صحيفة الحمد
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَهُ بِنِعْمَتِهِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ ظِلَالَ رَحْمَتِهِ ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ شُكْرَ مَا أَدَّى إِلَيْهِمْ وَ وَفَّقَهُمْ بِمَنِّهِ لِأَدَاءِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ وَ نَهَجَ لَهُمْ مِنْ سَبِيلِ هِدَايَتِهِ مَا
يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ وَاسِعَ مَغْفِرَتِهِ فَبِتَوْفِيقِهِ قَامَ الْقَائِمُونَ بِطَاعَتِهِ وَ بِعِصْمَتِهِ امْتَنَعَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَ بِنِعْمَتِهِ أَدَّى الشَّاكِرُونَ حَقَّ نِعْمَتِهِ وَ بِرَحْمَتِهِ وَصَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَحْمَتِهِ
فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يُسْتَجَارُ مِنْهُ إِلَّا بِهِ وَ لَا يُهْرَبُ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ وَ تَبَارَكَ الَّذِي خَلَقَ الْحَيَوَانَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ وَ جَعَلَهُمْ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ مُتَبَائِنِينَ فِي الْخَلْقِ وَ الْأَخْلَاقِ وَ قَدَّرَ
لَهُمْ مَا لَا مُغَيِّرَ لَهُ مِنَ الْآجَالِ وَ الْأَرْزَاقِ لَهُ سَبَّحَتِ السَّمَاوَاتُ الْعُلَى وَ الْأَرَضُونَ السُّفْلَى وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ الثَّرَى بِأَلْسُنٍ فُصُحٍ وَ عُجْمٍ وَ آثَارٍ نَاطِقَةٍ وَ بُكْمٍ تَلُوحُ لِلْعَارِفِينَ
مَوَاقِعُ تَسْبِيحِهَا وَ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَوَاطِعُ تَقْدِيسِهَا فَلَهُ فِي كُلِّ نَظْرَةٍ نِعَمٌ لَا تُحَدُّ وَ فِي كُلِّ طَرْفَةٍ آلَاءٌ لَا تُعَدُّ
بحارالأنوار ج : 92 ص : 454
ضَلَّتِ الْأَفْهَامُ فِي جَبَرُوتِهِ وَ تَحَيَّرَتِ الْأَوْهَامُ فِي مَلَكُوتِهِ فَلَا وُصُولَ إِلَيْهِ إِلَّا بِهِ وَ لَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
الصحيفة الثانية صحيفة الخلق
فَازَ يَا أَخْنُوخُ مَنْ عَرَفَنِي وَ هَلَكَ مَنْ أَنْكَرَنِي عَجَباً لِمَنْ ضَلَّ عَنِّي وَ لَيْسَ يَخْلُو فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مِنِّي كَيْفَ يَخْلُو وَ أَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ قَرِيبٍ وَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ أَ لَسْتَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الْعَظِيمُ عِنْدَ نَفْسِهِ فِي بُنْيَانِهِ الْقَوِيُّ لَدَى هِمَّتِهِ فِي أَرْكَانِهِ مَخْلُوقاً مِنَ النُّطْفَةِ الْمَذِرَةِ وَ مُخْرَجاً مِنَ الْأَمَاكِنِ الْقَذِرَةِ تَنْحَطُّ مِنْ أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالنُّخَاعَةِ
إِلَى أَرْحَامِ النِّسَاءِ ثُمَّ يَأْتِيكَ أَمْرِي فَتَصِيرُ عَلَقَةً لَوْ رَأَتْكَ الْعُيُونُ لَاسْتَقْذَرَتْكَ وَ لَوْ تَأَمَّلَتْكَ النُّفُوسُ لَعَافَتْكَ ثُمَّ تَصِيرُ بِقُدْرَتِي مُضْغَةً لَا حَسَنَةً فِي الْمَنْظَرِ وَ لَا نَافِعَةً فِي الْمَخْبَرِ ثُمَّ
أَبْعَثُ إِلَيْكَ أَمْراً مِنْ أَمْرِي فَتُخْلَقُ عُضْواً عُضْواً وَ تُقَدَّرُ مَفْصَلًا مَفْصَلًا مِنْ عِظَامٍ مَغْشِيَّةٍ وَ عُرُوقٍ مُلْتَوِيَةٍ وَ أَعْصَابٍ مُتَنَاسِبَةٍ وَ رِبَاطَاتٍ مَاسِكَةٍ ثُمَّ يَكْسُوكَ لَحْماً وَ يُلْبِسُكَ جِلْد
اً تُجَامَعُ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ وَ تُخْلَقُ مِنْ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ فَتَصِيرُ بِقُدْرَتِي خَلْقاً سَوِيّاً لَا رُوحَ فِيكَ تُحَرِّكُكَ وَ لَا قُوَّةَ لَكَ تُقِلُّكَ أَعْضَاؤُكَ صَوٌّ [صُوَرٌ] بِلَا مِرْيَةٍ وَ جُثَثٌ بِلَا
مِرْزَبَةٍ فَأَنْفُخُ فِيكَ الرُّوحَ وَ أَهَبُ لَكَ الْحَيَاةَ فَتَصِيرُ بِإِذْنِي إِنْسَاناً لَا تَمْلِكُ نَفْعاً وَ لَا ضَرّاً وَ لَا تَفْعَلُ خَيْراً وَ لَا شَرّاً مَكَانُكَ مِنْ أُمِّكَ تَحْتَ السُّرَّةِ كَأَنَّكَ مَصْرُورٌ فِي صُرَّةٍ إِلَى أَنْ
يَلْحَقَكَ مَا سَبَقَ مِنِّي مِنَ الْقَضَاءِ فَتَصِيرَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى وُسْعِ الْفَضَاءِ فَتَلْقَى مَا قَدَّرَكَ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاءِ إِلَى أَجَلٍ مِنَ الْبَقَاءِ
بحارالأنوار ج : 92 ص : 455
مُتَعَقِّبٌ لَا شَكَّ بِالْفَنَاءِ أَ أَنْتَ خَلَقْتَ نَفْسَكَ وَ سَوَّيْتَ جِسْمَكَ وَ نَفَخْتَ رُوحَكَ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَ أَنْتَ النُّطْفَةُ الْمَهِينَةُ وَ الْعَلَقَةُ الْمُسْتَضْعَفَةُ وَ الْجَنِينُ الْمَصْرُورُ فِي صُرَّةٍ فَأَنْتَ
الْآنَ فِي كَمَالِ أَعْضَائِكَ وَ طَرَاءَةِ مَائِكَ وَ تَمَامِ مَفَاصِلِكَ وَ رَيَعَانِ شَبَابِكَ أَقْوَى وَ أَقْدَرُ فَاخْلُقْ لِنَفْسِكَ عُضْواً آخَرَ وَ اسْتَجْلِبْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكَ وَ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ دَفَعْتَ عَنْ نَفْسِكَ
فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ طَارِقَاتِ الْأَوْجَاعِ وَ الْأَعْلَالِ فَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ الْآنَ أَسْقَامَكَ وَ نَزِّهْ عَنْ بَدَنِكَ آلَامَكَ وَ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ نَفَخْتَ الرُّوحَ فِي بَدَنِكَ وَ جَلَبْتَ الْحَيَاةَ الَّتِي تُمْسِكُكَ
فَادْفَعِالْمَوْتَ إِذَا حَلَّ بِكَ وَ ابْقَ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَ عَجَزْتَ عَنْهُ كُلِّهِ فَاعْلَمْ أَنَّكَ حَقّاً مَخْلُوقٌ وَ أَنِّي أَنَا الْخَالِقُ وَ أَنَّكَ
أَنْتَ الْعَاجِزُ وَ أَنِّي أَنَا الْقَوِيُّ الْقَادِرُ فَاعْرِفْنِي حِينَئِذٍ وَ اعْبُدْنِي حَقَّ عِبَادَتِي وَ اشْكُرْ لِي نِعْمَتِي أَزِدْكَ مِنْهَا وَ اسْتَعِذْ بِي مِنْ سَخْطَتِي أُعِذْكَ مِنْهَا فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الَّذِي لَا أَعْبَأُ بِمَا
أَخْلُقُ وَ لَا أَتْعَبُ وَ لَا أَنْصَبُ فِيمَا أَرْزُقُ وَ لَا أَلْغُبُ إِنَّمَا أَمْرِي إِذَا أَرَدْتُ شَيْئاً أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
source : دار العرفان/ بحارالأنوار ج : 92 ص : 455