عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

من مواقف الإمام الحسن عليه السلام

وقف الائمة عليهم السلام في تصديهم للمغرضين والحاقدين، وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة وفي جميع المناسبات ، وقد صدع الإمام الحسن (عليه السلام) باحقية اهل البیت و بقربهم من النبي صلی الله عليه وآله وسلم ،ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وحسب.. وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنق
من مواقف الإمام الحسن عليه السلام

وقف الائمة عليهم السلام في تصديهم للمغرضين والحاقدين، وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة وفي جميع المناسبات ، وقد صدع الإمام الحسن (عليه السلام) باحقية اهل البیت و بقربهم من النبي صلی الله عليه وآله وسلم ،ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وحسب.. وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية.. وكمثالٍ على كل ذلك نذكر:
1 ـ أنه (عليه السلام) يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيقول: «أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي» (1).
لاحظ كلمة: «الوصي» في هذه العبارة الأخيرة.
وفي نصٍ آخر أنه قال: «فأنا الحسن بن محمد (صلى الله عليه وآله)» (2).
وقال حينئذٍ أيضاً: «أنا ابن البشير النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، انا ابن السراج المنير، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه» الخ.. (3) ثم قام ابن عباس، فقال: «هذا ابن بنت نبيكم، ووثي إمامكم فبايعوه».
وفي نص آخر: أنه قال حينئذٍ أيضاً: «وعنده نحتسب عزاءنا في خير الآباء رسول الله الخ» (4)
2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر، فحمد الله، واثنى عليه، ثم اورد خطبة هامة، تضمنت ما تقدم، وسواه الشيء الكثير، قال الراوي: «ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم، ثم نزل.
فقال له معاوية: أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة، ولست هناك!
فقال الحسن (عليه السلام): اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا أماً وأباً، وعباد الله خولاً، وماله دولاً، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً، فتمتع منه قليلاً، كَأَنْ قد انقطع عنه..» إلى آخر كلامه عليه السلام (5) ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة (6).
وهذا يؤيد ما ذكره البعض: من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسن (عليه السلام)، لأنه كان يقدم عليه الى الشام (7).
3 ـ وفي نص آخر: أن معاوية طلب من الإمام الحسن (عليه السلام): ان يصعد على المنبر، ويخطب.. فصعد المنبر وخطب، وصار يقول: أنا ابن، أنا ابن.. إلى أن قال: «لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي»(8). ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.
4 ـ وفي نص آخر: أن معاوية طلب منه: ان يصعد المنبر وينتسب، فصعد، وصار يقول: بلدتي مكة ومنى، وانا ابن المروة والصفا، وانا ابن النبي المصطفى.. الى ان قال: فاذن المؤذن، فقال: اشهد ان محمداً رسول الله، فالتفت الى معاوية، فقال: أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت: ليس بأبي، كفرت، وإن قلت: نعم، فقد أقررت.. ثم قال: أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها، يطلبون حقنا، ولا يردون إلينا حقنا» (9).
5 ـ وفي مناسبة أخرى، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم، فخطب وصار يقول: أنا ابن رسول الله، أنا ابن صاحب الفضايل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل، أنا ابن أمير المؤمنين، أنا المدفوع عن حقي.. إلى أن قال: أنا إمام خلق الله، وابن محمد رسول الله، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس، فقال: إنزل، فقد كفى ما جرى، فنزل» (10).
6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر، فيقول له مرة في كلام له: «ولا سيما أنت يا أبا محمد، فإنك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيد شباب أهل الجنة» (11).
ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسن (عليه السلام) لأبي بكر، وقول الإمام الحسين (عليه السلام) لعمر: انزل عن منبر أبي، حسبما سيأتي، إن كان المقصود بأبي: هو النبي (صلى الله عليه وآله)، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين . فيدخل في مجال احتجاجاتهما (عليهما السلام) على أحقيتهم بالأمر، دون كل أحد سواهم.. ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة:
وبعد ذلك، فإنا نجد الإمام الحسين (عليه السلام) يخطب الناس، ويقول: «أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته، تريدون قتلهم.. إلى أن قال: ألست أنا ابن بنت نبيكم، وابن وصيه، وابن عمه» (12).
ويقول في موضع آخر،حينما اشتد به الحال: «ونحن عترة نبيك، وولد نبيك، محمد (صلى الله عليه وآله)، الذي اصطفيته بالرسالة الخ..» (13).
ويقول في وصف جيش يزيد، في يوم عاشوراء: «فإنما أنتم طواغيت.. إلى أن قال: وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء» (14)..
وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم، فقال: انشدكم الله، هل تعرفوني؟.: نعم، أنت ابن رسول الله وسبطه» (15).
وللإمام السجاد موقف هام في الشام، حينما ألقى خطبته الرائعة، فقال: «أيها الناس، انا ابن مكة ومنى، انا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا.. إلى أن قال: أنا ابن من حُمِلَ على البراق، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى..» إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها: أن «ضجَّ الناس بالبكاء، وخشي يزيد الفتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة».. ولكنه (عليه السلام) قد تابع خطبته، واحتجاجاته الدامغة على يزيد، وتفرق الناس، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم (16).
وبعد ذلك.. فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له: «أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟..» وفيها: «واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)».
وآله وسلم»، إلى أن قالت: «ولتردنَّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته ولحمته» (17).
وفي خطبة لها لأهل الكوفة: «الحمد لله، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار». وفي نص آخر: «والصلاة عن أبي رسول الله» (18).
وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً: «.. وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات» (19).

على خطى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):
وبعد.. بإنَّ ذلك لم يكن منهم (عليهم السلام) إلا أسوة منهم بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله)، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنين (عليهما السلام) له (صلى الله عليه وآله) في ضمير الأمة ووجدانها، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة، أو الشك والترديد.. وكنموذج على ذلك نشير إلى:
1 ـ قوله (صلى الله عليه وآله): هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني (20). وفي نص آخر: هذان ابناي، وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما، وأحب من يحبهما (21).
وفي رواية أخرى عن عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يأخذ حسناً، فيضمه إليه، ثم يقول: اللهم إن هذا ابني، وأنا أحبه، فأحببه، وأحب من يحبه (22).
2 ـ كما أنه (صلى الله عليه وآله) بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء: هلمي ابني، كما تقدم.
3 ـ وقول: إن ابني هذا سيد .
4 ـ كما أنه (صلى الله عليه وآله) يجلس في المسجد، ويقول: أدعوا لي ابني، قال: فأتى الحسن يشتد.. إلى أن قال:
وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفتح فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه، فأحبَّه، وأحبَّ من يحبه، ثلاث مرات (23).
5 ـ وعنه (صلى الله عليه وآله) إنه قال: كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم، وأنا عصبتهم (24).
وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر، بل متعذر في هذه العجالة، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنين (عليهما السلام) فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129 (25).

شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف:
وبعد كل ما تقدم.. فإننا نجد النبي (صلى الله عليه وآله) يكتب كتاباً لثقيف، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.
قال أبو عبيد: «وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون: فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبي (صلى الله عليه وآله)» (26).
وقال الكتاني: «فيه من الفقه إثباته (صلى الله عليه وآله) شهادة الصبيان، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس» انتهى (27).
وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال: «ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما: إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها..» (28).
ونقول: ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!
إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب..
أخيراً.. فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال: «وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل: فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة، ومن شرط العدالة البلوغ: ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك، وإنما هي قرينة حال..» (29).
وبعد كل ما تقدم... فإننا نفهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يظهر امتيازاً للحسنين (عليهما السلام)، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

بيعة الرضوان:
1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام: «وكان من برهان كمالهما (عليهما السلام)، وحجة اختصاص الله تعالى لهما، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله) بهما، بيعة رسول الله لهما، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما، مع ظاهر الطفولية فيهما، ولم ينزل بذلك في مثلهما، قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً، وَيَتِيماً وَأَسيراً) (30).
2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجواد (عليه السلام):
«ويحكم، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام، وحكم له به، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما دون الست سنين، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، وأنهم ذرية بعضهما من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ...» (31).
وروي عن الصادق أيضاً: أنه «لم يبايع النبي (صلى الله عليه وآله) من لم يحتلم إلا الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم» قال: ولم يبايع صغيراً إلا منا (32).
وذلك بكذِّب دعوى البعض: بايع النبي (صلى الله عليه وآله) عبد الله بن الزبير، وهو ابن سبع سنين (33) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.ولكن ما تقدم عن المأمون، وعن الشيخ المفيد يوضح: أن إضافة ابن عباس، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكون (صلى الله عليه وآله) قد بايع صبياً غيرهما، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان..
وواضح: أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر، بتحمل مسؤوليات معينة، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنين (عليهما السلام) ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها...
وقد يتخيل البعض هنا: أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر، فتبعها تعلق التكليف بهما...

والجواب عن ذلك:
أولاً: إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية (34) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ.. حسبما ذكروه..
وثانياً: أننا لو سلمنا ذلك.. فيرد سؤال، وهو: لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل: أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة، أونحو ذلك؟.. إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما، لم يشركهما فيه أحد من الخلق، كما قرره المأمون، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه...
وثالثاً: إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك.. ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.
ومما يوضح ذلك: أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير، وحينما أصبح خليفة، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة...

الحسن والحسين إمامان:
وبعد كل ماتقدم، فإننا نعرف المغزى العميق لقوله (صلى الله عليه وآله):
«الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». أو ما هو بمعنى ذلك، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة، رغم أنهما (عليهما السلام) ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.. ونجد الإمام الحسن (عليه السلام) يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية (35).
وإذا كان البعض يريد أن يدعي: أن خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم، ولم تكن بوصية حتى من أبيه (36)...
فإن هذا القول، وسائر ما تقدم، يدفع كل ذلك ويدحضه..
ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة له من بعده الشيء الكثير...

ويمكن أن نذكر منها هنا:
1 ـ قول الإمام الحسن (عليه السلام) في كتابه لمعاوية: «.. وبعد.. فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده» (37).
2 ـ وقال ابن عباس، بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا ابن بنت نبيكم، ووصي إمامكم، فبايعوه» (38).
3 ـ عن الهيثم بن عدي، قال «حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ: أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أصار الأمر إلى الحسن» (39).
4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة: «وعهد بها إلى الحسن (عليه السلام) عند موته» (40).
5 ـ «وذكروا: أن جندب بن عبد الله دخل على علي (عليه السلام): فقال: ياأمير المؤمنين، إن فقدناك فلا نفقدك، فنبايع الحسن؟ قال: نعم» (41).
6 ـ وقال ابن كثير: «الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. خلافتهم محققة، بنص حديث سفينة:
الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم بعدهم الحسن بن علي، كما وقع، لأن علياً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق الخ...» (42).
7 ـ وعند أبي الفرج، وغيره: أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين، والبيعة للإمام الحسن (عليه السلام)، قام أبو الأسود خطيباً، فكان مما قال:
«.. وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله، وابنه، وسليله، وشبيهه في خلقه وهديه الخ» (43).
8 ـ وعند المسعودي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) «وإني أوصي إلى الحسن والحسين؛ فاسمعوا لهما، وأطيعوا أمرهما» (44). هذا، وقد ذكر وصية الإمام علي (عليه السلام) إلى ولده الإمام الحسن (عليه السلام) غير واحد من المؤلفين في كتبهم (45)..
9 ـ هذا كله.. عدا عما تقدم من قوله (صلى الله عليه وآله): أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.
وقوله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وعدا عن الأحاديث الكثيرة، التي تنص على الأئمة بأسمائهم .
وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم، لا مجال لذكرها هنا...
10 ـ ولما مات أمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء الناس إلى الحسن (عليه السلام)، فقالوا: أنت خليفة أبيك، وصيُّه (46).
11 ـ وقال المسعودي: «وقد ذكرت طائفة من الناس: أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص» (47).
12 ـ وعن علي (عليه السلام): أنت يا حسن وصيي، والقائم بالأمر بعدي (48).
وفي نص آخر: يا بُنيَّ، أنت وليُّ الأمر، وولي الدم (49).
13 ـ وفي نصٍّ آخر: الحسن والحسين في عترتي، وأوصيائي، وخلفائي (50).
14 ـ إن الشيعة أطبقت: على أن علياً نص على ابنه الحسن (51).
15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد: أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها (52).إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه..
المصادر :
1- مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 .
2- مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126.
3- الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 .
4- البحار ج 43 ص 363.
5- الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 .
6- ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد، - المحاسن والمساوي ج 1 ص 133- شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 .
7- الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد.
8- المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني. - عيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172.
9- المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 .
10- أمالي الصدوق ص 158.
11- المحاسن والمساوي ج 1 ص 122.
12- مقتل الحسين للمقرم ص 274 .
13- المصدر السابق عن الإقبال، ومصباح المتهجد، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته.
14- مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع: مقتل الحسين للمقرم ص 282 .
15- أمالي الصدوق ص 140.
16- مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69/70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 /443 عنه، وعن نفس المهموم ص 242.
17- بلاغات النساء ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 .
18- الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 .
19- مقتل الحسين للمقرم ص 390.
20- ذخائر العقبى ص 124، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 .
21- ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 .
22- كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176.
23- ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي..
24- الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69، - وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149.
25- كفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204.
26- الاموال ص 289 /280 - التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 .
27- التراتيب الإدارية ج 1 ص 274
28- الأموال هامش ص 280.
29- بداية المجتهد ج 2 ص 457.
30- الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16
31- الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 - والإرشاد للمفيد ص 363، وتفسير القمي ج 1 ص 184/185 .
32- ينابيع المودة ص 375 - العقد الفريد ج 4 ص 384
33- التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي.
34- حديث الإفك (تاريخ ودراسة) ص 96 ـ 99.
35- علل الشرايع ج 1 ص 211.
36- في مروج الذهب ج 2 ص 414
37- مقاتل الطالبيين ص 55/56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 .
38- الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52.
39- العقد الفريد ج 4 ص 474/475.
40- شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.
41- المناقب للخوارزمي ص 278.
42- البداية والنهاية ج 6 ص 249.
43- تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 .
44- إثبات الوصية ص 152.
45- البحار ج 10 ص 89، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 .
46- إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم،
47- مروج الذهب ج 2 ص 413.
48- إثبات الهداة ج 5 ص 140.
49- إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.
50- إثبات الهداة ج 5 ص 139.
51- إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى، وكشف الغمة وأعلام الورى..
52- الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأخلاق الحسينيّة
الإلهام عند الامام الباقر عليه السلام
مرقد الامام الجواد عليه السلام
السيدة زينب(ع) و الشعائر الحسينية
الاصل الكريم والمولد المبارك
علي عليه السلام علی لسان الرسول
كيف نكون مهاجرين مع الحسين(ع)؟
قصيدة "وجه الصباح علـي ليل مظلم"
الامام علي (عليه السلام )
السرّ في تقبيل التربة الحسينية

 
user comment