إنّ الباحث عن معالم الأخوّة فی الإسلام بما یتّفق مع تعالیمه السامیة الّتی لا یجدر بالإنسان الحیاد عنها؛ سوف یجدها جلیّة بیّنة تأخذ بیده إلى علیاء الکرامة والفضیلة، وتنقله نقلة نوعیّة یشبع برفدِها روحه ویروی من نمیرِها فؤاده الصادی إلى ذاک التکامل المنشود والمنتهى الخالد خلود الحقّ طالما لم یعکس الاتّجاه، وظلّ یتوق ویتشوّق إلى التزوّد من خیار إخوته فی الله
إنّ الباحث عن معالم الأخوّة فی الإسلام بما یتّفق مع تعالیمه السامیة الّتی لا یجدر بالإنسان الحیاد عنها؛ سوف یجدها جلیّة بیّنة تأخذ بیده إلى علیاء الکرامة والفضیلة، وتنقله نقلة نوعیّة یشبع برفدِها روحه ویروی من نمیرِها فؤاده الصادی إلى ذاک التکامل المنشود والمنتهى الخالد خلود الحقّ طالما لم یعکس الاتّجاه، وظلّ یتوق ویتشوّق إلى التزوّد من خیار إخوته فی الله تعالى، ثمّ بلغ هذه الغایة فغدت حقیقة وحدثًا بعد أن کانت أمنیة وحلمًا فتجمّعت جداول الخیر فی بحر واحد.
إنّهم إخوان الصدق الّذین أوصانا أمیر المؤمنین علیه السلام بمعاشرتهم، مؤکّدًا ذلک فی قوله:
(وعلیکَ بإخوانِ الصدقِ فأکثرْ من اکتسابِهم فإنَّهم عدّةٌ عندَ الرخاءِ وجُنّةٌ عندَ البلاءِ)(1).
1-العالم الربّانی:
لقد أکّدت الروایات المبارکة على الاستفادة من العلماء الربّانیّین ومصاحبتهم ومجالستهم، لأنّهم قادة الرکب المقدّس الّذین یأخذون بید المرء إلى عالم العلیاء ویصلون به إلى حیث أراد الله سبحانه، من خلال نشر معارفهم والقیام بدورهم فی تبلیغ رسالة الله وهدایة الناس والدفاع عن مبادىء الدین الحنیف وصیانة الشریعة من أن تدخلها البدع والانحرافات، وهم صمّام الأمان الّذی لا غنى لأحد عنه. وممّا ورد فی حقّهم ما قاله الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:(عجِبْتُ لمن یرغبُ فی التکثُّرِ منَ الأصحابِ کیفَ لا یصحبُ العلماءَ الألبّاءَ الأتقیاءَ؛ الذینَ یغتنمُ فضائلَهم وتهدیهِ علومُهم وتزیِّنُه صحبَتُهم)(2).
فهنا ثلاث فوائد:
الأولى: اغتنام فضائلهم ومعناه التحلّی بمحاسن الأخلاق الّتی هم علیها.
الثانیة: الاهتداء بعلومهم ومعناه التنوّر بمعرفة أحکام الدین وردّ شبهات الملحدین.
الثالثة: التزیّن بصحبتهم حیث هم زین لمن وفّق للقیام بخدمتهم والتشرّف بمحضرهم.
وعنه علیه السلام:
(جالسِ العلماءَ یزدَدْ علمُکَ ویحسُنُ أدبُکَ)(3).
وفی وصیّة لقمان لابنه:
(یا بنیَّ جالسِ العلماءَ وزاحِمْهم برکبَتَیک، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ یُحیی القلوب بنورِ الحکمةِ کما یُحیی الأرضَ بوابلِ السماءِ)(4).
وفی مقابل ذلک إنّ التخلّی عنهم وترک مُجالستهم موجب للخذلان من الله تعالى، لأنّ الابتعاد عنهم معناه الابتعاد عن المدرسة الإلهیّة الّتی أمر المولى سبحانه بالتربّی فی کنفها وتحت ظلالها وهذا ما جاء صریحًا فی دعاء الإمام السجّاد علیه السلام:
(أوْ لعلَّکَ فقدْتَنی من مجالسِ العلماءِ فخذَلْتنی).
2ـ الحکیم الإلهیّ:
إنّ مصاحبة الحکماء ومجالسة الحلماء، فیهما من آثار الخیر ما لا یُمکن عدّه وإحصاؤه؛ لما فی هذین الصنفین من مواصفات عالیة تترک بصماتها وثمارها فی الجنبة العلمیّة وکذلک العملیّة، بما یساعد الإنسان فی طریقه نحو الکمال.عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:
(صاحبِ الحکماءَ وجالسِ الحلماءَ، وأَعرِضْ عن الدنیا تسکنْ جنَّةَ المأوى)(5).
وفی روایة أخرى:
(أکثِرِ الصلاحَ والصوابَ فی صُحبةِ أولی النُّهى والالباب)(6).
3ـ المحبّ فی الله:
عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:(خیرُ الإخوانِ من کانَت فی اللهِ مودَّتُه)(7).
وعنه علیه السلام:
(خیرُ الإخوانِ من لم تکنْ على الدنیا أخوَّتُه)(8).
4ـ المواسی لک:
عن أمیر الإمام المؤمنین علیه السلام:(خیرُ إخوانِک من واساکَ وخیرٌ مِنه من کَفاک وإذا احتاجَ إلیک أعفاکَ)(9).
وفی حدیث آخر:
(خیرُ إخوانِک من واساکَ بخیرِه وخیرٌ مِنه من أغناکَ عنْ غیرِه)(10).
5ـ الداعی إلى الله تعالى:
والمراد منه من کانت دعوته بالعمل إضافة إلى القول کما عبّرت عن ذلک النصوص الشریفة حیث ورد عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:(خیرُ إخوانِک من دعاکَ إلى صدقِ المقالِ بصدقِ مقالِه، وندبَک إلى أفضلِ الأعمالِ بحسنِ أعمالهِ)(11).
و(خیرُ إخوانِک من سارعَ إلى الخیرِ وجذبَک إلیهِ وأمرَک بالبرِّ وأعانکَ علیهِ)(12).
6ـ المعین على الطاعة:
عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:(المعینُ على الطاعةِ خیرُ الأصحابِ)(13).
وعنه أیضًا:
(إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خیرًا جعلَ لَه وزیرًا صالحًا إنْ نسیَ ذَکرَه، وإنْ ذکرَ أعانَه)(14).
وفیما ورد عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لمّا سُئِل من أفضل الأصحاب: (من إذا ذَکَرْتَ أعانَکَ وإذا نَسیتَ ذکَّرَک)(15).
حیث تکون الوظیفة الأولى فی حالة تذکُّر أنّ الله تعالى حاضر وناظر هی المعاونة (وتعانوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وتکون الوظیفة الثانیة فی حالة النسیان والغفلة هی التذکیر والتوعیة اتّجاه المسؤولیّة الإلهیّة الملقاة على عاتقه.
خیر الجلساء:
عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم حینما سُئل أیّ الجلساء خیر؟ قال:
(من ذکّرَکُم باللهِ رؤیتُه وزادکُم فی علمکُم منطِقُه وذکّرکم بالآخرةِ عملُه)(16).
یعنی أنّ الأمور المذکورة تُساهم مساهمة حقیقیّة فی بناء الشخصیّة الإیمانیّة ومصدرها الخیر الّذی هو علیه فی الحال والمنطق والعمل حیث تکون الثمرة من هذه المجالسة مکسبًا معنویًّا سواء فی ذکر الله، أو زیادة العلم أو تذکّر الآخرة. ولیس غریبًا أنّ المؤمن إذا فقد أخاه وجلیسه الّذی یمتاز بهذه المواصفات فإنّه لا یحبّ البقاء بعده
عن أمیر المؤمنین علیه السلام: (خیر الاخوان من إذا فقدته لم تحبَّ البقاء بعده) (17) وهذا دلیل على أنّه من الخیرة والصفوة ویشعر بأنّ الّذی فقده هو بعضه، کما یقول أحد الشعراء:
ومن محن الدنیا بقاؤک بعد مَنْ
إذا رحلوا أبقوک دون مشابهِ
فوجهٌ إذا ما غاب تبکیه ساعةً
ووجهٌ تملّ العمر عند غیابهِ
وتَدفن فیه بالثّـرى إن دفنتهُ
وجودَک إنّ المرء بعض صِحابهِ
وصیة جامعة:
لقد جمع الإمام الحسن علیه السلام أوصاف إخوان الصدق وخلّان الوفاء فی وصیّته لجنادة فی مرضه الّذی توفّی فیه، حیث قال الإمام علیه السلام:
(إصحبْ من إذا صحِبْتَه زانَک، وإذا خدمْتَه صانَک، وإذا أردتَ منهُ معونةً أعانَک، وإنْ قُلْتَ صدّقَ قولَک، وإن صُلْتَ شدَّ حولَک وإنْ مدَدْتَ یدَکَ بفضلٍ مدَّها، وإن بدَت عنکَ ثلْمَةٌ سدَّها، وإن رأى منک حسنةً عدَّها وإن سألْتَه أعطاکَ، وإن سکتَّ عنْهُ ابتداکَ وإنْ نزلْت إحدى المُلمّاتِ به ساءَک)(18).
وهذه الخصال بأجمعها سوف یأتی أنَّها من جملة الحقوق الأخویّة الّتی علینا مراعاتها والانتباه لها. وینبغی أنْ یبقى حاضرًا فی ذاکرتنا ومنقوشًا فی صفحات قلوبنا أنّ دوام المودّة مرهون بأُخوّة الدّین لا الدّنیا. إنّ الإخوان الصادقین فی أُخوّتهم أفضل عدّة وذخرًا وعونًا فی الشدائد والمصاعب مدى الحیاة، کما جاء فی الحدیث:
(إخوانُ الدینِ أبقى مودَّةً، إخوانُ الصّدقِ أفضلُ عدّةً)(19).
المصادر :
1- بحار الأنوار، ج71، ص187.
2- میزان الحکمة، ج2، ص1584.
3- میزان الحکمة ج1، ص55.
4- میزان الحکمة ج1، ص402.
5- میزان الحکمة ج2، 1584.
6- میزان الحکمة ج2، 1584.
7- میزان الحکمة ج1 ص46
8- میزان الحکمة ج1 ص46
9- میزان الحکمة ج1 ص46
10- میزان الحکمة ج1 ص46
11- میزان الحکمة ج1 ص46
12- میزان الحکمة ج1 ص46
13- میزان الحکمة ج2 ص1590
14- میزان الحکمة ج2 ص1591
15- میزان الحکمة ج2 ص1590
16- 16- بحار الأنوار، ج71، ص186.
17- الغرر، ج1، ص391، ح69.
18- میزان الحکمة، ج2 ص1584
19- میزان الحکمة ج1 ص41
source : rasekhoon