فى لقاء بين عبدالله بن الوليد والإمام الصادق (ع) (فى عهد مروان بن الحكم) سأل الإمام الرجل من أبن فقال: من أهل الكوفة.
فقال الإمام: إن أهل الكوفة أكثر الناس حباً لنا.
ثم قال: إن الله هداكم إلى ما أضلّه الناس، وفقد واليتمونا وعادانا الناس، واتبعتمونا وخالفنا الناس جعل الله حياتكم و موتكم كحياتنا ومماتنا ثم قال:
ما بين أحدكم وبين أن يرى ما يُقرّ الله به عينه (يفرحه) وأن يغتبط إلّا أن تبلغ نفسه هذه وأهوى (أشار) بيده إلى حلقه «1».
قال رسول الله (ص): لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له.
وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو فى شدّة علّة، وعظيم ضيق صدره، بما يخلّف من أ مواله، ولما هو عليه من اضطراب أحواله فى معامليه وعياله، وقد بقيت فى نفسه مرارتها وحسراتها، واقتطع دون أمانيّه فلم ينلها، فيقول له ملك الموت: مالك تجرع غصصك؟ قال: لإضطراب أحوالى واقتطاعك لى دون آمالى،
______________________________
(1) الكافى: 8/ 81 وصية النبى لأمير المؤمنين* ح 38.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، للعلامه حسین انصاریان ص: 412
فيقول له ملك الموت: وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا؟ فيقول: لا، فيقول ملك الموت: فانظر فوقك، فينظر فيرى درجات الجنّة وقصورها التى يقصر دونها الأمانىّ، فيقول ملك الموت: تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك، ومن كان من أهلك ههنا وذرّيتك صالحاً فهم هناك معك، أفترضى به بدلًا ممّا هناك؟ فيقول: بلى والله.
ثمّ يقول: انظر فينظر فيرى محمداً وعلياً والطيبين من آلهما فى أعلى علّيين، فيقول: أوتراهم؟ هؤلاء ساداتك وأئمتك، هم هناك جلّاسك وآناسك، أفما ترضى بهم بدلًا ممن تفارق ههنا؟ فيقول: بلى وربى، فذلك ما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا فما أمامكم من الأهوال كفيتموها، ولا تحزنوا على ما تخلفونه من الذرارىّ والعيال، فهذا الذى شاهدتموه فى الجنان بدلًا منهم، وابشروا بالجنة التى كنتم توعدون هذه منازلكم وهؤلاء ساداتكم آناسكم وجلّاسكم.
عن كليب الأسدى، قال: قلت لأبى عبدالله الصادق (ع): جعلنى الله فداك، بلغنا عنك حديث، قال: وما هو؟ قلت: قولك: إنّما يغتبط صاحب هذا الأمر إذا كان فى هذه وأومأت بيدك إلى حلقك فقال: نعم، إنّما يغتبط صاحب هذا الأمر إذا كان فى هذه وأمأ إلى حلقه أمّا ما كان يتخوّف من الدنيا فقد ولّى عنه وأمامه رسول الله (ص) وعلى والحسن والحسين، صلوات الله عليهم.
وعن أيوب قال: سمعت أبا عبدالله الصادق (ع) يقول: إن أشدّ ما يكون عدوكم كراهية لهذا الأمر حين تبلغ نفسه هذه وأومأ بيده إلى حنجرته ثمّ قال: إنّ رجلًا من آل عثمان كان سبّابة لعلى (ع) فحدّثتنى مولاةٌ له كانت تأتينا قالت: لمّا احتضر قال: مالى ولهم؟ قلت: جعلنى الله فداك ما له قال هذا؟ فقال: لما أرى من العذاب، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 413
يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً؟
هيهات هيهات: لا والله، حتى يكون ثبات الشىء فى القلب وإن صلّى وصام.
عن عبدالرحمن قال: قال أبو جعفر الباقر (ع): إنّما أحدكم حين يبلغ نفسه ههنا ينزل عليه ملك الموت فيقول: أمّا ما كنت ترجو فقد أُعطيته، وأمّا كنت تخافه فقد أمنت منه، ويفتح له باب إلى منزله من الجنّة، ويقال له: انظر إلى مسكنك.
وهذه الآية الكريمة صريحة فى نزول الملائكة تبشر المؤمنين المخلصين قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ* نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
ولما توفى أبو ذر منفياً وحيداً فى الربذة وفى اللحظات الأخيرة من حياته سمعته ابنته يقول:
إليه السلام هو السلام به السلام منه السلام فسألته من تحيى يا أبتى؟
قال: ملك الموت جاءنى يقول:
إن الله أمرنى أن أقرئك منه السلام قبل أقبض روحك سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ «1».
وعن سدير الصيرفى قال: قلت لأبى عبدالله (الصادق (ع): جعلت فداك يا بن رسول الله هل يُكره (يُجبر) على قبض روحه؟
قال: لا والله أنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند؛ ذلك فيقول له ملك الموت: يا ولىّ الله لا تجزع، فوالذى بعث
______________________________
(1) سورة يس: الآية 58.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 414
محمداً (ص) لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، أفتح عينيك فانظر! قال: ويمثّل له رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة رفقاؤك.
قال فيفتح عينيه فينظر فينادى روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته أرجعى إلى ربك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب فإدخلى عبادى يعنى محمداً وآل بيته وأدخلى جنتى، فما من شىء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادى «1».
لقاء مع أبى عبد الله الحسين
وكان رجل مؤمن يدعى حاج غلام على قندى دعانى إلى بيته ذات يوم وأرانى غرفة قال أنها كنت مدّة مديدة يسكنها نظام الرشتى، (من خطباء المنبر الحسينى)، وقد توفيت زوجته فعاش فى هذه الغرفة مع أبنته، وكان إذا ارتقى المنبر وذكر مصائب آل البيت بكى بكاءً لا يبكى أحد مثله.
وفى أخريات حياته كان يتوضأ فى هذه الغرفة فدعا ابنته وقال: أجلسى وضعى يدك فى يدى فإن ضغطت على يدك فانهضينى لأن سيدى أبا عبدالله الحسين سيحضرنى وأنا أريد أن أنهض له احتراماً تقول ابنته لما وضعت يدى فى يده ومرّ وقت أحسست به يضغط على يدى فأنهضته فإذا به يقول السلام عليك يا أبا عبدالله ثم ابتسم وأسلم الروح.
source : دار العرفان