في كل عصر وزمان شياطين في الصفات خطرون في السلوك يكسبون الناس اليهم والشباب بصفة خاصة فيمدّون أواصر الصداقة والزمالة اليهم، يستغلون اموالهم وامكاناتهم من غير حق وينهبون قيمهم الانسانية.
هؤلاء بوجوه تبدو أنها حسناء! وكلمات حلوة ومن خلال شبكات سرية وخدع وحيل ذكية وتقلبات عجيبة- غريبة، يتظاهرون؛ وبهذه الخطط الماكرة يمدون يد الصداقة والصحبة للانسان، وعند ما يؤسرون الانسان بودادهم الماكر، يبدؤون بالوسوسة؛ وبالتدريج وخلال مدة طويلة، يبعدون الانسان من اللَّه سبحانه ومن الحق والحقيقة والعبادة
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 78
والخدمة وصفاء النفس والكرامة والشرف وحضن العائلة الدافئ والمجالس النافعة ومتابعة تحصيل العلم و...
رويداً رويداً- ومن دون أن يشعر الانسان بعمق- يؤسرونه بالشهوات والأميال والغرائز فيصنعون منه أداة لخياناتهم وجرائمهم فيشبون النار في محاصيل قيم وحسنات الانسان ويفعلون فعلًا بحيث عند الندم تنعدم الفرص وتبدّد أسباب النجاة.
إنّ معرفة هؤلاء الأعداء الخطرين أشباه الأصدقاء لا يصعب مع الأخذ بهذه الأوصاف.
عند ما تسمع من أحد دعوة بالانفصال عن الحق وعرفت انّه يريد أن يستغلك اداة لأمياله الشخصية ويعرض عليك قطع الارتباط بالحسنات والقيم ويُصغّر في عينك أطياب المجتمع ويعظم في عينك الخبثاء السفلة فاعلم انّه غول في صفاته سفاك، وشيطان في طريقته مستهتر؛ فإنّه بمكره وخديعته وتحايله واغواءاته يُظهر نفسه بمظهر الصديق، ففي هذه الحال عليك أن لا تقيم معه صداقة ولا تفتح معه باب زمالة ولا تدع مجالًا لمعاشرته ففي ذلك إتعض بقصة عقبة بن أبي معيط المؤسفة وبعبرها- التي أشارت إليها الآيات 27- 29 من سورة الفرقان- وانقذ نفسك من هذا الذئب العديم الشفقة.
قصة عقبة بن أبي معيط المؤسفة
انّ عقبة بن أبي معيط كان من المشركين في مكة وكان مع أبي بن خلف
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 79
توأمين في الخلّة، فقدم عقبة من سفره التجاري وأولم جماعة الأشراف وفيهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال النبي صلى الله عليه و آله لا آكل طعامك حتى تقول: «لا إله إلّا اللَّه وأنّي رسول اللَّه» فشهد الشهادتين، فأكل من طعامه، فلما قدم أبي بن خلف عزله [لامه] وقال: صبأت، فحكى قصته فقال: إني لا أرضى عنك أو تكذِّبه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه و آله وتفق في وجهه صلى الله عليه و آله فانشقت التفلة شقّتان وعادتا إلى وجهه فاحرقتا وجهه وأثرتاه [تركت في وجهه أثراً] «1».
وهكذا فقد عقبة المسكين سعادته واختار جهنم لأجل ارضاء من كان صديقاً له ظاهراً وعدوه باطناً.
إن الايات 27- 29 من سورة الفرقان، نزلت لمواساة النبي صلى الله عليه و آله وتهدئته من خلال عرض المصير المشؤوم في الدنيا لشخص قذر ابتلي بصديق وصاحب ضال ومضل وشيطاني، والآيات هي:
[وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا] «2».
اجل، الجليس السيّء- كما قال المولى الحق- شيطان، والشيطان دونما شك عدو للانسان؛ فانه بعد أن يلحق افدح الخسائر بالانسان، يتركه حائراً لا يبصر طريقه؛ وأسيراً لشتى أنواع العواصف والبلايا في الدنيا ومسخراً في مخالب العذاب الأبدي في الآخرة.
______________________________
(1)- المناقب: 1/ 136؛ بحار الأنوار: 18/ 69، باب 8، حديث 24.
(2)- الفرقان (25): 27- 29.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 80
قال اللَّه تعالى:
[وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا] «1».
ليس الزميل من يزيد على عيوب ونواقص والفرغات المعنوية للانسان ويشب النار المهلكة في محاصيل قيم الانسان وشرفه وكرامته، ان الصديق حقاً والرفيق واقعاً، هو الذي يقلل من عيوب الانسان ويزيل نواقصه ويسد فراغاته الروحية والمعنوية.
يقول الامام جعفر الصادق عليه السلام عن أحب الأصدقاء:
«أحَبُّ إخوَانى إلَىَّ مَنْ أهْدى إلىَّ عُيُوبى» «2»
. إن الانسان المنصف الطالب للسعادة، عند ما ينبههُ الصديق الشفيق إلى عيوبه، يعمل- ومن غير شك- على ازالتها ويعرج- بمساعدة رفيقه النبيل- نحو المقامات الانسانية العليا.
إن الصاحب والمعاشر الذي يخلو من الايمان والاخلاق والعمل الصالح، هو نار تحرق شجرة الوجود بجميع أغصانها وأوراقها، وفي النهاية تبعِّد الانسان في الدنيا من القيم وتقعده في الذل والهوان وتتركه في بحر من الهم والغم والأسف والندم كما أن صداقته وعشرته تصبح سبباً لابتلائه بالعذاب الأليم وتسوقه نحو جهنم- وهو بئس المكان- يتضاعف عذابه عند ما يرى صديقه السيّء قد ابتلي بالعذاب الأبدي.
______________________________
(1)- الفرقان (25): 29.
(2)- الكافى: 2/ 639، باب من يحب مصادقته، حديث 5؛ وسائل الشيعة: 12/ 25، باب 12، حديث 15547؛ بحار الأنوار: 71/ 282، باب 19، حديث 4.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 81
source : دارالعرفان