قال الله تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ و قال الله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ و قال سبحانه أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ و قال تعالى وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً و قال تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً و قال سبحانه يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ، و ما كان الله ليدعو نبيه إلا إلى أمر جليل و فضل جزيل فقد روي عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أنه قال شرف المؤمن صلاته بالليل و عزه استغناؤه عن الناس .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)إذا جمع الله الأولين و الآخرين نادى مناد ليقم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا فيقومون و هم قليلون ثم يحاسب الناس من بعدهم .
و في الحديث الصحيح عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أنه قال إن في جنة عدن شجرة تخرج منها خيل بلق مسرجة بالياقوت و الزبرجد ذوات أجنحة لا تروث و لا تبول يركبها أولياء الله فتطير بهم في الجنة حيث شاءوا قال فيناديهم أهل الجنة يا إخواننا ما أنصفتمونا ثم يقولون ربنا بما ذا أنال عبادك منك هذا الكرامة الجليلة دوننا فيناديهم ملك من بطنان العرش إنهم كانوا يقومون الليل و كنتم تنامون و كانوا يصومون و كنتم تأكلون و كانوا يتصدقون بمالهم لوجه الله تعالى و أنتم تبخلون و كانوا يذكرون الله كثيرا لا يفترون و كانوا يبكون من خشية ربهم و هم مشفقون و كان مما ناجى به الباري تعالى داود (عليه السلام)عليك بالاستغفار في دلج الليل و الأسحار يا داود إذا جن عليك الليل فانظر إلى ارتفاع النجوم في السماء و سبحني و أكثر من ذكري حتى أذكرك يا داود إن المتقين لا ينامون ليلهم إلا بصلواتهم إلي و لا يقطعون نهارهم إلا بذكري يا داود إن العارفين كحلوا أعينهم بمرود السهر و قاموا ليلهم يسهرون يطلبون بذلك مرضاتي يا داود إنه من يصلي بالليل و الناس نيام يريد بذلك وجهي فإني آمر ملائكتي أن يستغفروا له و تشتاق إليه جنتي و يدعو له كل رطب و يابس يا داود اسمع ما أقول و الحق أقول إني أرحم بعبدي المذنب من نفسه لنفسه و أنا أحب عبدي ما يحبني و أستحي منه ما لا يستحي مني وصية يا أخي و اعلم أن الليل و النهار لا يفتران من مسيرهما و إنما يسيران بنقص عمر ابن آدم و هما ساعات و لحظات فإذا لهوة مع سرعةسيرهما لحظة و اشتغلت عن الصلاة و الذكر لحظة أخرى ذهبت ساعات النهار كلها في غفلة ثم جاء الليل فإن نمته كله كنت ممن لا خير فيه ليلا و لا نهارا و من كان هذا حاله فموته خير له من حياته لأنه قد مات قلبه و لا خير في حياة جسد قد مات قلبه و لله در القائل شعرا:
أ يقظان أنت اليوم أم أنت *** نائم و كيف النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرقك *** مدامع عينيك الدموع السواجم
نهارك يا مغرور لهو و غفلة *** و ليلك نوم و الردى لك لازم
و سعيك مما سوف تكره عنده *** و عيشك في الدنيا كعيش البهائم
تسر بما يفنى و تفرح بالمنى *** كما سر باللذات في النوم حالم
فلا أنت في اليقظان يقظان ذاكر *** و لا أنت في النوم ناج و سالم
ثم قال يا جيفة بالليل بطالة بالنهار تعمل عمل الفجار و أنت تطلب منازل الأبرار هيهات هيهات كم تضرب في حديد بارد .
و قد ورد عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)قليل من بني آدم إلا و في غفلة و نقص أ لا ترى إذا نمى له مال بالزيادة فيسر بذلك و هذا الليل و النهار يجريان بطي عمره فلا يهمه ذلك لا يحزنه و ما يغني عنه مال يزيد و عمر ينقص و قد قيل لرجل أن فلانا استفاد مالا فقال له فهل استفاد أياما يتفقه فيها و قيل إن لله ملكا ينادي يا أبناء الخمسين زرع قد دنا حصاده و يا أبناء الستين ما ذا قدمتم لأنفسكم من العمل الصالح و ما ذا أخرتم من أموالكم من لا يترحم عليكم و يا أبناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى ليت الخلائق لم يخلقوا و ليتهم إذ خلقوا علموا لما ذا خلقوا فاعرف يا أخي ذلك و بادر لعمل الخير ثم بادر قبل أن ينزل بك ما تحاذر و لا يلهيك أحد من الناس عن صلاتك و دعائك و ذكرك ربك فيرفعان الملكان رقيب و عتيد دون ما كان يرفعان من عملك من قبل و الله لا يرضى منك بذلك بل يريد من عبده أن يزيد كل يوم في طاعته أكثر مما كانت .
و قد قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)من استوى يوماه فهو مغبون و من كان غده شرا فهو ملعون و من لم يتفقد النقصان في عمله كان النقصان في عقله و من كان نقصان في عمله و عقله فالموت خير له من حياته و اعلم يا أخي أن العقلاء العارفين بالله المجتهدين في تحصيل رضاء الله تراهم عامة ليلهم بذكر ربهم يتلذذون و في عبادته يتقلبون ما بين صلاة نافلة و قراءة سورة و تسبيح و استغفار و دعاء و تضرع و ابتهال و بكاء من خشيته لا ينامون من ليلهم إلا ما غلبوا و ما أراحوا به أبدانهم فهم الرجال الأخيار و وصفك وصف اغترار جيفة بالليل بطال بالنهار تعتذر في ترك القيام بالليل بأعذار كاذبة تقول أنا ضعيف القوى أنا تاعب بكدر الدنيا بي مرض و صداع و تحتج بالبرد في الشتاء و الحر في الصيف و هذه أعذار كاذبة و لو أن سلطانا أعطاك دينارا أو كسوة و أمرك أن تقف ببابه تحرسه بالليل لبادرت إلى ذلك لا بل لو قال لك خذ سلاحك و أخرج قدامي تحارب عدوي لبذلت روحك العزيزة و إن قتلت و كم من إنسان يأخذ درهما أجرة له على حراسة زرع غيره أو ثمرة غيره و يسهر الليل كله في برد شديد و حر عظيم و لو أنك أردت سفرا أو عملا من أعمال الدنيا لسهرت عامة الليل في تعبئة أشغالك و تحفظ تجارتك و لم تعتذر بتلك الأعذار عن خدمة ربك و هذا يدل على كذبك و ضعف يقينك بما وعد الله العاملين بالثواب و الجنة على الطاعة فإنك قد أطعت في ذلك نفسك الأمارة بالسوء و أطعت إبليس و قد حذرك الله من طاعته فقال تعالى إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ و قال تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا فاحذر نفسك يا أخي من طول الرقاد و اعبد ربك حتى تبلغ منه المراد و لله در بعض الزهاد حيث قال شعرا :
حبيبي تجاف من المهاد *** خوف من الموت و المعاد
من خاف من سكرة المنايا *** لم يدر ما لذة الرقاد
قد بلغ الزرع منتهاه لا بد للزروع من حصاد فاستيقظ يا أخي من رقدتك فقد مضى من عمرك أكثره في غفلة و نوم و لا تنس نصيبك من قيام لله فيما بقي من عمرك لتكون خاتمتك خاتمة خير فاغتنمها تغنم و لا تغفل عنها فتندم فقد سمى الله تعالى يوم القيامة يوم الحسرة و الندامة و سماها في موضع آخر يوم التغابن روي عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أنه قال ما من مخلوق يوم القيامة إلا و يندم و لكن لا تنفعه الندامة فأما السعيد إذا رأى الجنة و ما أعد الله فيها لأوليائه المتقين يندم حيث لا عمل له مثل عملهم و يريد من العبادة أكثر منهم لينال درجتهم العليا في الفردوس الأعلى و إن كان من الأشقياء إذا رأى النار و زفيرها و ما أعد الله فيها من العذاب الأليم صرخ و ندم حيث لم يكن أقلع عن ذنوبه و معاصيه ليسلم مما هو فيه فهذه هي الطامة الكبرى فاستدرك يا أخي ما فرط من أمرك و اسكب الدمع بكاء على نفسك حيث لم تكن صالحا للقيام بباب ربك فأنامك و لو علم أنك صالح للقيام لأقامك بالبدار قبل نفاد الأعمار فإن الدنيا مزرعة الآخرة و على قدر ما تزرعه في الدنيا تحصده في الآخرة و قد أمر الباري عز و جل عباده بالمسارعة إلى الطاعات و الاستباق إليها فقال تعالى سارِعُوا إِلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّة عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ و من نام عن العبادات سائر ليله لم يمتثل ما أمره الله به من المسارعة إلى المغفرة و دخول الجنة العريضة التي أعدها للعاملين و اعلم أن من نام عامة ليله كان ذلك دليل على أنه عمل في نهاره ذنبا عظيما فعاقبه الله فطرده عن بابه و مرافقة العابدين الذين هم أحباؤه و لو علم النائم عن صلاة الليل ما فاته من الثواب العظيم و الأجر المقيم لطال بكاؤه عليه .
و عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)حسب الرجل من الخيبة أن يبيت ليلة لا يصلي فيها ركعتين و لا يذكر الله فيها حتى يصبح و قيل يا رسول الله إن فلانا نام البارحة عن ورده حتى أصبح قال ذلك رجل بال الشيطان في أذنه فلم يستيقظ و كان بعض العباد يصلي عامة ليله فإذا كان السحر أنشد يقول :
ألا يا عين ويحك أسعديني *** بطول الدمع في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي *** بحور العين في قصر اللئالي
و قال بعض العابدين رأيت في منامي كأني على شاطئ نهر يجري بالمسك الأذفر و على حافته شجر من اللؤلؤ و قصب الذهب و إذا بجوار مزينات لابسات ثياب السندس كان وجوههن الأقمار و هن يقلن سبحان المسبح بكل لسان سبحانه سبحان الموجود في كل مكان سبحانه سبحان الدائم في كل الأزمان سبحانه فقلت لهن من أنتن فقلن شعرا :
ذرأنا إله الناس رب محمد *** لقوم على الأطراف بالليل قوم
يناجون رب العالمين إلههم *** و تسرى حمول القوم و الناس نوم
فقلت بخ بخ لهؤلاء القوم من هم فقلن هؤلاء المتهجدون بالليل بتلاوة القرآن الذاكرون الله كثيرا في السر و الإعلان المنفقين و المستغفرين بالأسحار فعاتب يا أخي نفسك و لا تقبل منها اعتذارها في ترك القيام فتلك معاذير كاذبة فقوموا الليل تحملوا السهر و القيام و القعود و اصبروا صبرا جميلا أعقبهم ذلك راحة طويلة في نعمة لا انقطاع لها و أنت يا مسكين لو صبرت صبرهم و عملت مثل عملهم فزت بما فازوا و لكنك آثرت لذات الرقاد على تحصيل الزاد و لم تجد الزاد و لم تجد بمالك على المساكين من العباد فأثر عليك الله العباد الزهاد فقربهم و أبعدك و أدناهم من بابه و طردك.
و اعلم أنك إذا لم تنشط لأفعال الخير و عبادة الله فاعلم أنك مكبل مقيد قد قيدتك ذنوبك و خطاياك فسابق يا أخي العابدين بسهر الليل لتسبقهم إلى جنات الأعلى فالليل أسبق جواد ركبه الصالحون إلى رفيع الدرجات من الجنات فتكون ممن مدحهم الله في كتابه العزيز فقال تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فانظروا إلى ما مدح الله به المصلين بالليل المنفقين مما رزقهم الله على المستحقين و إن خفت ألا تستيقظ للصلاة بعد النوم فخذ حظك من الصلاة قبل النوم و إياك أن تغفل عن الاستغفار في وقت الأسحار فذلك وقت لا تنام فيه الأطيار بل ترفع أصواتها بالتسبيح و الأذكار و عليك بتلاوة الأدعية و المناجاة فإن الدعاء مخ العبادة و إن كنت و لا بد من النوم فاستيقظ منه ساعة للتوبة و البكاء و الدعاء فإن غفلت و نمت الليل كله حتى ساعة الدعاء فقد مات قلبك و من مات قلبه أبعده الله عن قربه قلت و أقل حالات المؤمن أن يصلي في ليلة أربع ركعات من صلاة الليل و أدنى من ذلك أن يقرأ مائة آية من كتاب الله العزيز ثم يسبح الله تعالى و يدعو لنفسه و لوالديه و للمؤمنين ثم يستغفر الله تعالى حتى لا يكذب في ديوان الغافلين و اعلم أن الصلاة بين المغرب و العشاء لها فضل عظيم و هي صلاة الأوابين و روي أنها تسمى ساعة الغفلة و هي ركعتين بين المغرب و العشاء يقرأ في الأولى الحمد و وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً و في الثانية الحمد و وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ و هي أفضل عند الله من صوم النهار و اعلم يا أخي أنك إذا عملت الطاعات و واظبت على العبادات من صيام أو صدقة أو بر أو صلة رحم فاقصد به وجه الله تعالى خالصا مخلصا من الرياء المحبط للأفعال و اتبع فيه قول الله تعالى وَ لَدارُ الْ آخِرَةِ خَيْرٌ .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)إن الله تعالى يقول لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوال مخلصا لي حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها إن سألني أعطيته و إن استعاذني أعذته قال (صلی الله عليه وآله وسلم) إذا قام العبد من مضجعه و النعاس في عينيه ليرضي ربه بصلاة ليله باهى الله به ملائكته فيقول أ ما ترون عبدي هذا قائم من مضجعه و ترك لذيذ منامه إلى ما لم أفرضه عليه اشهدوا أني قد غفرت له .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)استعينوا بطعام السحر على صيام النهار و بالقيلولة على قيام الليل و ما نام الليل كله أحد إلا بال الشيطان في أذنيه و جاء يوم القيامة مفلسا و ما من أحد إلا و له ملك يوقظه من نومه كل ليلة مرتين يقول يا عبد الله اقعد لتذكر ربك ففي الثالثة إن لم ينتبه يبول الشيطان في أذنه و روت عائشة قالت قام رسول الله يصلي و يقرأ القرآن و يبكي ثم يجلس يقرأ و يدعو و يبكي ثم جلس يقرأ و يدعو و يبكي حتى إذا فرغ اضطجع و هو يقرأ و يبكي حتى بلت الدموع خديه و لحيته قلت يا رسول الله أ ليس الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر فقال بلى أ فلا أكون عبدا شكورا و قال الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه و طال ليله فقامه و قال من خاف أن ينام عن صلاة الليل فليقرأ عند منامه قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و يقول اللهم أنبهني لأحب الساعات إليك أدعوك فتجيبني و أسألك فتعطيني و أستغفرك فتغفر لي و تقول اللهم ابعثني من مضجعي لذكرك و شكرك و صلواتك و استغفارك و تلاوة كتابك و حسن عبادتك يا أرحم الراحمين .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)إن البيوت التي يصلى فيها بالليل و يتلى فيها القرآن تضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب الدري لأهل الأرض و اعلموا علما يقينا أنه ما تقرب المؤمن بقربات أعظم عند الله سبحانه أفضل من صلاة الليل و التسبيح و التهليل بعدها و مناجاة ربه العزيز الحميد و الاستغفار من ذنوبه و أدعية صلاة الليل ببكاء و خشوع ثم قراءة القرآن إلى طلوع الفجر و إيصال صلاة الليل بصلاة النهار فإني أيسره بالرزق الواسع في الدنيا من غير كد و لا تعب و لا نصب و بعافية شاملة في جسده و أبشره إذا مات بالنعيم في قبره من الجنة و ضياء قبره بنور صلاته تلك إلى يوم محشره و أبشره بأن الله تعالى لا يحاسبه و أنه يأمر الملائكة أن تدخله الجنة في أعلى عليين في جوار محمد و أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين فيا لها من فرصة ما أحسن عاقبتها إذا سلمت من الرياء و العجب .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)في وصيته لأمير المؤمنين و عليك بصلاة الليل و كرر ذلك ثلاثا و قال أ لا ترون أن المصلين بالليل هم أحسن الناس وجوها لأنهم خلوا بالليل لله خلوا بالليل سبحانه فكساهم من نوره .
و سئل الباقر (عليه السلام)عن وقت صلاة الليل فقال هو الوقت الذي جاء عن جدي رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أنه قال إن لله تعالى مناديا ينادي في السحر هل من داع فأجيبه هل من مستغفر فأغفر له هل من طالب فأعطيه ثم قال هو الوقت الذي وعد فيه يعقوب بنيه أن يستغفر لهم و هو الوقت الذي مدح فيه المستغفرين فقال وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ و إن صلاة الليل آخره أفضل من أوله و هو وقت الإجابة و الصلاة فيه هدية المؤمن إلى ربه فأحسنوا هداياكم إلى ربكم يحسن الله جوائزكم فإنه لا يواظب عليها إلا مؤمن صديق و اعلم أيدك الله أن صلاة الليل من أول نصفه الأخير لمن يطول في قراءته و دعائه أفضل و هي في آخره لمن يقتصر أفضل .
و قال الصادق (عليه السلام)لا تعطوا العين حظها من النوم فإنها أقل شيء شكرا و روي أن الرجل يكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بذلك الرزق و قال (عليه السلام)كذب من زعم أنه يصلي بالليل و يجوع بالنهار و فيما أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران لو رأيت الذين يصلون لي الدجى و قد مثلت نفسي بين أعينهم و هم يخاطبوني و قد جليت عن المشاهدة و يكلموني و قد تعززت عن الحضور يا ابن عمران هب لي من عينك الدموع و من قلبك الخشوع و من بدنك الخضوع ثم ادعني في ظلم الليل تجدني قريبا مجيبا يا ابن عمران كذب من زعم أنه يحبني و إذا جنه الليل نام عني .
و روي عن المفضل بن صالح قال قال لي مولاي الصادق (عليه السلام)يا مفضل إن لله تعالى عبادا عاملوه بخالص من سره فعاملهم بخالص من بره فهم الذين تمر صحائفهم يوم القيامة فزعا فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سر ما أسروا إليه فقلت و كيف ذاك يا مولاي فقال أجلهم أن تطلع الحفظة على ما بينه و بينهم و في هذا دلالة على أن الإخفاء بها أفضل من الإجهار بها و قول النبي خير العبادة أخفاها و خير الذكر الخفي و قوله (عليه السلام)صلاة السر تزيد على الجهر بسبعين ضعفا و مدح الله تعالى زكريا إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا و قال سبحانه ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ و هذا صريح في فضل إخفائها.
و سمع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قوما يرفعون أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)على رسلكم إنما تدعون سميعا بصيرا حاضرا معكم و ما ورد من استحباب الجهر في صلاة الليل فإنه يختص بالقراءة دون الدعاء و اعلم أن كيفية رفع اليدين في الصلاة أن يكون اليدين مبسوطتين تحاذي صدر الإنسان .
و عن سعد بن يسار قال قال الصادق (عليه السلام)هكذا الرغبة و أبرز باطن كفيه إلى السماء و قال هكذا الرهبة و جعل ظهرهما إلى السماء و قال هكذا التضرع و حرك إصبعيه السبابتين يمينا و شمالا و قال هكذا التبتل و رفع إصبعيه و وضعهما و قال هكذا الابتهال و مد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة و قال من ابتهل منكم فمع الدمعة يجريها على خديه و إن لم يبك فليتباك و من لم يستطع أن يصلي قائما فليصل قاعدا و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)من استغفر الله في السحر سبعين مرة كان من الذين قال الله فيهم وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ و قال من قرأ في ليله سبعين آية لم يكن من الغافلين و قال بعضهم لئن أبيت نائما و أصبح نادما خير من أن أبيت قائما و أصبح معجبا و قرب رجل من بني إسرائيل قربانا فلم يقبل منه و هو يلوم نفسه و يقول لها يا نفس هذا منك و من قبلك أوتيت فنودي أن مقتك لنفسك خير من عبادة مائة ألف سنة.
و قال بعض الصالحين نمت ذات ليلة عن وردي فسمعت هاتفا يقول أ تنام عن حضرة الرحمن و هو يقسم جوائز الرضوان بين الأحبة و الخلان فمن أراد منا المزيد فلا ينام ليله الطويل و لا يقنع من نفسه لها بالقليل و يستحب أن لا يكون يداه تحت ثيابه فقد ذكر بعض الصالحين أنه دعا و إحدى يديه بارزة و الأخرى تحت ثيابه فرأى في نومه أن يده البارزة مملوءة نورا و الأخرى ليس فيها شيء فسئل في نومه عن سبب ذلك فقيل له لو أبرزتها لامتلئت نورا فحلف أنه لا يعود إلى ذلك أبدا .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)لقارئ القرآن في الصلاة قائما بكل حرف يقرأ مائة حسنة و قاعدا خمسون و مطهرا في غير الصلاة خمسة و عشرون حسنة و على غير طهارة عشر حسنات أما إني أقول بل المر حرف له بالألف عشر و باللام عشر و بالميم عشر و بالراء عشر .
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قال تعالى من أحدث و لم يتوضأ فقد جفاني و من توضأ و لم يصل ركعتين فقد جفاني و من صلى ركعتين و لم يدعني فقد جفاني و من أحدث و توضأ و صلى و دعا و لم أجبه فقد جفوته و لست برب جاف و قال رسول الله اتخذوا المساجد بيوتا و عودوا قلوبكم الرأفة و أكثروا من التفكر و البكاء من خشية الله تعالى و كونوا في الدنيا أضيافا و أكثروا من الذكر .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)ما فزع امرؤ فزعة إلا كانت عليه حسرة يوم القيامة و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)أي امرئ ضيع من عمره ساعة في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته يوم القيامة .
و قال (صلی الله عليه وآله وسلم)نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ و أبلغ من هذا كله و أفصح قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ و إن كان مندوبا إليه فإنه في جنب الذكر خسارة لأن الربح القليل في جنب الكثير خسارة .
و قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)ليكن أحدكم رطبا من ذكر ربه فلا تكن من الغافلين قال الله تعالى وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً. و قال تعالى فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قد أمرنا بالذكر في كتابه .
المصدر :
ارشاد القلوب / الشیخ ابو محمد الحسن بن محمد الدیلمی ص86-95
source : rasekhoon