عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

معالم دولة الإمام المهدی علیه السلام

هل هو من الفضول العلمی أن نتحدث عن معالم دولة لا أحد یدری متى تأتی، ربما قریباً، وربما بعیداً، وربما فی غایة البُعد؟ ولماذا یرغب کثیر من الناس وربما کل الناس أن یتعرفوا على معالم تلک الدولة؟ هل هو مجرد نزوع لاکتشاف المجهول حتى وإن لم یکن یؤثر شیئاً ما على مسارات حیاتهم؟ لکن علم الاجتماع، وعلم التاریخ الانسانی هو الآخر ومن منطلقات علمیة یحاول أن یکتشف معالم ذلک المستقبل لماذا؟
معالم دولة الإمام المهدی علیه السلام

هل هو من الفضول العلمی أن نتحدث عن معالم دولة لا أحد یدری متى تأتی، ربما قریباً، وربما بعیداً، وربما فی غایة البُعد؟ ولماذا یرغب کثیر من الناس وربما کل الناس أن یتعرفوا على معالم تلک الدولة؟ هل هو مجرد نزوع لاکتشاف المجهول حتى وإن لم یکن یؤثر شیئاً ما على مسارات حیاتهم؟ لکن علم الاجتماع، وعلم التاریخ الانسانی هو الآخر ومن منطلقات علمیة یحاول أن یکتشف معالم ذلک المستقبل لماذا؟
مدلول البحث عن المستقبل التاریخی:
لیست المسألة اذن مجرد فضول علمی، ولا نزعة فطریة لاکتشاف المجهول، وإنما هی ذات مدالیل ترتبط بحرکتنا المعاصرة والمسارات العقائدیة والسیاسیة التی اخترناها، إلى أین تنتهی؟ ومن هو المنتصر؟ ومن هو صاحب الرؤیة الصحیحة؟ ومتى ستنتهی هذه المعاناة البشریة؟ وکیف ستنتهی؟ وما هی الوسائل؟ کل هذه الأسئلة تلقی بظلالها على طبیعة العقیدة وطبیعة المسارات والمناهج التی نختارها لحیاتنا، ومن أجل ذلک فإن کل ایدیولوجیة تحاول أن ترسم صورة ذلک المستقبل، ومعالم تلک الدولة العالمیة بما یتناسب مع تلک الایدیولوجیة.
المارکسیون یرون أنها دولة مجتمع العمال العالمیة، الذی تنتهی فیها مؤسسات الدولة، ویدار إدارة ذاتیة.
النصارى یعتقدون أن السید المسیح هو الذی سیقود عملیة الإصلاح الکبرى.
وبطبیعة الحال ستکون الدیانة النصرانیة کما ستکون الکنیسة هی صاحبة النفوذ فی تلک الدولة.
فیما یتحدث المسلمون: أن الإسلام هو الذی سیؤسس تلک الدولة، وسیقودها واحدٌ من ذریة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.
اما الغرب العلمانی فهو یعتقد ـ ومن منطلقات علمیة أیضاً ـ أن العالم الحر الذی تسوده الدیمقراطیة وترعاه التکنلوجیا المتطورة وتنتهی عنده کل أنواع النظم الدیکتاتوریة، والایدیولوجیات الأحادیة، کما تنتهی عنده الاختناقات الاقتصادیة؛ هو الصورة التی سیشهدها المستقبل البشری بدون شک.
أدوات المعرفة بالمستقبل:
وهناک سؤال آخر لیس أقل أهمیة من السؤال الأول.
ما هی أدواتنا لمعرفة ذلک المستقبل ربما الغارق فی البعد؟
هل تستطیع القوانین التی اکتشفها الإنسان للمجتمع، والتاریخ، والاقتصاد والطبیعة أن ترسم لنا صورة ذلک المستقبل بشکل دقیق؟
ما تزال معلوماتنا غیر دقیقة بتلک القوانین، فهی فی أحسن حالاتها قد ترسم لنا صورة خیالیة لا أکثر دون أن تتمتع بقیمة علمیة.
إذن ما هی الأدوات التی یعتمدها الفکر الدینی فی هذا الموضوع بالذات؟
الإسلام لا ینفی وجود قوانین تحکم البشر کما تحکم الطبیعة.
والإسلام لا ینفی خضوع المسیرة البشریة لقوانین تحکم المجتمعات فی الماضی والحاضر والمستقبل.
لکن السؤال عمّا إذا کان الإنسان قادراً على المعرفة الدقیقة بتلک القوانین، وهو لم یزل رغم کل الدراسات والبحوث إلاّ على حافة الطریق.
أمّا الإسلام فهو حین یتحدث عن المستقبل البعید للبشریة فإنه یعتمد على أدوات الوحی، ومن هنا فإن المعلومات التی یقدمها هی معلومات یقینیة لا تقبل الخطأ أو الجدل.
فحینما تحدث القرآن عن الروم قائلاً: ((غُلِبَتِ الرُّومُ * فِی أَدْنَى الأْرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ))(1) أو حینما یتحدث عن بنی إسرائیل قائلاً: ((وَقَضَیْنَا إِلَىٰ بَنِی إِسْرَائِیلَ فِی الْکِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا کَبِیرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَیْکُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّیَارِ وَکَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا)).(2)
فإنه لا یتحدث اعتماداً على قوانین علم المجتمعات البشریة، وسنن التاریخ، وإنما یتحدث اعتماداً على مصدر الوحی المحیط إحاطة کاملة بکل تحولات المجتمع البشری.
والآن ماذا یتحدث العلم الدینی عن معالم دولة المهدی علیه السلام؟
لا شک أنها مسألة لا یمکن اکتشافها بأدواتنا المعرفیة التحلیلیة أو العقلیة، ولذا فإن مصدرنا الوحید هو اعتماد التراث الدینی الصادر عن أهل بیت الوحی والنبوة، وبمقدار ما یکون هذا التراث الدینی دقیقاً فإن معلوماتنا ستکون دقیقة، لکننا یجب أن نؤکد أنه لیس کل ما ورد فی هذا الشأن هو دقیق وصحیح من الناحیة العلمیة، ولذا فإن علینا أن لا نقبل إلا بما هو ثابت وصحیح من حیث السند أو من حیث المضمون، من خلال عرضه على النص القرآنی أو من خلال ثبوته بشکل تواتر لا یقبل الشک.
فی هذا الضوء نستطیع أن نسجّل عدة معالم لدولة الإمام المهدی علیه السلام.

المعلم الأول: العالمیة

إن دولة الإمام المهدی علیه السلام فی ضوء ما هو الثابت من النص الدینی هی دولة عالمیة، تسقط فیها الحواجز القومیة، وتتوحد فیها الملل البشریة. متجاوزة حدود اللغات، والأعراق، والتضاریس.
هی دولة الأرض کلها کما یشیر إلى ذلک القرآن الکریم بالقول: ((وَلَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الأْرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصَّالِحُونَ)).(3)
یمکن أن نقرأ بهذا الصدد النصوص الشرعیة الثابتة مثل: ما روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قوله: (لو لم یبق من الدنیا إلا یوم لطوّل الله ذلک الیوم حتى یخرج رجل من ولدی یواطئ اسمه اسمی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
وکذلک ما روی عن الإمام علی علیه السلام، قوله: (یبعث الله رجلاً فی آخر الزمان.. یملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، یدین له عرض البلاد وطولها لا یبقى کافر إلا آمن ولا طالح إلا صلح...)(4)
وتوجد فی هذا السیاق عشرات الروایات فی مصادر الحدیث لدى الشیعة والسنة بما یجعلها فی موضع الیقین.

المعلم الثانی: الإسلامیة

کما تؤکد النصوص الیقینیة الصحیحة أن دولة الإمام المهدی علیه السلام هی دولة تقوم على أساس الإسلام، الإسلام الذی جاء به محمد بن عبد الله صلى الله علیه وآله وسلم، ولیس دیناً جدیداً، ولا هو الإسلام فی معناه العام الذی یستوعب کل الدیانات التوحیدیة والذی یعنی التسلیم إلى الله تعالى، بل هو إسلام القرآن وحده، وفی هذا الإسلام سوف تدخل جمیع البشریة، ویعم نوره کل الأرض.
ورغم أن بعض النصوص تؤکد أنه یأتی (بدین جدید) إلاّ أن مراجعة دقیقة لکل تلک النصوص توضح أن المقصود هو الإسلام نفسه، لکنه حیث کان غریباً على الناس یومئذ فأضحى کأنه دین جدید.
لنقرأ فی هذا الصدد بعض الروایات وهی کثیرة بمستوى الیقین بصحتها وصدورها من الإمام المعصوم علیه السلام.
عن عبد الله بن عطا قال: سألت أبا جعفر الباقر علیه السلام:
فقلت: إذا قام القائم علیه السلام بأی سیرة یسیر فی الناس؟
فقال: یهدم ما قبله کما صنع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ویستأنف الإسلام جدیداً).

المعلم الثالث: الإزدهار الاقتصادی

ومن أبرز معالم دولة الإمام المهدی علیه السلام هو الازدهار الاقتصادی، حیث یزول التفاوت الطبقی الفاحش، کما یزول الفقر والحرمان، وتعمّ ظاهرة الثراء والغنى لمختلف شرائح الناس.
وربما یمکن تفسیر هذه الظاهرة على أساس التقدم التقنی، والاستثمار الواسع لثروات الطبیعة، لکن ما یظهر من الروایات الشریفة أن المسألة ترتبط بصلاح الناس وإیمانهم الذی یستنزل رحمة الله وعطفه على العباد کما فی قوله تعالى ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأْرْضِ)).(5)
لم تکن ظاهرة الازدهار الاقتصادی والرفاه العیشی فی دولة الإمام المهدی علیه السلام قائمة على أساس زوال الطبقیة، ومصادرة الملکیة، وحکومة الطبقة العالمیة کما تبشر به المارکسیة.
ولم یکن قائماً على أساس الاستثمار اللامحدود لرؤوس الأموال، وفتح أبواب التنافس الاقتصادی والجشع اللا متناهی لدى الطبقة الثریة کما تبشر به الرأسمالیة.
وإنما هو تنامی البُعد المعنوی لدى البشریة إلى جانب التقدم العلمی، والاستثمار الواسع للطبیعة.
لنقرأ فی هذا السیاق بعض النصوص کمؤشرات على الفکرة...
1 ـ عن أبی سعید الخدری عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(یخرج رجل من أهل بیتی ویعمل بسنتی وینزل الله له البرکة من السماء وتخرج الأرض برکتها وتملأ الأرض عدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً). (6)
2 ـ وعن الإمام علی علیه السلام: (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشی المرأة بین العراق إلى الشام لا تضع قدمیها إلا على نبات..).(7)
وعن الإمام علی علیه السلام أیضاً: (یبعث الله رجلاً فی آخر الزمان.. یدین له عرض البلاد وطولها... وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء برکتها، وتظهر له الکنوز...).(8)

المعلم الرابع: الإزدهار الثقافی

قد یبدو الحدیث عن الإزدهار الثقافی فی مستقبل التاریخ البشری حدیثاً عن أمر واضح وحقیقة لا تحتاج إلى بیان، لکن النصوص الدینیة التی بین أیدینا والتی تعود إلى أکثر من اثنی عشر قرناً ماضیاً حین تؤکد ذلک فإنها تتحدث عن نهوض علمی، وقفزة ثقافیة هائلة لم تکن بالحسبان یومئذ.
وربما تکون تلک النصوص إشارة إلى التقدم العلمی الذی نشهده الیوم، لکنها فی الحقیقة أقرب إلى مدلول آخر، هو انتشار الوعی والثقافیة لیس على مستوى النُخَب الفکریة وإنما على مستوى أبناء المجتمع کلهم، فهی تشیر إلى نقلة نوعیة حضاریة أوسع وأعمق مما نشهده الآن.

المعلم الخامس: التقدم العلمی الهائل.

وفی أکثر من نصٍ ربما نقرأ الإشارة إلى التقدم العلمی الهائل، والتقنیة المتطوّرة التی نشهد فی عصرنا الحاضر بعض أشکالها.
عن الإمام الصادق علیه السلام: (إن المؤمن فی زمان القائم وهو بالمشرق لیرى أخاه الذی فی المغرب، وکذا الذی فی المغرب یرى أخاه الذی فی المشرق).(9)
إن هذه النصوص قد تطبّق الیوم وبشکل طبیعی على التقنیة العالمیة فی وسائل الإتصال والمعلوماتیة، فالقراءة فی الکف ربما تکون قراءة فی جهاز محمول بالکف یستبطن جمیع الأحکام الشرعیة، وکذلک رؤیة المؤمن فی المشرق لأخیه وهو فی المغرب فهذا ما نشهده الیوم عبر أجهزة الإتصال المرئی.
لکن من الممکن أن تکون هذه الروایات ذات إشارة أخرى، فالملاحظ فیها أنها تتحدث عن المؤمنین ولا تتحدث عن عموم الناس، وهی تتحدث عن المبعوثین المعتمدین الذین یرسلهم الإمام فی أطراف الأرض...
وحینئذ فربما تکون إشارة إلى قدرات متفوقة فی المعرفة، والمشاهدة، والاتصال، إلاّ أنها قدرات لا یعرفها ولا ینالها إلا المؤمنون وربما تخضع لنمط من التأثیرات المعنویة الروحیة التی لاتتوفر إلاّ لدى المؤمنین. والله العالم.

المعلم السادس: الدیمومة

(الدیمومة) هی صفة أخرى من صفات دولة الإمام المهدی علیه السلام.
فهناک سؤال لدى عموم الناس کما هو سؤال لدى الباحثین فی قوانین علم الإجتماع وتاریخ الأمم، إن دولة الإمام المهدی علیه السلام وهی دولة العدالة المطلقة التی ستحکم البشریة فی نهایة التاریخ کم هو عمرها؟ هل تحتل مقطعاً زمنیاً قصیراً أم طویلاً ثم تنتهی؟
وإذا کان ستنتهی بعد عمرٍ قصیر أو طویل فماذا سیکون بعدها؟ وهل ستعود دولة الظلم والاستبداد مرةً أخرى؟ وحینئذ فما قیمة هذا التحوّل البسیط قیاساً إلى عمر التاریخ الإنسانی الملیء بالمرارة؟
ومن ناحیة سنن الطبیعة، وقوانین علم الاجتماع، هل یمکن لأیة حضارة من الحضارات، أو دولة من الدول أن تدوم؟
إن سنن الطبیعة ـ کما یقول ابن خلدون ـ لا تقبل ذلک، فکل دولة من الدول وکل حضارة من الحضارات تبدأ من مرحلة الطفولة ثم مرحلة المراهقة ثم مرحلة الشیخوخة ثم تنتهی وهو ما لا یستغرق أکثر من عمر جیلین لا أکثر، فهل هکذا ستکون دولة العدالة العالمیة!؟
ماذا یقول الدین فی هذه المسألة؟ وبالأحرى ماذا تقول النصوص الدینیة فی هذه المسألة؟
النصوص الدینیة فی هذا الموضوع جاءت متعددة ومختلفة، فبینما یؤکد بعضها أن حکم الإمام المهدی علیه السلام سوف لا یستغرق أکثر من سبع سنین، تقول روایات أخرى انه سیستمر أربعین سنة، فیما تقول روایات ثالثة انه سیستمر سبعین سنة، فیما تقول طائفة رابعة من الروایات انه سیدوم تسع عشرة سنة لا أکثر.
فیما یقول قسم خامس من الروایات أنه سیدوم ثلاثمائة وتسع سنة، إذن ما هو الموقف تجاه هذا الاختلاف فی نصوص الروایات؟
إن الموقف الذی یمکن اختیاره واعتماده فی الجمع بین هذه النصوص هو أن تلک الطوائف من الروایات تتحدث عن عمر حکومة الإمام المهدی علیه السلام والتی هی بالتأکید فترة محدودة سبع، أو تسع عشرة، أو أربعین، أو ثلاثمائة وتسع، وهذه الأرقام جمیعاً قد تذکر فی الاستعمال العربی لیس على أساس التحدید وإنما على أساس الإشارة إلى امتداد الفترة الزمنیة.
لکن المؤکد من روایات أخرى هو أن عمر دولة الإمام المهدی علیه السلام هو عمر أطول من عمر الإمام نفسه، وهو عمر یمتد إلى نهایة عمر البشریة ومن خلال أئمة هدى صالحین فهو یبین واحداً بعد واحد.
تعالوا بهذا السیاق نقرأ النصوص التالیة:
1 ـ عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام حین یسأله الراوی عن مدة مکث الإمام المهدی علیه السلام فی مسجد السهلة (قلت: جعلت فداک لا یزال القائم فیه أبداً؟ قال: نعم. قلت: فمن بعده؟ قال: من بعده مهدی بعد مهدی إلى انقضاء الخلق).(10)
2 ـ وعن الإمام الجواد علیه السلام عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی حدیثه عن المهدی علیه السلام ان الله تعالى قال: (ولأنصرنه بجندی، ولأمدنه بملائکتی، حتى یعلن دعوتی، ویجمع الخلق على توحیدی، ثم لأدیمنّ ملکه ولأداولن الأیام بین أولیائی إلى یوم القیامة).(11)
3 ـ عن أبی بصیر یقول قلت للصادق علیه السلام:
(یابن رسول الله سمعت من أبیک انه قال: یکون بعد القائم اثنا عشر مهدیاً. قال: إنما قال اثنا عشر مهدیاً ولم یقل اثنا عشر إماماً ولکنهم قوم من شیعتنا یدعون الناس إلى موالاتنا).(12)

المعلم السابع: حکومة العدالة

العدالة هی عنوان الدولة التی یؤسسها الإمام المهدی علیه السلام وهذا العنوان لا یعنی مجرد شعار ترفعه هذه الدولة بمقدار ما یعنی مدلولاً سیاسیاً وایدیولوجیاً یرتبط بهدف النظام الحاکم ومناهجه وأولویاته.
لقد کانت المارکسیة ترفع شعار المساواة، بینما یرفع الغرب الیوم شعار الحریة فی إشارة إلى طبیعة النظام وأهدافه وأولویاتها فی التحرک.
ما هی الأولویات فی طبیعة نظام الحکم فی دولة الإمام المهدی علیه السلام؟
الإسلام هو الدین والمعتقد والنظام.
لکن مجالاً آخر یبقى للسؤال عما هی أولویات هذا النظام الذی سیطبقه الإمام المهدی علیه السلام فی دولته؟
لم یکن هذا السؤال غائباً عن ذاکرة النص الدینی الذی تحدث عن سمات دولة الإمام المهدی علیه السلام ومعالمها.
لقد جاء التأکید المکرّر، والمقصود، والهادف على أن العدالة هی عنوان تلک الدولة وهدفها وأولى أولویاتها.
وإذا کانت الحریة قیمة إنسانیة مهمة کما هی المساواة أیضاً، فإن دولة الإمام المهدی علیه السلام حریصة على أن تکون العدالة هی التی تتحرّک من خلالها الحریة والمساواة.
المساواة وحدها لیست ذات قیمة بعیداً عن العدالة فی التوزیع والاستخدام.
والحریة وحدها لیست ذات قیمة بعیداً عن العدالة فی التحرک والاختیار، العدالة هی المنار الذی تتحرک بإتجاهه المساواة والحریة.
ومن هنا جاءت التأکیدات القطعیة فی العشرات بل المئات من النصوص على عنوان العدالة فی دولة الإمام المهدی علیه السلام.
اسمحوا لنا أن نذکر نموذجاً منها وهو ما جاء مکرراً فی أسانید متعددة ومصادر موثوقة.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: لو لم یبق من الدنیا إلا یوم لطوّل الله ذلک الیوم حتى یبعث رجلاً منی یواطئ اسمه اسمی یملأ الأرض عدلاً کما ملئت ظلماً).(13)
وربما یشیر إلى هذه الظاهرة ما جاء من الروایات العدیدة التی تقول: (لن تذهب الدنیا حتى یخرج رجل منا أهل البیت یحکم بحکم داود وآل داود لا یسأل الناس البیّنة) حیث کانت حکومة داود تعمل على أساس المعرفة الکاملة بالحقیقة بدلاً عن اعتماد وسائل الاثبات الظنیة.(14)

المعلم الثامن: دولة الأمان

هذه ظاهرة أخرى یرد الترکیز علیها فی الروایات عن دولة الإمام المهدی علیه السلام حیث لا تکفی العدالة وحدها لتحقیق الصورة المثالیة لمجتمع صاحب العصر والزمان علیه السلام.
فربما تکون عدالة لکنها مشحونة بالاضطرابات والاعتداءات، فما هو واقع الحیاة فی دولة الإمام المهدی علیه السلام؟
یبدو أن دولة الإمام المهدی علیه السلام لا تخلو من مشاکل، ونزاعات فی داخل المجتمع، ومن هناکان هناک ـ کما جاء فی الثابت من الروایات ـ موقع کبیر للقضاء والمحاکم، إلاّ أن (الأمان) هو الظاهرة البارزة فی تلک الدولة.
یمکن أن نقرأ لذلک نموذجاً من الروایات فیما جاء عن الإمام علی علیه السلام قوله: (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشی المرأة بین العراق إلى الشام، لا تضع قدمیها إلا على النبات، وعلى رأسها زنبیلها لا یهیجها سبع ولا تخافه)(15) حیث تعطی هذه العبارة الأخیرة دلالة واضحة على استتباب الأمن أو انقطاع مصادر الرعب والقلق، وهو ما تؤکده نصوص أخرى کثیرة یمکن الاطمئنان بصدورها وصحتها.
لعل هذه المعالم الثمانیة هی أبرز سمات دولة الإمام المهدی علیه السلام التی ننتظر أیامها، ونرجو قیامها.
جعلنا الله تعالى من أنصاره والمستشهدین بین یدیه.
المصادر :
1- الروم /1-2
2- الاسراء /4-5
3- بحار الأنوار ج52 ص 280 وغیرها.
4- البحار ج52 ص 352
5- الاعراف 96
6- العلامة المجلسی فی البحار ج51/ ص 82
7- بحار الانوار ج10 ص107
8- بحار الانوار ج 44ص20
9- البحار/ ج52/ 391
10- بحار الأنوار/ ج52/ ص381 ج191.
11- البحار ج52 ص312 عن کتاب عیون أخبار الرضا علیه السلام.
12- البحار/ ج53/ ص115/ ج21.
13- البحار/ ج51/ ص74 عن کتاب الغیبة للشیخ الطوسی.
14- البحار/ ج52/ 319 وغیرها.
15- البحار/ ج52/ ص316 عن الخصال للشیخ الصدوق.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

إن سياسة النبذ والإهمال المتعمد والإقصاء ...
عالمية حكومة الإمام المهدي عليه السلام
أصحاب المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) صفاتهم ...
يا قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه)
لنظرية المهدوية و صناعة التاريخ-2
الإمام المهدي عليه السلام طموح الأحرار في العالم
الحكمة التفصيلية مكتومة:
النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح ...
فرية السرداب
التمهيد للظهور (الآليات والنتائج)

 
user comment