عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

شرح عجائب القلب‏

شرح عجائب القلب‏

شرح عجائب القلب‌
و هو الكتاب الأوّل من ربع المهلكات من المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي تتحيّر دون إدراك جلاله القلوب و الخواطر، و تدهش في مبادي إشراق أنواره الأحداق و النّواظر، المطّلع على خفيّات السرائر، العالم بمكنونات الضّمائر، المستغني في تدبير ملكه عن المشاور و الموازر، مقلّب القلوب، و غفّار الذّنوب، و ستّار العيوب، و مفرّج الكروب، و الصّلاة على محمّد سيّد المرسلين، و جامع شمل الدّين، و قاطع دابر الملحدين، و على آله الطيّبين الطاهرين.
اما بعد فشرف الإنسان و فضيلته الّتي بها فاق جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة اللّه سبحانه الّتي في الدّنيا جماله و كماله و فخره و في الآخرة عدّته و ذخره، و إنّما استعدّ للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه، فالقلب هو العالم باللّه و هو العامل للّه، و هو السّاعي إلى اللّه، و هو المتقرّب إليه، و هو المكاشف بما عند اللّه و لديه، و إنّما الجوارح أتباع له و خدم و آلات يستخدمها القلب، و يستعملها استعمال المالك للعبيد، و استخدام الرّاعي للرعيّة، و الصانع للآلة، و القلب هو المقبول عند اللّه إذا سلم من غير اللّه، و هو المحجوب عن اللّه إذا صار مستغرقا بغير اللّه و هو المطالب و المخاطب، و هو المثاب و المعاقب، و هو الّذي يستعدّ بالقرب من اللّه تعالى فيفلح إذا زكّاه، و هو الّذي يخيب و يشقى إذا دنّسه و دسّاه«» و هو المطيع للّه بالحقيقة و إنّما الّذي ينتشر على الجوارح
المحجةالبيضاء ج : 6 ص : 4
من العبادات أنواره، و هو العاصي المتمرّد على اللّه و إنّما السّاري على الأعضاء من الفواحش آثاره، و باظلامه و استنارته تظهر محاسن الظّاهر و مساويه إذ كلّ إناء يترشّح بما فيه، و هو الّذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه، و إذا عرف نفسه فقد عرف ربّه، و هو الّذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه، و إذا جهل نفسه فقد جهل ربّه، و من جهل بقلبه فهو بغيره أجهل، و أكثر الخلق جاهلون بقلوبهم و أنفسهم و قد حيل بينهم و بين أنفسهم‌فإنّ اللّه يحول بين المرء و قلبه،و حيلولته بأن لا يوفّقه لمشاهدته و مراقبته، و معرفة صفاته، و كيفيّة تقلّبه بين إصبعين من أصابع الرّحمن و إنّه كيف يهوي مرّة إلى أسفل سافلين و ينخفض إلى أفق الشّياطين و كيف يرتفع أخرى إلى أعلا علّيّين و يرتقي إلى عالم الملائكة المقرّبين و من لم يعرف قلبه ليراقبه و يراعيه و يترصّد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه و فيه فهو ممّن قال اللّه تعالى فيه:و لا تكونوا كالّذين نسوا اللَّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون 59: 19«».
فمعرفه القلب و حقيقة أوصافه أصل الدّين و أساس طريق السّالكين.
و إذ قد فرغنا في الشطر الأوّل من هذا الكتاب عن النّظر فيما يجري على الجوارح من العبادات و العادات و هو العلم الظّاهر و وعدنا أن نشرح في الشّطر الثاني ما يجري على القلوب من الصّفات المهلكات و المنجيات و هو العلم الباطن فلا بدّ و أن نقدّم عليه كتابين كتابا في شرح عجائب صفات القلب و أخلاقه، و كتابا في كيفية رياضة القلب و تهذيب أخلاقه، ثمّ نندفع بعد ذلك في تفصيل المهلكات و المنجيات.
فنذكر الآن من ذكر شرح عجائب القلب بطريق ضرب الأمثال ما يقرب من الأفهام فإنّ التصريح بعجائبه و أخلاقه و أسراره الدّاخلة في جملة عالم الملكوت ممّا يكلّ عن دركه أكثر الأفهام - و باللّه التوفيق -.


source : دار العرفان / المحجة البیضاء
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أبو بكر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ( عليهم ...
الخلافة ونشأة الحزبية السياسية
من معاجز الإمام الجواد عليه السّلام
العباس بن علي بن ابي طالب بن عبد المطلب عليهم ...
آفّات التفسير الروائي
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
آيات بحق أهل البيت عليهم السلام
القرآن وأَسماؤه
استشهاد النبي الرسول محمد(ص) اغتيالا بالسم
معنى التحريف وانواعه

 
user comment