أجل أن أصحاب الولاية الكبرى والوساطة العظمى والبرزخية العليا خلفاء الله ووكلائه بين خلقه هم واسطة الفيض الحق الرابط بين الحق والخلق فى مقام الكثرة.
وإذا كان مقام الخلافة والولاية والروحانية ليس بمطلق ما أستحق أحد من الخلائق هذا المقام من الغيب، وما لاح الفيض أصلًا ولما سطع نور الهداية على عالم من العوالم ظاهره وباطنه.
أن تلقى الفيض يلزمه تمسك عينى وحقيقى بهذه الذوات المقدسة لكى يمكن مصاحبتهم وهدايتهم وطى العروج الروحانى ذلك أنهم من مراتب الوجود قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «2»، وهم من حيث المعرفة فى مقام اليقين وفى معراجهم الروحانى قد بلغوا الكشف التام، وإذن فإن كل من أراد بلوغ ذلك المقام المعرفى والمرتبة الوجودية يتوجب عليه سلوك طريقهم الذى هو الصراط المستقيم والصراط الحق وخلفائه: «بكم فتح الله وبكم يختم وإياب الخلق إليكم» «3».
إن النور الوجودى لهؤلاء العظماء بلغ حدّاً أن الملائكة فى عالم العقول وهم من المجرّدات والكائنات النورية لا يمكنهم وليس بهم طاقة على تحمل رؤية جمالهم النورى ولرؤية نورهم المقدس وقعوا ساجدين.
______________________________
(1) سورة المائدة: الآية 55.
(2) سورة النجم: الآية 9.
(3) عيون أخبار الرضا: 2/ 272 ح 1، وسائل الشيعة: 14/ 490 باب 62 ح 1972، بحار الأنوار: 99/ 131، باب 8، ح 4.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 117
وتشتتوا متفرقين وربما حسبوه نور الحق واهمين.
وقد جاء فى الأخبار أن رسول الله (ص) لما عرج به نحو السماء على محمل من نور ومعه جبرائيل فلما بلغ المقام الثالث فرت الملائكة ثم تحلقوا وسجدوا وسبحوا قائلين: سبوح قدوس، ربنا ورب الملائكة والروح وما أشبه هذا النور بنور ربنا «1».
الروايات ومقام الخلافة الإلهية
وعلى أية حال فإن خلافة أهل البيت لله عز وجل فى الخلق هى من جملة الخصال والصفات التى صرّح بها الأئمة الأطهار.
قال الإمام الرضا (ع):
«الأئمة خلفاء الله عز وجل فى أرضه» «2».
وجاء فى الزيارة الجامعة عن الإمام الهادى (ع):
«وأعزّكم وبهداه وخصّكم ببرهان وانتجبكم لنوره وأيدكم بروحه ورضيكم خلفاء فى أرضه وحججاً على بريّته».
وجاء عن على بن حسان أنه سأل الإمام الرضا (ع) حول زيارة الإمام أبى الحسن موسى بن جعفر (ع) فأخبره أنه يكفى أن يصلّى فى مساجد فى أطراف القبر وأن يقول: «السلام على أولياء الله وأصفيائه السلام على أمناء الله وأحبائه، السلام على أنصار الله وخلفائه» «3».
وجاء فى الأثر حول أمير المؤمنين على بن أبى طالب (ع):
«هو الذين ينادى به يوم القيامة: أين خليفة الله فى
______________________________
(1) علل الشرائع: 2/ 312 باب 1 ح 1، بحار الأنوار: 18/ 237 باب ح 1.
(2) الكافى: 1/ 193 باب الأئمة خلفاء الله ح 1.
(3) عيون أخبار الرضا: 2/ 271، كامل الزيارات: 301 ح 1، بحار الأنوار: 99/ 7 باب 2 ح 1.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 118
أرضه» «1».
وجاء فى دعاء للإمام السجاد (ع) يوم عرفة أن أهل البيت (ع) هم خلفاء الله فى الأرض: «وخلفائك فى أرضك» «2».
خلفاء النبى (ص) وأوصيائه
لقد تضافرت الروايات من الفريقين على أن أهل البيت (ع) هم خلفاء النبى (ص) وأوصياؤه، وهذه الروايات جاءت من طرق متعددة وبأسناد مختلفة ويطلق علماء الرواية وعلماء الرجال على هكذا روايات بأنها متواترة أى لا يتطرق إليها الشك أبداً.
إن أهل البيت (ع) هم وحدهم الجديرون بأن يكونوا خلفاء للنبى (ص) وأوصياء لما تشتمل عليه شخصيتهم من مزايا أخلاقية وصفات ومنزلة علمية رفيعة، فأهل البيت (ع) هم وحدهم دون سواهم من يليقون بمقام الوصاية.
والخلافة والوصاية حق إلهى خصّهم الله به دون غيرهم، ذلك أن الإمام هو عهد إلهى وقد جاء فى سورة البقرة قوله تعالى:
لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «3».
والخلافة والوصاية هو حقّ أهل البيت فهم يرثون كل شىء عن النبى (ص) إلا النبوّة، فصفاتهم صفات النبى (ص) ولا ينكر أحد على أهل البيت ميراثهم ولم يدع ذلك أحد من الأمة؛ لأن هذه الحقيقة هى كالشمس فى رابعة النهار.
______________________________
(1) الأمالى، الطوسى: 63، المجلس الثالث، ح 92، إرشاد القلوب: 2/ 235، بحار الأنوار: 40/ 3 باب 91 ح 4، سفينة البحار: 2/ 90.
(2) الصحيفة السجادية: دعاء 47.
(3) سورة البقرة: الآية 124.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 119
وقد جاء عن النبى (ص) فى حق أمير المؤمنين وذريّته قوله: «فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة والموت فى طاعته شهادة، واسمه فى التوراة مقرون إلى أسمى وزوجته الصديقة الكبرى ابنتى، وأبناه سيدا شباب أهل الجنّة أبناى، وهو وهما والأئمة من بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم فى أمتى، من تبعهم نجا من النار ومن اقتدى بهم (هدى إلى صراط مستقيم) «1» لم يهب الله عز وجل محبّتهم لعبد إلا أدخله الجنّة» «2».
وعن الإمام الحسين الشهيد (ع) قال: «إن الله اصطفى محمداً على خلقه وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به، وكنّا أهله وأولياءه، وأوصياءه وورثته، وأحقُّ الناس بمقامه فى الناس، فأستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم إنّا أحقُّ بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه» «3».
وفى هذه الرواية يعتبر الإمام الحسين (ع) خلافة النبى (ص) ووصايته حقاً خالصاً لأهل البيت (ع) وأن غيرهم غير جدير بذلك، إن غير أهل البيت لا تتوفر فيه الصفات المطلوبة والمزايا المنشودة التى يجب أن يكون عليها من يخلف النبى (ص) أو يكون وصيّه.
من هم خلفاء النبى (ص)؟
وما أكثر الروايات والأخبار حول أن النبى (ص) أوصى لأهل بيته وأن من ينازعهم ذلك فهو غاصب لحقهم ظالم لهم.
______________________________
(1) آل عمران: الآية 101.
(2) الأمالى، الصدوق: 21، مجلس 6، ح 5، حلية الأبرار: 1/ 235، بحار الأنوار: 38/ 92، باب 61، ح 6.
(3) تاريخ الطبرى: 5/ 357.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 120
ويروى أبو جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن بابوية القمى بسند لا يتطرق إليه الشك فى ان النبى (ص) لم يوصِ إلى أهل بيته من نفسه، وإنّها (الوصية) كانت بأمر من الله عز وجل فى أن يوصى لعلى بن أبى طالب وأن يوصى على إلى الحسن وأن يوصى الحسن إلى الحسين وأن يوصى الحسين إلى على بن الحسين وأن يوصى على بن الحسين إلى محمد بن على الباقر وأن يوصى محمد الباقر إلى جعفر بن محمد الصادق وأن يوصى جعفر الصادق إلى موسى بن جعفر الكاظم وأن يوصى: محمد الجواد إلى على بن محمد الهادى وأن يوصى على الهادى إلى الحسن بن على العسكرى وأن يوصى الحسن العسكرى إلى محمد بن الحسن المهدى «1».
وهو الحجة القائم بالحق، وانه إذا لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً «2» سلام الله على رسول الله وعلى الأئمة والأوصياء من بعده.
وقد وصف الإمام على أمير المؤمنين (ع) الأئمة بقوله: هم الأئمة الطاهرون، والعترة المعصومون والذرّية الأكرمون والخلفاء الراشدون» «3».
من اثار الاستاذ العلامة حسین انصاریان حفظه الله