عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

التوحيد و الحاجة إلى الناس‏

التوحيد و الحاجة إلى الناس‏

التوحيد و الحاجة إلى الناس‌
ثم تطرح القضية سؤالًا آخر:
كيف يكون التوحيد في الاستعانة باللَّه في مقابل الاستعانة بالآخرين، مما يعيشه الإنسان في كل لحظة من لحظات وجوده، في القضايا التي لا يستطيع الاستقلال فيها بنفسه، بل يحتاج- فيها- إلى مشاركة الآخرين، أو في القضايا التي لا يستطيع ممارستها بنفسه، بل يحتاج إلى ممارسة الآخرين لها في حياته؟
فهل تكون الاستعانة بالناس في هذه أو تلك لوناً من ألوان الشرك العملي باللَّه؟
و كيف يمكن أن تستمر الحياة بالإنسان في ضوء هذا المنطق التوحيدي إذا حاولنا أن نفهمه بهذه الطريقة؟
إن المسألة- في الجواب عن هذا السؤال- ترتكز إلى العمق الفكري في التصور التوحيدي، لا إلى الحركة الفعلية في الواقع العملي للإنسان، إذ من                        تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 71
 الطبيعي أن الإنسان لا يستغني عن غيره في تفاصيل وجوده، كما لم يستغن عن غيره في أصل وجوده الفعلي الذي كان محتاجا فيه إلى أبويه، باعتبارهما العنصرين اللذين يدخلان في السبب المباشر للوجود .. و هناك أشياء كثيرة مما لا بد من أن تصدر عن الآخرين بالمشاركة معه، أو بالانفراد، و قد لا يعقل أن يكلّف اللَّه الإنسان بأن يبتعد، بتصوّره العقيدي، عن هذا الخط، لأنه ليس مقدوراً له.
فلا بد من أن يكون الأمر منطلقاً من إحساس الإنسان بأن اللَّه هو أساس كل قدرة، لأنه من مواقع قدرته كانت قدرتنا على من حولنا و ما حولنا، في ما منحنا، سبحانه و تعالى، من ذلك. و إذا كنا نحتاج إلى مباشرة بعض أفعالنا بمشاركة الآخرين أو بواسطتهم، فإننا نشعر بأن اللَّه هو الذي هيّأ لنا ذلك، و هو الذي يمنحهم القدرة على فعل ذلك. و هذا هو المفهوم من قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‌ [الأنفال: 17].
فإن المقصود فيها ليس المعنى المباشر للرمي من اللَّه سبحانه و تعالى، بل المقصود هو القوّة الحقيقية للعمق الإلهي للإرادة في الأفعال الإنسانية، بحيث يكون اللَّه هو الأساس في ذلك كله. فإذا توجّه الإنسان، في حاجته، إلى أحد، فإنه يتوجه إلى اللَّه، قبل ذلك، ليطلب منه أن يلهمه الاستجابة له، كما يمنحه القدرة عليه، بحيث يكون اللَّه هو المقصد في الطلب، و يكون الآخر هو الآلة في حصول الشي‌ء.
إن القاعدة في العقيدة الإسلامية التوحيدية، تنطلق من الإيمان بأن كل ما في الوجود مظهر لقدرة اللَّه، و وسيلة من وسائل تدبيره للكون، فليس هناك استقلال لأحد في ما هو الغنى الذاتي، بل هناك الغنى المستمد من غنى اللَّه في ما يتحرك به كرمه للمحتاجين من عباده. و لذلك، بطل التفويض الذي ينطلق من الفكرة الفلسفية القائلة: «إن اللَّه خلق الخلق ثم فوّض إليهم تدبير أمورهم                     التوحيد و الحاجة إلى الناس‌
ثم تطرح القضية سؤالًا آخر:
كيف يكون التوحيد في الاستعانة باللَّه في مقابل الاستعانة بالآخرين، مما يعيشه الإنسان في كل لحظة من لحظات وجوده، في القضايا التي لا يستطيع الاستقلال فيها بنفسه، بل يحتاج- فيها- إلى مشاركة الآخرين، أو في القضايا التي لا يستطيع ممارستها بنفسه، بل يحتاج إلى ممارسة الآخرين لها في حياته؟
فهل تكون الاستعانة بالناس في هذه أو تلك لوناً من ألوان الشرك العملي باللَّه؟
و كيف يمكن أن تستمر الحياة بالإنسان في ضوء هذا المنطق التوحيدي إذا حاولنا أن نفهمه بهذه الطريقة؟
إن المسألة- في الجواب عن هذا السؤال- ترتكز إلى العمق الفكري في التصور التوحيدي، لا إلى الحركة الفعلية في الواقع العملي للإنسان، إذ من                        تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 71
 الطبيعي أن الإنسان لا يستغني عن غيره في تفاصيل وجوده، كما لم يستغن عن غيره في أصل وجوده الفعلي الذي كان محتاجا فيه إلى أبويه، باعتبارهما العنصرين اللذين يدخلان في السبب المباشر للوجود .. و هناك أشياء كثيرة مما لا بد من أن تصدر عن الآخرين بالمشاركة معه، أو بالانفراد، و قد لا يعقل أن يكلّف اللَّه الإنسان بأن يبتعد، بتصوّره العقيدي، عن هذا الخط، لأنه ليس مقدوراً له.
فلا بد من أن يكون الأمر منطلقاً من إحساس الإنسان بأن اللَّه هو أساس كل قدرة، لأنه من مواقع قدرته كانت قدرتنا على من حولنا و ما حولنا، في ما منحنا، سبحانه و تعالى، من ذلك. و إذا كنا نحتاج إلى مباشرة بعض أفعالنا بمشاركة الآخرين أو بواسطتهم، فإننا نشعر بأن اللَّه هو الذي هيّأ لنا ذلك، و هو الذي يمنحهم القدرة على فعل ذلك. و هذا هو المفهوم من قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‌ [الأنفال: 17].
فإن المقصود فيها ليس المعنى المباشر للرمي من اللَّه سبحانه و تعالى، بل المقصود هو القوّة الحقيقية للعمق الإلهي للإرادة في الأفعال الإنسانية، بحيث يكون اللَّه هو الأساس في ذلك كله. فإذا توجّه الإنسان، في حاجته، إلى أحد، فإنه يتوجه إلى اللَّه، قبل ذلك، ليطلب منه أن يلهمه الاستجابة له، كما يمنحه القدرة عليه، بحيث يكون اللَّه هو المقصد في الطلب، و يكون الآخر هو الآلة في حصول الشي‌ء.
إن القاعدة في العقيدة الإسلامية التوحيدية، تنطلق من الإيمان بأن كل ما في الوجود مظهر لقدرة اللَّه، و وسيلة من وسائل تدبيره للكون، فليس هناك استقلال لأحد في ما هو الغنى الذاتي، بل هناك الغنى المستمد من غنى اللَّه في ما يتحرك به كرمه للمحتاجين من عباده. و لذلك، بطل التفويض الذي ينطلق من الفكرة الفلسفية القائلة: «إن اللَّه خلق الخلق ثم فوّض إليهم تدبير أمورهم                        تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 72
 بأنفسهم، بحيث يخلقون أفعالهم من موقع قدرتهم الذاتية من دون أن يكون للَّه دخل في ذلك»، فإن هذه الفكرة توحي بتعدد الخالق، و انعزال اللَّه عن التصرف في حركة الكون.
و من خلال ذلك، كان الاعتراف بالتوحيد في الاستعانة، يمثل الإقرار العميق بأن العبد لا يستطيع أن يتحرك إلّا من خلال ما يمدّه اللَّه به من معونة، في ما يملكه من شمولية القدرة في كل مصادرها و مواردها، سواء كانت متمثلة بالقوى البشرية أو الحيوانية أو الجامدة.
و هذا ما يؤكد وحدة التوجه إلى اللَّه و التوسّل به، مما يجعل الشخصية الإسلامية مرتبطة به- وحده- حتى في مواقع حاجاتها الطبيعية المرتبطة، في حركتها الكونية، بقانون السببية، في علاقة الظواهر بأسبابها الكونية أو الاختيارية، فلا تكون الأسباب واسطة في الإرادة، بل هي واسطة في حركة الوجود في علاقة الأشياء ببعضها البعض.
 بأنفسهم، بحيث يخلقون أفعالهم من موقع قدرتهم الذاتية من دون أن يكون للَّه دخل في ذلك»، فإن هذه الفكرة توحي بتعدد الخالق، و انعزال اللَّه عن التصرف في حركة الكون.
و من خلال ذلك، كان الاعتراف بالتوحيد في الاستعانة، يمثل الإقرار العميق بأن العبد لا يستطيع أن يتحرك إلّا من خلال ما يمدّه اللَّه به من معونة، في ما يملكه من شمولية القدرة في كل مصادرها و مواردها، سواء كانت متمثلة بالقوى البشرية أو الحيوانية أو الجامدة.
و هذا ما يؤكد وحدة التوجه إلى اللَّه و التوسّل به، مما يجعل الشخصية الإسلامية مرتبطة به- وحده- حتى في مواقع حاجاتها الطبيعية المرتبطة، في حركتها الكونية، بقانون السببية، في علاقة الظواهر بأسبابها الكونية أو الاختيارية، فلا تكون الأسباب واسطة في الإرادة، بل هي واسطة في حركة الوجود في علاقة الأشياء ببعضها البعض.

تفسير من وحي القرآن، ج‌1، ص: 72

 


source : دار العرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اللعن في القرآن الكريم
الغرب ينحني تعظيماً لرسول الله (صلى الله عليه ...
الصلاة لعلاج الشیخوخة المبکرة
إثبات الغدير و تهنئة أبي بكر وعمر
تاريخ التدوين في التفسير
الأذان في زمن الإمام الهادي عليه السلام
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
اعلان الامام الخميني يوم القدس العالمي ادى الى ...
منزلة أبي الفضل العبّاس عند أخيه الحسين (ع)
مكارم الأخلاق الباقرية

 
user comment