عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏

حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏

كل جزء من الوجود الذى تحقق بالأسماء الحسنى وأصبح له ظهور عينى هو تحت اسم له مجد ذلك الإسم، ولا شك أنه يتوجب وجود فرد يكون مظهراً تاماً للإسم الأعظم، وذلك من أجل تنظيم العلاقة بين الأسماء العينية للحق، بحيث لا يكون مجد اسم من الأسماء يزاحم غيره من الأسماء.

بعبارة أخرى لزوم وجود إنسان كامل يكون مظهراً لجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا ويكون تجلياً للاسم الأعظم، وليكون خليفة الله عز وجل، ومن خلاله يحصل تدبير العالم، أى من خلال روحانيته ونورانيته يكون تدبير الخلق بما فى ذلك الملائكة التى هى‌

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 105

هويات نورية عقلية والتى لكل منها واجب يؤديه:

«وما منّا إلا له مقام معلوم» «1»، فالملائكة تحتاج إلى من يدبّر أمورها وشؤونها ويوجهها ويعلمها وتكون مؤتمرة بأمره.

وخلاصة القول إنّ نظام الخلق كما تفيد الروايات والآيات بحاجة إلى خليفة لله حتى لو أن الله عز وجل لم يخلق إنساناً؛ سواء إذن كان الإنسان أم لم يكن، فإن وجود خليفة لله أمر لازم، ولقد كان آدم (ع) أول إنسان فهو أبو البشر وكان بحاجة إلى روحانية ونورانية خليفة الله لكى تدبّر أموره بالعدل، لهذا فقد كان هو نفسه خليفة الله فيكون بذلك مرتبطاً بالله عز وجل، ومن خلال هذا الإتصال يتلقى أوامر الحق تبارك وتعالى ويجسدها فى حركته، ويضمن لهذه الحركة التوازن والعدالة المطلوبة.

وعلى أساس هذه الحاجة الأكيدة واللازمة للوجود لهذه الحقيقة، فقد شاء الله سبحانه أن يجعل له خليفة ينوبه فى تدبير الوجود والخليقة ويسخر له من أجل ذلك كل شى‌ء ومن هنا ينبغى أن نفهم مقام الخلافة والولاية.

إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «2».

وهذا الخليفة من مركز الأرض ومن صعيد هذا التراب، بدأت حركته ليصل إلى أعلى مراتب نظام الوجود ويكون هو خليفة الله فى تدبير أمور العالم، وبالرغم أن الأرض تبدو فى ظاهر الأمر مكان سفلى، بل الأسفل فى سلم درجات الوجود، ولكنها من حيث القوى والقابليات، ومن حيث الاستيعاب للدرجات تشغل أعلى المحال؛ لأن التراب أكثر العناصر انفعالًا هو العنصر الذى يمكنه استيعاب جميع الأسماء الإلهية، ويكون بقدرة الإنفعال المحض أكثر هوّيات‌

______________________________
(1) سورة الصافات: الآية 164.

(2) سورة البقرة: الآية 30.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 106

الوجود فعالية.

وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها «1».

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض       106     صفات خليفة الله ..... ص : 106

صفات خليفة الله‌

وانطلاقاً من كون مقام الخليفة يشتمل على مقام جميع الأسماء فهو أستاذ ومعلم لما سوى الله عز وجل.

وفى قصة سيدنا آدم (ع) باعتباره خليفة الله مع الملائكة، وكيف علمهم الأسماء فإن فى هذا دلالة على أن آدم الخليفة هو معلم لكل الكائنات فى الوجود، ذلك أن الملائكة يمثلون أعلى مراتب الخلق الإلهى من حيث المعرفة والمقام الوجودى، وهم بهذا المقام كانوا تلامذة الإنسان الكامل، فإذا كان الأمر على الملائكة على هذا النحو فكيف به مع بقية الكائنات التى هى بمراتب أدنى من الملائكة.

... ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‌ «2».

إن خليفة الله من حيث المعرفة والوجود وإدراك الأسماء الحسنى لله هو فى أعلى مراتب الشهود ويتوجب أن يكون فى أعلى سلم المراتب من حيث العدالة لكى يمكنه أن يعلم الملائكة وبدبّر أمرهم.

بعبارة أخرى أن خليفة الله يجب أن يكون فى أعلى درجات‌

______________________________
(1) سورة البقرة: الآية 31.

(2) سورة البقرة: الآية 33 31.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 107

المعرفة والوجود وأن يبلغ مرتبة الكمال فى ذلك، ويجب أن يكون فى أعلى مراتب العصمة والعدالة لكى يكون محله بين الأسماء العينية الحسنى لله وسائر الكائنات والهويات الوجودية ويكون مدبّراً حاكماً عليها.

إنّ خليفة الله يكون قد طوى فى جميع مراحل الوجود من أنزلها إلى أعلاها، ويكون قد حصل على أعلى درجات المعرفة ومراتبها.

إن خليفة الله عنده علم الكتاب وليس بإمكانه الحصول على الكتاب المكنون فحسب، بل أنه يكون قد مسه وأصبح جزءً من وجوده، وقد وصل مرحلة الاعتدال والتوازن فى حركته الجوهرية فى قواه المدركة وفى قواه التحريكية.

ويكون راعياً فطنأً مدركاً محسناً فاعلًا للخير، وفى طليعة الكائنات فى علمه وعمله، قد حصل على الملكات النبيلة من كرم وسخاء وقناعة وعفة وشجاعة وجود وعفو، ويكون قد بلغ الذروة والأوج فى الحكمة الإلهية والعرفان العملى ومظهراً لكل أسماء الله الحسنى.

إن خليفة الله إنسان يظهر فى كل زمان باسم من أسماء الله تناسب عصره وزمانه فينهض بما يجب عليه القيام به ويؤدى ما عليه من حق هذا الاسم ويقوم بمجده وكل اسم يظهر به فيتألق مجد الحق ويظهر.

إن مظهرية خليفة الله فى كل زمان تامّة والتى هى مظهرية تناظر وتساوى جميع أسماء الله الحسنى، حيث يكون الخليفة فى مركزيتها ويمحو الافتراق الموضعى بينها.

فهو من حيث الوجود المعرفى أعلى بكثير من مقام الإحسان، بل هو فى مقام الإيقان وأعلى.

وهو من جهة المعرفة والعمل له فى المحل الأرفع بحيث‌

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 108

تنقطع علاقته بغير الحق وبالرغم من رعايته للوجود فإنه لا يكترث له حتى يصل إلى قمة الانقطاع فيعتليها ويستوى فوق ذروتها فلا يرى شيئاً سوى الحبيب فيأخذه الله عز وجل إليه حيث يصل مقام الحق ومن ثم يصبح صبغة الله فيكون عين الله بأذنه وسمعه بأذنه ويد الله بأذنه وجنب الله راضياً مرضياً ويصبح مأذوناً بالتصرف فى الوجود، وقد أصبح قلبه عرش الله الذى استوى عليه عز وجل.

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‌ «1».

الجديررون بالخلافة

جاء فى الحديث القدسى: «لا يسعنى أرض ولا سمائى، ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن» «2».

وهذه هى سعة القلب المؤمن بالله عز وجل إذ بإمكانه أن يتسع لكل الأسماء الحسنى، وحينئذ يكون خليفة لله ويتصرف بالكائنات وتكون حاكمية الله عز وجل عن طريق عرشه (الذى هو قلب المؤمن).

وجاء فى الحديث القدسى أيضاً: «لولاك ما خلقت الأفلاك» «3».

وهذه هى روح المؤمن وقلبه يتسعان ليكونا مظهراً لحكومة الحق تبارك وتعالى فى الوجود.

أهل البيت (ع) خلفاء الله‌

إن خليفة الله عز وجل الاتم بالحق وهو سيدنا محمد (ص) ذلك أنه أول من صدر عن نور السماوات والأرض وهو الله عز وجل، وقد

______________________________
(1) سورة طه: الآية 5.

(2) عوالى اللئالى: 4/ 7 ح 7، المحجة البيضاء: 5/ 26، كتاب شرح عجائب القلب.

(3) تأويل الآيات الظاهرة: 430، المناقب: 1/ 216، بحار الأنوار: 16/ 405 باب 12 ح 1.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 109

جاء فى الحديث الشريف: «أول ما خلق الله نورى» «1».

إن الله على كل شئ الذى أول ما خلق نور عبده وحبيبه محمد (ص) وقد قال سبحانه: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) النور: الآية (35) وقد جاء فى الرايات أن الله سبحانه خلق نور محمد (ص).

قبل خلق العالم بستة آلاف عام وفى روايات أخرى: بخمسة عشر ألف عام.

وقد طوى ذلك النور العوالم تلو العوالم إلى أن ظهر النبى (ص) فى عالم الشهادة بمظهر النبوّة وظهر على بمظهر الإمامة؛ فهما فى عوالم الغيب معاً، وفى عالم الشهادة والدنيا معاً كنفس واحدة وكانا أخوين فأحدهما ارتدى حلّة النبوّة والثانى ارتدى خلعة الإمامة.

وهؤلاء جمعوا فى نفوسهم كل ممكنات الكمال وكانوا مظهراً تاماً لواجب الوجود، وقد جاء فى الأثر: «ما لله نبأ أعظم منى وما لله آية أكبر منّى» «2».

كما جاء فى بعض نصوص الزيارات: «السلام عليك يا آية الله العظمى» «3».

وجاء أيضاً: أنا الآية العظمى.

وبما أن أصل حدوث الوجود وكماله هو ظهور الربوبية الإلهية، إذن فكل كائن قد أخذ نصيبه من الوجود، ومظهرية الربوبية لها وجود يعنى أن جميع الكائنات فى الوجود هى مظهر الربوبية، وهذا اللطف الإلهى جارٍ فى كل الوجود من عوالم الغيب إلى نهاية عالم الشهادة، فعلى جباهها جميعاً آية من مظهريته، ولأن مظهرية

______________________________
(1) عوالى اللئالى: 4/ 99 ح 140، بحار الأنوار: 1/ 97، باب 2، ح 7.

(2) المناقب: 3/ 80، تفسير القمى: 2/ 401، بحار الأنوار: 36/ 1، باب 25 ح 2.

(3) الإقبال: 608، بحار الأنوار: 97/ 373، باب 5، ح 9.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 110

الكائنات لها مراتب تشكيكية يعنى بما يتناسب مع السعة والضيق الوجودى لكل موجود، فإن المظهرية تتجلى بمقدار ذلك.

وإذن فإن كل كائن له من المظهرية بما يناسب ما أخذه من الوجود، فكلما ازداد الأخذ أزدادت درجة المظهرية وقوّتها.

إن أكمل وأشرف كائن والأوفى حظا من الوجود والأوسع حتى لا يقارن بسعة وجوديته مع غيره تكون مظهريته أتم وأكمل.

وإن الآيات والروايات تشير إلى أن الوجود المحمدى (ص) هو الأوسع فى وجوديته وهو الأكمل والأتم فى مظهريته؛ لأن ظهور ربوبيته فى كل شؤون الوجود هدف الألوهية؛ ولأنه سبحانه وتعالى رب العالمين. وشمس الربوبية تطلع من أفق الخلافة الإلهية، فإن ذلك يحتاج إلى خليفة لله الذى هو الأكمل والأتم فى مظهر الربوبية وهذا واجب فى عرصة الوجود ولازم وضرورى. من هنا فإن الله تعالى خلق أول كائن على شكل نور ووهبه السعة الوجودية، ومن خلال سعته الوجودية، أصبح المظهر الأكمل والأشد واصطفاه لمقام الخلافة ومن رحمة أن جعل من خلاقه ظلًا للخليقة فهو فى مقام الوسط بين الحق والخلق، وقد امتدت ظلاله لتشمل عوالم الغيب والشهود فهو محور الكائنات جميعاً.

أَ لَمْ تَرَ إِلى‌ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً «1».

إن الخلافة والولاية المحمدية هى الخلافة الأكمل والولاية الأتم ومقامه (ص) لا يمكن لأحد تصور كيفيته ولا يمكن إدراكه؛ وخلافته (ص) وولايته لا تخص الإنسان فحسب ولا تخص عوالم الغيب والشهود، بل أن خلافته وولايته صلوات الله عليه وآله عامّة وتنشأ من مقام اسم الله الجامع؛ لأنه المظهر التام للعبودية لله عز وجل وخلافته فما عد الله عز وجل نراه تحت ولايته وخلافته، وإن الحق‌

______________________________
(1) سورة الفرقان: الآية 45.

 

اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 111

تبارك وتعالى جعل الوجود بأسره تحت ربوبيته الطولية لكى يتسنى لكل إنسان وبتربيته (ص) أن يبلغ المقام اللائق به وكل إنسان تشمل كل شى‌ء سوى الله تبارك وتعالى.

والقرآن الكريم يخاطب النبى (ص) قائلًا:

قل: «إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ» «1».

وهذا المقام الولائى واقع فى المقام الطولى من سوى الله وهو منحة إلهية له (ص) ومن هنا يقول القرآن الكريم:

النَّبِيُّ أَوْلى‌ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‌ «2».

واستناداً إلى الآيات والروايات أن إرادة الله سبحانه شاءت أن تجعل مقام الولاية الإلهية تامّة لا من زيادة ولا نقصان فى أهل البيت (ع).

 

 

من اثار الاستاذ العلامة حسین انصاریان حفظه الله


source : من اثار الاستاذ انصاریان حفظه الله
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...
عليٌ لا يحبّه منافق
سيرة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
خطيب جمعة بغداد: ما احوجنا اليوم لفهم مشروع ...
أربعينية الامام الحسين (ع) في كربلاء

 
user comment