عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

الدعاء في القرآن الكريم‏

الدعاء في القرآن الكريم‏



الدعاء في القرآن الكريم‌

يقول نبع الفيض اللانهائي، والبحر الذي لا آخر له ولا أول، والنور الذي لا

رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل للعلامة انصاریان، ص: 16

ظلمة معه، ينبوع الحكمة، رب العزّة، في كتابه المنزل، مخاطباً نبيّه المرسل:
 «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ» «1».
اخبرهم يا رسولي يا نبي الرحمة للعالمين ان اللَّه ربّكم لا يكترث لكم إلّا عند ما تدعونه وتسألونه؛ فالدعاء اذن الأداة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نرتبط باللَّه عزوجل.
ومن خلال الدعاء تتدفق الرحمة الالهية نحونا، نظرة من اللَّه سبحانه وحدها تقشع عنا الشقاء وتبسط أمامنا مائدة مفعمة باللذة والسعادة والبركة والنماء.
يقول حبيب المحبّين، معشوق العاشقين، وأنيس الذاكرين، وجليس الشاكرين، ونصير المستضعفين في قرآنه الكريم:
 «وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ» «2».
أجل لا يوجد شي‌ء أقرب إلى الانسان من ربه، إنه قريب جداً وهل هناك من هو أقرب له ممن أوجده ومنحه نعمة الحياة والوجود؟!
اللَّه سبحانه الذي أودع الانسان في رحم أمه جنيناً، ثم أخرجه إلى النور من ظلمات ثلاث، ثم إذا به وهو يفتح عينيه على الدنيا يجد مائدة الوجود الحافلة بكل النعم المادية والروحية، وإذا هو الكائن الذي يجد حوله من الموجودات في خدمته مسخرة له، ثم بعث له الأنبياء والرسل من أجل هدايته وارشاده إلى طريق السعادة في الدارين. في دار الدنيا ودار الآخرة، وأنزل عليه القرآن الكريم كتاباً عزيزاً يضي‌ء له الطريق ونصب له نجوم الهداية وهم أئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام يدلّونه إلى معين الخير والسعادة والخلود؛ اللَّه سبحانه هو وحده‌
______________________________
 (1)- سورة الفرقان: 77.
 (2)- سورة البقرة: 186.

رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل للعلامة انصاریان، ص: 17

الذي يطعم عبده الجائع ويسقي عباده الظامئين يشفي المرضى ويعين البائسين يبدد وحشة المرء بزوجة تؤنسه وأبناء يتوددون له وأصدقاء يخلصون وأحباء يحنون إليه.
اللَّه سبحانه الذي يكسو الحفاة والعراة ويوقد شعلة الحب في قلوب عباده المؤمنين، ويرفع عنهم الأغلال التي يضعها الخاطئون من البشر ممن يغويهم الشيطان.
اللَّه سبحانه هو وحده مصدرالعزة والكرامة وفي عبادته وحده تكمن الحريّة.
اللَّه وحده هو خالق كل شي‌ء وهو وحده القادر على كل شي‌ء. أجل هو وحده الذي يراقب الأعماق وهو وحده الذي يعرف حاجات عباده وما ينشدون.
قال اللَّه تبارك وتعالى:
 «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» «1».
والأنبياء وهم مثال الانسانية ونموذجها الاسمي في البصيرة والحكمة والنبل والاخلاق الرفيعة، كانوا متعلقين بأدب الدعاء، قلوبهم النابضة بالحب تتلقى الاشراق والوعي، تتلقى الفيض الالهي، أرواحهم تسبح في ملكوت اللَّه ونفوسهم تطوف حول عرش اللَّه، وقلوبهم تغتسل بالدعاء والكلمات المقدسة.
أجل الأنبياء والمرسلون تلك هي حياتهم، الصلاة تجري على شفاههم وتمتمات الدعاء تطوف، تنساب من أفواههم، يتقربون إليه عزوجل بالدعاء فتراهم خاشعين في رحابه، خاضعين في حضرته.
انهم يعتبرون الدعاء منطلق النمو للروح وتزكية للقلب، ولا يزيح غبار المادة
______________________________
 (1)- سورة ق: 16.

رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل للعلامة انصاریان، ص: 18

المتكاثف عن قلوبهم، الا بالاستحمام في رشاش الكلمات المقدسة التي تسبح بحمد اللَّه.
كانوا صلوات اللَّه عليهم أجمعين واثقين أشدّ الوثوق، مؤمنين أشدّ الايمان انّ اللَّه عزوجل لن يخيبهم ولن يعودوا من حضرته وساحته خائبين.
كانوا متأكدين من استجابة الدعاء فلم يعتور ايمانهم باللَّه شك ولا ريب ولا هم يحزنون.
اللَّه الصمد؛ شعارهم فهم الفقراء في حضرته وهو الغني المطلق الكريم الذي لا يخيب آمليه ولا يطرد عن بابه سائليه.
وهذا القرآن الكريم يروي على لسان سيدنا ابراهيم قوله:
 «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» «1».
الدعاء هو الذي كان وراء ولادة يحيى وقد بلغ الكبر بوالده زكريا ما بلغ حتى اشتعل الشيب في رأسه.
أجل ولد يحيى وكان أبوه شيخاً طاعناً في السن وكانت أمّه عاقراً غير ولود.
لم يشعر زكريا عليه السلام باليأس حتى سمع الملك يخاطبه:
 «يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‌» «2».
والدعاء كان وراء نزول مائدة من السماء عند ما أراد الحواريون أنصار المسيح عليه السلام ذلك فما أن رفع كفّيه إلى السماء طالباً مائدة سماوية الهية تكون لهم عيداً، حتى استجاب اللَّه عزوجل وأنزل عليهم مائدة تزخر بالبركة والخير وكانت‌
______________________________
 (1)- سورة ابراهيم: 39.
 (2)- سورة مريم: 5- 9.

رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل للعلامة انصاریان، ص: 19

كرامة للمسيح عيسى بن مريم عليه السلام‌ «1».
وقد أمر اللَّه عزوجل عباده بالدعاء ودعاهم إلى ذلك ليجسّدوا العبودية له ويعبّروا عن حاجتهم الدائمة إليه.
لا عبادة أرقى وأسمى وأكثر تعبيراً من كلمات خاشعة خاضعة تمتزج بالدموع، تخرج من قلب كسير ونفس تعي بأنها لا شي‌ء وأنها مجرّد صفر أمام الواحد الأحد الفرد الصمد.
أجل لا شي‌ء أجمل من مشهد الانسان وهو يمدّ كفّيه إلى رب الوجود وخالق كل شي‌ء.
نعم الدعاء هو التعبير الكامل الذي يجسّد حالة الانسان المتواضع لسيّده والعبد إلى مولاه والدعاء هو الذي يحطم روح الغرور الفارغ والتكبّر البشري الذي لا يعني شيئاً غير الجهل.
قال اللَّه عزوجل في محكم كتابه:
 «وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ» «2».

رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل للعلامة انصاریان، ص: 19


source : دار العرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الصحابة وتحريم متعة الحج
العتبتان الحسينية والعباسية تستعدان لإقامة ...
لماذا فرض الله صيام 30 يوما على الامه؟؟
المعايير البلاغية عند الامام الصادق(عليه السلام)
لماذا لابدّ من صب اللعن على أعداء الإمام الحسين ...
في قلع الأصنام عن الكعبة
أسماء بنت عميس
البكاء على أهل البيت‏
في الورع و الترغيب منه
لماذا نزل القرآن في ليلة القدر ؟

 
user comment