في أقسام العلوم الشرعية الأصلية
و هي أربعة علم الكلام و علم الكتاب العزيز و علم الأحاديث النبوية و علم الأحكام الشرعية المعبر عنها بالفقه. فأما علم الكلام و يعبر عنه بأصول الدين فهو أساس العلوم الشرعية و قاعدتها لأن به يعرف الله تعالى و رسوله و خليفته و غيرها [غيرهما] مما يشتمل عليه و به يعرف صحيح الآراء من فاسدها و حقها من باطلها. و قد جاء في الحث على تعلمه و فضله كثير من الكتاب و السنة قال الله تعالى
منيةالمريد ص : 366
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ. و قال تعالى أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ. و قال تعالى أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ. و مرجع ذلك إلى الأمر بالنظر و الاستدلال بالصنعة المحكمة و الآثار المتقنة على الصانع الواحد القادر العالم الحكيم.
و عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص ما قلت و لا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله
و عن أبي عبد الله ع عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ص من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
و عنه ع عن آبائه عن علي ع في قول الله عز و جل هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ قال علي ع سمعت رسول الله ص يقول إن الله عز و جل قال ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة
و عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي ص فقال يا رسول الله علمني من غرائب
منيةالمريد ص : 367
العلم قال ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل عن غرائبه قال الرجل ما رأس العلم يا رسول الله قال معرفة الله حق معرفته قال الأعرابي و ما معرفة الله حق معرفته قال تعرفه بلا مثل و لا شبه و لا ند و أنه واحد أحد ظاهر باطن أول آخر لا كفو له و لا نظير فذلك حق معرفته
و الأثر في ذلك عن أهل البيت ع كثير جدا و من أراده فليقف على كتابي التوحيد للكليني و الصدوق ابن بابويه رحمهما الله تعالى. و أما علم الكتاب فقد استقر الاصطلاح فيه على ثلاثة فنون قد أفردت بالتصنيف و أطلق عليها اسم العلم أحدها علم التجويد و فائدته معرفة أوضاع حروفه و كلماته مفردة و مركبة فيدخل فيه معرفة مخارج الحروف و صفاتها و مدها و إظهارها و إخفائها و إدغامها و إمالتها و تفخيمها و نحو ذلك. و ثانيها علم القراءة و فائدته معرفة الوجوه الإعرابية و البنائية التي نزل القرآن بها و نقلت عن النبي ص تواترا و يندرج فيه بعض ما سبق في الفن الأول و قد يطلق عليهما علم واحد و يجمعهما تصنيف واحد. و ثالثها علم التفسير و فائدته معرفة معانيه و استخراج أحكامه و حكمه ليترتب عليه استعماله في الأحكام و المواعظ و الأمر و النهي و غيرها و يندرج فيه غالبا معرفة ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و غيرها و قد يفرد الناسخ و المنسوخ و يخص بعلم آخر إلا أن أكثر التفاسير مشتملة على المقصود منهما. و قد ورد في فضله و آدابه و الحث على تعلمه أخبار كثيرة و آثار
فروي عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا في قوله تعالى
منيةالمريد ص : 368
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً قال الحكمة القرآن
و روي عنه رضي الله عنه أنه يعني تفسيره فإنه قد قرأه البر و الفاجر
و عنه رضي الله عنه في تفسير الآية أنه قال الحكمة المعرفة بالقرآن ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و مقدمه و مؤخره و حلاله و حرامه و أمثاله
و قال ص أعربوا القرآن و التمسوا غرائبه
و عن أبي عبد الرحمن السلمي قال حدثنا من كان يقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول الله ص عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم و العمل
و عن ابن عباس رضي الله عنه قال الذي يقرأ القرآن و لا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذ الشعر هذا
و عن النبي ص من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار
منيةالمريد ص : 369
و قال ص من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ
و قال ص من قال في القرآن بغير ما يعلم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار
و قال ص أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن يضعه على غير مواضعه
و عن أبي عبد الله ع قال قال أبي ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر
يعني تفسيره برأيه من غير علم.
و قد تقدم حديث العلامة الذي قيل للنبي ص أنه أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها و أيام الجاهلية و الأشعار العربية فقال النبي ص ذاك علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه ثم قال ص إنما العلم ثلاثة آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة و ما سواهن فهو فضل
و الكلام في جملة ذلك مما يطول و يخرج عن وضع الرسالة فلنقتصر منه على هذا القدر. و أما علم الحديث فهو أجل العلوم قدرا و أعلاها رتبة و أعظمها مثوبة بعد
منيةالمريد ص : 370
القرآن و هو ما أضيف إلى النبي ص أو إلى الأئمة المعصومين ع قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة حتى الحركات و السكنات و اليقظة و النوم و هو ضربان رواية و دراية. فالأول العلم بما ذكر. و الثاني و هو المراد بعلم الحديث عند الإطلاق و هو علم يعرف به معاني ما ذكر و متنه و طرقه و صحيحه و سقيمه و ما يحتاج إليه من شروط الرواية و أصناف المرويات ليعرف المقبول منه و المردود ليعمل به أو يجتنب. و هو أفضل العلمين فإن الغرض الذاتي منهما هو العمل و الدراية هي السبب القريب له
و قد روي عن الصادق ع أنه قال خبر تدريه خير من ألف ترويه
و قال ع عليكم بالدرايات لا الروايات
و عن طلحة بن زيد قال قال أبو عبد الله ع رواة الكتاب كثير و رعاته قليل فكم مستنسخ للحديث مستغش للكتاب و العلماء تجزيهم الدراية و الجهال تجزيهم الرواية
و مما جاء في فضل علم الحديث مطلقا من الأخبار و الآثار
قول النبي ص ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه
منيةالمريد ص : 371
و قوله ص نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه و رب حامل فقه ليس بفقيه
و قوله ص من أدى إلى أمتي حديثا يقام به سنة أو يثلم به بدعة فله الجنة
و قوله ص رحم الله خلفائي قيل و من خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي فيروون أحاديثي و يعلمونها الناس
و قوله ص من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها و كنت له شافعا و شهيدا
هذا بعض ما ورد من ألفاظ هذا الحديث.
منيةالمريد ص : 372
و قوله ص من تعلم حديثين اثنين ينفع بهما نفسه أو يعلمهما غيره فينتفع بهما كان خيرا له من عبادة ستين سنة
و قوله ص من رد حديثا بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة فإذا بلغكم عني حديث لم تعرفوه فقولوا الله أعلم
و قوله ص من كذب علي متعمدا أو رد شيئا أمرت به فليتبوأ بيتا في جهنم
و قوله ص من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب ثلاثة الله و رسوله و الذي حدث به
و قوله ص تذاكروا و تلاقوا و تحدثوا فإن الحديث جلاء القلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤها الحديث
و روى علي بن حنظلة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا
و عن أبي عبد الله ع قال إن العلماء ورثة الأنبياء و ذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و إنما ورثوا
منيةالمريد ص : 373
أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين
و عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله ع رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس و يشدده في قلوبهم و قلوب شيعتكم و لعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل قال الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد
و عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع قول الله جل ثناؤه الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ قال هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه و لا ينقص منه
و عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقا فلكم و إن كان كذبا فعليه
و روى هشام بن سالم و حماد بن عثمان و غيرهما قالوا سمعنا أبا عبد الله ع يقول حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث الحسين
منيةالمريد ص : 374
و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين و حديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ص و حديث رسول الله ص قول الله عز و جل
و أما الفقه فأصله في اللغة الفهم أو فهم الأشياء الدقيقة و في الاصطلاح علم بحكم شرعي فرعي مكتسب من دليل تفصيلي سواء كان من نصه أم استنباطا منه و فائدته امتثال أوامر الله تعالى و اجتناب نواهيه المحصلان للفوائد الدنيوية و الأخروية. و مما ورد في فضله و آدابه خبر
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
source : دار العرفان