يجب على المبلِّغ الّذي يصبّ كلّ جهده في تبليغ الإسلام أن يتّصف بالصفات الحسنة والفضائل النبيلة، وهذه الصفات على أقسام ثلاثة:
القسم الأوّل: الصفات الأخلاقية
فإنّ الأخلاق ميزان الشخصية الإسلاميّة وبها نستطيع نشر الإسلام ولو فكرياً، وأهم هذه الصفات:
1- الإخلاص: تتفاوت قيم الأعمال، بتفاوت غاياتها والبواعث المحفّزة عليها. وكلّما سمت الغاية، وطهرت البواعث من شوائب الغشّ والتدليس والنفاق، كان ذلك أزكى لها، وأدعى إلى قبولها لدى المولى عزّ وجلّ. وليس الباعث في الشريعة الإسلاميّة إلّا النيّة المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الإخلاص لله تعالى، وصفت من كدر الرياء نبلت وسعدت بشرف رضوان الله وقبوله، ومتى شابها الخداع والرياء، باءت بسخطه ورفضه. لذلك كان الإخلاص حجراً أساساً في كيان العقائد والشرائع.
فالإخلاص هو صفاء الأعمال من شوائب الرياء، وجعلها خالصة لله تعالى، وهو قوام الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحّة الأعمال وقبولها لدى المولى عزّ وجلّ. وقد مجّدته الشريعة الإسلاميّة، ونوّهت بفضله، وشوّقت إليه، وباركت جهود المتحلّين به في عدّة من الآيات والأخبار.
قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾(1).
وعن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الدنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، والعلم كلّه جهل إلّا ما عمل به، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصاً، والإخلاص على خطر، حتّى ينظر العبد بما يُختم له"(2).
ولا شكّ بأنّ ما يقوم به المبلِّغ في تبليغ أحكام الدِّين، وتربية المجتمع على قيم السماء هو وظيفة شرعية مقدّسة تنطلق من وجوب تعليم الأحكام الشرعية، وبيان أصول العقيدة، وبثّ روح الأخلاق الإسلاميّة بين الناس، وهو ما يحتاج إلى درجة عالية من الصفاء والإخلاص بحجم الأمانة الّتي يحملها.
2- التوكّل على الله تعالى: التوكّل هو الثقة بالله عزّ وجلّ، والركون إليه، والتوكّل عليه دون غيره من سائر الخلق والأسباب، باعتبار أنّه تعالى هو مصدر الخير، ومسبّب الأسباب، وأنّه وحده المُصرّف لأمور العباد، والقادر على إنجاح غاياتهم ومآربهم. وانقطاع العبد في جميع ما يأمله من المخلوقين، والاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور، وتفويضها إليه، والإعراض عمّا سواه، وباعثه قوّة القلب واليقين، وعدمه من ضعفهما أو ضعف القلب، وتأثّره بالمخاوف والأوهام.
والتوكّل هو من دلائل الإيمان، وسمات المؤمنين ومزاياهم الرفيعة، الباعثة على عزّة نفوسهم، وترفّعهم عن استعطاف المخلوقين، والتوكّل على الخالق في كسب المنافع ودَرء المضار.
وقد تواترت الآيات والآثار في مدحه والتشويق إليه: قال تعالى:﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾(3) وقال: ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾(4).
وللتوكّل أركان أربعة يذكرها الإمام الخمينيّ قدس سره في "الأربعون حديثاً" هي:
- إنّ الحقّ تعالى عالم بحاجات العباد.
- إنّه تعالى قادر على تلبية تلك الحاجات.
- إنّه ليس في ذاته المقدّسة بخل.
- إنّ الله رحيم بالعباد رؤوف بهم(5).
وليس معنى التوكّل إغفال الأسباب والوسائل الباعثة على تحقيق المنافع، ودرء المضار، وأن يقف المرء إزاء الأحداث والأزمات مكتوف اليدين. وليس هو الاعتماد التامّ على الأسباب والوسائل وحدها، بل هذا نوع من الشرك الناتج عن ضعف الإيمان والثقة بالله تعالى.
فلا بُدّ لتحقيق التوكُّل من الأخذ بأسباب الحياة والالتزام بقوانينها، بالاستفادة من الأسباب الطبيعية، والوسائل الظاهرية لتحقيق أهدافه ثمّ نتوكَّل على الله تعالى ونطلب منه أن يمدّنا بالتوفيق والعناية والعطاء الغيبيّ.
وبما أنّ التوكّل هو صفة إيمانية أساس تُعزّز العلاقة بالله تعالى، ما يعني أنه سينتج عنها الثقة والعزّة والثبات والقوّة، وينعكس نجاحاً وتوفيقاً في العمل ـ التبليغي وغيره ـ على مستوى الدنيا، وثواباً وفوزاً في الآخرة، فكيف إذا كان هذا العمل هو تبليغ دين الله تعالى؟
3- الشجاعة: هي من الصفات النفسيّة المطلوبة للمبلِّغ ليُكمل مسيرته رغم الظلم والكفر الّذي يواجهه، فإنّ هذه التيارات القويّة بحاجة إلى قوّة أخرى أقوى منها لتسيطر عليها. فالضعف والهوان يؤدّيان إلى إيقاف عملية التبليغ أو إبطائها فلا بدَّ من الشجاعة.
4- الصدر الواسع: تُعتبر رحابة الصدر من الصفات المهمّة، لأنّ المبلِّغ يواجه كثيراً من أصناف الناس أصحاب الكِبر الّذين هم بحاجة إلى من يستوعب عقولهم وأفكارهم. وهنا عليه أن ينظر إلى سيَر الأنبياء عليهم السلام والنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام فهم رغم الأذى الّذي لحقهم فتحوا صدورهم لجمع الناس تحت راية الإسلام.
وقد طلب النبيّ موسى عليه السلام ـ حين أمره الله بالتبليغ ـ أن يشرح الله صدره: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾(6)
5- الصبر: لا بدَّ للمبلِّغ من أن يكون صابراً في جنب الله عزّ وجلّ، سواء على نفس عمليّة التبليغ أم على المشاكل والمصاعب الّتي يُمكن أن تواجهه في مسيرته.
إنّ الصبر الّذي امتاز به الأنبياء أولو العزم والذي ذكره الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(7) ، لم يكن صبراً على بلاء شخصيّ، إنّما كان صبراً على صعوبات العمل المختلفة، ولهذا فقد كان ميّزة الأنبياء "أولي العزم" الّذين فضّلوا على سائر الأنبياء أنّهم "أولو عزم". وقد تكون دلالة هذا الوصف واضحة على رباطة جأشهم، وسعة تحمّلهم، وقوّة شخصيّتهم أمام المشكلات.
وقد أمر الله تعالى بالتحلّي بهذه الصفة المهمّة جدّاً في قوله سبحانه: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾(8). فأنت تُلاحظ أنَّ الصبر هنا هو الصبر على نفس العمل. كما أمر الله تعالى نبيّه في موضع آخربقوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾(9). وأنت تُلاحظ أنّ الصبر هنا هو الصبر على الآخرين.
والمبلِّغ الدِّينيّ الّذي يُريد أن يؤدّي رسالة الله إلى الناس يجب أن يستعدّ لصنوف الأذى سواءاً من الأصدقاء لجهلهم، أو اختلاف أمزجتهم وتنوّع آرائهم، أو لصدقهم في النصيحة له وتقويمه وإرشاده أم من الأعداء بمختلف مستوى عدائهم في الدِّين أو المذهب أو الطريقة أو المصلحة.
6- الصدق: من أهمّ الصفات الأخلاقية العامّة هي الصدق سواء على المستوى النظريّ أم على المستوى العمليّ. فالصدق باللسان لا بدَّ وأن يُترجم عملياً ليكون الكلام أكثر فائدة وإلا خرج عن مقصوده ومبتغاه. وهنا يجب على المبلِّغ الابتعاد عن الأمور المشكوكة والموهومة.
7- الرفق والحرص والمحبّة: الرفق واللين من الصفات الّتي تظهر على الشخصية عملياً. وهنا المبلِّغ عليه التحلّي أكثر بمثل هذه الصفات الّتي لها دور واسع في احتكاكه بالناس وتواصله معهم. فالمبلِّغ يدعو للإسلام بوجوده قبل لسانه، ولهذا كان الحرص على الناس وإضمار المحبّة لهم من الصفات الأساس الّتي يجب التحلّي بها. ولقد وصف الله تعالى نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالقول: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾(10) ، ما يُدلّل على أنَّ أهمَّ خاصيّة للمبلِّغ الدِّينيّ الّذي يُريد أن يرث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويؤدّي أمانته الحرص على الناس، واستشعار روح الخدمة لهم، ومحبتهم، والرفق بهم.
فهو إنّما نصّب نفسه هادياً ومرشداً ودليلاً إلى الجنّة، وإلى الرحمة الإلهية، وإلى النجاة من النار، فلا بد أن يدرك موقعه هذا وما يتطلّبه منه من روح رؤوفة عطوفة، وشعور كبير بالحنان على الناس. ونحن هنا لا نُريد أن نتحدّث عن كيفيّة التعامل مع الناس، فقد يأتي هذا الحديث في فصل لاحق، إنّما نتحدّث عن المنطلقات النفسية في عملية التبليغ، والمشاعر الوجدانية للمبلِّغ الدِّينيّ. يقول الإمام علي عليه السلام: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً..."(11).
ولا بدَّ أن يشعر في عمق وجدانه أنّه مؤتمن على هؤلاء الناس، وأنّه قد استُودِعَ دينهم، وأعراضهم، وأموالهم، وأنَّ الشريعة الإسلاميّة قد وضعته في موضع الراعي المؤتمن على الرعية.
8 - التواضع: يُعتبر التواضع كذلك من الصفات الأكثر حاجة من غيرها لأنّها تمسّ الواقع مباشرة، فإنّ حبّ الناس والتعاطي معهم يُلزم المبلِّغ أن يكون متواضعاً، ليُشارك الناس في أمور حياتهم ولا يكون مترفّعاً عنهم، لأنّ ذلك يؤدّي إلى نفور الناس منه وعدم تقرّبهم إليه. وتوجد هناك صفات أخلاقية أخرى، وإنّما ذكرنا هنا ما رأيناه يتعلّق مباشرة بعملية التبليغ.
القسم الثاني: الصفات العلميّة
من الصفات العلميّة الّتي ينبغي على المبلِّغ أن يتحلّى بها:
1- التفقّه في الدِّين:
أن يكون المبلِّغ فقيهاً في دين الله عزّ وجلّ، يُبلِّغ الإسلام الصحيح. وليس المقصود هنا هو الوصول لمرحلة ما يُسمّى بالاجتهاد بل المقصود هو فهم الدِّين على الوجه الصحيح، لأنّ الفهم الخاطىء للإسلام ينعكس على طريقة وأسلوب ووسيلة تقديمه للآخرين. فمثلاً إذا أراد المبلِّغ أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا بدَّ وأن يكون عالماً بموارد المعروف وموارد المنكر، وإلّا ذهب إلى غير طريق وسلك وادياً لا يسلكه إلّا أصحاب البدع والجهل.
2- دوام التحصيل: إنّ التحصيل المستمرّ هو من الضروريات الأساس للمبلِّغ وذلك زيادة لقدراته العلمية والعمليّة. والتبليغ يجب أن يُواكب الزمان والمكان فالعلم يكون كلّ يوم في نمو وتطوّر مستمرّ فعليه أن يكون دائماً على متابعة علمية لكلّ الأفكار الّتي تُطرح وتنتج سواء على المستوى الإسلاميّ أو باقي الثقافات الأخرى.
3- المعرفة بالزمان والمكان: على المبلِّغ أن يكون صاحب زمانه وعارفاً مكانه، لا تختلط عليه الأمور، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "حسب المرء.. من عرفانه، علمه بزمانه"(12).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس"(13).
القسم الثالث: الصفات العملية
من الصفات العملية الّتي ينبغي على المبلِّغ مراعاتها:
1- القدوة الحسنة:
إنَّ أوّل ما يلزم على المبلّغ الدِّينيّ أن يتحلّى به هو التوافق بين قوله وفعله، فهو واعظ بسلوكه قبل أن يكون واعظاً بلسانه، وبذلك يمتلك التأثير على الناس وتكون كلمته نافذة إلى قلوبهم. وفي هذا يقول الإمام عليّ عليه السلام: "من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه"(14).
وليكن واضحاً أنّ هذا الحديث الشريف لا يختصّ بمقامات الإمامة العليا، وإنّما يشمل كلّ من نصّب نفسه قدوة ومرشداً وهادياً للناس.
2ـ الزهد في الدنيا:
لا يصحّ أن يتطلّع المبلِّغ الدِّينيّ الّذي يرجو ثواب الله والدار الآخرة لما في أيدي الناس، ويستهويه حطام الدنيا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه لعلي عليه السلام: "لَئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس"(15).
وقد خاطب الله تعالى نبيّه بالقول "﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾(16). ومن المفيد أن نقرأ هنا رواية عن المفضّل وهو أحد أصجاب الإمام الصادق عليه السلام يقول: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام بالطواف فنظر إليَّ وقال لي: يا مفضّل ما لي أراك مهموماً متغيّر اللون؟ فقال: فقلت له جعلت فداك، بنظري إلى بني العبّاس وما في أيديهم من هذا الملك والسلطان والجبروت، فلو كان ذلك لكم لكنّا فيه معكم. فقال: "يا مفضّل أمّا لو كان ذلك لم يكن إلا سياسة الليل وسياحة النهار، أكل الجشب ولبس الخشن شبه أمير المؤمنين عليه السلام وإلّا فالنار"(17). ومفهوم منه أنّه لو كان الملك إليهم لم يتركوا عبادة الليل والعمل في النهار بعيداً عن الترف والنعيم.
3ـ الانطلاق من قضية أداء التكليف:
يجب أن يستشعر المبلِّغ أنّه إنّما يؤدّي وظيفته الشرعية، وتكليفه الإلهيّ. هذا الشعور سوف يجنّبه حالة الامتنان على الناس، كما سيجنّبه حالة التعب والملل، ويساعد على الصبر ومواصلة الطريق.
وقد أرشد الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يستشعر هذه الحالة دائماً حتّى لا ينهار ولا يضيق صدره ولا تذهب نفسه حسرات حينما يصطدم ببعض الواقع المرّ.
قال تعالى:﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾(18).
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾(19).
﴿طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾(20).
هكذا المبلِّغ الدِّينيّ، فهو حينما يُمارس دوره التبليغيّ إنّما يؤدّي وظيفته الشرعية ويجهد في أدائها بأحسن وجه وليس عليه بعد ذلك أن ينجح، بل ربّما يستشهد ويُقتل.
إنَّ هذا الاحساس والانطلاق من منطلق "أداء التكليف" سوف ينعكس على طبيعة ممارسته التبليغيّة، فهو لا يوغل في التشديد على الناس ومطاردتهم ومخاصمتهم لأنّه ليس مسؤولاً إلّا عن إبلاغ الرسالة وإيصال كلمة الحقّ.
وقد كان الإمام الصادق عليه السلام يوصي أصحابه بذلك قائلاً: "ولا تُخاصموا بدينكم الناس فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ الله عزّ وجلّ قال لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ وقال: ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾"(21).
4ـ الأمانة على الشريعة:
ولا بدَّ أن يستشعر المبلِّغ الدِّينيّ ويرسّخ ذلك في أعماقه أنّه أمين على الشريعة، مسؤول عن إبلاغها للناس بأحسن وجه، انطلاقاً من قوله ص: "الفقهاء أمناء الرسل"(22) ، وانطلاقاً من قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾(23).
فالمبلِّغ الدِّينيّ إنّما يُبلِّغ الناس ما تعلّمه من أحكام الشريعة ومعتقدات الرسالة الإسلاميّة الخاتمة.
إنَّ هذا الشعور بالأمانة يجب أن يدعوه للمزيد من الدقّة في النقل، والنصح في الأداء وإبلاغ الأمانة بأحسن وجه بعيداً عن التساهل والتسامح والتهاون. لقد أكّد الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تمثّل هذه الصفة، واستشعار روح الأمانة على الشريعة والرسالة قائلاً:
﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ﴾(24).
﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ﴾(25).
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾(26).
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾(27).
وهكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم أمين الله على وحيه، وكان "لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى".
ولهذا نقرأ في زيارته صلى الله عليه وآله وسلم: "أشهد أنَّك قدْ بلّغت رسالات ربّك ونصحت لأمّتك"(28).
والمبلِّغ الدِّينيّ مؤتمن على مصالح المسلمين أيضاً. فهو في موقع الممثِّل والوكيل عن الولاية الشرعية ويجب أن يُعطي الناس الموقف الدِّينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ الصحيح في مختلف الأمور.
وإذا كان الناس قد أُمروا بالرجوع إلى العلماء، كما جاء في الحديث الشريف المروي عن صاحب العصرعجل الله تعالى فرجه الشريف " أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا"29 فإنَّ المبلِّغ الدِّينيّ ينبغي أن يجتهد في تقديم الموقف الصحيح للناس لأنَّه أمين عليهم وأمين على الشريعة ونائب عن القيادة الشرعيّة، وعن وليّ الله الأعظم أرواحنا له الفداء.
وهكذا يكون المبلِّغ الدِّينيّ أميناً على الثورة الإسلاميّة، وعلى دماء الشهداء، ودماء العلماء الصالحين، لأنّه خليفتهم في مواصلة الطريق وحمل لواء الثورة، ومشعل الهداية.
وهو أمين بذلك على الحركة الجهادية وما رافقها من تضحيات، وصبر، وبطولات، وسجون، وكل ما تبعها من أيتام، وحركة هجرة، وغربة، وغير ذلك.
خلاصة
- من صفات المبلِّغ الأخلاقية: الإخلاص، التوكّل على الله تعالى، الشجاعة، الصدر الواسع، الصبر، الصدق، الرفق والحرص والمحبّة، التواضع .
- من صفات المبلِّغ العلميّة: التفقّه في الدِّين، دوام التحصيل، المعرفة بالزمان والمكان .
- من صفات المبلِّغ العمليّة: القدوة الحسنة، الزهد في الدنيا، الانطلاق من قضية أداء التكليف، الأمانة على الشريعة .
المصادر :
1- سورة الكهف، الآية: 110
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 253
3- سورة الطلاق، الآية: 3
4- سورة آل عمران، الآية: 159
5- الأربعون حديثاً ، الإمام الخميني، ص209
6- سورة طه، الآيات: 25ـ 28
7- سورة الأحقاف، الآية: 35
8- سورة الكهف، الآية: 28
9- سورة المزمل، الآية: 10
10- سورة التوبة، الآية: 128
11- نهج البلاغة، الكتاب: 53
12- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 4، ص 153
13- م. ن، ج 4، ص 153
14- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 16، ص 151
15- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 32، ص 448
16- سورة طه، الآية: 131
17- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج52، ص 239
18- سورة البقرة، الآية: 272
19- سورة القصص، الآية: 56
20- سورة طه، الآيتان: 1ـ 2
21- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 166
22- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 2، ص 36
23- سورة التوبة، الآية: 122
24- سورة آل عمران، الآية: 20
25- سورة الرعد، الآية: 7
26- سورة المائدة، الآية: 67
27- سورة الحاقة، الآية: 44 - 45
28- مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص
source : rasekhoon