أفادت اكنا، قال أحمد الطيب شيخ الأزهر في كلمته الرئيسية بمؤتمر دار الإفتاء المصرية بعنوان "التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة"، إنه يرفض كل تشريع يصادم تشريعات القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو يمسهما من قريب أو بعيد، مشيراً إلى أن جمود الفتوى وتغييب الاجتهاد ألحق العنت والضرر بجماهير الأمة، مؤكداً أن علماؤنا في القرن الماضي كانوا أكثر شجاعة من علمائنا اليوم على اقتحام قضايا وأحكام مست حاجة الناس إلى تجديدها والاجتهاد فيها.
وحذر شيخ الأزهر من أن إحجام الفقهاء عن الاجتهاد سيترك المجتمعات الإسلامية «للآخر» يملؤها بما يشاء، وعن الأقليات المسلمة قال شيخ الأزهر إنه مصطلح وافد على ثقافتنا الإسلامية تحاشاه الأزهر في كل بياناته ووثائقه، مشيراً إلى أن مصطلح الأقلية المسلمة يحمل في طياته بذور الإحساس بالعزلة والدونية، وأن ثقافتنا الإسلامية ترفض مصطلح الأقلية وتنكره وتعرف بدلاً منه معنى المواطنة الكاملة، وأكد الطيب أن فقه المواطنة سد منيع أمام ذرائع الأعداء والاستعمار الجديد، وأشار إلى أن ترسيخ فقه المواطنة بين المسلمين في أوروبا خطوة ضرورية على طريق «الاندماج الإيجابي» الذي يحافظ على الهوية من ما وصفه بالاستعمار الجديد الذي يستغل مسألة «الأقليات» كرأس حربة في تجزئة الدول وتفتيتها.
وعن تأهيل الأئمة للإفتاء قال الطيب، إنه أمر بالغ الأهمية، وحسنا ما صنعت دار الإفتاء المصرية حين انتبهت إلى أهميته وخطره، مشيراً إلى أن الحديث يطول في هذا الواجب المتعين، مضيفاً "وقد كان للأزهر إسهام في تكوين الأئمة في الخارج وتوعيتهم بالقضايا التي تمس حاجات المسلمين هناك في أكثر من مجال، وتدرب في الدورات التي عقدتها المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالقاهرة 538 إماماً من "أفغانستان وباكستان وكردستان العراق والصين وإندونيسيا وبريطانيا واليمن، إضافة إلى دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية"، متمنيا أن يكون هناك تنسيق في هذا المجال مع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر حتى لا تبدؤوا من فراغ، على حد قوله.
ومن جانبه قال الدكتور شوقي علام مفتي مصر ورئيس المؤتمر، إن المؤتمر يُعقد في إطار مساعي الإفتاء المصرية للاستجابة لمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، لإيجاد خطاب ديني واع بقضايا المجتمع، وخاصة قضايا التنمية، وتحفيز المجتمع بسائر فئاته وخاصة الشباب على العمل والإنتاج والسلوك الإيجابي البنَّاء، مضيفاً "وألا يقتصر هذا الخطاب على نطاق التوعية في الداخل المصري، ولكن عليه أن يمتدَّ إلى الخارج لاستعادة الريادة المصرية للفكر الإسلامي بل والإنساني في العالم كله من خلال تجديد معالم الدين الإسلامي، لنشر قيم الرحمة والخير والجمال والنور بين الإنسانية كلها بما يزيل الصورة الذهنية القبيحة التي رسمها دعاة الشر والشيطان الذين يدعون الانتساب للإسلام وهو من أفعالهم وشرهم براء."
وأضاف شوقي علام: يأتي المؤتمر في وقت بالغ الأهمية والخطورة خاصة لما تمر به الدول العربية من تحديات كبرى، مشيراً إلى أن أهمية هذا المؤتمر في سياق زمانه ومكانه فالتوقيت يشهد عنف لتيارات تبحث عن شرعنه هذا العنف. وقال "هناك 50 ألف مقاتل في صفوف داعش نصفهم من الأقليات المسلمة ويتحدثون 12 لغة"، مؤكداً أن ذلك مؤشر خطير على الأقليات المسلمة، وأنهم وصلوا لهذه الخطورة بسبب فوضى الفتاوى، وتابع المفتي "أما المكان فكان من الضروري أن يعقد هذا المؤتمر في أرض الاعتدال وكعبة العلم بلد الأزهر، وجاء انعقاد المؤتمر لنداء الحاجة التي يصرخ بها الواقع المعاصر"، مشيرا إلى أن الأئمة والعلماء في الغرب هم نواة لنشر الاسلام الصحيح.
وأشار المفتي إلى أن المؤتمر يركز على واقع الجاليات المسلمة الذي يزداد صعوبة يومًا بعد يوم في ظل ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي تسيطر على الواقع الذي يعيشه أغلب أبناء الجاليات المسلمة، وخاصة أن هذه الصعوبة في أكثر الحالات يكون المتسبب فيها بعض المنتسبين إلى الإسلام بأفعاهم اللاإنسانية الخالية من القيم والمليئة بالكراهية لكل مخالف، وهذا يعني ضرورة وجود بديل لتلك الصورة المشوَّهة التي تزداد سوءًا إذا لم يتم تداركها.
وأكد مفتي مصر أن أبرز القضايا التي يتناولها المؤتمر ضعف الكوادر الإفتائية في الجاليات المسلمة وتبنيها مناهج غير معتدلة بما يمثل تهديداً كبيراً للمنهج الوسطي المعتدل الذي ينتهجه الأزهر الشريف.
وتابع المفتي: المحاور العلمية للمؤتمر تتمثل في عدد من العناصر والمرتكزات وهي؛ دورُ المؤسسات الإفتائيِة في العالم تُجاهَ الأقلياتِ المسلمة، والأصولُ المنهجيةُ للتأهيلِ الإفتائيِ للأقلياتِ المسلمة، والتحدياتُ التي تُواجهُ الأقلياتِ المسلمةَ، والتهديدات الاجتماعيةَ والسياسيةَ والقانونية للأقلياتِ المسلمة، وكيفيةَ التعاملِ معها، كما سيعقد خلال المؤتمر ثلاث ورش عمل يجتمع فيها نخبة من السادة العلماء ضيوف المؤتمر للعمل على وضع معالجة دقيقة لموضوعات ورش العمل، وهي كالتالي: الاحتياجات التأهيلية لدعاة التجمعات المسلمة ومكونات البرامج التدريبية، ومكونات المساق المعرفي المساعد في تأهيل المفتين، وأهم القضايا التي يجب تناولها عند تأهيل المفتين.
من جانبه، قال المستشار حسام عبد الرحيم وزير العدل، إن تجديد الخطاب الديني هو الرسالة السامية التي تحملها المؤسسة الدينية على عاتقها، وتقوم بها على خير قيام فمصرنا تستمد قوتها وصلابتها من قوة وصلابـة مؤسساتها العريقة الضاربة بـجذورها في عمق التاريخ.. مضيفاً "الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، من هذه المؤسسات التي تقوم بدور كبير في الدفاع عن الهوية الإسلامية الوسطية، ونشر الخطاب الديني الـمستنير في العالم، ودفع قاطرة الأوطان نحو الاستقرار والتنمية."
وأضاف الدكتور مصطفى سيرتيس المفتي العام السابق للبوسنة والهرسك الذي ألقى كلمة الجاليات الاسلامية: إنه باسم خريجي الأزهر على مدار القرنين الأخيرين يوجه الشكر للأزهر على إنقاذ الأمة والاسلام وأنها شهادة وشكر وتقدير للأزهر الذي أنقذنا نحن المسلمين في شبه جزيرة البلقان وصنع الأزهر الأمل لنا، متابعا "وكنا نطلب ونحصل علما في اسطنبول وانقطع هذا التنفس الروحي ففتح الله لنا هذا التنفس الروحي وهو الأزهر"، وقال إن الأزهر لم يعلم العجم فقط فقد عرب العرب واستعرب العجم، وهذا ما يستحقه، ونحن هنا لنقول للجميع أننا نريد أن نرى الأزهر في كل العالم.
المصدر: بوابة الشروق
source : iqna