عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

مهارة وأدب المفسر

يعتبر القرآن الكريم المصدر الأوّل للشريعة الإسلاميّة الحقّة، وهو الكتاب الأوحد الّذي يعدّ قطعي السند، وواصل إلى الأمّة الإسلامية بالتواتر اللفظي، وما ذلك إلّا لشدّة عناية واهتمام المسلمين بكتابهم المقدّس. وقد برز شدّة الاهتمام بأن دأب علماء الأمّة على تفسير كلام الله سبحانه، فتعدّدت التفاسير، وتضافرت الاتجاهات، على مرّ القرون، فنلاحظ أطياف التفسير تختلف من قرن إل
مهارة وأدب المفسر

يعتبر القرآن الكريم المصدر الأوّل للشريعة الإسلاميّة الحقّة، وهو الكتاب الأوحد الّذي يعدّ قطعي السند، وواصل إلى الأمّة الإسلامية بالتواتر اللفظي، وما ذلك إلّا لشدّة عناية واهتمام المسلمين بكتابهم المقدّس. وقد برز شدّة الاهتمام بأن دأب علماء الأمّة على تفسير كلام الله سبحانه، فتعدّدت التفاسير، وتضافرت الاتجاهات، على مرّ القرون، فنلاحظ أطياف التفسير تختلف من قرن إلى قرن، ومن عالم إلى آخر، حتّى كاد الداخل المبتدئ في علم التفسير يضيع لكثرة اتجاهات ومناهج التفسير الموجودة، بينما يجد فيها العالِم الخبير أنساً ورونقاً وجمالاً وعزّاً لهذا الكتاب، فيجد فيها منهله، ويروي فيها عطشه.
من هنا كان هذا الكتاب "دراسات في مناهج التفسير" خطوة متقدّمة في مجال معارف الإسلام، يضعه مركز نون للتأليف والترجمة في جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة بين يدي روّاد المعرفة والحقيقة، حتّى يتسنّى لهم الدخول في علم التفسير بتؤودة ورفق، ويرشفوا من رحيق القرآن الكريم مختلفاً ألوانه، فإنّ ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، وعلى أمل أن يسدّ هذا السفر القيّم فراغاً في المكتبة العلميّة، ويملأ حاجة طلّاب المعرفة. وأن يتقبّل الله سبحانه منّا بأحسن القبول، ويعجّل فرج صاحب العصر والزمان، إنّه نعم المولى ونعم المأمول.
لا بدّ للمفسِّر من شروط ومؤهِّلات ومهارات ينطلق منها ويعتمد عليها تساعده على القيام بتلك المهمّة الجليلة.
فما هي تلك الشروط والمؤهِّلات والمهارات؟
في هذه المسألة جانبان:
الأوّل: الجانب العلمي والمعرفي: ويتضمّن أنواع العلوم الآلية والمعارف الّتي يجب أن تتوفّر في المفسِّر حتّى يكون أهلاً للتفسير.
الثاني: الجنب الشخصي النفسي: ونقصُد به المؤهِّلات والمهارات الشخصيّة والمواصفات النفسيّة الّتي يجب أن يتمتّع بها المفسِّر.
الأوّل: الجانب العلمي والمعرفي يحتاج المفسِّر إلى أنواع من العلوم والمعارف الآلية الّتي تعينه على القيام بمهمّة التفسير، وقد ذكرها العلماء في كتبهم تحت أبواب وعناوين متعدِّدة أوصلها بعضهم إلى خمسة عشر علماً2. وأوجزها الراغب الأصفهاني بعشرة.
ويمكن لنا إيجاز العلوم والمعارف الّتي يحتاجها المفسِّر كما يلي:

1ـ معرفة اللغة العربية وعلومها

ونقصد بها ما يتعلّق بها من نحو، وصرف، واشتقاق، وبلاغة، ومعاني مفردات، وهذه من أولى العلوم الّتي يحتاجها المفسِّر؛ فإنّ معرفة اللغة العربية وما يتعلّق بها أمر ضروري للمفسِّر فالقرآن نزل (بلسان عربي مبين). فلا سبيل لبيانه إلّا من جهة لسان العرب، لذا لا يجوز لأحد أن يدّعي فهماً لكلام الله تعالى فضلاً عن تفسيره ما لم يكن عالماً باللغة العربية وعلومها.

أ- علم النحو

وهو ضروري للمفسِّر ومن أهمّ ما يحتاجه في مقام التفسير، لأنّ المعنى يتغيّر ويختلف باختلاف الإعراب؛ أي يتغيّر بتغيّر الحركات.
وبعبارة أخرى: فإنّ المعنى التركيبي للكلمات، وبالتالي معنى الجملة من الآية لا يتّضح إلّا من خلال معرفة موقع ودور كلّ كلمة فيها. فمن لا يعرف أنّ الكلمة في موقع الفاعل أو المفعول، أو الصفة، أو الموصوف، أو المبتدأ، أو الخبر، وما إلى ذلك فليس بمقدوره أن يبيّن ويُحدِّد معنى ومراد الجملة والآية، فقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾(1) لا يتّضح إلّا من خلال معرفة موقع كلّ كلمة من الآية. فإن لم نعرف موقع (يخشى) و(الله) و(العلماء) ونُحدِّد حركاتها لا يمكن لنا أن نبيّن معنى الآية ومراد الله منها.
وبناءً عليه فإنّ قراءة الآية وكلماتها بنصب هاء الجلالة، ورفع همزة
العلماء يؤدّي إلى المعنى والمراد الصحيح، لأنّ معنى الآية: الّذين يخشون الله من عباده هم العلماء دون غيرهم أي حصر خشية الله بعباده العلماء.
ولو عكس فقُرِأت بضم هاء الجلالة، ونصب همزة العلماء لفسد المعنى.

قصّة لطيفة

في تحقيق السبب الّذي دعا أمير المؤمنين عليه السلام إلى وضع أصول علم النحو وتحديد حدوده وتحقيق السبب الّذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو لأنّ الناس اختلفوا في المقامين وذكروا في المقام الأوّل وجوهاً، أحدها ما ذكره ابن الأنباري في خطبة شرح سيبويه قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع يوماً قارئاً يقرأ ﴿أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه﴾ بجرّ لام الرسول، فغضب صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: إنحُ النحو واجعل له قاعدة، وامنع من مثل هذا اللحن، فطلب أمير المؤمنين عليه السلام أبا الأسود الدؤلي وعلّمه العوامل والروابط وحصر كلام العرب وحصر الحركات الإعرابية والبنائية، وكان أبو الأسود كيّساً فطناً ذَهِناً، فألّف ذلك وإذا أشكل عليه شيء راجع أمير المؤمنين عليه السلام ورتّب وركّب بعض التراكيب وأتى به إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فاستحسنه وقال نِعْمَ ما نحوت أي قصدت فللتفاؤل بلفظ عليّ عليه السلام سمّي هذا العلم نحواً(2).

ب- علم الصرف والاشتقاق

أمّا الاشتقاق فهو الّذي يبيّن لنا مادّة الكلمة وجذرها وأصلها حتّى نرجع في تبيين معناها إلى جذورها، وهذا أمر مهمّ جدّاً لمن أراد الخوض في مجال بيان كلام الله تعالى.
وأمّا الصرف "فبه تُعرف الأبنية والصيغ وبه يتّضح المبهم من الكلمات"(3). وبه يُعرف الماضي من المضارع وكلاهما من الأمر إلى غير ذلك.

ج- معاني المفردات

وهي من أولى وأهمّ الأمور الّتي يجب أن يقف عندها المفسِّر لآيات الله تعالى فإنّ الآيات تتركّب من عدّة مفردات، ولا يمكن له فهمها وبيانها ما لم يعرف معانيها.
د- علوم البلاغة: وهي، البيان والمعاني والبديع
2- معرفة بعض ما يختصّ بعلوم القرآن
ومن أهمّها:

أـ القراءات

ومعرفتها ضروريّة للمفسِّر لأنّه بها يُرجِّح بعض الوجوه المحتملة على بعض. وبسبب اختلاف القراءات يختلف المعنى المراد من الكلمات والآيات القرآنية.
ومثال ذلك اختلاف تفسير قوله تعالى:﴿إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾(4) ، فمن قرأ (سُكِّرت) مشدَّدة، فإنّما يعني "سُدّت" ومن قرأ (سُكِرت) مخفَّفة فإنّه يعني "سُحرت".

ب- أسباب النزول

أسباب النزول: جمع سبب, ونقصد به: ما نزلت بسببه آية أو أكثر. وهو عبار عن: واقعة أو أمر حدث في عصر الوحي اقتضى نزول الوحي لأجله وبشأنه، وهذه الأسباب قد تكون مدحاً أو ذمّاً لموقف، أو حلّاً لمشكلة، أو جواباً لسؤال، أو بياناً لحكم ونحو ذلك.
وفيما يلي مثالان على أهمّية معرفة أسباب النزول:
قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(5).
فمعرفة المراد من هذه الآية المباركة وفهمها فهماً صحيحاً يتوقّف على معرفة سبب وظروف نزولها، ومن المتواتر أنّها نزلت في غدير خم بعدما نزلت الآية المباركة:﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾(6) ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس في غدير خُمّ عند مفترق طرق، وأعلن عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، إلى آخر الحديث المعروف... وأخذ المسلمون يُهنّئون عليّاً عليه السلام بقولهم: بخٍ بخٍ لك يا عليّ أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وفي المقابل إنّ تجاهل الآخرين لهذا الحدث العظيم الّذي كان داعياً وباعثاً لنزول الآيات أدّى إلى تجافي الحقّ والخطأ في فهم كلام الله تعالى والعمل بخلاف مراده سبحانه وتعالى من هذه الآية المباركة.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(7). فإنّ فهم الآية المباركة ومعرفة من هم أهل البيت عليهم السلام المقصودون فيها يتوقّف على معرفة الزمان والمكان والأشخاص والظروف الّتي نزلت فيها الآية المباركة، وبالوقوف على كلّ ذلك نفهم الآية فهماً صحيحاً ونقف على المراد الإلهي منها، فنعرف أنّ أهل البيت في الآية المباركة هم: محمّد، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم الصلاة والسلام، وليس أيّ أحد سواهم، كما ادّعى الآخرون حيث وقعوا في سوء الفهم والخطأ الكبير لأنّهم تجاهلوا أسباب وظروف نزول الآية المباركة.

ج- تمييز المكّي عن المدني والمكّي من الآيات هو:

ما نزل قبل الهجرة من مكّة إلى المدينة، أي فترة إقامة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في مكّة المكرّمة. سواء نزلت داخل مكّة أم خارجها.
والمدني من الآيات هو: ما نزل بعد هجرة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنوّرة، سواء نزلت داخل المدينة أم خارجها.
وجه الحاجة إلى التمييز بين المكّي والمدني
وأمّا الحاجة إلى التمييز بين المكّي والمدني، فلأنّه يساعد على جلاء الحقيقة في بيان معنى بعض الآيات، ويرفع الإبهام الّذي قد يقع فيه البعض، أثناء تفسيره لبعض الآيات المباركة بسبب عدم تمييزه بين المكّي والمدني ومثال ذلك:
تفسير قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ الواردة في سورة الشورى وهذه السورة مكّية.
والآية المباركة حسب المتواتر نزلت في أهل البيت عليهم السلام وهم: الإمام عليّ عليه السلام والسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام والإمامان الحسن والحسين عليهما السلام.
فربما يتوهّم البعض ويستبعد نزولها في حقّ أهل البيت عليهم السلام ، بحجّة أنّ السورة مكّية، وأنّ الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام لم يكونا في مكّة.
ولكن هذا التوهُّم سرعان ما يرتفع إذا عرفنا أنّ الآية ثلاث وعشرون من سورة الشورى مدنيّة، وليست مكّية، وأنّ كون السورة مكّية لا يعني ضرورة كون جميع آياتها مكيّة، فكم من سورة مكيّة ضمّت بين آياتها مدنية وبالعكس. وسورة الشورى وإن كانت مكيّة إلّا أنّ بعض آياتها مدنية ومنه هذه الآية المباركة.

د- دلالة السياق

من الأمور الّتي تُعين المفسِّر على تحديد المراد دلالة السياق، فإنّها من أعظم القرائن الدّالة على مُراد المتكلِّم، فمن أهمله فَقَدَ واحدة من أهمّ الدلالات ووقع في الخطأ في كثير من الموارد، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ دلالة السياق إنّما تؤثِّر في الدلالة على المراد ما لم تقم قرينة أقوى منها على خلافها، كما هو الحال في آية التطهير.
أنظر: إلى قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾(8). كيف نجد أنّ سياق الآيات يدلّ على أنّ المراد من العزيز الكريم (الذليل الحقير). قال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيم* ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ِ﴾(9).
ولزوم مراعاة السياق لا يعني أنّ القرآن الكريم يعتمد الأسلوب عينه الّذي تعتمده المؤلِّفات والكتب البشرية بحيث يأخذ البحث في موضوع محدَّد فإذا فُرغ منه يُبتدئ بموضوع جديد، وذلك بشكل متسلسل. بل نجد أنّ القرآن الكريم ربما يتعرّض للموضوع الواحد في عدّة موارد وفي كلّ مورد يأخذ طرفاً من الموضوع، وذلك بحسب الهدف والغاية الّتي اقتضت التعرُّض لهذا الموضوع أو ذاك.

هـ- معرفة العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد

إنّ كثيراً من الآيات المتعرِّضة لأحكام الأفعال والموضوعات مجملة ورد تفسيرها في السنّة القطعيّة وأحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، كالصلاة، والزكاة، والحجّ وغير ذلك ممّا لا محيص للمفسِّر من الرجوع إليها في رفع الإجمال وتبيين المبهم، وهو أمر واضح.
وهناك سبب ثانٍ للرجوع إليها، وهو أنّه ورد في القرآن الكريم مطلقات ولكن أُريد منها المقيّد، كما ورد عموم أُريد منه الخصوص؛ وذلك وفقاً لتشريع القوانين في المجالس التشريعيّة، فإنّهم يذكرون قيودها ومخصِّصاتها في فصل آخر باسم الملحق، وقد حذا القرآن في تشريعه هذا الحذو فجاءت المطلقات والعمومات في القرآن الكريم والمقيِّدات والمخصِّصات في أخبار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
يقول سبحانه: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾(10). وجاء في السنّة مخصِّصها، وأنّه لا ربا بين الزوج والزوجة، والولد والوالد، فقد رخّص الإسلام الربا هنا.
قال الإمام الصادق عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس بين الرجل وولده ربا، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك"(11).
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: "ليس بين الرجل وولده، وبينه وبين عبده، ولا بين أهله ربا، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك"(12).
ولعلّ قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾(13) ، يوحي إلى هذا المعنى.
وـ معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه
من الأمور الّتي لا بدّ للمفسِّر من معرفتها الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه.
فإنّه من لم يعرف من كتاب الله عزّ وجلّ الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله، كما جاء في المروي عن الإمام الصادق عليه السلام.
فقد جاء في تفسير النعماني بإسناده إلى إسماعيل بن جابر قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام جعفر بن محمّد الصادق يقول: "... اعلموا، رحمكم الله، أنّه من لم يعرف من كتاب الله عزّ وجلّ الناسخ من المنسوخ، والخاصّ من العامّ، والمحكم من المتشابه... فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله"(14).
فمثلاً على الناسخ والمنسوخ: في بداية مبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أُمر المسلمون بمداراة أهل الكتاب في قوله تعالى:﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾(15).
وبعد مدّة أُنهي هذا الحكم وأُمروا بقتالهم في قوله تعالى: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَاب﴾(16).
ومثلاً على الآيات المتشابهات: ظاهر قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾(17) وقوله تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾(18)يدلّ على الجسميّة. وأنّ الله تعالى مادّة، ولكن لو أرجعناها إلى قوله تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾(19)علمنا أن الاستواء والمجيء لا يراد منه المعنى المادّي.

خلاصة

من العلوم والمعارف الّتي يحتاجها المفسِّر:
1- معرفة اللغة العربية وعلومها: أ علم النحو، ب علم الصرف والاشتقاق، ج معاني المفردات، د علوم البلاغة: وهي: البيان والمعاني والبديع.
2- معرفة بعض ما يختصّ بعلوم القرآن:أـ القراءات، ب أسباب النزول، ج تمييز المكي عن المدني، د دلالة السياق، هـ معرفة العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد، و معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه.
المصادر:
1- سورة فاطر، الآية: 28
2- الشيعة وفنون الإسلام، السيّد حسن الصدر، ص155
3- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 4، ص 213
4- سورة الحجر، الآية: 15
5- سورة المائدة، الآية: 3
6- سورة المائدة، الآية: 67
7- سورة الأحزاب، الآية: 33
8- سورة الدخان، الآية: 49
9- سورة الدخان، الآيات: 47ـ 49
10- سورة البقرة، الآية: 275
11- الوسائل، الحرّ العاملي، ج 12، ص 436
12- 14م.ن
13- سورة الحشر، الآية: 7
14- تفسير الميزان،العلّامة الطباطبائي، ج 3، ص 80
15- سورة البقرة، الآية: 109
16- سورة التوبة، الآية: 29
17- سورة طه، الآية: 5
18- سورة الفجر، الآية: 22
19- سورة الشورى، الآية: 11


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العلاقات الزوجية الناجحة تُحسِّن مناخ الأرض
السيد محسن الأمين العاملي ( قدس سره ) ( 1284 هـ ـ 1371 ...
المرأة في القرآن
مدير قناة الجزيرة في باكستان عضو في القاعدة ...
ربط الطفل بالسلف الصالح
إصدار كتاب "المنهج الحق كتاب الله والعترة ...
الإمام الخميني رجل القرن العشرين، ورجل القرن ...
إصدار كتاب "النَّثر الفنِّي في ثورة ...
رجل ضعيف وامرأة قوية .. صراع بين قوتين
ثورة زيد بن علي بن الحسين

 
user comment