نفحة من تأثير النبي صلى الله عليه و آله وآل بيته عليهم السلام
لو أصبح الانسان- بفضل المعرفة- في رحاب صداقة وعشرة نبي الاسلام صلى الله عليه و آله بحيث يتحول بوعيه إلى محب له؛ سيؤثِّر بوجوده المبارك صلى الله عليه و آله على الانسان بفعل كمالاته وقيمه صلى الله عليه و آله حتى يتجرّد الانسان من وجوده الأول أو- كما يقول علماء النفس- من اناه الطبيعي، وبقدر استطاعته واستعداده؛ يكون وجوداً ثانياً للنبي صلى الله عليه و آله مثل الحقيقة التي تجسّدت بالكامل في أميرالمؤمنين إلى أن قال النبي صلى الله عليه و آله عنه:
«لَحْمُكَ لَحمِى، وَدَمُكَ دَمِى، وَسِلْمُكَ سِلْمِى، وَحَرْبُكَ حَربِى» «1».
إن أويس القرني الذي كان قبل تعرفه على نبي الاسلام صلى الله عليه و آله في عالم التصور ومحبته له، كان راعياً؛ من لحظة تعرفه على الرسول صلى الله عليه و آله في وادي المعرفة وحظيه بصحبته وصداقته والفته بمحبوبه الرباني، صار بفضل تأثير النبي عليه وردة عطرة في بستان التوحيد بحيث كان النبي صلى الله عليه و آله يشم رائحة اللَّه من أويس التي كانت تهب من جانب اليمن، كما قال الشاعر الفارسي:
__________________________________________________
(1)- بحار الأنوار: 99/ 106، باب 7.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 57
قال أحمد صلى الله عليه و آله أشم رائحة الله من اليمن «1»
وأنّ سلمان من خلال هذه الصداقة والعِشرة والعشق والمحبة بلغ مرتبة بحيث بزغت القيم الوجودية للرسول من افق حياته فحصل على مرتبة عليا حتّى قال النبي صلى الله عليه و آله فيه:
«سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» «2».
إنّ الانسان عند ما يأخذ مكانه في مملكة محبة أهل البيت والأئمة المعصومين عليهم السلام تشرق قيم وكمالات هؤلاء الأخيار في آفاق حياته فيصبح وجوداً ثانياً لهم عليهم السلام.
مهما يكن من شيء، فان المعشوق بفضل علاقة وثيقة- وهي العشق- يرشح من وجود العاشق نور يقضي على وجوده الظاهري و «اناه» الطبيعي فيولد له وجودٌ مثل وجود المعشوق.
إن المحب الأصيل- في الحقيقة- هو المحبوب لكنّه في اطار آخر والعاشق الواقعي هو المعشوق في هيئة أخرى.
المحبوب الحق ينقل آثاره الوجودية وكمالاته وقيمه للانسان فيترك في الآدمي آثاراً عجيبة لا تقتصر على الدنيا فحسب بل تعمّ الآخرة أيضاً بجاذبيته القوية واستقطابه الشديد بالنسبة لمحبّة، فإنّه ينقذ المحب من فزع وهول يوم القيامة ويصطحبه معه إلى جنّة الخلد وهناك في أجواء من
__________________________________________________
(1)-... گفت احمد زيمن بوى خدا مىشنوم.
(2)- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/ 64، باب 31، حديث 282؛ كشف الغمة: 1/ 96؛ بحار الأنوار: 22/ 326، باب 10، حديث 28.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 58
الصداقة والصحبة البهيجة يكونون جنباً إلى جنب ...
[وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً] «1».
إن تجلّي المعشوق الحق في العاشق يوحد بين روح العاشق والمعشوق ويجعل قلبه وروحه مع روح المعشوق شيئاً واحداً بحيث إن العاشق في خضم عاصفة البلايا وفي حميم الحوادث مع حاجته القصوى لمستلزمات الحياة وشؤونها التي يمتلكها غير المعشوق وهي إن توفرت قادرة لانقاذه من مخالب البلايا والحوادث، مع ذلك كله فانه لا ينفصل عن المحبوب بل لا يقوى على الانفصال عنه أصلًا!
الصديق الوفي
دخل أبو أُمامة الباهلي على معاوية- وقد كان أعدى عدو للحق والدّ خصم للامام أميرالمؤمنين عليه السلام وكان مستحوذاً على خزانة البلاد كما كان يمتلك ثروة طائلة.
فعند دخوله على معاوية قرّبه معاوية منه وأدناه ثم دعا بالطعام، فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة باللَّه أنا خير أم علي بن أبي طالب؟
فقال أبو أمامة: نعم ولا كذب ولو بغير اللَّه سألتني لصدقت، علي واللَّه خير منك وأكرم وأقدم إسلاماً، وأقرب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وزوج ابنته سيدة نساء العالمين، وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وابن أخي
__________________________________________________
(1)- النساء (4): 69.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 59
حمزة سيد الشهداء وأخو جعفر ذي الجناحين، فأين تقع أنت من هذا يا معاوية؟ أظننت أني سأخيّرك على عليّ بألطافك وطعامك وعطائك فادخل إليك مؤمناً وأخرج منك كافراً؟ بئس ما سوّلت لك نفسك يا معاوية ثم نهض وخرج من عنده، فأتبعه بالمال فقال: لا واللَّه لا أقبل منك ديناراً واحداً «1».
جار الامام جعفر الصادق عليه السلام
كان للامام الصادق عليه السلام جار جنب بيته وكان الامام شغوفاً بحبّه سمع الامام يوماً أن جاره عازم على بيع داره بمائة ألف درهم في حين أنّ البيت لم يُقدّر بأكثر من أربعين ألف درهم.
دعاه الامام عليه السلام فسأله عن سبب عرض الدار للبيع؛ فقال للامام: أعاني من مشكلة مالية أجبرتني على بيع الدار، قال الامام عليه السلام: يقال ان دارك تقدر بأربعين ألف درهم فلم تريد أن تبيعها بمائة ألف درهم؟ فقال وعينه تذرف دمعاً: يابن رسول اللَّه أنا شيعي وأحبكم ولا أرضى أن ابتعد عنكم لحظة واحدة إلّاانني أعاني من مشكلة مالية دعتني أن أفارقكم! إن القيمة الاسمية للدار أربعون ألف درهم ولكن استلمت ستين ألف درهم اضافي لحق جيرتكم.
إن الامام الصادق عليه السلام- الذي كان متخلّقاً بخلق اللَّه وخلق النبي صلى الله عليه و آله وآبائه الكرام- رأى نفسه ملزماً بأن يكافئ المحبة بالمحبة وأن يقدر الآخر
__________________________________________________
(1)- بحار الأنوار: 42/ 179، باب 124.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 60
بحبه ووداده ويطبق قاعدة:
[هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ] «1».
في حق جيرانه ومواليه؛ فقال له: بعني دارك! قال الرجل: اهبه لك عن طيب نفس! إلّاأنّ الامام كان مصراً على أن يبتاعه؛ قال صاحب الدار:
لأجل اصرارك على الابتياع أبيعك بالسعر الاسمي- أربعين ألف درهم-!
قال الامام عليه السلام: اشتريه منك بالسعر الذي عينته للآخرين- مائة ألف درهم-!
فأمر غلامه أن يأتي بمائة ألف درهم لصاحب الدار، فأتى بالمبلغ وسلمه أياه!
حينما عزم الرحيل عن الامام عليه السلام خاطبه الامام: زائداً على المبلغ الذي دُفع إليك، ملكتك الدار نفسها.
أجل؛ إنّ الانسان ينتفع روحياً ومادياً بجليسه الفاضل الكريم في الدنيا وفي الآخرة حيث تصله الفيوضات الالهية في جوار موقعه ومرتبته؛ كما انّه يهدر عمره ويضيعه ويفقد قيمته الانسانية فيلقي بنفسه في ذلّ الدنيا وعذاب الآخرة حينما يجاور الجليس السيّء السافل.
source : دار العرفان