الشهادة فی سبیل الله هی بذل النفس فی نصرة الحق وبذل المهجة فی حفظ الدین وأمنیة المجاهدین والعاشقین للقاء الخالق عزَّ وجلّ.
قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقّاً فِی التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِیلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بَایَعْتُمْ بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ﴾(1).
وقد عدها الإسلام من المقامات العلیة والشریفة.
فقد روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (فوق کل ذی بر بر حتى یقل المرء فی سبیل الله فلیس فوقه بر)(2).
وروی عنه صلى الله علیه وآله وسلم: (أشرف الموت قتل الشهادة)(3).
وروی عن إمامنا السجاد علیه السلام: (ما من قطرة احب إلى الله من قطرتین قطرة دم فی سبیل الله, وقطرة دمعة فی سواد اللیل لا یرید بها العبد إلا الله عزَّ وجلّ)(4).
وقد طلبها أهل البیت علیهم السلام فی أدعیتهم.
فعن أمیر المؤمنین علیه السلام فی کتابه لمالک الأشتر: (وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظیم قدرته على عطاء کل رغبة أن یختم لی ولک بالسعادة والشهادة)(5).
ومن دعاء إمامنا السجاد علیه السلام: (حمدا نسعد به فی السعداء من أولیائه، ونصیر فی نظم الشهداء بسیوف أعدائه)(6)
الحیاة فی الشهادة
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ یُقْتَلُ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْیَاءٌ وَلَکِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾(7).
لا شک فی أن الشهداء لم یموتوا حقیقة بل هم الأحیاء الحقیقیون فبدمائهم حفظ الدین وبتضحیاتهم صانوه من الانحراف وبموتهم أحیوا قلوبا قد نسیت ذکر الله وهذا ما نلاحظه جلیا فی مجتمعاتنا.
وکما قال الشاعر:
وغیر فقید من یموت بعزةٍ - وکل فتى بالذل مات فقید
لذاک نضى ثوب الحیاة ابن فاطم - وخاض عباب الموت وهو فرید
ولهذا کان الإسلام محمدی الوجود حسینی البقاء والخلود لأن الحسین علیه السلام ما زال حیا فی ضمائرنا, وکربلاء ما زالت الملهمة لنا فی کل منعطفات الحیاة والمدرسة التی خرجت کل الثورات المخلصة والشهداء الصلحاء.
روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام: (فالموت فی حیاتکم مقهورین والحیاة فی موتکم قاهرین)(8)
وأن یقول الله تعالى أنهم الأحیاء عنده فذلک یعنی أنهم خرجوا من ضیق الدنیا وسجنها إلى الجنة التی عرضها السماوات والأرض فلا حد للعقل لإدراک قوله تعالى: ﴿عِندَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ﴾
روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (الشهداء عند الله على منابر من یاقوت فی ظل عرش الله یوم لا ظل إلا ظله وعلى کثیب من مسک فیقول لهم الله ألم أوف لکم وأصدقکم؟ فیقولون بلى وربنا)(9)
ویقول الإمام الخمینی رحمه الله: (إحدى ممیزات الإسلام اعتقاد المسلمین أن الشهادة درجة عظیمة وفوز کبیر والمسلم الحقیقی یستقبل الشهادة بقلب منفتح لأنه یعتقد أن ما وراء هذا العالم وهذه الدنیا عالم أفضل وأنور من هذا العالم)(10)
طلب الشهادة
لم یتوقف الشرع المقدس بعد أن رفع مقام الشهادة إلى هذا المقام السامی, بل جعل الثواب لمن طلب الشهادة وتمناها من الله عزَّ وجلّ. فعن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم:(من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)(11)
ولذا طلبها أهل البیت علیهم السلام وعبروا عن أنسهم بها.
وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: (فإن أقل یقولوا حرص على الملک، وإن أسکت یقولوا جزع من الموت هیهات بعد اللتیا والتی والله لابن أبی طالب آنس بالموت من الطفل بثدی أمه)(12)
آثار الشهادة
بمجرد أن تسقط أول قطرة دم من الشهید على الأرض وتبدأ رحلة الشهادة ینهال علیه الکرم الإلهی فیعفى من عذاب القبر وتغفر سیئاته.
فعن الإمام الصادق علیه السلام: (من قتل فی سبیل الله لم یعرفه الله شیئا من سیئاته)(13)
وعن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (من لقی العدو حتى یقتل أو یغلب لم یفتتن فی قبره)(14).
وعن الإمام الباقر علیه السلام: ( کل ذنب یکفره القتل فی سبیل الله إلا الدین فإنه لا کفارة له إلا أداؤه أو یقضى صاحبه أو یعفو الذی لدیه الحق)(15)
وسبب عدم العفو عن الدین لأنه من حقوق الناس والله عزَّ وجلّ یتکفل بغفران الذنوب التی هی من حقه.
أفضل الشهداء
لکل من الشهداء کرامته عند الله عزَّ وجلّ ولکن هنالک بعض الشهداء قد میزهم الله عزَّ وجلّ بمیزة خاصة بأن جعلهم أفضل الشهداء بسبب تمیزهم بأمرین أساسیین:
الأول: السبق إلى الجهاد حیث کانوا السباقین إلیه ولم تکن الأمور مهیأة لهم بل هم الذین هیئوا الأمور لمن بعدهم.
الثانی: صبرهم وثباتهم وإصرارهم على الجهاد.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (أفضل الشهداء الذین یقاتلون فی الصف الأول فلا یلفتون حتى یقتلوا أولئک یتلبطون فی الغرف العلى من الجنة)(16)
فضل الجرحى
ثمة أجر جعله الله تعالى للمجاهد الذی یتعرض للجرح والأذیة أثناء الجهاد.
فقد ورد فی الروایة الشریفة عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (من جرح فی سبیل الله جاء یوم القیامة ریحه کریح المسک ولونه کلون الزعفران علیه طابع الشهداء)(17).
فهذا الإکرام الإلهی إنما جاء ثواباً لصبره على الجراح وتحمله للعطب فی أعضائه التی قد تؤثر على عمله إلى آخر عمره فیأتی علیه طابع الشهداء أی علامة الشهداء ونور الشهداء وهذا الحدیث الشریف هو فخر کل جریح جرح فی سبیل الله تعالى.
حقوق الشهداء
1- الحفاظ على نهجهم:
بعد أن قدم لنا الشهید أغلى ما یملک وهی روحه الطاهرة ترک لنا أمانة یجب الحفاظ علیها ألا وهی العقیدة التی انطلق منها, والعقیدة التی قاتل من اجلها, والعقیدة التی استشهد لأجلها, ولذا عندما نقرأ وصیة الشهداء قلما نجد شهیدا لا یذکرنا بالمحافظة على خط أهل البیت علیهم السلام وخط الولایة والمقاومة.
فهذا سید شهداء المقاومة الشهید السید عباس الموسوی رضوان الله علیه یقول لنا: "الوصیة الأساس حفظ المقاومة الإسلامیة".
ویقول السید القائد الخامنئی دام ظله: (البعد الآخر للشهادة هو أن الجمیع مکلفون بحراسة دم الشهید ولکن ما معنى حراسة دم الشهید؟ معناه وجوب حمایة الهدف العظیم الذی سعى إلیه هذا الشاب وهذه الأسرة وهذا الأب وهذه الأم، وکرست له الهمم العالیة والمعنویات التی لا تعرف الهزیمة حافظوا على هذا الهدف أکثر من أرواحکم...)
ویتابع سماحته دام ظله: (علیکم جمیعا أنتم ذوی الشهداء آباء وأمهات وزوجات وأولاداً أن تحتفظوا بمفخرة صیانتکم لدماء الشهید وسیرکم على نهجه وحملکم لرایته بما تعنیه من تمسک بدین الله وحفظ للقیم الإلهیة).
ومن طرق الحفاظ على نهجهم أن تحیى ذکراهم وتذکر ملاحمهم ومواقفهم البطولیة کی تحفر فی وجدان وذاکرة الأجیال الصاعدة.
ویؤکد الإمام القائد دام ظله على هذه المسالة حینما یقول فی أحد خطاباته:
"یجب أن تصبح الصورة المقدسة لأولئک الشهداء محاطة بهالة من النور والطهارة فی ذاکرة شعبنا وتزداد عظمة یوماً بعد یوم لتصبح مثل الشخصیات الأسطوریة بطلة، عظیمة، محبوبة أکثر ولتکون أسمائهم وذکریاتهم الآن وفی المستقبل تعطی خاصة للشباب والفتیان درساً فی العظمة والشجاعة والتقوى والصفاء والطهارة إن قسماً من هذا العمل هو مهمة الکتّاب والفنانین وقبل کل هؤلاء أمهات وآباء وزوجات وأبناء الشهداء".
ولا یخفى أن کل ما نقدمه للشهداء لا یعدو کونه محاولة منا للوفاء ولرد الجمیل الکبیر لهم علینا وما هو إلا قلیل من الوفاء لتضحیاتهم وعظمتهم فلا شیء فی الدنیا یفی حق الشهداء.
2- تکفل أیتامهم:
إن تکفل الأیتام ورعایتهم من أهم الأمور التی حث الإسلام علیها وجعل الله لها من الثواب الجزیل والعظیم ویعتبر تکفل الأیتام ورعایتهم من الأمور الأساسیة فی المجتمع والتی تضمن التکافل لهذه الفئة التی فقدت معیلها والمنفق علیها.
هذا فکیف بأیتام الشهداء، فمن الواجب علینا حینئذ أن نؤکد على أهمیة رعایتهم وتکفلهم فی جمیع النواحی المادیة والمعنویة لأن الشهداء قد ترکوهم أمانة فی أعناقنا ومن المعیب بحقنا أن نضیع الأمانة لا سیما مع علمنا بما ورد من الأجر الذی وعد به الله عزَّ وجلّ لمن تکفل یتیماً ووصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لنا. فعنه علیه السلام: (الله الله فی الأیتام فلا تغبوا أفواههم ولا یضیعوا بحضرتکم فقد سمعت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یقول: من عال یتیما حتى یستغنی أوجب الله عزَّ وجلّ له الجنة کما أوجب لأکل مال الیتیم النار)(18)
وعن النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (أنا وکافل الیتیم کهاتین فی الجنة إذا اتقى الله عز وجل، وأشار بالسبابة والوسطى)(19)
3- قضاء دیونهم:
قد تقدم معنا أن کل شیء یغفر للشهید إلا الدین لذا یلزم علینا أن نسعى لقضاء دین الشهید لکی نریحه من أعبائه.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (سبحان الله ماذا أنزل من التشدید فی الدین، والذی نفسی بیده لو أن رجلا قتل فی سبیل الله ثم أحیی، ثم قتل، ثم أحیی، ثم قتل، وعلیه دین ما دخل الجنة حتى یقضى عنه دینه)(20)
فجمیع حقوق الناس کالدین والأمانة والذنوب التی لها علاقة بالناس لا تغفر بدون رضاهم.
ففی روایة أخرى عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم: (ما ها هنا من بنی النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان الیهودی، وکان شهیداً)(21)
وفی حدیث آخر: (القتل فی سبیل الله یکفر الذنوب جمیعها إلا الأمانة)(22)
4- زیارة قبورهم:
وتستحب زیارة قبور الشهداء أسوة بسیدتنا الزهراء علیها الصلاة والسلام فقد روی أنها کانت تأتی قبور الشهداء و قبر الحمزة رضوان الله علیه کل صباح سبت فتترحم علیه وتستغفر له(23).
ولزیارة الشهداء فوائد جمة، أبرزها التذکیر بالموت وبعظمة الله عزَّ وجلّ والآخرة.
ففی الروایة عن النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (زوروا القبور فإنها تذکرکم بالآخرة)(24).
ومنها أن الإنسان یتذکر المعروف الذی قدمه الشهداء ومنها أن فی ذلک إدخال السرور على قلوب وأرواح الأموات والشهداء. ففی الروایة عن أمیر المؤمنین علیه السلام: (زوروا موتاکم فإنهم یفرحون بزیارتکم)(25).
کما أن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم کان یزور قبور الشهداء وکان إذا أتى قبورهم قال: (السلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)(26)
وفی الحدیث عن إمامنا الباقر علیه السلام: (إن زیارة قبر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، وزیارة قبور الشهداء، وزیارة قبرالحسین علیه السلام تعدل حجة مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم)(27).
وعلى کل حال فإن زیارة قبور الصلحاء مستحبة على کل حال وقد ورد فی الحدیث الشریف.
عن الإمام الصادق علیه السلام: (من لم یقدر على زیارتنا فلیزر صالحی موالینا لیکتب له ثواب زیارتنا)(28).
وشهداؤنا هم أصلح الناس، کیف لا وهم الذین أصلحوا بدمائهم القلوب المریضة والنفوس السقیمة، فهذا ثواب الله لمن زارهم، نسأل الله العلی القدیر أن یحشرنا معهم فی الدنیا والآخرة إنه سمیع مجیب, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.
المصادر :
1- التوبة:111
2- میزان الحکمة، ح 9749.
3- میزان الحکمة، ح 9750.
4- میزان الحکمة، ح 9751.
5- میزان الحکمة، ح 9755.
6- میزان الحکمة، ح 9752.
7- البقرة:154
8- نهج البلاغة الخطبة 51.
9- کنز العمال، ح 11100.
10- جریدة العهد عدد 1405 45 هجریة.
11- میزان الحکمة، ح 9787.
12- میزان الحکمة، ح 9759.
13- میزان الحکمة، ح 9778.
14- میزان الحکمة، ح 9780.
15- میزان الحکمة، ح 9777.
16- میزان الحکمة، ح 9811.
17- میزان الحکمة، ح 9814.
18- میزان الحکمة، ح 22577.
19- میزان الحکمة، ح 22581.
20- جامع الأحادیث، ج4، ص282.
21- کنز العمال، ح 11112.
22- مستدرک الوسائل، ج13، ص393.
23- من لا یحضره الفقیه، ج1، ص180.
24- کنز العمال,ج15,ص646,ح42551
25- الکافی:ج3,ص230.
26- من لا یحضره الفقیه، ج2، ص574، فی الهامش.
27- الکافی ج4، ص548.
28- میزان الحکمة، ح
source : rasekhoon