نستعرض هنا مجموعة رائعة من مواعظ الإمام الرضا (عليه السلام) وحكمه المضيئة، وكلماته البليغة، وأشعاره الوعظية، والتي عالج فيها جميعا مزيدا من الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية والتربوية، بأسلوب متين مقرون بالفصاحة والوجازة والبلاغة، يفيض بالإيمان ويشع بالحكمة، ويزخر بالعطاء الذي يتسع ليشمل جميع جوانب الحياة، وهي بمجموعها مما يفترض بالإنسان المسلم أن يطبقه ويتحلى به ليكون منسجما مع مبادئ الإسلام قولا وعملا. وقد سار الإمام الرضا (عليه السلام) على نهج آبائه المعصومين مؤديا رسالته التربوية في توجيه المجتمع نحو قيم الإسلام المحمدي الأصيل. وفيما يلي بعض حكمه وكلماته القصيرة مرتبة وفقا لترتيب الحروف:
1 - الأجل آفة الأمل، والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة ذي القدرة، والبخل يمزق العرض، والحب داعي المكاره، وأجل الخلائق وأكرمها: اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، وتحقيق أمل الآمل، وتصديق مخيلة الراجي، والاستكثار من الأصدقاء في الحياة، والباكين بعد الوفاة.
2 - الأخ الأكبر بمنزلة الأب.
3 - إذا كان الرجل حاضرا فكنّه، وإذا كان غائبا فسمه.
4 - الاسترسال بالأنس يذهب المهابة.
5 - إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
6 - إن الذي يطلب من فضل يكفي به عياله أعظم من المجاهد في سبيل الله.
7 - إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلى ولم يزك لم تقبل صلاته، وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله، وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل.
8 - إن الله يبغض القيل والقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال.
9 - إن العابد من بني إسرائيل لم يكن عابدا حتى يصمت عشر سنين، فإذا صمت عشر سنين كان عابدا. 10 - إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، ومحكما كمحكم القرآن، فردوامتشابهها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.
11 - إن للقلوب إقبالا وإدبارا، ونشاطا وفتورا، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلت وملت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها.
12 - أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم ولد فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا، وقد سلم الله على يحيى وعيسى (عليهما السلام) في هذه الثلاثة مواطن، فقال في يحيى: *(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)*(1)، وفي عيسى: *(والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا)*(2).
13 - الإيمان أربعة أركان: التوكل على الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والتفويض إلى الله.
14 - التودد إلى الناس نصف العقل.
15 - ثلاث من سنن المرسلين: العطر، وإحفاء الشعر، وكثرة الطروقة.
16 - خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته (3)، والكرم في طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة لربه.
17 - السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه، والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه.
18 - صاحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرز، والعامة بالبشر.
19 - صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله.
20 - صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله.
21 - صل رحمك ولو بشربة من الماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها، ففي كتاب الله: *(ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)*(4).
22 - الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير.
23 - طوبى لمن شغل قلبه بشكر النعمة.
24 - عليكم بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله).
25 - عليكم بسلاح الأنبياء. قيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء.
26 - عونك للضعيف أفضل من الصدقة.
27 - كفاك ممن يريد نصحك بالنميمة، ما يجد من سوء الحساب في العاقبة.
28 - لا تمارين العلماء فيرفضوك، ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك.
29 - لا يتم عمل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه، والخمول أشهى إليه من الشهرة. ثم قال: العاشرة وما العاشرة! قيل له: ما هي؟ قال: لا يرى أحدا إلا قال: هو خير مني وأتقى، إنما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى، ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه.
30 - لا يجمع المال إلا بخصال خمس: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة.
31 - لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوفى ثمن يده أظهر الله عليه.
32 - لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا.
33 - لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي. 34 - لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه، وسنة من نبيه، وسنة من وليه، فأما السنة من ربه فكتمان السر، وأما السنة من نبيه فمداراة الناس، وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء.
35 - لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم، فإن لم يقدر فيوم ويوم لا، فإن لم يقدر ففي كل جمعة.
36 - لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن.
37 - لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم.
38 - ليس الحمية من الشيء تركه، ولكن الإقلال منه.
39 - ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.
40 - ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملول وفاء، ولا لكذوب مروءة.
41 - ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا.
42 - المؤمن إذا غضب لم يخرج عن حق، وإذا رضي لم يدخل في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه.
43 - المسكنة مفتاح البؤس.
44 - من أخلاق الأنبياء التنظف.
45 - من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
46 - من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، وصديق الجاهل في تعب، وأفضل المال ما وقي به العرض، وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه.
47 - من رد متشابه القرآن إلى محكمه، هدي إلى صراط مستقيم.
48 - من رضي من الله عز وجل بالقليل من الرزق، رضي منه بالقليل من العمل.
49 - من السنة إطعام الطعام عند التزويج.
50 - من صدق الناس كرهوه.
51 - من علامات الفقه: الحلم والعلم.
52 - من كثرت محاسنه مدح بها، واستغنى عن التمدح بذكرها.
53 - من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان.
54 - من لم يتابع رأيك في صلاحه لا تصغ إلى رأيه، ومن طلب الأمر من وجهه لم يزل، وإن زل لم تخذله الحيلة.
55 - الناس ضربان: بالغ لا يكتفي، وطالب لا يجد. 56 - يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء، تسعة منها في اعتزال الناس، وواحد في الصمت (5).
أجوبة وأقوال بليغة:
1 - قال إبراهيم بن العباس: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: وقد سأله رجل: أيكلف الله العباد ما لا يطيقونه؟ فقال الإمام الرضا (عليه السلام): هو أعدل من ذلك. فقال: فيقدرون على كل ما يريد؟ فقال: هم أعجز من ذلك (6).
2 - سأل الفضل بن سهل الإمام عليا الرضا بن موسى (عليه السلام) في مجلس المأمون، فقال: يا أبا الحسن، الخلق مجبرون؟ قال الإمام الرضا (عليه السلام): الله تعالى أعدل من أن يجبر، ثم يعذب. قال الفضل: فمطلقون؟
قال الإمام الرضا (عليه السلام): الله تعالى أحكم من أن يهمل عبده، ويكله إلى نفسه (7).
3 - قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال لي: يا علي، من أحسن الناس معاشا؟ قلت: يا سيدي، أنت أعلم به مني. فقال: يا علي، من حسن معاش غيره في معاشه. يا علي، من أسوأ الناس معاشا؟ قلت: أنت أعلم. قال: من لم يعش غيره في معاشه. يا علي، أحسنوا جوار النعم، فإنها وحشية، ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي، إن شر الناس من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده (8).
4 - وروي عن أحمد بن عمر والحسين بن يزيد النوفلي أنهما قالا: دخلنا على الرضا (عليه السلام) فقلنا: إنا كنا في سعة من الرزق، وغضارة من العيش، فتغيرت الحال بعض التغير، فادع الله أن يرد ذلك إلينا. فقال (عليه السلام): أي شيء تريدون، تكونون ملوكا؟ أيسركم أن تكونوا مثل طاهر وهرثمة، وإنكم على خلاف ما أنتم عليه؟ فقلت: لا والله، ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه. فقال (عليه السلام): إن الله يقول: *(... إعملوا آل داود شكرا وقليل من عباديالشكور)*(9) أحسن الظن بالله، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته، ونعم أهله، وبصره الله داء الدنيا ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام (10).
5 - عن عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه)، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم: أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومرهم بالصدق في الحديث، وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت، وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة فإن ذلك قربة إلي، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين (11).
6 - وسئل (عليه السلام) عن السفلة، فقال: من كان له شيء يلهيه عن الله.
7 - وسأله أحمد بن نجم، عن العجب الذي يفسد العمل. فقال: العجب درجات، منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمتن على الله ولله المنة عليه (12).
8 - وقيل له (عليه السلام): كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل بنا (13).
9 - وقال (عليه السلام) للحسن بن سهل في تعزيته: التهنئة بآجل الثواب، أولى من التعزية على عاجل المصيبة (14).
10 - وسئل (عليه السلام) عن خيار العباد، فقال: خيار العباد الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا (15).
11 - وسئل عن حد التوكل، فقال: أن لا تخاف أحدا إلا الله (16).
12 - حسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، أنه دخل عليه رجل فقال له: يا بن رسول الله، ما الدليل على حدوث العالم؟ قال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك، ولا كونك من هو مثلك (17).
13 - عن الهروي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا. فقلت له: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها للناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا (18).
14 - وعن معمر بن خلاد، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أأدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما، وتصدق عنهما، وإن كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق (19).
15 - وسئل (عليه السلام) عن صفة الزاهد، فقال: متبلغ بدون قوته، مستعد ليوم موته، متبرم بحياته (20).
16 - وسئل (عليه السلام) عن القناعة، فقال: القناعة تجتمع إلى صيانة النفس، وعز القدر، وطرح مؤن الاستكثار، والتعبد لأهل الدنيا. ولا يسلك طريق القناعة إلا رجلان: إما متعلل يريد أجر الآخرة، أو كريم متنزه عن لئام الناس (21).
17 - امتنع عنده رجل من غسل اليد قبل الطعام، فقال: اغسلها، فالغسلة الأولى لنا، وأما الثانية فلك، فإن شئت فاتركها (22).
18 - أدخل رجل إلى المأمون أراد ضرب رقبته والرضا (عليه السلام) حاضر، فقال المأمون: ما تقول فيه يا أبا الحسن؟ فقال: أقول: إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا، فعفا عنه (23).
19 - وروي عن بعض أصحابه، قال: دخلت عليه بمرو، فقلت: يا بن رسول الله، روي لنا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: لا جبر ولا تفويض، أمر بين أمرين ، فما معناه؟ قال: من زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك. فقلت: يا بن رسول الله، فما أمر بين أمرين: قال: وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه (24).
20 - وسئل (عليه السلام) عن أدنى المعرفة، فقال: الإقرار بأنه لا إله غيره، ولا شبه له، ولا نظير له، وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد، وأنه ليس كمثله شيء (25).
21 - وسئل (عليه السلام): ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ قال: لأنهم خلوا بالله، فكساهم الله من نوره (26).
22 - قال الفضل: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يونس بن عبد الرحمن يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب؟ قال (عليه السلام): لا، ما أصاب، إن الله يعطي من يشاء، فمنهم من يجعله مستقرا فيه، ومنهم من يجعله مستودعا عنده، فأما المستقر فالذي لا يسلب الله ذلك أبدا، وأما المستودع فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه (27).
23 - وقال صفوان بن يحيى: سألت الرضا (عليه السلام) عن المعرفة، هل للعباد فيها صنع؟ قال (عليه السلام): لا، قلت: لهم فيها أجر؟ قال (عليه السلام): نعم، تطول عليهم بالمعرفة، وتطول عليهم بالصواب 24 - وقال (عليه السلام) لأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري: يا داود، إن لنا عليكم حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن لكم علينا حقا، فمن عرف حقنا وجب حقه، ومن لم يعرف حقنا فلا حق له.(28)
25 - وقال (عليه السلام) لأبي هاشم الجعفري: يا أبا هاشم، العقل حباء من الله، والأدب كلفة، فمن تكلف الأدب قدر عليه، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا (29).
26 - وقال له ابن السكيت: ما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (عليه السلام): العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه. فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب (30). هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر هذا الإمام العظيم الذي ملأ الدنيا حكمة وموعظة، وفاض عليها ندى وأدبا وكرما، وخير سبيل لنا هو أن نرتشف من معين هذه الحكم البليغة، ونتزود منها قولا وعملا، ونتجمل بها ليوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
ما نسب إليه (عليه السلام) من الشعر:
1 - عن إبراهيم الحسني، أنه قال: بعث المأمون إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جارية، فلما أدخلت عليه اشمأزت من الشيب، فلما رأى كراهيتها ردها إلى المأمون، وكتب إليه بهذه الأبيات:
نعى نفسي إلى نفسي المشيب * وعند الشيب يتعظ اللبيب
فقد ولى الشباب إلى مداه * فلست أرى مواضعه تؤوب
سأبكيه وأندبه طويلا * وأدعوه إلي عسى يجيب
وهيهات الذي قد فات منه * وتمنيني به النفس الكذوب
وراع الغانيات بياض رأسي * ومن مد البقاء له يشيب
أرى البيض الحسان يحدن عني * وفي هجرانهن لنا نصيب فإن يكن الشباب مضى حبيبا * فإن الشيب أيضا لي حبيب
سأصحبه بتقوى الله حتى * يفرق بيننا الأجل القريب (31)
2 - وفي (الاختصاص): كتب المأمون إلى الرضا (عليه السلام): عظني. فكتب إليه (الأبيات الآتية). وفي (العيون) بسنده عن المغيرة: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول:
إنك في دنيا لها مدة * يقبل فيها عمل العامل
أما ترى الموت محيطا بها * يصلب فيها أمل الآمل
تعجل الذنب بما تشتهي * وتأمل التوبة من قابل
والموت يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العاقل (32)
3 - وروى الصدوق في (العيون) بسنده عن أحمد بن الحسين كاتب أبي الفياض، قال: حضرنا مجلس علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فشكا رجل أخاه فأنشأ الرضا (عليه السلام) يقول:
اعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغط على عيوبه
واصبر على بهت السفيه * وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم إلى حسيبه (33)
4 - وروى الصدوق بالإسناد عن الهروي، قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي (رحمه الله) على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له: يا بن رسول الله، إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك. فقال (عليه السلام): هاتها، فأنشده: مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات فلما انتهى إلى قوله: وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات فقال له الرضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا بن رسول الله. فقال (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * توقد بالأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات
فقال دعبل: يا بن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال الرضا (عليه السلام): قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس، كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له (34).
5 - وله (عليه السلام) أورده ابن شهرآشوب في (المناقب):
لبست بالعفة ثوب الغنى * وصرت أمشي شامخ الرأس
لست إلى النسناس مستأنسا * لكنني آنس بالناس
إذا رأيت التيه من ذي الغنى * تهت على التائه باليأس
وما تفاخرت على معدم * ولا تضعضعت لإفلاس (35)
ما أنشده أو تمثل به من الشعر:
1 - في كتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن موسى بن محمد المحاربي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: قال لي المأمون: هل رويت شيئا من الشعر؟ قلت:
رويت منه الكثير. قال: أنشدني أحسن ما رويته في الحلم. فأنشدته:
إذا كان دوني من بليت بجهله * أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل
وإن كان مثلي في محلي من النهى * أخذت بحلمي كي أجل عن المثل
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى * عرفت له حق التقدم والفضل
قال المأمون: من قائله؟ قلت: بعض فتياننا. قال: فأنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل، وترك عتاب الصديق. فقلت:
إني ليهجرني الصديق تجنبا * فأريه أن لهجره أسبابا
وأراه إن عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا ابتليت بجاهل متحلم * يجد المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
فقال: من قائله؟ قلت: بعض فتياننا. قال: فأنشدني أحسن ما رويته في استجلاب العدو حتى يكون صديقا. فقال (عليه السلام):
وذي غلة سالمته فقهرته * فأوقرته مني بعفو التجمل
ومن لا يدافع سيئات عدوه * بإحسانه لم يأخذ القول من عل
ولم أر في الأشياء أسرع مهلكا * لغمرقديم من وداد معجل
2 - وفي (عيون الأخبار) بسنده عن محمد بن يحيى بن أبي عباد، عن عمه، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يوما ينشد شعرا، وقليلا ما كان ينشد شعرا:
كلنا نأمل مدا في الأجل * والمنايا هي آفات الأمل
لا يغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل
إنما الدنيا كظل زائل * حل فيه راكب ثم رحل
3 - وفي (العيون) بسنده عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:
خلقت الخلائق في قدرة * فمنهم سخي ومنهم بخيل
فأما السخي ففي راحة * وأما البخيل فشؤم طويل (36)
4 - وفي (العيون) بسنده عن الريان بن الصلت، قال: أنشدني الرضا (عليه السلام) لعبد المطلب:
يعيب الناس كلهم زمانا * وما لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بنا هجانا
وإن الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا عيانا
لبسنا للخداع مسوك طيب * فويل للغريب إذا أتانا (37)
5 - وبسنده عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال: كان الرضا (عليه السلام) ينشد كثيرا:
إذا كنت في خير فلا تغترر به * ولكن قل: اللهم سلم وتمم (38)
6 - وفي (المناقب) عن كتاب (الشعراء) أنه كان (عليه السلام) يتمثل: تضئ كضوء السراج السلي* - ط لم يجعل الله فيه نحاسا (39)
7 - وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن معمر بن خلاد وجماعة، قالوا: دخلنا على الرضا (عليه السلام)، فقال له بعضنا: جعلني الله فداك، ما لي أراك متغير الوجه؟ فقال (عليه السلام): إني بقيت ليلتي ساهرا متفكرا في قول مروان بن أبي حفصة (هو مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة، شاعر، كان جده أبو حفصة مولى لمروان بن الحكم، أعتقه يوم الدار، واتصل مروان بالعباسيين، فمدح المهدي والرشيد، وجمع ثروة طائلة من الجوائز والهبات، قيل: كان بنو العباس يعطونه بكل بيت يمدحهم به ألف درهم، وكان يتقرب إليهم بهجاء العلويين، توفي في بغداد سنة 182 ه.)(40):
أنى يكون وليس ذاك بكائن * لبني البنات وراثة الأعمام (41) ثم نمت فإذا أنا بقائل قد أخذ بعضادتي الباب وهو يقول:
أنى يكون وليس ذاك بكائن * للمشركين دعائم الإسلام
لبني البنات نصيبهم من جدهم * والعم متروك بغير سهام
ما للطليق وللتراث وإنما * سجد الطليق مخافة الصمصام (42)
قد كان أخبرك القرآن بفضله * فمضى القضاء به من الحكام
إن ابن فاطمة (43) المنوه باسمه * حاز الوراثة عن بني الأعمام
وبقي ابن نثلة واقفا مترددا * يرثي ويسعده ذوو الأرحام (44)
8 - وكان (عليه السلام) يتمثل: وإن الضغن بعد الضغن يفشو * عليك ويخرج الداء الدفينا (45)
المصادر :
1- مريم: 15.
2- مريم: 33.
3- الأرومة: الأصل.
4- البقرة: 264.
5- تحف العقول، بحار الأنوار، الخصال، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الكافي، التهذيب، كشف الغمة 3: 78.
6- كشف الغمة 3: 96.
7- تحف العقول: 448.
8- سبأ: 13.
9- تحف العقول: 448.
10- بحار الأنوار 74: 230 / 27.
11- تحف العقول: 442.
12- تحف العقول: 444.
13- تحف العقول: 446.
14- بحار الأنوار 78: 353.
15- تحف العقول: 445.
16- تحف العقول: 445.
17- كشف الغمة 3: 76.
18- بحار الأنوار 2: 30 / 13.
19- الكافي 2: 159 / 8.
20- كشف الغمة 3: 96.
21- كشف الغمة 3: 97.
22- كشف الغمة 3: 97.
23- كشف الغمة 3: 97.
24- كشف الغمة 3: 99.
25- كشف الغمة 3: 76.
26- المجالس السنية 5: 567.
27- تحف العقول: 444.
28- تحف العقول: 444.
29- تحف العقول: 446.
30- تحف العقول: 448.
31- عيون الأخبار 2: 178 / 8، عنه البحار 49: 164 / 4، العوالم 22: 289 / 1، إعلام الورى: 338 - 339.
32- الاختصاص: 94، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 176 / 3، بحار الأنوار 49: 110 / 4، و112 / 11.
33- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 176 / 4، بحار الأنوار 49: 110 / 5.
34- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 263 / 34، كمال الدين: 373 / 6، بحار الأنوار 49: 239 / 9.
35- المناقب 4: 361، بحار الأنوار 49: 112 / 10.
36- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 177 / 6، بحار الأنوار 49: 111 / 7.
37- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 177 / 5، بحار الأنوار 49: 111 / 8.
38- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 178 / 9، بحار الأنوار 49: 111 / 9.
39- المناقب 4: 338.
40- الأغاني 9: 34، تأريخ بغداد 13: 142، الوافي بالوفيات 24: 158، معجم المؤلفين 12: 221، الأعلام للزركلي 7: 208.
41- يريد في هذا البيت الانتصار للعباسيين في أن العباس أحق بوراثة النبي (صلى الله عليه وآله) من أولاد الزهراء (عليها السلام).
42- الصمصام: السيف، والمراد بالطليق: العباس حيث أسر يوم بدر.
43- يريد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
44- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 175 - 176 / 2، بحار الأنوار 49: 109 / 3، وابن نثلة هو العباس أيضا، ونثلة أمه.
45- المناقب 4:
source : rasekhoon