عربي
Monday 6th of May 2024
0
نفر 0

القرآن معجزة خالدة

القرآن معجزة خالدة

قد عرفت أن طريق التصديق بالنبوة و الإيمان بها، ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهدا لدعواه، و لما كانت نبوءات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم و أجيالهم، كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد، و محدودة، لأنها شواهد على نبوءات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الأزمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، و البعض الآخر تنقل اليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر، فتقوم عليه الحجة أيضا.
أما الشريعة الخالدة، فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضا، لأن المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، و قد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة، فإذا كلفه اللّه بالإيمان بها كان من التكليف بالممتنع، و التكليف بالممتنع مستحيل على اللّه تعالى، فلا بدّ للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة. و هكذا أنزل اللّه القرآن معجزة خالدة ليكون برهانا على صدق الرسالة الخالدة، و ليكون حجة على الخلف كما كان حجة     

                   البيان في تفسير القرآن، ص: 46


 على السلف. و قد نتج لنا عما قدمناه أمران:
الأول: تفوّق القرآن على جميع المعجزات التي ثبتت للأنبياء السابقين، و على المعجزات الاخرى التي ثبتت لنبينا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكون القرآن باقيا خالدا، و كون إعجازه مستمرا يسمع الأجيال و يحتج على القرون.
الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، و الدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها و برهانها، لانقطاع زمان المعجزة التي شهدت بصدقها. «1»
ثم ان القرآن يختص بخاصة اخرى، و بها يتفوق على جميع المعجزات التي جاء بها الأنبياء السابقون، و هذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر «2»، و سوقهم إلى غاية كما لهم. فإن القرآن هو المرشد الذي أرشد العرب الجفاة الطغاة، المعتنقين أقبح العادات و العاكفين على الأصنام، و المشتغلين- عن تحصيل المعارف و تهذيب النفوس- بالحروب الداخلية، و المفاخرات الجاهلية فتكونت منهم- في مدة يسيرة- امة ذات خطر في معارفها، و ذات عظمة في تاريخها، و ذات سموّ في عاداتها. و من نظر في تاريخ الإسلام و سبر تراجم أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المستشهدين بين يديه، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ هدايته، كبير أثره، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم و الكمال، و جعلهم يتفانون في سبيل الدين و إحياء الشريعة، و لا يعبأون بما تركوا من مال و ولد و أزواج.
و إن كلمة المقداد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين شاور المسلمين في الخروج إلى بدر شاهد عدل على ما قلنا:
__________________________________________________
 (1) انظر في قسم التعليقات محادثة علمية جرت بين المؤلف و بين حبر يهودي يتصل بهذا الموضوع برقم (4).
 (2) انظر قسم التعليقات لمعرفة الحاجة الى ترجمة القرآن و شروطها برقم (5).


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 47


 «يا رسول اللّه امض لما أمرك اللّه فنحن معك، و اللّه لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا الى برك الغماد- يعني مدينة الحبشة- لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خيرا، و دعاله بخير» «1».
هذا واحد من المسلمين، يعرب عن عقيدته و عزمه، و تفانيه في إحياء الحق، و إماتة الشرك. و كان الكثير منهم على هذه العقيدة، متذرعين بالإخلاص.
إن القرآن هو الذي نوّر قلوب أولئك العاكفين على الأصنام، المشتغلين بالحروب الداخلية و المفاخرات الجاهلية، فجعلهم أشدّاء، على الكفار رحماء بينهم. يؤثر أحدهم حياة صاحبه على نفسه، فحصل للمسلمين بفضل الإسلام من فتوح البلدان في ثمانين سنة ما لم يحصل لغيرهم في ثمانمائة سنة. و من قارن بين سيرة أصحاب النبي و سيرة أصحاب الأنبياء السابقين علم أن في ذلك سرا إلهيا، و أن مبدأ هذا السر هو كتاب اللّه الذي أشرق على النفوس، و طهّر القلوب و الأرواح بسموّ العقيدة، و ثبات المبدأ.
انظر الى تاريخ الحواريين، و الى تاريخ غيرهم من أصحاب الأنبياء تعلم كيف كانوا. كانوا يخذلون أنبياءهم عند الشدائد، و يسلمونهم عند خشية الهلاك!! و لذلك لم يكن لاولئك الأنبياء تقدم على طواغيت زمانهم بل كانوا يتسترون عنهم بالكهوف و الأودية. هذه هي الخاصة الثانية التي تفضل القرآن على سائر المعجزات.


                        البيان في تفسير القرآن، للخویی ره  ص: 47


source : دارالعرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لمحة إجمالية في أدلة انقطاع النيابة الخاصة في ...
مميزات شخصية الإمام الخميني قدس سره
زيارة القبور في السنّة النبوية
شبهة التنافي بين التقدم العلمي وبين علم الله ...
الأمويين و مبادئ الدين
باب في خبر أبي المويهب الراهب
الخریطه الجغرافیه لوادی الغدیر
وقاية الامة من الانحراف
التوحيد و الحاجة إلى الناس‏
العلاقة بين الليبرالية والتعددية

 
user comment