درجة القرب من الله عز وجل زادت قدرته فى التصرّف واشتدت ولايته.

عن الإمام الصادق (ع) عن جدّه رسول الله (ص) عن الله عز وجل فى حديث قدسى: ما تقرّب إلىّ عبد بشى‌ء أحب إلىَّ مما افترضت عليه، وأنه ليتقرّب إلىّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به ولسانه الذى ينطق به، ويده التى يبطش بها إن دعانى أجبته وإن سألنى أعطيته‌ «2».

وعلى هذا فإن الطريق الوحيد لبلوغ المقامات الإنسانية والوصول إلى درجة الإنسان الكامل هو سلوك طريق العبودية؛ لأن جوهر وكنه العبودية وحقيقتها هى الربوبية والولاية.

وقد بلغ أهل البيت فى عبادتهم وأخلاقهم وعبوديتهم لله تعالى مرحلة أصبحوا فيها الأكثر قرباً من الله عز وجل من سائر الكائنات من الجن والإنس والملائكة والكائنات صاحبة العقل الأخروى، ولهذا

______________________________
(1) سورة النمل: الآية 40.

(2) الكافى: 2/ 352، باب من آذى المسلمين، حديث 7.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 79

فقد أصبحت دائرة ولايتهم من السعة والإمتداد مستوى شملت الكائنات.

 

للاستاذ انصاريان


source : من اثار الاستاذ انصاریان حفظه الله
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العدل في القرآن الكريم
واقعة الغدير و أهميتها (1)
ثالث النواب الأربعة الحسين بن روح النوبختي
برامج الرعاية الاجتماعية في ضوء مقاصد الشريعة
بَينَ يَدَيّ الخِطاب العظيم لِسَيّدَةِ نِسَاءِ ...
أين يقع غدير خُمّ؟
الملكية ووظيفتها الاجتماعية في الفقه الإسلامي
العلاقة بين القضاء والقدر، وإختيار الإنسان
جهاد النفس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)
وصايا رمضانية ( ضرورة صلة الرحم)

 
user comment