عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

ادب الاطفال

من الأمور البديهية أن أدب الأطفال يجب أن يراعي إحتياجات الولد والبنت، ويدرك الفرق بين الأنثى والذكر، مع التسليم بوجود الإهتمامات المشتركة التي تجمعهما معاً، هذا التصور الإجمالي تندرج تحته عناصر عدة كثيرة إذا ما حاولنا التفصيل، فالذكر له رسالت
ادب الاطفال

من الأمور البديهية أن أدب الأطفال يجب أن يراعي إحتياجات الولد والبنت، ويدرك الفرق بين الأنثى والذكر، مع التسليم بوجود الإهتمامات المشتركة التي تجمعهما معاً، هذا التصور الإجمالي تندرج تحته عناصر عدة كثيرة إذا ما حاولنا التفصيل، فالذكر له رسالته في الحياة، واختلافاته الفسيولوجية والنفسية والعملية، وكذلك الأنثى لا يمكن ان تكون صورة طبق الأصل من الذكر، وهذا الإختلاف لا يغض من شأن الأنثى أو يحقرها أو ينقص من قدرها، إذ إن لكل من الرجل والمرأة رسالة عظيمة، وكل منهما يكمل الآخر، والرباط الذي يربط بينهما هو الحب والتعاون، والرحمة والسكن، وبناء الأسرة السعيدة، وإعداد الاجيال الجديدة للمستقبل، ولهذا نرى أن العقيدة تستنكف العلاقات الثنائية الطائشة، والملذات الآثمة العابرة، والخروج الخاطئ عن دائرة التخصيص والإلتزام، كما راعى الإسلام قداسة صلة الرحم، وأهمية تقويتها وتقويمها، كأصل من أصول السعادة الأسرية، وكأساس متين من أسس البنية الإجتماعية، دونما تعصب أو إهدار لأخوة العقيدة التي تسمو فوق كل رباط من البشر أيا كانت ألوانهم أو أجناسهم.
ونحن ندرك تلك الفوارق الطبيعية عندما نراقب الأطفال وهم يلعبون ويتحدثون، فنرى البنت تناجي (عروستها) وتتشبه بالأم في تعاملها مع هذه العروسة، فتحاول مناغاتها وملاطفتها. كما تحاول إطعامها وتنويمها في رقة، بينما نرى الطفل شغوفاً باللعب بدمية الحصان، أو استخدام الفؤوس وشق القنوات الصغيرة وملئها بالماء، ويقلد ما يفعله أبوه في عمله اليومي طبقاً لما يراه في بيئته، وكلما تقدم العمر بالأطفال، بدت الفروق أوضح في مجال اختيار اللعب، وفي مجالات السلوك والقراءة والهوايات والطموحات والآمال، فالولد يحلم بأن يكون بطلاً في الحرب أو طياراً أو ضابطاً أو لاعباً للكرة، والبنت تتشوق لأن تكون زوجة وأماً، أو مدرسة مثل مدرستها، أو قادرة على الحياكة أو التمريض أو التمثيل، وغير ذلك من الأمور التي تشاهدها على الطبيعة في بيئتها أو في وسائل الإعلام، وعلى صفحات الكتب..
وفي تاريخنا الإسلامي العظيم صور نابضة بالقوة والتفوق لنساء مسلمات، يمثلن القيم الحضارية الإسلامية، وضربن أروع المثل في العمل والصبر والتضحية والقدرة العلمية والأدبية، وفي تاريخنا أيضاً أسمى المبادئ التي حررت المرأة من الخوف والإستعباد والقهر، وأعطتها كافة حقوقها المادية والمعنوية، بل جعلها الرسول أسبق من الأب في أحقيتها ببر أبنائها، وهي صورة من التكريم تتضح عظمتها عندما نقارن وضعها بوضع مثيلاتها في الحضارات السابقة أو المعاصرة مع الإسلام.. المرأة المسلمة إذن ليست مجرد (معمل للتفريخ) أو وسيلة من وسائل الإمتاع الرخيص وقضاء الشهوة، وليست مجرد مخلوق يؤمر فيطيع، ويكلف بأثقل الأعباء وأشقها، أو يعامل معاملة قاسية بذيئة.
والقصص التي تتناول الأنثى وتجعل منها غادرة أو خائنة أو متمردة أو قاسية، لا تقدم الصورة الصادقة لواقع الإسلام وحياة المجتمع المسلم، مع تسليمنا بأن المجتمع فيه الشرير والخيِّر، وفيه الصالح والطالح، من النسوة أو الرجال، لكن الذي نريد أن (نوحي) به للأطفال في هذا المجال هو:

أولاً: المرأة ـ كأي إنسان ـ لها حقوق وعليها واجبات.
ثانياً: المرأة نبع الحنان الذي لا ينضب، ومصدر الحب الذي لا يجف، فهي التي حملت إبنها جنيناً ورضيعاً، ورعته صبياً، وأغدقت عليه كل ما في وسعها من بر، إذ تجوع ليشبع، وتكدح ليستريح، وتضحي بكل ما تملك ـ حتى بحياتها ـ من أجل سعادته والحفاظ عليه.
ثالثاً: والأم الصالحة هي القدوة، كزوجة أو إبنة، أو أخت أو أم.. الأم مدرسة.
رابعاً: طاعة الأم من طاعة الله، ومراعاتها عند الكبر واجب ديني وإنساني.
خامساً: المرأة أحد الأعمدة الهامة لصرح الأسرة والمجتمع.
سادساً: المرأة ـ في إطار التشريع الإسلامي ـ ملتزمة بالزي المحتشم، والسلوك النظيف، والعلاقات الخاصة والعامة التي جاء بها الإسلام.
سابعاً: مقياس التحضير للمرأة لا يؤخذ من الحضارات الوافدة، والغزو الفكري الغربي أو الشرقي، وإنما يؤخذ ذلك المقياس من قيم الإسلام ومبادئه.
ثامناً: القصص التي تبالغ في تعظيم المرأة، وتجعل الفوز بها هو غاية الغايات، واعظم الأمنيات قصصاً مشوهة لا تخدم الحقيقة، وما أكثر القصص التي تزخر بالفرسان والأبطال، وبالملوك والأمراء، وهم يتبارزون ويتحاربون من أجل أن يفوز أحدهم بقلب امرأة، ويرتكب في سبيل ذلك الحماقات والمظالم، ويدوس القيم والمبادئ، مثل هذا اللهاث المحموم المريض، الذي ينظر إلى المرأة كهدف وكغنيمة وكلذة كبرى، ما هو إلا ضرب من الوثنيات الغربية التي أفرزتها عقول قرون الظلام والإنحراف.
تاسعاً: كذلك القصص التي تحقر من شأن المرأة، وتجعل منها حيواناً أو أقرب إلى الحيوان، إنما تقدم نموذجاً مشوهاً أيضاً للمرأة.

إن التراث الشعبي في القصص (كألف ليلة وليلة) يكتظ بالكثير من النماذج المشوهة للمرأة، مع وجود صور أخرى تختلف عن ذلك في هذه القصص، مما يجعله دائماً في حاجة ماسة إلى التنقية من الشوائب، وإعادة التقديم بصورة افضل، وهذا ما فعلته بريطانياً بالنسبة للكثير من القصص العالمي، إذ حاولت أبعاد الأحداث والممارسات التي تضر بنفسية الطفل ووجدانه وسلوكه، مع محافظتها على الأسماء المشهورة وهياكل البناء الفني، والأسلوب المؤثر.. كتّاب أدب الطفل مطالبون بإعطاء الصورة الفاضلة للمرأة ولعلاقاتها وإلتزاماتها المتشابكة، وهذا لا يعني بالطبع ألا نقدم بعض ألوان الشر والإنحرافات، ولكن بأسلوب هادف مخفف لا يورث الطفل التعقيد والخوف والحيرة..

بين النظرية والتطبيق

نتناول هنا عدداً قليلاً من النماذج من أدب الأطفال، ونحاول تحليلها بإيجاز على ضوء التنظير السابق.

صديقي الحقيقي

كاتب هذه القصة القصيرة للأطفال، هو المؤلف الإذاعي، والباحث وأحد كتاب الأطفال المعاصرين الأستاذ عبد التواب يوسف، وقبل أن نتعرض لقصته بالقراءة والتحليل، علينا أن نستمع لبعض آرائه ـ كخبير لأدب الأطفال ـ حول ما يكتب لهم.
يقول عبد التواب يوسف: (إن خيال الطفل دنيا واسعة بلا حدود، تعيش فيها صور وشخصيات وأحداث ومرئيات، وإذا نحن لم نخلق له هذه الدنيا، فإنه يبتكرها ويوجدها.. إنها دنيا يستوحيها الطفل مما يسمعه من قصص أو حكايات، ويعيد فيها تنظيم العالم حسب رؤيته، وكما يحلو له أن يصوره.. )
وأطفال اليوم قد ضاقوا بسذاجة الكتب التي تسمى كتب الأطفال، وضاقوا ببساط الريح وسندريللا وغيرها، ورفضها كثيرون لأنها بالغة السذاجة، ولا تجدو خيالهم، وفي الوقت الذي يستطيع هذا الخيال أن يغير الكثير من ذوقهم، وبالتالي يغير من عالمنا ذاته، ولهذا ينادي البعض بألا نخاطب الطفّل من أعلى، خاصة في مجال الخيال، لأنه يسبقنا ويتفوق علينا في هذا الميدان بالذات.
(وهناك فارق بين الخيال من جانب، وبين الكذب وعدم الصدق من جانب..... والأطفال يحبون سماع الحكايات التي يعتقدون أنها ممكنة الحدوث، وهم أيضاً لا يرفضون الأحداث الخارقة..) ويحذر الكاتب من إغراق الطفل في الخيال، الأمر الذي يبدد طاقته الواقعية، ويجعله يحيا دائماً في أحلام اليقظة، ويهرب من مواجهة الواقع، كما أننا ندفعه عن طريق الإغراق في التصورات إلى تحويل الخيال إلى أكاذيب، وقد يكذب الطفل ويكذب، حتى يصدق نفسه حين يتجاوز سن الطفولة المبكرة..(1)
والآن نقدم قصة (صديقي الحقيقي) بنصها لنفس الكاتب، ثم نضع بعض تصوراتنا حولها.
كان لأحد الملوك ابن ذكي، وكانت أسعد لحظات الملك، تلك التي يجلس فيها مع ابنه، يحكي له عن بطولات جنده وشجاعتهم، وتمضي الساعات والإبن جالس، وقد فتح أذنيه، وعينيه، ليستوعب كلمات أبيه وقصصه التي تحكي عن البطولة.
وكان سعيد الصغير يضيق كثيراً، إذا قطع عليه أحد هذه الجلسات الممتعة، ولكن أعباء كثيرة كانت على والده، وكان لا بد أن يقابل ضباطه وجنوده ورجاله.
وكان الملك ينصح ابنه ويقول:
ـ يجب أن يكون لك أصدقاؤك
وسأله سعيد يوماً:
ـ كيف اختار صديقي الحقيقي يا أبي؟
قال أبوه:
ـ عليك أن تختبر هذا الذي تصادقه، وهناك إختبار طريف، أدع هذا الذي تعتقد أنه يصلح صديقاً إلى طعام الإفطار، هنا في بيتنا، وأَجِّل تقديم الطعام إليه، وخلال ذلك أسلق ثلاث بيضات، ثم قدمها لضيفك لترى كيف يتصرف
وبدأ الابن يجرب هذا الإختبار الطريف كان بعض من يدعوهم للإفطار يضيق بالإنتظار، فيهتف صارخاً مطالباً بالطعام.. والبعض الآخر لا يصبر، بل يغادر البيت في غيظ لأنهم لم يحضروا الإفطار، وآخرون تصرفوا بلا ذوق ولا أدب قبل أن يحمل إليهم صاحب البيت البيضات الثلاث.. وكان من بين أصحاب ابن الملك (سعيد) صديقه (عادل) ابن الوزير، وكان يشعر أنه ولد مخلص طيب، ورغب أنه يمتحنه، فدعاه إلى طعام الإفطار، وعندما جاء الطبق، وفيه البيضات الثلاث نظر إليها (عادل) في دهشة وقال:
ـ هل هذا هو كل إفطارنا؟؟ إنها لا تكفيني وحدي) وعندما غادر البيت، وترك الطعام، لم يأسف عليه سعيد، لأنه عاب الطعام، وأثبت أنه غير قنوع، ولا يستحق أن يكون صاحباً لإبن الملك.. وجاء الدور على ابن كبير التجار.
كان ابن كبير التجار فرحاً بدعوة ابن الملك له، لكي يتناول طعام الإفطار، لذلك لم يأكل عشاءه في الليلة السابقة، وجاع ابن كبير التجار، وأخيراً حمل إليه ابن الملك الطبق، وفيه البيضات الثلاثة، وتركه لحظة قصيرة ليأتي فيها بالخبز، وعاد ليجده قد أتى على البيضات الثلاث، إلتهمها في لمح البصر، ولم يبق منها شيء لصديقه ابن الملك الذي دهش وقال له:
ـ هل أكلت كل البيض؟
قال ابن التاجر:
ـ كل البيض؟ إنه ثلاث لا أكثر
قال سعيد:
ـ ليس هناك غيرها طعام إفطار
قال ابن التاجر الكبير في دهشة:
ـ أهذا معقول؟
ضاق ابن الملك بكل الأولاد من حوله، إنهم لا يستحقون أن يعطيهم كل حبه ووده، لذلك انصرف عنهم إلى البحث عن الصديق في مكان آخر.
وبدأ سعيد ينطلق إلى الحقول والغابات لعله يلتقي بواحد يكون هو صديقه الحقيقي: وتعرف ذات يوم إلى ولد يرتدي ملابس بسيطة، وتبدو عليه علامات الفقر وعلامات الذكاء أيضاً، عرف أنه ابن الحطاب، وعندما سأله سعيد أن يلعب معه ويصادقه رفض وقال:
ـ لا أظن أننا نصلح أصدقاء، فما أنا إلا ولد مسكين فقير، وأنت ابن الملك
قال له سعيد:
ـ لماذا لا نجرب؟
قال ابن الحطاب:
ـ لا مانع عندي، بشرط أن تفهم أننا متساويان كأصدقاء أوفياء في كل شيء.
وافق سعيد على شرط ابن الحطاب، وبدأ يلعب معه، خرجا معاً إلى الصيد، وتعلم منه سعيد كيف يستخدم القوس، وكيف يقاتل الحيوانات المفترسة، وكيف يتسلق أشجار الغابة، وقضى معه وقتاً جميلاً رائعاً، وأحس سعيد أنه مع إنسان ذكي، طيب، وقلبه كبير، وعاد إلى بيته مسروراً.
والتقى ابن الملك مع ابن الحطاب في اليوم التالي، وسارع ابن الحطاب يدعوه إلى الإفطار معه في كوخه، قبل أن يدعوه سعيد إلى بيته ليختبره كما اختبر زملاءه. وفي الكوخ تناولا معاً طعام الإفطار البسيط، الذي يتكون من الخبز والملح، وقد اكل سعيد بشهية، وكاد يطلب المزيد، لولا أنه خشي أن يكون ابن الحطاب قد دعاه لهذا الإفطار كاختبار له، وليرى إن كان يصلح صديقاً له أم لا، لذلك اكتفى سعيد بما قدم إليه، وحمد الله، وانطلقا معاً لمغامرة جديدة، يتعلم فيها ابن الملك شيئاً مفيداً لم يعرفه من قبل، واستمتعا بوقت طيب، وافترقا على وعد من ابن الحطاب، بأن يزور صاحبه في قصره في صباح الغد، لكي يتناولا طعام الإفطار.
وعلى مائدة الإفطار في ذلك الصباح، كان هناك الطبق وفيه البيضات الثلاث، وامتدت يد ابن الحطاب لواحدة منها قشرها لنفسه، بينما كان ابن الملك يقشر بيضة ويأكلها، وأخذ ابن الحطاب البيضة الثالثة، وقشرها، وانتظر سعيد ليرى ماذا سيصنع ابن الحطاب بها، هل سيأخذها لنفسه أم يهديها إليه؟ ولكنه تصرف بطريقة أخرى بسيطة، أخذ السكين من على المائدة، وقطع بها البيضة إلى جزءين متساويين، أخذ لنفسه نصفاً، وأعطى الآخر لابن الملك، الذي قام يعانقه ويهتف قائلاً:

ـ أنت صديقي الحقيقي

وكبر الولدان، وكبرت الصداقة بينهما، وبعد سنوات طويلة، تولى سعيد حكم البلاد، وكان أول وزير يختاره) هو صديق طفولته الوفي ابن الحطَّاب.. فكان له خير صديق وخير ناصح أمين..

انتهت القصة

لو حاولنا أن نطبق مقاييس النقد الخاص بأدب الأطفال على هذه القصة ـ آخذين في الإعتبار ـ الآراء النقدية التي سجلناها لمؤلفها في بداية حديثنا عنه لأمكننا بسهولة أن نصل إلى النتائج التالية:

أولاً: وضوح الفكرة دون تشتت أو غموض.
ثانياً: حلاوة السرد السلس الشيق، وقصر الحوار المعبر، وعدم الإكثار منه.
ثالثاً: البداية ـ أو المقدمة ـ القصيرة، ثم الدخول في الموضوع الذي يتعلق باختبار الصديق الحقيقي المناسب.
رابعاً: تراكم الأحداث بصور ونماذج وتتابع شيق حتى بلوغ القمة أو العقدة.
خامساً: القصة في مجملها تشبه قصص الحكمة في التراث القديم إن لم تكن مأخوذة منه بصورة معدلة مهذبة.
سادساً: قدمت القصة في إطار يبدو واقعياً مقنعاً، دون أن تهدر الخيال المناسب، بالجرعات المقبولة.
سابعاً: تأكيد المعنى الشعبي التراثي (للخبز والملح) باعتبارهما رمزاً للصداقة والمحبة والإخلاص.. أو كما يسميها البعض (عيش وملح). ثامناً: الألفاظ سهلة مفهومة، ولا نكاد نجد أي صعوبة في إدراك معنى الألفاظ اللهم إلا كلمة (يستوعب) التي جاءت في بداية القصة، لكن لا بأس أن يخرج الطفل بكلمة جديدة تشرح له إذا سأل عنها.
تاسعاً: إستطاع المؤلف ببراعة، أن يصور الفرق الشاسع بين ابن الوزير وابن التاجر وأضرابهم، وبين ابن الحطاب لأن حياة الأخير كانت مترعة بالخبرات الجيدة، كاستخدام القوس، والتصدي للحيوانات المفترسة، وتسلق الأشجار، وعدم التفريط في كرامته وكبريائه، والظهور بالمظهر العادي البسيط الصادق، دون أن يخجل أو يأنف من ذلك، ولهذا لم يجد ابن الحطاب بأساً من ان يقدم الخبر والملح للأمير ابن الملك، كما وجد ابن الملك في ابن الحطاب الحكمة والكياسة وحسن التصرف، دون تملق أو رياء، وخاصة عندما اشترط على الأمير في صداقته أن يكونا متساويين، وعندما اقتسم البيضة الثالثة.. نصفاً لكل منهما.
عاشراً: وتأتي النهاية السعيدة المريحة كشيء طبيعي، فيكون ابن الحطاب ـ برغم كونه من عامة الشعب ـ هو الصديق الحقيقي المناسب، ويصبح وزيراً عندما يتقلد سعيد مقاليد الحكم..

والكاتب كما نرى يحبذ الشكل الواقعي للقصة، لأن الطفل ـ كما يعتقد ـ يرفض مخاطبته من علوٍ، ويكره الكذب والإدعاء، كما يعرف الفرق بين الخيال والكذب، ولعل من الواقعية التي أغفلها الكاتب أن يسمي بيت الملك (قصراً) فهذا أفضل للسياق والموضوع والبيئة، كما قد يكون مناسباً أنه يسمي سعيد مثلاً (الأمير سعيد) لأنه ابن الملك، ولن يخل ذلك بفكرته أو الشكل الفني الممتاز الذي قدمه.
لكن كيف ننظر لهذه القصة من وجهة النظر الإسلامية؟؟
لقد سبق وقررننا أنه ليس من الضروري دائماً أن تكون القصة من التاريخ الإسلامي، أو تراثه القصصي الفيَّاض حتى تعتبر قصة إسلامية، لكن المهم أن تحمل القيم والإيحاءات والرموز الإسلامية من خلال الأحداث أو الحوار أو المبادئ التي تدعو لها، ولذا نرى في القصة بعض المعاني الإنسانية النبيلة، والمبادئ الإسلامية الرفيعة، فالإسلام نهى عن صحبة السوء، وأمر بإختيار الصديق الصالح النافع المفيد، واعتبر صديق السوء (كنافخ الكير). والصديق الصالح (كبائع المسك) كما جاء في الحديث المشهور للنبي(صلی الله عليه وآله وسلم)، ووضع الإسلام للصديق الأمثل مواصفات عدة وردت في الكثير من الآثار الإسلامية، كأن يكون ناصحاً أميناً، ويعين على طاعة الله، ويصدق في قوله، ويبر في عمله، ولا يوقع بالفساد بين الناس، وأن يكون مثلاً يحتذى في الأمانة والوفاء والإلتزام بأوامر الله ونواهيه، وقد كان ابن الحطاب نموذجا طيباً في الصدق والفطنة (والمؤمن كيس فطن) وفي النشاط والعمل، وفي الإنصاف والروية، وفي اكتساب المهارات، دونما عنجهية أو غرور أو تكاسل أو رعونة، وهو بالمقاييس الإسلامية صديق طيب.. لكن يبقى شيء.. كان يستطيع الكاتب أن يشير من طرف خفي إلى صفة أساسية تتعلق بناحية العبادات.. نحن لا نطلب من الكاتب أن يتحول على الوعظ المباشر، لكنه كان يكفيه أن يضيف ولو عبارة واحدة تقول مثلاً: (فلنؤدِ صلاتنا أيها الأمير..)، وبذلك يمكن أن نقول بأن شخصية الصديق الحقيقي ـ أبن الحطاب ـ الذي سيصبح وزيراً فيما بعد، نقول أن هذه الشخصية قد اكتملت ملامحها إسلامياً، وأصبحت شاملة لأهم الصفات المثالية.
بقيت نقطة أن لكل (حدث) زمان ومكان، وفي هذه القصة لا نستطيع أن نعرف في أي زمان وقعت هذه الأحداث، ولا في أية دولة أو بقعة أو مدينة، قد يقول قائل: يكفي أنها حدثت في الزمن القديم، وقد يعلق آخر زاعماً أن مثل تلك القصص ذات سمات عامة، ودلالات واضحة تتصل بالحكمة أو المثل، والتركيز في هذا الإطار يكفي، وتجاهل الزمان والمكان المحددين سوف يساعد على عدم صرف ذهن القارئ إلى أشياء أخرى فرعية، وقد تكون وجهة النظرة هذه أو تلك مقبولة لحد ما، لكن الذي لا شك فيه أن إضافة إسم مدينة أو دولة أمر بسيط، ثم إنه سوف يضيف مادة جديدة تثير خيال الطفل، وخاصة أن الكاتب نفسه في بحثه أكد على أهمية استعمال كل الوسائل الممكنة المتاحة لإثارة خيال الطفل وتحريكه.. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الصفة المكانية ـ ولو بإيجاز ـ للعمل الفني.
ومع ذلك فالقصة في عمومها ترجمان عن أدب حديث مناسب للأطفال، وروعيت فيه النواحي: ـ الفكرية ـ والنفسية والوجدانية ـ والخيالية ـ والجمالية بصفة عامة..
منبع مقاله :
من دراسة قدمت للدورة التدريبية لبرامج الأطفال بقطر، ونشرت في جريدة الخليج بالإمارات العدد 1817 في 2 رجب 1404هـ الموافق 3/4/1984م.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية
ماذا تفعل الزوجة فى مواجهة الزوج اللعوب؟
انعقاد مؤتمر تحت شعار"من سيرة الإمام علي (ع) ...
لاتلاحقي زوجك وتعاملي معه بنفسية الرجل
الأحكام الثابتة والمتغيّرة
حقوق الأبوين في القرآن الكريم والسنة النبوية
و الصحه الصوم
الفاكهـــة و فـــوائدهــــا

 
user comment