عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

صيانة القرآن من التحريف‏

صيانة القرآن من التحريف‏

- وقوع التحريف المعنوي في القرآن باتفاق المسلمين.
- التحريف الذي لم يقع في القرآن بلا خلاف.
- التحريف الذي وقع فيه الخلاف.
- تصريحات أعلام الإمامية بعدم التحريف كجزء من معتقداتهم.
- نسخ التلاوة مذهب مشهور بين علماء أهل السنة.
- كلمات مشاهير الصحابة في وقوع التحريف.
- القول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف.
- الأدلة الخمسة على نفي التحريف.
- شبهات القائلين بالتحريف.

 
                     البيان في تفسير القرآن، ص: 197


 يحسن بنا- قبل الخوض في صميم الموضوع- أن نقدم أمام البحث أمورا، لها صلة بالمقصود، لا يستغنى عنها في تحقيق الحال و توضيحها.
1- معنى التحريف:
يطلق لفظ التحريف و يراد منه عدة معان على سبيل الاشتراك، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق من المسلمين، و بعض منها لم يقع فيه باتفاق منهم أيضا، و بعض منها وقع الخلاف بينهم. و إليك تفصيل ذلك «1»:
الأول: «نقل الشي‌ء عن موضعه و تحويله إلى غيره» و منه قوله تعالى:
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ «4: 46».
و لا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب اللّه فإن كل من فسّر القرآن بغير حقيقته، و حمله على غير معناه فقد حرّفه. و ترى كثيرا من أهل‌
__________________________________________________
 (1) انظر التعليقة رقم (6) تقديم دار التقريب لهذا البحث في قسم التعليقات. (المؤلف)


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 198


البدع، و المذاهب الفاسدة قد حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم و أهوائهم.
و قد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى، و ذم فاعله في عدة من الروايات. منها:
رواية الكافي بإسناده عن الباقر عليه السّلام أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير:
 «و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرّفوا حدوده، فهم يروونه و لا يرعونه، و الجهال يعجبهم حفظهم للرواية، و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية ...» «1».
الثاني: «النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات، مع حفظ القرآن و عدم ضياعه، و إن لم يكن متميزا في الخارج عن غيره».
و التحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعا، فقد أثبتنا لك فيما تقدم عدم تواتر القراءات، و معنى هذا أن القرآن المنزل إنما هو مطابق لإحدى القراءات، و أما غيرها فهو إما زيادة في القرآن و إما نقيصة فيه.
الثالث: «النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين، مع التحفظ على نفس القرآن المنزل».
و التحريف بهذا المعنى قد وقع في صدر الإسلام، و في زمان الصحابة قطعا، و يدلنا على ذلك إجماع المسلمين على أن عثمان أحرق جملة من المصاحف و أمر ولاته بحرق كل مصحف غير ما جمعه، و هذا يدل على أن هذه المصاحف كانت مخالفة لما جمعه، و إلا لم يكن هناك سبب موجب لإحراقها، و قد صبط جماعة من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف، منهم عبد اللّه بن أبي داود السجستاني، و قد سمى كتابه هذا بكتاب المصاحف. و على ذلك فالتحريف واقع لا محالة إما من عثمان أو من كتّاب‌
__________________________________________________
 (1) الكافي: 8/ 53، رقم الحديث: 16.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 199


تلك المصاحف، و لكنا سنين بعد هذا إن شاء اللّه تعالى أن ما جمعه عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين، الذي تداولوه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدا بيد. فالتحريف بالزيادة و النقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان، و أما القرآن الموجود فليس فيه زيادة و لا نقيصة.
و جملة القول: إن من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف- كما هو الصحيح- فالتحريف بهذا المعنى و إن كان قد وقع عنده في الصدر الأول إلّا أنه قد انقطع في زمان عثمان، و انحصر المصحف بما ثبت تواتره عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أما القائل بتواتر المصاحف بأجمعها، فلا بد له من الالتزام بوقوع التحريف بالمعنى المتنازع فيه في القرآن المنزل، و بضياع شى‌ء منه. و قد مرّ عليك تصريح الطبري، و جماعة آخرين بإلغاء عثمان للحروف الستة التي نزل بها القرآن، و اقتصاره على حرف واحد «1».
الرابع: «التحريف بالزيادة و النقيصة في الآية و السورة مع التحفظ على القرآن المنزل، و التسالم على قراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إياها».
و التحريف بهذا المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا. فالبسملة- مثلا- مما تسالم المسلمون على أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة و قد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنة، فاختار جمع منهم أنها ليست من القرآن، بل ذهبت المالكية إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة، إلا إذا نوى به المصلي الخروج من الخلاف، و ذهب جماعة اخرى إلى أن البسملة من القرآن.
و أما الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة، و اختار هذا القول جماعة من علماء السنة أيضا- و ستعرف تفصيل ذلك عند تفسيرنا
__________________________________________________
 (1) راجع ص 180 من هذا الكتاب.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 200


سورة الفاتحة- و إذن فالقرآن المنزل من السماء قد وقع فيه التحريف يقينا، بالزيادة أو بالنقيصة.
الخامس: «التحريف بالزيادة بمعنى أن بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل».
و التحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة.
السادس: «التحريف بالنقيصة، بمعنى أن المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء، فقد ضاع بعضه على الناس».
و التحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم و نفاه آخرون.
2- رأي المسلمين في التحريف:
المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، و أن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد صرح بذلك كثير من الأعلام. منهم رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه، و قد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية. و منهم شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، و صرح بذلك في أول تفسيره «التبيان» و نقل القول بذلك أيضا عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى، و استدلاله على ذلك بأتم دليل. و منهم المفسر الشهير الطبرسي في مقدمة تفسيره «مجمع البيان»، و منهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه «كشف الغطاء» و ادّعى الإجماع على ذلك. و منهم العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه «العروة الوثقى» و نسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين. و منهم المحدث الشهير المولى محسن القاساني في كتابيه «1». و منهم بطل‌
__________________________________________________
 (1) الوافي: 5/ 274، و علم اليقين: ص 130.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 201


العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره «آلاء الرحمن».
و قد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم. منهم شيخ المشايخ المفيد، و المتبحر الجامع الشيخ البهائي، و المحقق القاضي نور اللّه، و أضرابهم. و ممن يظهر منه القول بعدم التحريف: كل من كتب في الإمامة من علماء الشيعة و ذكر فيه المثالب، و لم يتعرض للتحريف، فلو كان هؤلاء قائلين بالتحريف لكان ذلك أولى بالذكر من إحراق المصحف و غيره.
و جملة القول: أن المشهور بين علماء الشيعة و محققيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف. نعم ذهب جماعة من المحدثين من الشيعة، و جمع من علماء أهل السنة إلى وقوع التحريف. قال الرافعي: فذهب جماعة من أهل الكلام ممن لا صناعة لهم إلا الظن و التأويل، و استخراج الأساليب الجدلية من كل حكم و كل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شى‌ء، حملا على ما وصفوا من كيفية جمعه «1» و قد نسب الطبرسي في «مجمع البيان» هذا القول إلى الحشوية من العامة.
أقول: سيظهر لك- بعيد هذا- ان القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف، و عليه فاشتهار القول بوقوع النسخ في التلاوة- عند علماء اهل السنة- يستلزم اشتهار القول بالتحريف.



                        البيان في تفسير القرآن، للخویی ره  ص: 201


source : دارالعرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السيدة فاطمة (ع) تجسد البنت الكاملة والزوجة ...
كلمات في حق علي الأكبر (ع)
مصحف الإمام علي(عليه السلام)
للرجعة احکام
الأديان وتطور الوعي
زينب في الشام
أهمية التربية في الإسلام
الرمز في القرآن الكريم وتفسيره
الدفن في البقيع
عليّ عليه السلام الإنسان الكامل

 
user comment