عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

الانصار والغیبة

الانصار والغیبة

قال الشیخ المفید رضی الله عنه : حضرت مجلس رئیس من الرؤساء ، فجرى کلام فی الامامة ، فانتهى إلى القول فی الغیبة.
فقال صاحب المجلس : ألیست الشیعة تروی عن جعفر بن محمد علیه السلام : انه لو اجتمع للامام عدة اهل بدر ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا لوجب علیه الخروج ( 1 ) ؟
فقلت : قد روی هذا الحدیث .
قال : أو لسنا نعلم یقینا ان الشیعة فی هذا الوقت اضعاف عدة اهل بدر ، فکیف یجوز للامام الغیبة مع الروایة التى ذکرناها ؟
فقلت له : ان الشیعة وان کانت فی وقتنا کثیرا عددها حتى تزید على عدة اهل بدر اضعافا مضاعفة ، فان الجماعة التی ( عدتهم عدة اهل بدر إذا اجتمعت ) ، فلم یسع الامام التقیة ووجب علیه الظهور . لم تجتمع فی هذا الوقت ، ولا حصلت فی هذا الزمان بصفتها وشروطها .
وذلک انه یجب ان یکون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة ، والصبر على اللقاء ، والاخلاص فی الجهاد ، ایثار الاخرة على الدنیا ، ونقاء السرائر من العیوب ، وصحة العقول ، وانهم لا یهنون ولا ینتظرون عند اللقاءة ویکون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة فی ظهورهم .
ولیس کل الشیعة بهذه الصفة ، ولو علم الله تعالى ان فی جملتهم العدد المذکور على ما شرطناه لظهر الامام علیه السلام لا محاله ، ولم یغب بعد اجتماعهم طرفة عین ، لکن المعلوم خلاف ما وصفناه ، فلذلک ساغ للامام الغیبة على ما ذکرناه .
قال : ومن این لنا ان شروط القوم على ما ذکرت ، وان کانت شروطهم هذه فمن این لنا ان الامر کما وصفت ؟
فقلت : إذا ثبت وجوب الامامة وصحت الغیبة لم یکن لنا طریق إلى تصحیح الخبر الا بما شرحناه ، فمن حیث قامت دلائل الامامة والعصمة وصدق الخبر حکمنا بما ذکرناه .
ثم قلت : ونظیر هذا الامر ومثاله ما علمناه من جهاد النبی صلى الله علیه وآله أهل بدر بالعدد الیسیر الذین کانوا معه واکثرهم اعزل راجل ، ثم قعد علیه وآله السلام فی عام الحدیبیة ومعه من اصحابه اضعاف اهل بدر فی العدد ، وقد علمنا انه صلى الله علیه والله وسلم مصیبا فی الامرین جمیعا ، وانه لو کان المعلوم من اصحابه فی عام الحدیبیة ما کان المعلوم منهم فی حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة ، ولوجب علیه الجهاد کما وجب علیه قبل ذلک ولو وجب علیه ما ترکه لما ذکرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما بیناه .
فقال : ان رسول الله صلى الله وعلیه وآله کان یوحى إلیه فیعلم بالوحی العواقب ، ویعرف الفرق من صواب التدبیر وخطأه بمعرفة ما یکون ، فمن قال فی علم الامام بما ذکرت ، وما طریق معرفته بذلک ؟
فقلت له : الامام عندنا معهود إلیه ، موقف على ما یاتی وما یذکر ، منصوب له امارات تدله على العواقب فی التدبیرات والصالح فی الافعال ، وانما حصل له العهد بذلک عن النبی صلى الله علیه والله الذی یو حى إلیه ویطلع على علم السماء ،
ولو لم نذکر هذا الباب واقتصرنا على انه متعبد فی ذلک بغلبة الظن وما یظهر له من الصلاح لکفى واغنى وقام مقام الاظهار على التحقیق کائنا ما کان بلا ارتیاب ، لا سیما على مذهب المخالفین فی الاجتهاد . وقولهم فی رأی النبی صلى الله علیه واله وان کان المذهب ما قدمناه .
فقال : لم لا یظهر الامام وان ادی ظهوره إلى قتله فیکون البرهان له والحجة فی امامته اوضح ، ویزول الشک فی وجوده بلا ارتیاب ؟
فقلت : انه لا یجب ذلک علیه السلام ، کما لا یجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات واظهار الایات فی کل وقت متتابعات ، وان کنا نعلم انه لو عاجل العصاة لکان البرهان على قدرته اوضح ، والامر فی نهیه اوکد ، والحجة فی قبح خلافه ابین ، ولکان بذلک الخلق عن معاصیه ازجر ، وان لم یجب ذلک علیه ولا فی حکمته وتدبیره لعلمه بالمصلحة فیه على التفضیل ، فالقول فی الباب الاول مثله على انه لا معنى لظهور الامام فی وقت یحیط العلم فیه بأن ظهوره منه فساد ، وانه لا یؤول إلى اصلاح ، وانما یکون ذلک حکمة وصوابا إذا کانت عاقبته الصلاح . ولو علم علیه السلام ان فی ظهوره صلاحا فی الدین مع مقامه فی العالم أو
هلاکه وهلاک جمیع شیعته وانصاره لما ابقاه طرفة عین ، ولافتر عن المسارعة ، إلى مرضاة الله جل اسمه ، لکن الدلیل على عصمته کاشف عن معرفته لرد هذه الحال عند ظهوره فی هذا الزمان بما قدمناه من ذکر العهد إلیه ، ونصب الدلائل والحد والرسم المذکورین له فی الافعال . فقال : لعمری ان هذه الاجوبة على الاصول المقررة لاهل الامامة مستمرة ، والمنازع فیها - بعد تسلیم الاصول - لا ینال شیئا ولا یظفر بطائل .
فقلت : من العجب انا والمعتزلة نوجب الامامة ، ونحکم بالحاجة إلیها فی کل زمان ، ونقطع بخطا من اوجب الاستغناء عنها فی حال بعد النبی ( ص ) ، وهم دائما یشنعون علینا بالقول فی الغیبة ومرور الزمان بغیر ظهور امام ، وهم انفسهم یعترفون
بأنهم لا امام لهم بعد أمیر المؤمنین ( ع ) إلى هذا الزمان ، ولا یرجون اقامة امام فی قرب هذا من الاوان ، فعلى کل حال نحن اعذر فی ( القول بالغیبة ) واولى بالصواب عند الموازنة للاصل الثابت من وجوب الامام ، ولدفع الحاجة إلیها فی کل أوان .
فقال : هؤلاء القوم وان قالوا بالحاجة إلى الامام فعذرهم واضح فی بطلان الاحکام لعدم غیبة الامام الذی یقوم بالا حکام ، وانتم تقولون ان ائمتکم علیهم السلام قد کانوا ظاهرین إلى وقت زمان الغیبة عندکم ، فما عذرکم فی ترک اقامة الحدود وتنفیذ الاحکام .
فقلت له : ان هؤلاء القوم وان اعتصموا فی تضییع الحدود والاحکام بعد الائمة الذین یقومون بها فی الزمان ، فأنهم یعترفون بان فی کل زمان طائفة منهم من اهل الحل والعقد قد جعل إلیهم اقامة الامام الذی یقوم بالحدود وتنفیذ الاحکام ، فما عذرهم
عن کفهم عن اقامة الامام وهم موجولون معروفو الاعیان ، فان وجب علیهم لوجودهم ظاهرین فی کل زمان اقامة الامام المنفذ للاحکام ، وعانوا ترک ذنلک فی طول هذه المدة عاصین ضالین عن طریق الرشاد کان لنا بذلک علیهم ولن یقولوا بهذا ابدا ، وأن کان لهم عذر فی ترک اقامة الامام ، وان کانوا فی کل وقت موجودین ، فذلک العذر لا ئمتنا علیهم السلام فی ترک اقامة الحدود وان کانوا موجودین فی کل زمان ، على ان عذر ائمتنا علیهم السلام فی ترک اقامة الاحکام اوضح واظهر من عذر المعتزلة فی ترک نصب الامام ، لانا نعلم یقینا بلا ارتیاب ان کثیرا من اهل بیت رسول الله صلى الله علیه واله قد شردوا عن اوطانهم ، وسفکت دماؤهم ، والزم الباقون منهم الخوف على التوهم علیهم انهم یرون الخروج بالسیف وانهم ممن إلیهم الاحکام ، ولم یر أحد من المعتزلة ولا الحشویة سفک دمه ، ولا شرد عن وطنه ، ولاخیف على التوهم علیه والتحقیق منه انه یرى فی قعود الائمة والامر بالمعروف والنهی عن المنکر ، بل هؤلاء القوم یصرحون فی المجالس بأنهم اصحاب الاختیار ، وان إلیهم الحل والعقد والانکار على الطاعة ، وان من مذهبهم الامربالمعروف والنهی عن المنکر فرضا لازما على اعتقادهم ، وهم مع ذلک امنون من السلطان ، غیر خائفین من نکره علیهم من هذا المقال .
فبان بذلک أنه لا عذر لهم فی ترک اقامة الامام ، وان العذر الواضح الذی لا شبهة فیه حاصل لائمتنا علیهم السلام من ترک اقامة الحدود وتنفیذ الاحکام لما بیناه من حالهم ووصفناه وهذا واضح ..
المصدر : رسائل فی الغیبة - الشیخ المفید ج 3 ص 11 - 16
1- عیون اخبار الرضا علیه السلام 1 : 63 ، کمال الدین 2 : 654 / 21 و 2 : 672 / 25 ،
تفسیر علی بن ابراهیم 1 : 323 ، غیبة النعمانی : 315 / 9 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)

 
user comment