لقد عین الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الفقهاء نواباً له فی عصر الغیبة الصغرى تعیین بعض الأشخاص المحددین بأسمائهم نواباً له وهم الذین عرفوا بالسفراء الأربعة، وکانت الشیعة فی ذلک الزمان ترجع إلیهم بما هم وکلاء عن الإمام عجل الله فرجه، وأما فی عصر الغیبة الکبرى التی إبتدأت بوفاة السفیر الرابع، فالنص ورد على صفات نواب الإمام عجل الله فرجه لا على أسمائهم، ومتى کان من تجتمع فیه الصفات واحداً کانت له الولایة، ولکن لو تعدد الفقهاء الذین یحملون هذه الصفات فمن هو الولی منهم هل هم جمیعاً أو أن الولایة لواحد منهم فقط؟
إننا عندما نبحث عن وحدة الولایة وتعددها فإنما نبحث عما هو مقتضى القاعدة أی ما یجب أن یکون فی الظروف الطبیعیة الإعتیادیة، وأما لو فرضنا وجود ظروف إستثنائیة فالتعدد والوحدة واردان، فلو فرضنا أن بلداً بعیداً یصعب علیه التواصل مع البلاد الأخرى التی یحکمها الولی الفقیه أو یقیم فیها وفی زمن لا توجد فیه وسائل إتصال میسرة، فلأهل هذا البلد الرجوع إلى حکم فقیه بلدهم ویکون التعدد مقبولاً حتى لو کانت القاعدة هی وحدة الولایة، کما أن القاعدة لو کانت هی التعدد ولکن ذلک لم یکن فیه مصلحة المسلمین أو کان فیه النزاع والفرقة فإن المتعین هو وحدة الولی.
أولاً: الولایة فرع من الإمامة
الفقیه هو نائب الإمام عجل الله تعالى فرجه وحیث کانت الولایة فرعاً من الإمامة والإمام لا یقبل التعدد وبذلک وردت الروایات فکذلک الحال فی ولایة الفقیه.
فقد ورد عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق علیه السلام قلت للصادق علیه السلام: "هل یکون إمامان فی ذلک؟ قال: لا، إلا أن یکون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه وأما أن یکون إمامین ناطقین فی وقت واحد فلا"(1).
وإذا کانت الإمامة لا تصح لإثنین مع عصمتهما فکیف تصح الولایة والقیادة لعشرة فقهاء مثلاً فی عصر واحد على أمة واحدة؟
ثانیاً: کانت بلاد المسلمین واحدة قبل أن یفرقها الاستعمار لأغراضه الشیطانیة إلى دویلات. والخطاب القرانی یتعاطى مع الأمة الإسلامیة على أنها أمة واحدة. وکذلک أحکام الإسلام السیاسیة والاجتماعیة فرضت على الأمة کلها، فالجهاد دفاع عن ثغور المسلمین لا عن ثغور بلد دون اخر وهکذا سائر التکالیف.
قال تعالى* ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَه﴾**(2).
وقال تعالى: *﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْکُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾**(3).
إذاً لیست ولایة المؤمنین مع بعضهم البعض وأخوتهم محددة بمکان جغرافی بل هم کلٌ واحد، وعلیه لا بد وأن یکون لهم ولی واحد.
ثالثاً: ورد فی الروایة عن الإمام الصادق علیه السلام: "إنما للمسلمین رأس واحد"(4).
وتعدد الولی فیه ضرر من جهات عدة :
1- إن تعدد الولاة لن یقف عند حدٍ معین، فکما یمکن لنا أن نلتزم بتعدد الولاة بحسب تعدد الدول المعروفة فی زماننا یمکننا أن نلتزم بتعدد الولاة فی البلد الواحد بل وفی المدینة الواحدة إذ لا دلیل على حصر تعدد الولاة بالبلاد المعروفة الآن، وهذا أمر فیه الکثیر من الفساد فعلى أی أساس یتم تقسیم الأمة الإسلامیة إلى دوائر؟ مع عدم إقرار الإسلام لأی فارق بین المسلمین لا عرقی ولا قومی ولا لغوی؟ بل میزان التفاضل هو التقوى.
2- إن تعدد الولاة سوف یجعل من الأمة الإسلامیة أمة عاجزة عن إتخاذ قرارات مصیریة ترتبط بالأمة کلها، فلو هاجم أحد بلداً من بلاد المسلمین فإن الدفاع واجب على جمیع الأمة، فلمن تکون الولایة، ومن الذی یقود الحرب؟
3- إنه ما العمل عند فرض إختلاف الولاة وهو وارد؛ لأنهم غیر معصومین، فقد یقع الاختلاف بینهم فی تحدید مصلحة الأمة وما ینبغی القیام به، وهنا هل یبقى الناس بدون تکلیف؟ أم یصلون إلى الإختلاف والتنازع؟ أم یجتمعون على ولی واحد یأخذون برأیه دون سواه؟ لا شک أن الرأی الأخیر هو السلیم الذی یحفظ الأمة ومصالحها.
وقد سعى بعضهم لإثبات تعدد الولایة من جهة صعوبة أن یحکم بلاد المسلمین شخص واحد وأن تکون الأمور کلها بید شخص واحد مع تعدد مصالح الدول وظروفها وکذلک صعوبة أن یظهر المسلمون جمیعاً الطاعة لفقیه واحد وهذا ما یقال له بـ: "أزمة الحکم وأزمة الطاعة".
ولکن نقول لیس هناک مشکلة حکم ولا مشکلة طاعة، لأن إدارة بلاد المسلمین من قبل شخص واحد أمر ممکن، وذلک عبر وکلاء هذا الفقیه الذین تتوفر فیهم صفات تؤهلهم للقیام بدور الوکلاء، فهم کالولاة الذین کانوا فی عصر الإمام علی علیه السلام یرجعون إلیه فی الأمور المصیریة ویقومون بتفویض من الولی الفقیه بإدارة شؤون المجتمع الإسلامی فی مناطقهم، وبهذا تنحل مشکلة الطاعة فإن الولایة تسری إلیهم والطاعة لهم تکون طاعة لهذا الولی.
المصدر : دروس فی ولایة الفقیه, إعداد ونشر جمعیة المعارف الإسلامیة الثقافیة, ط1, تشرین الأول 2005م
1- بحار الأنوار، ج 25، ص 106
2- التوبة:71
3- ال عمران:103
4- بحار الأنوار ج 69 ص 215.
source : rasekhoon