عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

موضع الخضوع فی العبادة

السؤال: هل العبادة نفس الخضوع أو نهایته ؟ الجواب: إنّ الخضوع و التذلّل، حتّى إظهار نهایة التذلّل، لا یساوی العبادة، و لا یعدّ حداً منطقیاً لها، بشهادة أنّ خضوع الولد أمام والده، و التلمیذ أمام أُستاذه، و الجندیُّ أمام قائده، لیس عبادة لهم و إن بالغوا فی الخضوع والتذلّل حتّى و لو قبّل الولدُ قدمَ الوالدین، فلا یعد عمله عبادة، لأنّ اللَّه سبحانه یقول: « واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمةٍ».[1]
موضع الخضوع فی العبادة

السؤال: هل العبادة نفس الخضوع أو نهایته ؟

الجواب: إنّ الخضوع و التذلّل، حتّى إظهار نهایة التذلّل، لا یساوی العبادة، و لا یعدّ حداً منطقیاً لها، بشهادة أنّ خضوع الولد أمام والده، و التلمیذ أمام أُستاذه، و الجندیُّ أمام قائده، لیس عبادة لهم و إن بالغوا فی الخضوع والتذلّل حتّى و لو قبّل الولدُ قدمَ الوالدین، فلا یعد عمله عبادة، لأنّ اللَّه سبحانه یقول: « واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمةٍ».[1]

و أوضح دلیل على أنّ الخضوع المطلق و إن بلغ النهایة لا یعدّ عبادة هو أنّه سبحانه أمر الملائکة بالسجود لآدم و قال: « و إذْ قُلنا لِلمَلائِکةِ اسْجُدوا لآدَمَ».[2]

 و آدم کان مسجوداً له ککونه سبحانه مسجوداً له، مع أنّ الأول لم یکن عبادة و إلّا لم یأمر بها سبحانه، إذ کیف یأمر بعبادة غیره و فی‌الوقت نفسه ینهى عنها بتاتاً فی جمیع الشرائع من لدن آدم علیه السلام إلى الخاتم صلى الله علیه و آله، ولکن الثانی- أی الخضوع للَّه- عبادة.

واللَّه سبحانه یصرّح فی أکثر من آیة بأنّ الدعوة إلى عبادة اللَّه سبحانه، و النهی عن عبادة غیره، کانت أصلًا مشترکاً بین جمیع الأنبیاء، قال سبحانه: « ولَقدْ بَعثنا فی کُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أنِ اعبدُوا اللَّهَ واجْتنِبوا الطّاغوتَ»[3]

 و قال سبحانه: «وَ ما أرسَلنا مِنْ قَبلِکَ مِنْ رَسولٍ إلّا نُوحی إلیهِ أنَّهُ لا إلهَ إلّا أنَا فَاعْبُدونِ»[4]

 و فی موضع آخر من الکتاب یعدّ سبحانه التوحید فی العبادة: الأصل المشترک بین جمیع الشرائع السماویة، إذ یقول: «قل یا أهْلَ الکِتابِ تَعالَوْا إلى کَلِمةٍ سَواءٍ بَینَنا و بَینَکمْ ألّا نَعْبدَ إلّااللَّهَ ولا نُشرِکَ بهِ شَیئاً».[5]

و معه کیف یأمر بسجود الملائکة لآدم الذی هو من مصادیق الخضوع النهائی؟ و هذا الإشکال لایندفع إلّا بنفی کون الخضوع عبادة، ببیان أنّ للعبادة مقوّماً لم یکن موجوداً فی سجود الملائکة لآدم.

و لم یکن آدم فحسب هو المسجود له بأمره سبحانه، بل یوسف الصدّیق کان نظیره؛ فقد سجد له أبواه و إخوته، و تحقّق تأویل رؤیاه بنفس ذلک العمل، قال سبحانه حاکیاً عن لسان یوسف علیه السلام: «إنّی رأیتُ أحدَ عشَر کوکباً و الشَّمسَ و القَمَر رأَیتُهُمْ لی ساجِدِینَ».[6]

کما یحکی تحقّقه بقوله سبحانه: «و رَفعَ أبَویهِ عَلَى العَرشِ و خَرُّوا لَهُ سُجَّداً و قالَ یا أبَتِ هذا تَأْویلُ رُؤْیایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلها رَبِّی حَقّاً».[7]

 و معه کیف یصحّ تفسیر العبادة بالخضوع أو نهایته؟

إنّه سبحانه أمر جمیع المسلمین بالطواف بالبیت الذی لیس هو إلّاحجراً وطیناً، کما أمر بالسعی بین الصفا و المروة، قال سبحانه: «وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالبَیتِ العَتِیقِ» [8]

و قال سبحانه: «إنَّ الصَّفا و المَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَیتَ أوِ اعْتَمَر فَلا جُناحَ عَلَیهِ أنْ یَطَّوَّفَ بِهِما».[9]

فهل ترى أنّ الطواف حول التراب والجبال و الحجر عبادة لهذه الأشیاء بحجّة أنّه خضوع لها؟!

إنّ شعار المسلم الواقعی هو التذلّل للمؤمن و التعزّز على الکافر، قال سبحانه: «فَسَوْفَ یأْتِی اللَّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ و یُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنینَ أعِزَّةٍ عَلى الکافِرینَ».[10]

فمجموع هذه الآیات وجمیع مناسک الحج یدلّان بوضوح على أنّ مطلق الخضوع و التذلّل لیس عبادة. و لو فسّرها أئمة اللغة بالخضوع و التذلّل، فقد فسّروها بالمعنى الأوسع، فلا محیص حینئذٍ عن القول بأنّ العبادة لیست إلّا نوعاً خاصاً من الخضوع. و لو سُمّی فی بعض الموارد مطلق الخضوع عبادة، فإنّما سُمّی من باب المبالغة و المجاز، یقول سبحانه: «أَرأَیتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هَواهُ أفأَنتَ تَکونُ عَلیهِ وَکیلًا» [11]

 فکما أنّ إطلاق اسم الإله على الهوى‌ مجاز فکذا تسمیة متابعة الهوى‌ عبادة له، ضرب من المجاز.

و من ذلک یعلم مفاد قوله سبحانه: «ألَمْ أعْهَدْ إلَیکُمْ یا بَنی آدمَ أنْ لا تَعبُدوا الشَّیطانَ إنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ* و أنِ اعْبُدُونِی هذا صِراطٌ مُستقیمٌ».[12]

فإنّ مَنْ یتَّبِع قولَ الشَّیطان فیتساهل فی الصلاة و الصیام، و یترک الفرائض أو یشرب الخمر و یرتکب الزنا، فإنّه بعمله هذا یقترف المعاصی؛ لا أنّه یعبده کعبادة اللَّه، أو کعبادة المشرکین للأصنام، و لأجل ذلک لا یکون مشرکاً محکوماً علیه بأحکام الشرک، و خارجاً عن عداد المسلمین، مع أنّه من عبدة الشیطان لکن بالمعنى الوسیع الأعمّ من الحقیقی و المجازیّ.

و ربما یتوسّع فی إطلاق العبادة فتطلق على مطلق الإصغاء لکلام الغیر، و فی الحدیث: «من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن کان الناطق یؤدّی عن اللَّه عزّ وجلّ فقد عبد اللَّه، و إن کان الناطق یؤدّی عن الشیطان فقد عبد الشیطان»[13].[14]

مصادر:

[1] - الإسراء: 24.

[2] - البقرة: 34.

[3] - النحل: 36.

[4] - الأنبیاء: 25.

[5] - آل عمران: 64.

[6] - یوسف: 4.

[7] - یوسف: 100.

[8] - الحج: 29.

[9] - البقرة: 158.

[10] - المائدة: 54.

[11] - الفرقان: 43.

[12] - یس: 60- 61.

[13] - الکافی 6: 434.

[14] - فی ظلال التوحید، الشیخ جعفر السبحانی ، ص 20- 23.

مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال: من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف ...
السؤال: هل صحيح أنّ جميع الصحابة الذين مدحهم ...
السؤال : ما هو أوّل شيء خلقه الله تعالى ؟ هل هو ...
السؤال: ما الفرق بين الإمامية والإسماعيلية ؟ وهل ...
ماالمراد بالقواعد من النساء ؟
السؤال : ما معنى : " علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ...
السؤال : لماذا تمّ اختيار الإمام علي ابن أبي طالب ...
السؤال: كيف كلّم الله النبيّ (صلى الله عليه وآله) ...
ماذا كان الهدف من تأسيس حلف الفضول الذي انضم إليه ...
السؤال: إنّ أبا بكر لم يؤذن لحضور جنازة فاطمة ...

 
user comment